سورة آل عمران

(1): ﴿الم﴾ مر تأويله وعن الصادق (عليه السلام) معناه أنا الله المجيد.

(2): ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ روي أنه اسم الله الأعظم.

(3): ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿بِالْحَقِّ﴾ بالصدق في إخباره أو بما يحقق إنه منه تعالى وهو حال وكذا ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من الكتب ﴿وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ جملة على موسى وعيسى.

(4): ﴿مِن قَبْلُ﴾ قبل تنزيل القرآن ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ لقومهما ﴿وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ كل آية محكمة في الكتاب أو ما يفرق به بين المحق والمبطل أو القرآن وكرر ذكره بوصفه المادح تعظيما لشأنه ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ من كتبه وغيرهما ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ بكفرهم ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ﴾ غالب ﴿ذُو انتِقَامٍ﴾ لا يقدر على مثله أحد.

(5): ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ﴾ كلي أو جزئي إيمان أو كفر كائن ﴿فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾ أي في العالم فعبر عنه بهما إذ الحس لا يتجاوزهما.

(6): ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء﴾ من حسن أو قبيح ذكر أو أنثى تقرير للقيومية وإثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ لا يعلم غيره علمه ولا يقدر قدرته ﴿الْعَزِيزُ﴾ في سلطانه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله.

(7): ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ﴾ أحكمت عبارتها بالحفظ من الإجمال ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أصله يرد إليها غيرها وأفرد أم على إرادة كل واحد أو المجموع ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ تحتمل وجوها وروي المحكم ما يعمل به والمتشابه ما يشتبه على جاهله ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ ميل عن الحق إلى البدع ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ﴾ طلب إيقاع الناس في الكفر فيه أن يفتنوا عن تأويله ﴿وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ﴾ بما يناسب رأيهم الفاسد ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ تأويل القرآن كله الذي يجب أن يحمل عليه ﴿إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ الثابتون فيه من لا يختلف في علمه عن الصادق (عليه السلام) نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله ومن وقف من الجمهور على الله فسر المتشابه بما استأثر تعالى بعلمه كوقت قيام الساعة ونحوه ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾ حال من الراسخين أو خبر له إن جعل مبتدأ وروي أن القائل شيعتهم ﴿كُلٌّ﴾ أي من المتشابه والمحكم ﴿مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ﴾ مدح للراسخين بإلقاء الذهن وإعمال الفكر في رد المتشابه إلى المحكم.

(8): ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ من مقول الراسخين أي لا تبلينا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ إلى الحق ﴿وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ نعمة أو لطفا نثبت به على الإيمان ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ النعم.

(9): ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ﴾ لحساب يوم أو جزائه ﴿لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ في وقوعه ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ الوعد.

(10): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا﴾ أي بدل رحمته أو من عذابه ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ حطبها.

(11): ﴿كَدَأْبِ﴾ أي شأن هؤلاء كشأن ﴿آلِ فِرْعَوْنَ﴾ في الكفر أو النصب بتغني أو وقود أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم كما توقد بأولئك ﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ عطف على آل فرعون ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ تفسير لدأبهم أو بيان لسببه أي ﴿فَأَخَذَهُمُ اللّهُ﴾ أهلكهم ﴿بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ ترهيب للكفرة.

(12): ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مشركي مكة ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ أي بيوم بدر ﴿وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَاد﴾ جهنم أو ما مهدوا لأنفسهم.

(13): ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ خطاب للمشركين أو اليهود أو المؤمنين ﴿فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾ يوم بدر ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ﴾ يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريب ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة وستة وعشرين قللوا أولا في أعينهم حتى اجترءوا عليهم كما قال ويقللكم في أعينهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا ثقة بالنصر الذي وعدوه في فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وقرىء ترونهم بالخطاب ﴿رَأْيَ الْعَيْنِ إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ رؤية ظاهرة ﴿وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء﴾ كما أيد أهل بدر ﴿إن في ذلك﴾ التقليل والتكثير ونصر القليل على الكثير ﴿لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾ عظة لذوي العقول.

(14): ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ﴾ أي المشتهيات جعلها شهوات مبالغة ﴿مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ﴾ جمع قنطار وهو المال الكثير وقيل ملء مشك ثور وقيل مائة ألف دينار ﴿الْمُقَنطَرَةِ﴾ مبنية منه للتأكيد كبدرة مبدرة ﴿مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ المعلمة من السومة وهي العلامة أو المرعية من أسام الدابة وسومها ﴿وَالأَنْعَامِ﴾ الإبل والغنم والبقر ﴿وَالْحَرْثِ ذَلِكَ﴾ المذكورة ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ المرجع.

(15): ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ﴾ المتاع الفاني ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ من الأدناس خلقا وخلقا ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ﴾ وهو أصل النعم ﴿وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ أي بأعمالهم فيجازيهم بها.

(16): ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ صفة المتقين أو مدح منصوب أو مرفوع.

(17): ﴿الصَّابِرِينَ﴾ على الطاعة والبلاء عن المعاصي ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ﴾ المطيعين ﴿وَالْمُنفِقِينَ﴾ أموالهم في سبيل الله ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار﴾ عن الصادق (عليه السلام) من استغفر الله سبعين مرة في السحر فهو من أهل هذه الآية.

(18): ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ بدلالته على وحدانيته يعجب صنعه ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ﴾ بالإقرار بها ﴿وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾ به ﴿قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾ مقيما للعدل في أمور خلقه ﴿لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ كرر تأكيدا ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ الذي لا مغالب له ولا يخل بالعدل وهما مقرران للوحدانية والعدل وعن الباقر (عليه السلام) إن أولي العلم الأنبياء والأوصياء.

(19): ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ أي الدين المرضي له تعالى الإسلام أو الانقياد له في جميع أوامره ونواهيه ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ﴾ اليهود والنصارى وأهل الكتب السالفة في دين الإسلام فأثبته قوم وخصه قوم بالعرب ونفاه قوم أو في التوحيد فثلث النصارى وقالت اليهود عزير ابن الله وقيل هم اليهود اختلفوا بعد موسى وقيل النصارى اختلفوا في أمر عيسى ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ﴾ بشرائعهم أو بعد أن علموا الحق أو تمكنوا من العلم به بالدلائل ﴿بَغْيًا ﴾ حسدا وطلبا للرئاسة ﴿بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ وعيد لهم.

(20): ﴿فَإنْ حَآجُّوكَ﴾ في الدين ﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾ أخلصت نفسي ﴿لِلّهِ﴾ عبر به عن النفس لأنه أشرف الأعضاء ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ عطف على التاء وحسن للفصل ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ﴾ من لا كتاب لهم كمشركي العرب ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ بعد وضوح الحجج أم كنتم على كفركم ومثله فهل أنتم منتهون وفيه توبيخ لهم بالمعاندة ﴿فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ﴾ نفعوا أنفسهم بإخراجهم من الضلال ﴿وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾ لم يضروك ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ﴾ لا الجدال ولا الإجبار على الإسلام ﴿وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ تهديد لمن لا يسلم.

(21): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فسر في البقرة ﴿وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ فيشتمل أهل الكتاب الذين قتلوا أنبياءهم ومتابعيهم ومن يقتل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

(22): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ لم ينالوا المدح والثناء وحقن الأموال والدماء ﴿وَالآخِرَةِ﴾ لم يستحقوا بها الأجر والثواب ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يدفعون عنهم العذاب.

(23): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ﴾ التوراة أو جنس الكتب المنزلة وتنكير النصيب للتعظيم أو التحقير أريد بهم أحبار ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ﴾ القرآن أو التوراة ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ في نبوة محمد أو في أن دين إبراهيم الإسلام أو في أمر الرجم ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ استبعاد لتوليهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه ﴿وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ شأنهم الإعراض.

(24): ﴿ذَلِكَ﴾ التولي والإعراض ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ﴾ بسبب قولهم ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ قلائل ﴿وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم.

(25): ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ تهويل لما أعد لهم في الآخرة ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ جزاءه ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ الضمير لكل نفس لأنه بمعنى كل الناس.

(26): ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ حِسَابٍ﴾ كله نداء ثاني أو صفته ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ﴾ أي ما تشاء منه ﴿مَن تَشَاء﴾ وكذا ﴿وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء﴾ فالملك الأول عام والآخران خاصان وقيل الملك هنا النبوة ونزعه نقلها من قوم إلى قوم ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء﴾ في الدنيا والدين بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ لم يذكر الشر إيماء إلى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك أو لأن أفعاله تعالى بين نافع وضار للمصالح فكلها خير ﴿إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

(27): ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ بإدخال كل منهما في الآخر بالزيادة والنقص ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ المؤمن من الكافر والحيوان من النطفة ﴿وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ بالعكس ﴿وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ﴾ غير محاسب له أو غير مضيق عليه.

(28): ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء﴾ نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ﴿مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إشارة إلى أن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ﴾ من ولايته ﴿فِي شَيْءٍ﴾ إذ لا يجتمع موالاة متعاديين ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه وخص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطان عداوتهم وهي التقية التي تدين بها الإمامية ودلت عليه الأخبار المتواترة وقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ﴾ فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه وهو ترهيب بليغ.

(29): ﴿قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ﴾ من ولاية الكفار وغيرها ﴿يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾ فيعلم سركم وعلنكم ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

(30): ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ﴾ بين ذلك اليوم ﴿أَمَدًا بَعِيدًا﴾ مسافة بعيدة ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾ ترهيب للحث على عمل الخير وترك السوء والأول للمنع من موالاة الكفرة فلا تكرار ﴿وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ﴾ ومن رأفته أن حذرهم عقابه.

(31): ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ أي لا يكون العبد محبوبا لله حتى يعمل بطاعته متبعا لحججه ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قيل نزلت حين قال اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه أو حين قال وفد نجران إنا نعبد المسيح حبا لله.

(32): ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ﴾ ماضي أو مضارع ﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ لا يرضى عنهم وعدل عن الضمير إلى الظاهر للتعميم والدلالة أن التولي كفر أو اختصاص محبته بالمؤمنين.

(33): ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ بالنبوة والإمامة والعصمة وآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما دخل فيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، تلا الباقر (عليه السلام) هذه الآية فقال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة وآل عمران موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب أو عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود بن أيشا من ولد يهودا بن يعقوب وكان بين عمرانين ألف وثلاثمائة سنة.

(34): ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ من نسل بعض ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿عَلِيمٌ﴾ بالنيات والأعمال.

(35): ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾ بن ماثان حنة بنت فاقودا جدة عيسى وكانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من هارون فظن أن المراد امرأته ويبطله كفالة زكريا لمعاصرته لابن ماثان وتزوج بنته أيشاع أم يحيى أخت مريم للأب ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ معتقا لخدمة بيت المقدس ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ﴾ لقولي ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنيتي.

(36): ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا﴾ الضمير لما في بطني وأنث لأنه كان أنثى أو لتأويله بالنفس أو النسمة ﴿قَالَتْ﴾ تحسرا إذ كانت ترجو ذكرا ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ اعتراض وهو قول الله وقرىء على التكلم فيكون كلامها تسلية لنفسها ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾ في الخدمة واللام للعهد وإن كان من قولها فللجنس أي وليس الذكر كالأنثى فيما نذرت ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ وهي في لغتهم بمعنى العابدة ﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا﴾ أجيرها ﴿بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.

(37): ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا﴾ رضي بها في النذر مكان الذكر ﴿بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾ بوجه حسن يقبل به النذور ﴿وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ رباها تربية حسنة بما يصلحها في جميع أحوالها ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ أي الله جعل كفيلها ﴿زَكَرِيَّا﴾ وقرىء بالتخفيف وكان زوج أختها ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾ الصومعة التي بناها لها أو المسجد أو أشرف مواضعه سمي به لأنه محل محاربة الشيطان ﴿وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً﴾ فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ﴿قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى﴾ من أين ﴿لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ قيل تكلمت صغيرة كعيسى وما رضعت قط وكان رزقها يأتيها من الجنة كرامة لها ﴿إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق تفضلا.

(38): ﴿هُنَالِكَ﴾ في ذلك المكان أو الوقت ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ لما رأى كرامة مريم على الله ﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ كما وهبتها لحنة العاقر العجوز أو لما رأى الفاكهة في غير وقتها طمع في ولادة العاقر يسأل الولد ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾ مجيبه.

(39): ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ﴾ أي بأن ﴿اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ﴾ أي بعيسى لأنه وجد بقوله تعالى كن من غير أب ﴿وَسَيِّدًا﴾ رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته ﴿وَحَصُورًا﴾ لا يأتي النساء ﴿وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾.

(40): ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ تعجبا ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ أدركني كبر السن وأضعفني وكان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ لا تلد ﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ مثل خلق الولد من الهرمين ﴿اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾.

(41): ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً﴾ علامة لوقت الحمل لأتلقاه بالشكر أو أعلم بها أن ذلك البشارة منك ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ لا تقدر على تكليمهم ﴿ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ بلياليهن ﴿إِلاَّ رَمْزًا﴾ إشارة كان يومىء برأسه ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا﴾ في أيام المنع وفيه تأكيد لما قبله ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ﴾ من الزوال إلى الغروب ﴿وَالإِبْكَارِ﴾ من الفجر إلى الضحى.

(42): ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ﴾ أولا حين تقبلك من أمك رباك وأكرمك برزق الجنة ﴿وَطَهَّرَكِ﴾ مما يستقذر من النساء أو من السفاح ﴿وَاصْطَفَاكِ﴾ آخرا بالهداية وتكليم الملائكة والولد بلا أب ﴿عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ عالمي زمانك وفاطمة سيدة نساء العالمين مطلقا.

(43): ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾ أمرت بالصلوات بذكر أركانها ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أي في الجماعة أو مع من يركع في صلاته لا مع من لا يركع.

(44): ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ﴾ أي ما سبق من الغيوب التي لا تعرف إلا بالوحي ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ﴾ التي كانوا يكتبون بها التوراة للإقراع أو قداحهم ليعلموا ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ تنافسا في كفالتها.

(45): ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾ في لغتهم مسيحا لأنه معناه المبارك ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا﴾ حال من كلمة سوغه وصفها ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بالنبوة ﴿وَالآخِرَةِ﴾ بالشفاعة ﴿وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ من الله.

(46): ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً﴾ من غير تفاوت في الحالين بكلام الله قيل رفع شابا فالمراد كهلا بعد نزوله وذكر تقلب أحواله دليل على نفي إلهيته ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ حال رابع من كلمة.

(47): ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ تعجب أو استفهام ﴿قَالَ﴾ جبرائيل أو الله وهو المبلغ ﴿كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ قادر أن يخلق الأشياء بلا أسبأب كما خلقها بأسبأب.

(48): ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ﴾ الكتابة أو جنس الكتب المنزلة ﴿وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ خصا لفضلهما.

(49): ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي بقبول أرسلت رسولا ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ﴾ الضمير للكاف بمعنى مثل ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ﴾ وأمره إشارة إلى أن إحياءه من الله لا منه ﴿وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ﴾ الذي ولد أعمى ﴿والأَبْرَصَ﴾ قيل ربما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما يداوي إلا بالدعاء ﴿وَأُحْيِي الْمَوْتَى﴾ وممن أحيا سام بن نوح ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾ كرر لدفع توهم الألوهية ﴿وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أي بالمغيبات من أحوالكم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ مصدقين بالمعجزات.

(50)-(51): ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ أي وجئتكم مصدقا ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ في شريعة موسى كلحم الإبل والشحوم والثرب وبعض الطير والسمك ﴿وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ذكر ذلك أولا تمهيدا للحجة ثم كرره بعد ذكر الحجة تذكيرا يترتب عليه ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ إشارة إلى العلم والعمل ﴿هَذَا﴾ أي الجمع بين الأمرين ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ موصل إلى النجاة.

(52): ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ لما سمع ورأى أنهم يكفرون وعلم ذلك منهم كعلم ما يدرك بالحواس ﴿قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ﴾ الجار متعلق بأنصاري أي من يضيف نفسه إلى الله في نصري ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص لنقاء قلوبهم وخلوص نيتهم ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾ أنصار دينه ورسوله ﴿آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ استشهدوه لأن الرسل يوم القيامة يشهدون لقومهم وعليهم.

(53): ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ بالوحدانية أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم أو مع أمة محمد لقوله لتكونوا شهداء على الناس.

(54): ﴿وَمَكَرُواْ﴾ أي اليهود الذين أحس منهم الكفر بتوكيلهم من يقتله غيلة ﴿وَمَكَرَ اللّهُ﴾ برفعه عيسى وإلقاء شبهة على من أراد اغتياله حتى قتل وأسند المكر إليه تعالى للمقابلة ﴿وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أنفذهم كيدا.

(55): ﴿إِذْ قَالَ اللّهُ﴾ ظرف خبر الماكرين أو لمكر الله ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ مستوفي أجلك وعاصمك من قتلهم إلى أجلك المسمى أو متسلمك من الأرض أو قابضك إلى غير موت ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ إلى سمائي ومقر ملائكتي ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ من سوء جوارهم ﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ يعلونهم بالحجة والسيف في أكثر الأحوال ومتبعوه هم المسلمون دون من كذبه وكذب عليه من اليهودوالنصارى ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي عيسى ومن تبعه وكفر به ﴿فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ في أمر الدين.

(56): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾.

(57): ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ تفصيل للحكم وقرىء يوفيهم بالياء والباقون بالنون ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ لا يرضى عنهم.

(58): ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور من نبأ موسى وغيره ﴿نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ القرآن الناطق بالحكمة أو المحكم أو اللوح المحفوظ.

(59): ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى﴾ في الخلقة من غير أب ﴿عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ من غير أب ولا أم، شبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم ﴿ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ حكاية حال ماضية.

(60): ﴿الْحَقُّ﴾ خبر محذوف أي هذا أو هو أو مبتدأ خبره ﴿مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ﴾ نهيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من باب التهيج لزيادة اليقين أو من باب إياك أعني.

(61): ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ﴾ من النصارى ﴿فيه﴾ في عيسى ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ بأنه عبد الله ورسوله ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾ أي يدعو كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ومن هو كنفسه إلى المباهلة ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ نباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالفتح والضم اللعنة ﴿فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ دعاهم إلى الشهادتين وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث فأبوا فقال فليحضر كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله فندعوا على الكاذب من الفريقين فقبلوا فأتى (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأمير المؤمنين وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) فخافوا ولم يرضوا ورضوا بالجزية وانصرفوا.

(62): ﴿إِنَّ هَذَا فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ الذي قص من نبإ عيسى ﴿لَهُوَ الْقَصَصُ﴾ النبأ ﴿الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ﴾ رد على النصارى في تثليثهم ﴿وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ لا يشارك في الحكمة والقدرة.

(63): ﴿فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ وعيد لهم ولم يقل بهم ليدل على أن الإعراض عن الحجج والتوحيد إفساد للدين بل للعالم.

(64): ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ يعم أهل الكتابين أو نصارى نجران أو يهود بالمدينة ﴿تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء﴾ مستوية ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ لا نخلف فيها الرسل والكتب وهي ﴿أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ في عبادة وغيرها ﴿وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾ لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحليل والتحريم إذ من أصغى إلى ناطق فقد عبده ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عن التوحيد ﴿فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم.

(65): ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ ادعى كل من اليهود والنصارى أنه منهم ﴿وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ وكان إبراهيم قبل موسى بألف سنة وقبل عيسى بألفين فكيف يكون على اليهودية والنصرانية.

(66): ﴿هَا﴾ للتنبيه ﴿أَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ﴾ جادلتم ﴿فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ﴾ مما في التوراة والإنجيل ﴿فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾ ولا ذكر في كتابيكم من دين إبراهيم ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ﴾ ذلك ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.

(67): ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا﴾ مائلا عن الأديان الباطلة ﴿مُّسْلِمًا﴾ مخلصا لله ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ فيه تعريض بشركهم.

(68): ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾ أخصهم به وأقربهم منه ﴿لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ سابقا ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ معه لموافقتهم له في أكثر شريعته أصالة ﴿وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ناصرهم.

(69): ﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ قيل هم اليهود دعوا حذيفة وعمار ومعاذ إلى اليهودية ولو بمعنى أن ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ لا يلحق وبال ضلالهم إلا بهم إذ يضاعف به عذابهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك.

(70): ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ في كتبكم الناطقة بنبوة محمد ﴿وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ بصدقها.

(71): ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ تخلطونه بالتحريف ﴿وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ من نبوة محمد ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

(72): ﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أظهروا الإيمان بالقرآن ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ أوله ﴿وَاكْفُرُواْ﴾ به ﴿آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ في دينهم لذلك ويرجعون عنه.

(73): ﴿وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ أي لا تصدقوا إلا لأهل دينكم أو لا تظهروا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم فإنهم أرجى رجوعا ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ﴾ يوفق من يشاء للإسلام ويثبته عليه ﴿أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ يتعلق بلا تؤمنوا أي لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم ولا تفشوه للمسلمين لئلا يزيدهم ثباتا ولا للمشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام أو بمحذوف أي قلتم ذلك ودبرتموه لأن يؤتى يعني دعاكم الحسد إلى ذلك ويؤيده قراءته أن يؤتى على الاستفهام للتوبيخ أي لأن يؤتى دبرتم كذا وقوله ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ﴾ اعتراض حتى ﴿أَوْ يُحَآجُّوكُمْ﴾ به ﴿عِندَ رَبِّكُمْ﴾ فيقطعوكم والواو لأحد لأنه في معنى الجمع ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

(74): ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ فلا هداية ولا توفيق إلا من لطفه.

(75): ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ كعبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه ﴿وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ كفنحاص بن عازورا استودعه قرشي دينارا فجحده ﴿إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا﴾ تطالبه بالعنف ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ﴾ في مال من ليس من أهل الكتاب ﴿سَبِيلٌ﴾ عقاب وذم ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ﴾ بما ادعوا ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ كذبهم.

(76): ﴿بَلَى﴾ عليهم فيهم سبيل ﴿مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ استئناف مقرر لما نابته بلى، والضمير في بعده لله أو لمن وعموم المتقين باب العائد من الجزاء إلى من وأقيم مقام الضمير إشارة إلى العلة واعتناء بالتقوى وهي أداء الواجبات وترك المحرمات.

(77): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ﴾ من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ﴿وَأَيْمَانِهِمْ﴾ وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه ﴿ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ عرض الدنيا ﴿أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ﴾ لا نصيب ﴿لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ﴾ بكلام خير ﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا يصيبهم بخير ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ ولا يثني عليهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ على فعلهم قيل نزلت في أحبار كتموا أمر محمد وحرفوا التوراة للرشوة أو في رجل حلف كاذبا في إنفاق سلعة.

(78): ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ﴾ يفتلونها بتلاوته عن المنزل إلى المحرف ﴿لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ تأكيد وتسجيل بتعمد الكذب على الله.

(79): ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ﴾ تكذيب لعبده عيسى ﴿وَلَكِن﴾ يقول ﴿كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ﴾ الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل علما وعملا ﴿بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ تقرءون أي بسبب كونكم معلمين الكتاب وبكونكم دارسين إذ ثمرة التعليم والتعلم كسب العلم والعمل.

(80): ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ إنكار، والضمير المستتر للبشر أو الله.

(81): ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا أن يبشروا أممهم به ويأمروهم بتصديقه ونصره أو أخذ على الأنبياء وأممهم بذلك واستغنى بذكرهم عن الأمم، وعن الصادق (عليه السلام) معناه أخذ ميثاق أممهم بالعمل بما أتوا به فما وفوا ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ﴾ فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار ﴿وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ عليكم وعلى أممكم وهو تحذير بليغ.

(82): ﴿فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الميثاق ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

(83): ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ﴾ وقرىء بتاء الخطاب وقدم المفعول لتوجه الإنكار إليه ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ طائعين بالنظر إلى الحجج وكارهين بالسيف ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ بالتاء والياء.

(84): ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ بالتصديق والتكذيب ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ منقادون موحدون.

(85): ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ﴾ غير الانقياد لله وتوحيده ﴿دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

(86): ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ أي كيف يلطف بهم وقد علم تصميمهم على الكفر ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ لا يلطف بهم لعنادهم.

(87)-(88): ﴿أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ في اللعنة أو العقوبة ﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾.

(89): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ الارتداد ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ قيل نزلت في الحارث بن سويد حين ندم على ردته فأرسل إلى قومه سلوا هل لي من توبة فأرسلوا إليه بالآية فأتى المدينة فتاب.

(90): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا﴾ هم اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد أو بمحمد بإيمانهم به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم وطعنهم فيه وصدهم عن الإيمان ﴿لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ لنفاقهم فيها، أو لأنهم لا يتوبون إلا عند المعاينة ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ﴾.

(91): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا﴾ جيء بالفاء إشعارا بأن سبب امتناع قبول الفدية الموت على الكفر ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ قيل التقدير فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا أو لو افتدى بمثله أي معه وكثر حذف المثل إذ المثلين كشيء واحد.

(92): ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ﴾ رحمة الله ورضوانه ولن تبلغوا كمال البر ولن تكونوا أبرارا ﴿حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ من المال والجاه والنفس وعنهم (عليهم السلام) ما تحبون ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ﴾ طيب أو خبيث ﴿فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.

(93): ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ﴾ يعقوب ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾ وهو لحم الإبل ﴿مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ فما حرم عليهم بعد نزولها كان لظلمهم وبغيهم ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن تحريم الطيبات كان قديما.

(94): ﴿فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ﴾ بزعمه أن تحريم ذلك قديم ﴿مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ بعد لزوم الحجة ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بمكابرة الحق الواضح.

(95): ﴿قُلْ صَدَقَ اللّهُ﴾ وأنتم الكاذبون ﴿فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ تعريض بشركهم.

(96): ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ ليكون متعبدا لهم ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ لغة في مكة وقيل موضع المسجد ومكة البلد من البك أي الزحم أو الدق للازدحام فيها ودقها أعناق العتاة وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أول مسجد وضع المسجد الحرام ثم بيت المقدس، وعن علي (عليه السلام) كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للعبادة ﴿مُبَارَكًا﴾ كثير الخير والنفع ﴿وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ لأنه قبلتهم ومتعبدهم.

(97): ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ لقهره لمن تعرض له بسوء ﴿مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ أي منها المقام لتأثير قدميه في الحجر ومنها الحجر الأسود ومنها منزل إسماعيل ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ في الآخرة من النار، أو أمر ليؤمن من دخله جانيا خارجه ولا يتعرض له ولكن يلجأ إلى الخروج ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ أي الحج والعمرة جميعا ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ بأن يكون صحيحا في بدنه مخلى في سربه له زاد وراحلة ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ ترك وهو مستطيع ﴿فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ أكد أمر الحج بإيجابه بصيغة الخبر والجملة الإسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق لله في رقاب الناس وتخصيص الحكم بعد تعميمه وهو تكرير للمراد وبيان بعد إبهام وتغليظ تركه بتسميته كفرا كما سمي تاركه في الخبر يهوديا أو نصرانيا وذكر الاستغناء الدال على المقت والسخط وإبدال عن عنه بعن العالمين.

(98): ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ الدالة على صدق محمد ﴿وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم بها.

(99): ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ حال من الواو، أي طالبين لها اعوجاجا بتلبيسكم على الناس لتوهموا أن فيه عوجا أو بإغوائكم بين المؤمنين ليختل أمر دينهم ﴿وَأَنتُمْ شُهَدَاء﴾ أنها سبيل الله والصاد عنها ضال ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وعيد لهم.

(100): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ كما حكى الله عنهم ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد إيمانكم كفارا.

(101): ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ﴾ استبعاد لكفرهم حال وجود ما يدعوهم إلى الإيمان ويصرفهم عن الكفر ﴿رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ﴾ يتمسك بدينه ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ جيء بالماضي لتحقق وقوعه.

(102): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ عن الصادق (عليه السلام)، هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ لا تكونوا على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت وقرىء بالتشديد أي منقادون للرسول ثم الإمام من بعده.

(103): ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ﴾ بدينه أو كتابه وعنهم (عليهم السلام) نحن حبل الله وروي القرآن والولاية فإنهما ﴿جَمِيعًا﴾ لا يفترقان ﴿وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ عن الحق تفرق أهل الكتاب باختلافهم ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ بالإسلام ﴿فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ متواصلين متحابين في الله ﴿وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ﴾ مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم ﴿فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا﴾ بمحمد وبالإسلام ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ للناس ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكي تثبتوا على الهدى أو تزادوه.

(104): ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ﴾ بعضكم وهو خاص غير عام يدل على أنهما كفائيان ﴿أُمَّةٌ﴾ وقرىء أئمة ﴿يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ روي: أنما يجب على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الأحقاء بالفلاح.

(105): ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ﴾ في الدين كاليهود والنصارى ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ الدلائل الموجبة للاتفاق على الحق ﴿وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وعيد للمتفرقين.

(106): ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ من النور ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ من الظلمة أو يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وشق النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بضد ذلك ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ فيقال لهم ﴿أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ توبيخ أو تعجب من حالهم وهم المرتدون أو أهل البدع أو أهل الكتاب كفروا بالنبي بعد إيمانهم به قبل مبعثه أو جميع الكفار كفروا بعد إقرارهم في عالم الذر أو تمكنوا من الإيمان بالنظر إلى الحجج ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾ أمر إهانة ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بسبب كفركم.

(107): ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ﴾ ثوابه الدائم ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

(108): ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ﴾ المتضمنة للوعد والوعيد ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ متلبسة ﴿بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ﴾ لأحد من خلقه إذ لا يظلم إلا جاهل أو محتاج وهو منزه عن ذلك وبين غناه بقوله.

(109): ﴿وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ فيجازي كلا بما يستحقه.

(110): ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقرىء كنتم خير أئمة ﴿أُخْرِجَتْ﴾ أظهرت ﴿لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ تضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ إيمانا يعتد به ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم﴾ مما هم عليه ﴿مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ كعبد الله بن سلام وأضرابه ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

(111): ﴿ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى﴾ ضررا يسيرا كطعن ووعيد ﴿وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ﴾ منهزمين ولا يضروكم بقتل ولا أسر ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ عليكم.

(112): ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله ﴿أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ﴾ وجدوا ﴿إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ﴾ استثناء من أعم الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين ﴿وَبَآؤُوا﴾ رجعوا ﴿بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ فاليهود غالبا فقراء مساكين ﴿ذَلِكَ﴾ الضرب والبوء ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ﴾ ذلك الكفر والقتل ﴿بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ حدود الله مع الكفر والقتل ويفيد خطابهم بالفروع.

(113): ﴿لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ مستقيمة عادلة بيان لنفي استوائهم ﴿يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ عبر عن تهجدهم بالتلاوة والسجود لأنه أبلغ في المدح أو أريد صلاة العشاء لأن أهل الكتاب لا يصلونها.

(114): ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الذين صلحت أحوالهم عند الله.

(115): ﴿وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ﴾ لن تنقصوا ثوابه وقرىء بالباء ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾.

(116): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ﴾ لن تدفع ﴿عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ﴾ عذابه ﴿شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ وملازموها ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

(117): ﴿مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ﴾ سمعة أو قربة أو في عداوة الرسول ﴿فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ﴾ برد شديد ﴿أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ﴾ بالمعاصي ﴿فَأَهْلَكَتْهُ﴾ شبه ما أنفقوا في ضياعه بحرث عصاة أهلكه البرد فذهب حطاما وهو من التشبيه المركب ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ﴾ بضياع نفقاتهم ﴿وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ حيث لم يأتوا بها خالصة.

(118): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً﴾ هو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به مشبه ببطانة الثوب ﴿مِّن دُونِكُمْ﴾ كائنة من غير المسلمين أو متعلق بلا تتخذوا ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾ لا يقصرون في الفساد والإلواء التقصير ﴿وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ﴾ تمنوا ضرركم ومشقتكم ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ من عدم تمالكهم أنفسهم لفرط بغضهم ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ مما بدا والواو للحال ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ما بينا والجمل الأربع مستأنفات للتعليل وقيل الثلاث الأول نعوت لبطانة.

(119): ﴿هَاأَنتُمْ أُوْلاء﴾ الخطان في موالاة الكفار ﴿تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ بيان لخطئهم ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ﴾ بجنسه ﴿كُلِّهِ﴾ أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ في أنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا﴾ نفاقا وتعزيزا وتغريرا ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ من أجله فإن المغتاظ والنادم يعض الأنامل ﴿قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ﴾ دعاء عليهم بزيادة غيظهم بازدياد عز الإسلام ﴿إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بخفياتها.

(120): ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ﴾ نعمة ﴿تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ﴾ محنة ﴿يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ﴾ على عداوتهم ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ موالاتهم لا يضركم ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ علما.

(121): ﴿وَإِذْ﴾ واذكر إذ ﴿غَدَوْتَ﴾ خرجت غدوة ﴿مِنْ أَهْلِكَ﴾ لغزوة أحد ﴿تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تهيىء لهم ﴿مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ مواطن ومواقف له ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم.

(122): ﴿إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ﴾ بنو سلمة وبنو حارثة ﴿أَن تَفْشَلاَ﴾ أن تجبنا وتضعفا ﴿وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ ناصرهما فما لهما تفشلان ﴿وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.

(123): ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ ضعفاء وجمع القلة للدلالة على قلتهم مع ذلتهم ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في الثبات ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ بتقواكم وروي أن عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر للمؤمنين.

(124): ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ظرف لينصركم أو بدل ثان من إذ غدوت ﴿أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾ إنكار ألا يكفيهم ذلك وقرىء منزلين بالتشديد.

(125): ﴿بَلَى﴾ يكفيكم ﴿إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم﴾ أي المشركين ﴿مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا ﴾ أي من ساعتهم ﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ معلمين بأنهم ملائكة وكانت عليهم العمائم البيض المرسلة.

(126): ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ﴾ أي إمدادكم بالملائكة ﴿إِلاَّ بُشْرَى﴾ بشارة ﴿لَكُمْ﴾ بالنصر ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ﴾ الذي لا يغالب ﴿الْحَكِيمِ﴾ في النصر والخذلان بحسب المصلحة لا من العدد والعدة ولا من الملائكة وإنما أمدهم ووعدهم بذلك بشارة وتقوية لقلوبهم.

(127): ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ متعلق بنصركم أو وما النصر أي ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤسائهم ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ يخزيهم ﴿فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾ ينهزموا منقطعي الأمل.

(128): ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ مفترضة ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ إن أسلموا ﴿أَوْ يُعَذَّبَهُمْ﴾ إن أصروا أي إن الله مالك أمرهم فأما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب أو يعذب ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مأمور منذر وقرىء إن يتب عليهم أو يعذبهم وأن تتوب عليهم أو تعذبهم بتاء الخطاب فيهما ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ مستحقون للعذاب بظلمهم.

(129): ﴿وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ فله الأمر كله ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾ من مذنبي المؤمنين ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء﴾ ممن لم يتب ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمؤمنين.

(130): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً﴾ لا تأخذوا زيادة مكررة ولعل التقييد بحسب ما وقع إذ كان الرجل يربي إلى أجل ثم يزيد فيه زيادة أخرى وهكذا وقرىء مضعفة ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في مناهيه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ راجين الفلاح.

(131): ﴿وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.

(132): ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ترغيب بالوعد بعد الترهيب بالوعيد.

(133): ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي إلى ما يوجبها وهو أداء الفرائض أو الطاعة أو التوبة ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ إذا وضعتا مبسوطتين وقيل عرضها كعرضهما، وذكر العرض مبالغة في وصفها بالسعة لأنه دون الطول قيل: كسبع سموات وسبع أرضين لو تواصلت ﴿أُعِدَّتْ﴾ هيئت ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ فهي مخلوقة اليوم كما تواتر في الأخبار.

(134): ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء﴾ حال اليسر والعسر أو كل الأحوال إذ لا تخلوا من مسرة ومضرة ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ إذا جنوا عليهم ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ العهد إشارة إلا هؤلاء أو الجنس ويدخلون فيه.

(135): ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ سيئة بالغة في القبح بتعدي أثرها ﴿أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ﴾ بارتكاب ذنب لا يتعدى ﴿ذَكَرُواْ اللّهَ﴾ تذكروا وعيده وعظمته ﴿فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ﴾ استفهام معناه النفي معترض لبيان سعة رحمته ومغفرته وحث على التوبة وتقوية للرجاء ﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ﴾ لم يقيموا على الذنب ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لم يصروا على القبيح عالمين به.

(136): ﴿أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ أجرهم.

(137): ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ مضت ﴿مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ وقائع سنها الله في أمم مكذبة ﴿فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾ لتتعظوا بحالهم.

(138): ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ إشارة إلى قوله.

(139): ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ إلى ما ذكر من أمر المتقين والتائبين ﴿وَلاَ تَهِنُوا﴾ لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ﴿وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ على ما أصابكم من قتل وأذى ﴿وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ أعلى منهم لأن قتالكم لله وقتالهم للشيطان وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، أو الأعلون في العاقبة ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إن صح إيمانكم.

(140): ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ بفتح القاف وضمها لغتان في الجراح أو الفتح لها والذم لآلها يعني إن نالوا منكم بأحد فقد نلتم منهم ببدر وأنتم الأعلون وترجون من الله ما لا يرجون ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا﴾ نصرفها ﴿بَيْنَ النَّاسِ﴾ تارة لهؤلاء وأخرى لغيرهم ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أي ليتميز الثابتون على الإيمان وليس المراد ثبات علمه بل متعلقه أو المعنى ليعلمهم علما يتعلق به الجزاء وهو العلم بالشيء موجودا ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء﴾ يكرم بعضكم بالشهادة ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ اعتراض.

(141): ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ يخلصهم من ذنوبهم إن كانت الدولة عليهم ﴿وَيَمْحَقَ﴾ يهلك ﴿الْكَافِرِينَ﴾.

(142): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ إنكاري ﴿أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ أي ولما تجاهدوا أريد بنفي العلم نفي متعلقه ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ نصب بإضمار أن.

(143): ﴿وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ﴾ بالشهادة حين سمعتم ما فعل الله بشهداء بدر من الكرامة ﴿مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ﴾ تشاهدوه وتعرفوا شدته ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ معاينين لقتل من قتل منكم.

(144): ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ فسيخلو كما خلوا ﴿أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ إنكار لانقلابهم عن دينهم لخلوه بموت أو قتل مع علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم، روي أن إبليس نادى فيهم: أنه قد قتل فانهزموا وارتدوا عن الدين ﴿وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ﴾ يرتد ﴿فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا﴾ بل يضر نفسه ﴿وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ نعمة الإسلام بثباتهم عليه.

(145): ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ بعلمه وأمره وفيه تشجيع على الجهاد ﴿كِتَابًا﴾ مصدر مؤكد أي كتب الموت كتابا ﴿مُّؤَجَّلاً﴾ موقتا لا يتقدم ولا يتأخر ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ للنعمة الذين لم يؤثروا على الجهاد شيئا.

(146): ﴿وَكَأَيِّن﴾ كم ﴿مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ ربانيون علماء عباد أو جماعات وقرىء قتل ﴿فَمَا وَهَنُواْ﴾ فتروا ﴿لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ من قتل وذل ﴿وَمَا ضَعُفُواْ﴾ عن الجهاد ﴿وَمَا اسْتَكَانُواْ﴾ خضعوا لعدوهم ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ فينصرهم ويرضى عنهم.

(147): ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾ مع أنهم ربانيين ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم فاستغفروا.

(148): ﴿فَآتَاهُمُ اللّهُ﴾ بما قالوا ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ النصر والغنيمة وحسن الذكر ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ﴾ الجنة والرضوان ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ خص ثواب الآخرة بالحسن إيذانا بأنه المعتد به عنده.

(149): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾ قيل نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين إخوانكم وقيل: عام في إطاعة الكفر فإنها تجر إلى موافقتهم.

(150): ﴿بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ﴾ ناصركم ﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ لا تحتاجون معه إلى غيره.

(151): ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ﴾ قذف في قلوبهم الخوف يوم أحد فرجعوا من غير سبب ﴿بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ بسبب إشراكهم آلهة ليس على إشراكها حجة ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ أي مثواهم وعدل إلى الظاهر للتعليل.

(152): ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ﴾ إياكم بالنصر بشرط الصبر والتقوى وكان كذلك حتى خالفهم الرماة ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُم﴾ تبطلون حسهم بقتلهم ﴿بِإِذْنِهِ﴾ من حسه أي أبطل حسه ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ جبنتم وضعف رأيكم ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾ حين انهزم المشركون فقال بعض الرماة فما موقفنا هاهنا، وقال آخرون لا نخالف أمر النبي فلبث أميرهم في نفر دون العشرة ونفر الباقون للنهب وهو معنى ﴿وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ﴾ من النصر والغنيمة وحذف جواب إذا وهو ابتلاكم ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ وهم من أخلوا مراكزهم للغنيمة ﴿وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ وهم من ثبتوا طاعة لأمر الرسول ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ﴾ كفكم ﴿عَنْهُمْ﴾ اذكروا عليكم فغلبوكم ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ ليمتحن صبركم ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ﴾ بعد أن عصيتم أمر الرسول ﴿وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.

(153): ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ تفرون وتبعدون متعلق بصرفكم أو ليبتليكم أو باذكر مقدرا ﴿وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ﴾ لا يقف أحد لأحد ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ ويقول إلى عباد الله ﴿فِي أُخْرَاكُمْ﴾ ساقتكم وجماعتكم الأخرى ﴿فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ﴾ عطف على صرفكم أي فجازاكم غما بسبب غم أذقتموه الرسول بعصيانكم له أو فجازاكم عن فشلكم وعصيانكم غما متصل بغم بالإرجاف بقتل الرسول وظفر المشركين والقتل والجرح ﴿لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ من المنافع ﴿وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ﴾ من المضار ﴿وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ عالم بأعمالكم.

(154): ﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً﴾ أمنا مفعول ﴿نُّعَاسًا﴾ بدل عن أبي طلحة: غشينا الناس في مصافنا وكان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ﴿يَغْشَى﴾ النعاس وقرىء بالتاء أي الأمنة ﴿طَآئِفَةً مِّنكُمْ﴾ خلص المؤمنين ﴿وَطَآئِفَةٌ﴾ هم المنافقين ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ ما بهم إلا هم خلاص أنفسهم ﴿يَظُنُّونَ بِاللّهِ﴾ صفة أخرى لطائفة أو حال أو استيناف ﴿غَيْرَ﴾ الظن ﴿الْحَقِّ﴾ الذي يجب أن يظن به ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ بدل ﴿يَقُولُونَ﴾ للرسول ﴿هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ﴾ أمر الله أي النصر والفتح ﴿مِن شَيْءٍ﴾ نصيب ﴿قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ النصر أو مطلقا لله وأوليائه ﴿يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ﴾ يظهرون أنهم مسترشدون ويبطنون النفاق ﴿يَقُولُونَ﴾ في أنفسهم أو بعضهم لبعض ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ﴾ النصر الموعود به ﴿شَيْءٌ﴾ أو كان لنا اختياره ﴿مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ لما غلبنا وقتل أصحابنا هنا ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ في علم الله ﴿إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ مصارعهم ليكون ما علم كونه و﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ من الإخلاص علة لمحذوف أي فعل ذلك ليبتلي أو عطف على محذوف أي برزوا لمصالح وللابتلاء ﴿وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ ليخلصه من الشك ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بأسرارها قبل ظهورها وفيه وعد ووعيد.

(155): ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ﴾ انهزموا ﴿مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ يوم أحد ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ﴾ حملهم على الزلة ﴿الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ﴾ أي كان انهزامهم بسبب ترك المركز والميل إلى الغنيمة بتسويل الشيطان أو بسبب ذنوب قدموها والذنب يجر إلى الذنب كالطاعة ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ﴾ لتوبتهم ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ للذنوب ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجل العقاب.

(156): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي المنافقين ﴿وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ لأجلهم وإخوتهم في النسب أو المذهب ﴿إِذَا ضَرَبُواْ﴾ سافروا ﴿فِي الأَرْضِ﴾ لتجارة ونحوها ﴿أَوْ كَانُواْ غُزًّى﴾ جمع غاز ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾ مقول قالوا ﴿لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ متعلق بقالوا واللام للعاقبة ﴿وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ لا الحضر والسفر ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

(157): ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ﴾ في سبيله ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ من منافع الدنيا لو لم يموتوا.

(158): ﴿وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ﴾ لا غيره فيعظم أجركم.

(159): ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ ما مزيدة للتأكيد وتقديم الظرف للحصر ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا﴾ جافيا ﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ قاسية ﴿لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ وتفرقوا عنك ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ فيما يختص بك ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ فيما لله ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ أمر الحرب ونحوه مما لم يوح إليك تطييبا لنفوسهم وتأسيسا لسنة المشاورة للأمة ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ﴾ على شيء بعد الشورى ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾ في إمضائه ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.

(160): ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ﴾ كما نصركم ببدر ﴿فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ﴾ كما في أحد ﴿فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ﴾ بمعنى النفي ﴿وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إذ لا ناصر سواه.

(161): ﴿وَمَا كَانَ﴾ ما صح ﴿لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾ يخون في الغنيمة، فقدت يوم بدر قطيفة حمراء من الغنيمة فقال رجل ما أظن إلا رسول الله أخذها فنزلت ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يأتي بالذي غل يحمله على ظهره كما في الخبر أو بما حمل من وباله ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ تعطى جزاؤه وافيا ولم يقل يوفى ما كسبت للمبالغة فإنه إذا كان كل كاسب مجزيا بعمله شمل الحكم الغال وغيره ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾.

(162): ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ﴾ بالطاعة ﴿كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ﴾ بالمعصية ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ يفرق بينه وبين المرجع بمخالفته للحالة الأولى بخلاف المرجع.

(163): ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ﴾ أي متفاوتون في الثواب والعقاب تفاوت الدرجات أو ذوو درجات ﴿واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ عليم بأعمالهم ودرجاتها يجازيهم بحسبها.

(164): ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ﴾ خصوا مع عموم نعمة البعث لأنهم المنتفعون بها ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ عربيا مثلهم ليسهل عليهم فهم كلامه أو من نسبهم ليكونوا عارفين صدقه ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ القرآن وكانوا من قبل جهالا لم يسمعوا وحيا ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم من دنس العقائد والأعمال ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ القرآن والسنة ﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ﴾ قبل بعثه ﴿لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ ظاهر.

(165): ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ﴾ الهمزة للتقريع والواو عطف الجملة على قصة أحد ولما ظرف قلتم مضاف إلى أصابتكم أي حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم بأحد والحال أنكم ﴿قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا﴾ ضعفها ببدر ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ من أين هذا أصابنا وقد وعدنا النصر ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ أنتم السبب فيه لترككم المركز أو لاختياركم الخروج من المدينة أو الفداء يوم بدر ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على النصر ومنعه.

(166)-(167): ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى﴾ بأحد ﴿فَبِإِذْنِ اللّهِ﴾ بتخلية الكفار سميت إذنا لأنها من لوازمه ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ﴾ ليتميز الفريقان فيظهر إيمان المؤمنين وكفر المنافقين ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ عطف على نافقوا أو كلام مبتدأ ﴿الْجَمْعَانِ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ﴾ خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدفع عن أنفسهم أو المعنى قاتلوا العدو أو ادفعوا بتكثيركم سواد المجاهدين فإن كثرة السواد مما يروعهم ﴿قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ﴾ لو نحسن ﴿قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ﴾ أو لو نعلم ما يسمى قتالا لاتبعناكم فيه لكنه ليس بقتال بل إلقاء النفس إلى التهلكة ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ﴾ أي هذا القول أمارة كفرهم، أو أنه تقوية لقول المشركين ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ من النفاق.

(168): ﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ لأجلهم يعني من قتل بأحد من جنسهم وأقاربهم ﴿وَقَعَدُواْ﴾ أي قالوا وقد قعدوا عن القتال ﴿لَوْ أَطَاعُونَا﴾ على القعود ﴿مَا قُتِلُوا﴾ كما لم نقتل ﴿قُلْ فَادْرَؤُوا﴾ فادفعوا ﴿عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنكم تقدرون على دفع الموت وأسبابه عمن كتب عليه.

(169): ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا﴾ نزلت في شهداء بدر أو أحد والخطاب للرسول أو لكل أحد ﴿بَلْ﴾ هم ﴿أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ﴾ مقربون شرفا ﴿يُرْزَقُونَ﴾.

(170): ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾ زمانا أو رتبة ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ وفيه حث على الجهاد وترغيب في الشهادة وازدياد الطاعة.

(171): ﴿يَسْتَبْشِرُونَ﴾ كرر ليتعلق به ما هو بيان لقوله ﴿أن لا خوف﴾، أو الأول بحال إخوانهم والثاني بحال أنفسهم ﴿بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ﴾ أجرا لأعمالهم ﴿وَفَضْلٍ﴾ زيادة عليه ونكر تعظيما ﴿وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

(172): ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾ بالخروج إلى بدر الصغرى لغزوة أبي سفيان وقومه ﴿مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ بأحد ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ومن للبيان إذ المستجيبون كلهم محسنون متقون لما رجع أبو سفيان وأصحابه فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالعود فبلغ ذلك النبي فندب أصحابه لطلبهم وقال لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج في جماعة على ما بهم من القرح حتى بلغوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا.

(173): ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ هو نعيم بن مسعود الأشجعي كان أبو سفيان خرج في أهل مكة يريد قتال رسول الله ببدر الصغرى فألقى الله عليه الرعب فرجع فلقي نعيم فوعده عشرة من الإبل إن تثبط أصحاب محمد من القتال ففترهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فخرج في سبعين وهم يقولون حسبنا الله ﴿إِنَّ النَّاسَ﴾ أي أبو سفيان وأصحابه ﴿قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ﴾ المقول أو القول أو القائل ﴿إِيمَاناً﴾ قوي يقينهم وعزمهم على الجهاد ﴿وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ﴾ كافيا ﴿وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ هو.

(174): ﴿فَانقَلَبُواْ﴾ رجعوا من بدر ﴿بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ﴾ بعافية وزيادة إيمان ﴿وَفَضْلٍ﴾ ربح من التجارة التي وافوا بها سوق بدر ﴿لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ من كيد عدو ﴿وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.

(175): ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ يعني المثبط نعيما أو أبا سفيان أي هو قول الشيطان ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾ القاعدين عن الخروج مع النبي أو يخوفكم من أوليائه أبي سفيان وأتباعه ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ فأطيعوا رسولي وجاهدوا معه ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إذ المؤمن لا يخاف إلا الله.

(176): ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ يقعون فيه سريعا ﴿إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً﴾ بكفرهم وإنما يضرون أنفسهم ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا﴾ نصيبا من الثواب ﴿فِي الآخِرَةِ﴾ وفي ذكر الإرادة إشعار ببلوغهم الغاية في الكفر حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ بدل الثواب.

(177): ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ تكرير للتأكيد أو عام والأول خاص بالمنافقين أو المرتدين.

(178): ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا﴾ استيناف يعلل ما قبله وما كافة واللام للعاقبة ﴿وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾.

(179): ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ﴾ ليترك ﴿الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ من اختلاط ﴿حَتَّىَ يَمِيزَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ بإخبار الرسول بأحوالكم أو بالتكاليف الصعبة كبذل النفس والمال لله ليظهر به ما تظهرون ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ فتعرفوا الإخلاص والنفاق ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ﴾ يختار لرسالته ﴿مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ﴾ مخلصين ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ﴾ حق الإيمان ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ النفاق ﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ على ذلك.

(180): ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ﴾ بالتاء والياء ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ﴾ البخل ﴿شَرٌّ لَّهُمْ﴾ ويفسره ﴿سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ يلزمون وباله إلزام الطوق، وعنه (عليه السلام): ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة وتلاها ﴿وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يرث ما يمنعونه ويبقى عليهم وباله ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من إعطاء ومنع ﴿خَبِيرٌ﴾ فيجازيهم به وقرىء بالتاء على الالتفات.

(181): ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء﴾ قالته اليهود حين سمعوا من ذا الذي يقرض الله أي إنه لم يخف عليه وإنه أعد لهم العقوبة ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ﴾ في صحف الحفظة أو نحفظه في علمنا وقرنه بقوله ﴿وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بيانا بأنهما في العظم سيان فإن هذا ليس بأول عظيمة اجترحوها وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا القول وقرىء سيكتب بالياء مجهولا ﴿وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.

(182): ﴿ذَلِكَ﴾ العذاب ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ من المعاصي وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال بها ﴿وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ إن عذب فبعدله.

(183): ﴿الَّذِينَ قَالُواْ﴾ هم جماعة من اليهود ﴿إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا﴾ في التوراة ﴿أن﴾ بأن ﴿أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ كانت هذه معجزة لأنبياء بني إسرائيل أن يقرب بقربان فيدعوا النبي فتنزل نار من السماء فيحترق قربان من قبل منه ﴿قُلْ﴾ في إلزامهم ﴿قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي﴾ كزكريا ويحيى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الموجبة للتصديق ﴿وَبِالَّذِي قُلْتُمْ﴾ واقترحتم ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنكم تؤمنون بذلك.

(184): ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن تكذيب قومه واليهود ﴿وَالزُّبُرِ﴾ وقرىء وبالزبر جمع زبور والكتاب المتضمن للحكم والزواجر ﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ التوراة والإنجيل والزبور.

(185): ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تعطون جزاء أعمالكم ﴿فَمَن زُحْزِحَ﴾ نجي ﴿عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ فاز ظفر بالبغية ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ وشهوتها ﴿إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.

(186): ﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾ لتمتحن ﴿فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ بإخراج الزكاة ﴿وَأَنفُسِكُمْ﴾ بالتوطين على الصبر بالقتل والأسر والجراح والمصائب ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا﴾ من هجاء النبي والطعن في الدين والصد عن الإيمان، أخبروا بذلك قبل كونه ليوطنوا أنفسهم على الصبر حتى لا يرهقهم وقوعه ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ﴾ على ذلك ﴿وَتَتَّقُواْ﴾ المعاصي ﴿فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ مما يجب العزم عليه منها أو مما عزم الله عليه أي أوجب.

(187): ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ﴾ أي العلماء به ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ حكاية مخاطبتهم وقرىء بالياء ﴿فَنَبَذُوهُ﴾ أي الميثاق ﴿وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾ كناية عن الطرح وترك الاعتناء ﴿وَاشْتَرَوْاْ بِهِ﴾ أخذوا بدله ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ من عرض الدنيا ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾.

‌(188): ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ﴾ فائزين بنجاة منه ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بكفرهم وكذبهم نزلت في اليهود إذ سألهم (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن شيء في التوراة فأخبروه بخلاف ما فيها وأروه أنهم صدقوا وفرحوا بما فعلوا، أو في المنافقين إذ يفرحون بمنافقتهم المسلمين ويستحمدوا إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة.

(189): ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فيملك أمرهم ﴿وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على عقابهم.

(190): ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ كل يخلف الآخر ﴿لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾ على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته عن النبي ويل لمن قرأها ولم يتفكر.

(191): ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾ يذكرونه دائما على كل الحالات أو يصلون على هذه الأحوال ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ اعتبارا وهو أفضل العبادات عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا عبادة كالتفكر ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ يتفكرون قائلين ذلك ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تنزيها لك عن العبث ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

(192): ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ بالغت في جزائه نظير فقد فاز، لم يقل: أحرقته لأن العذاب الروحاني أشد ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ يدفعون عنهم العذاب.

(193): ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ﴾ هو الرسول والقرآن ﴿أَنْ﴾ بأن ﴿آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ فأجبنا ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ كبائرنا ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ صغائرنا بتوفيقنا لاجتناب الكبائر ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ﴾ مصاحبين لهم معدودين من جملتهم.

(194): ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ على تصديقهم من الثواب أو على ألسنتهم، أو متعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك ﴿وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا تفضحنا أو لا تهلكنا ﴿إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، وتكرير ربنا للمبالغة في السؤال والابتهال أو باستقلال الطلبات.

(195): ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ ما طلبوا ﴿أَنِّي﴾ بأني ﴿لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى﴾ بيان لعامل ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ بجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد أو الإسلام ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ الشرك أو أوطانهم أو قومهم للدين ﴿وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ من أجل ديني وبسببه ﴿وَقَاتَلُواْ﴾ المشركين ﴿وَقُتِلُواْ﴾ واستشهدوا والواو لا توجب الترتيب إذ المراد لما قيل لهم قاتلوا ﴿لأُكَفِّرَنَّ﴾ لأمحون ﴿عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ﴾ يستحقونه منه ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ على الأعمال لا يقدر عليه أحد سواه.

(196): ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ﴾ خطاب للنبي أريد به الأمة أو لكل أحد أي لا تنظر إلى ما هم عليه من السعة والحظ أو لا تغتر بما ترى من تصرفهم في البلدان يتكسبون فتقلبهم.

(197): ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ في جنب ما أعد الله للمؤمنين لزواله ﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ أي ما مهدوا لأنفسهم.

(198): ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً﴾ ما بعد النازل من الكرامة ﴿مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾ مما يتقلب فيه الفجار.

(199): ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ﴾ نزلت في ابن سلام وأصحابه أو غيرهم ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ من الكتابين ﴿خَاشِعِينَ لِلّهِ﴾ حال من فاعل يؤمن وجمع نظرا إلى المعنى ﴿لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ كما يفعل المحرفون ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ الأجر المختص بهم الموعود في أولئك يؤتون أجرهم مرتين ﴿إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.

(200): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ﴾ على المصائب ومشاق التكاليف وعن المعاصي ﴿وَصَابِرُواْ﴾ على الفرائض أو غالبوا عدوكم في الصبر على القتال أو على مخالفة الهوى ﴿وَرَابِطُواْ﴾ على الأئمة أو على الصلاة أي انتظروا الصلاة بعد الصلاة أو أقيموا في الثغور رابطين خيولكم مستعدين للغزو ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ فيما أمركم به وافترض عليكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكي تظفروا بالبغية.