الآيات 46-52

أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴿46﴾ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴿47﴾ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿48﴾ لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴿49﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿50﴾ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴿51﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴿52﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة ليزلقونك بفتح الياء والباقون ﴿ليزلقونك﴾ بضم الياء.

الحجة:

من قرأ بفتح الياء جعله من زلقه وزلقته أنا مثل حزن وحزنته وشترت عينه وشترتها قال أبو علي والخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى جعلت فيه شترا وجعلت فيه حزنا كما أنك إذا قلت كحلته ودهنته أردت جعلت ذلك فيه ومن قرأ أزلقه الفعل بالهمزة ومعنى ﴿يزلقونك بأبصارهم﴾ ينظرون إليك نظر البغضاء كما ينظر الأعداء ومثله قول الشاعر:

يتقارضون إذا التقوا في مجلس

نظرا يزيل مواقع الأقدام

اللغة:

المغرم ما يلزم من الدين الذي يلح في اقتضائه وأصله من اللزوم بالإلحاح ومنه قوله إن عذابها كان غراما أي لازما ملحا قال الشاعر:

ويوم الجفار ويوم النسار

كانا عذابا وكانا غراما

والمثقل المحمل الثقل وهو مثقل بالدين ومثقل بالعيال ومثقل بما عليه من الحقوق اللازمة وأمور الواجبة والمكظوم المحبوس عن التصرف في الأمور ومنه كظمت رأس القربة إذا شددته وكظم غيظه إذا حبسه بقطعه عما يدعو إليه وكظم خصمه إذا أجابه بالمسكت والعراء الأرض العارية من النبات قال قيس بن جعدة:

ورفعت رجلا لا أخاف عثارها

ونبذت بالبلد العراء ثيابي

المعنى:

ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال على وجه التوبيخ للكفار ﴿أم تسئلهم أجرا﴾ هذا عطف على قوله أم لكم كتاب فيه تدرسون ذكر سبحانه جميع ما يحتج به فقال أم تسأل يا محمد هؤلاء الكفار أجزاء على أداء الرسالة والدعاء إلى الله ﴿فهم من مغرم﴾ أي هم من لزوم ذلك ﴿مثقلون﴾ أي محملون الأثقال ﴿أم عندهم الغيب فهم يكتبون﴾ أي هل عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصموا به لا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه ويتوارثونه وينبغي أن يبرزوه ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿فاصبر لحكم ربك﴾ في إبلاغ الرسالة وترك مقابلتهم بالقبيح وقيل اللام تجري مجرى إلى والمعنى اصبر إلى أن يحكم الله بنصر أوليائك وقهر أعدائك وقيل معناه فاصبر لحكم الله في التخلية بين الظالم والمظلوم حتى يبلغ الكتاب أجله ﴿ولا تكن كصاحب الحوت﴾ يعني يونس أي لا تكن مثله في استعجال عقاب قومه وإهلاكهم ولا تخرج من بين قومك من قبل أن يأذن لك الله كما خرج هو ﴿إذ نادى وهو مكظوم﴾ أي دعا ربه في جوف الحوت وهو محبوس عن التصرف في الأمور والذي نادى به قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وقيل مكظوم أي مخنق بالغم إذ لم يجد لغيظه شفاء ﴿لو لا أن تداركه نعمة من ربه﴾ أي لو لا أن أدركته رحمة من ربه بإجابة دعائه وتخليصه من بطن الحوت وتبقيته فيه حيا وإخراجه منه حيا ﴿لنبذ﴾ أي طرح ﴿بالعراء﴾ أي الفضاء ﴿وهو مذموم﴾ ملوم مليم قد أتى بما يلام عليه ولكن الله تعالى تداركه بنعمة من عنده فطرح بالعراء وهو غير مذموم ﴿فاجتباه ربه﴾ أي اختاره الله نبيا ﴿فجعله من الصالحين﴾ أي من جملة المطيعين لله التاركين لمعاصيه ﴿وإن يكاد الذين كفروا﴾ إن هذه هي المخففة من الثقيلة والتقدير وأنه يكاد أي قارب الذين كفروا ﴿ليزلقونك بأبصارهم﴾ أي ليزهقونك أي يقتلونك ويهلكونك عن ابن عباس وكان يقرأها كذلك وقيل ليصرعونك عن الكلبي وقيل يصيبونك بأعينهم عن السدي والكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين والمفسرون كلهم على أنه المراد في الآية وأنكر الجبائي ذلك وقال إن إصابة العين لا تصح وقال علي بن عيسى الرماني وهذا الذي ذكره غير صحيح لأنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة لصحة ذلك لضرب من المصلحة وعليه إجماع المفسرين وجوزه العقلاء فلا مانع منه وجاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين وقيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك وذلك بأن يقول للذي يريد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاء أو ما أراد أي كإبل أراها اليوم فقالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كانوا يقولون لما يريدون أن يصيبوه بالعين عن الفراء والزجاج وقيل معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة وبغض وإنكار لما يسمعونه وتعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم ويزيلونك عن موضعك وهذا مستعمل في الكلام يقولون نظر إلي فلان نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني فيه وتأويله كله أنه نظر إلي نظرا لو أمسكنه معه أكلي أو يصرعني لفعل عن الزجاج وقوله ﴿لما سمعوا الذكر﴾ يعني القرآن ﴿ويقولون﴾ مع ذلك ﴿إنه لمجنون﴾ أي مغلوب على عقله مع علمهم بوقاره ووفور عقله تكذيبا عليه ومعاندة له ﴿وما هو﴾ أي وما القرآن ﴿إلا ذكر﴾ أي شرف ﴿للعالمين﴾ إلى أن تقوم الساعة وقيل معناه وما محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا شرف للخلق حيث هداهم إلى الرشد وأنقذهم من الضلالة لما نسبوه إلى الجنون وصفة بما ينفي ذلك عنه وقيل المراد بالذكر أنه يذكرهم أمر آخرتهم والثواب والعقاب والوعد والوعيد قال الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية.