الآيات 1-5

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ قِ ﴿1﴾ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴿2﴾ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴿3﴾ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴿4﴾ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴿5﴾

اللغة:

أصل الفلق الفرق الواسع من قولهم فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقا ويقال أبين من فلق الصبح وفرق الصبح لأن عموده ينفلق بالضياء عن الظلام والغاسق في اللغة الهاجم بضرره وهو هاهنا الليل لأنه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها فيه يقال غسقت القرحة إذا جرى صديدها ومنه الغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب وغسقت عينه سال دمعها.

التقوب الدخول وقب يقب ومنه الوقبة النقرة لأنه يدخل فيها النفث شبيهة بالنفخ وأما التفل فنفخ بريق فهذا الفرق بين النفث والتفل قال الفرزدق:

هما نفثا في في من فمويهما

على النافث الغاوي أشد رجام

والحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه فالحسد مذموم والغبطة محمودة وهي أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه ولم يرد زوالها عنه.

النزول:

قالوا أن لبيد بن أعصم اليهود سحر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم دس ذلك في بئر لبني زريق فمرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينا هو نائم إذا أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وأنه في بئر دروان في جف طلعة تحت راعوفة والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح فانتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعث عليا (عليه السلام) والزبير وعمار فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطة وإذا فيه معقد في إحدى عشرة عقدة مغروزة بالأبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خفة فقام فكأنما أنشط من عقال وجعل جبرائيل (عليه السلام) يقول باسم الله أرقيك من شر كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله تعالى يشفيك ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس وهذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله ﴿وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا﴾ أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه وأطلع الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج وكان ذلك دلالة على صدقه وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم له.

المعنى:

﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ هذا أمر من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد جميع أمته ومعناه قل يا محمد اعتصم وامتنع برب الصبح وخالقه ومدبره ومطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه ﴿من شر ما خلق﴾ من الجن والإنس وسائر الحيوانات وإنما سمي الصبح فلقا لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام كما قيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه وهذا قول ابن عباس وجابر والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وقيل الفلق المواليد لأنهم ينفلقون بالخروج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات كما ينفلق الحب من النبات وقيل الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل جهنم من شدة حره عن السدي ورواه أبو حمزة الثمالي وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما وقوله ﴿ما خلق﴾ عام في جميع ما خلقه الله تعالى ممن يجوز أم يحصل منه الشر وتقديره من شر الأشياء التي خلقها الله تعالى مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها ﴿ومن شر غاسق إذا وقب﴾ أي ومن شر الليل إذا دخل بظلامه عن ابن عباس والحسن ومجاهد وعلى هذا فيكون المراد من شر ما يحدث في الليل من الشر والمكروه كما يقال أعوذ من شر هذه البلدة وإنما اختص الليل بالذكر لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر وأصل الفسق الجريان بالضرر وقيل إن معنى الغاسق كل هاجم بضرره كائنا ما كان ﴿ومن شر النفاثات في العقد﴾ معناه ومن شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد عن الحسن وقتادة وإنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون شيئا من النفع والضرر والخير والشر وعامة الناس يصدقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن ويعلمون الغيب وذلك فساد في الدين ظاهر فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم وقال أبو مسلم النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن مرادهم ويردونهم إلى آرائهن لأن العزم والرأي يعبر عنهما بالعقد فعبر عن حلها بالنفث فإن العادة جرت أن من حل عقد نفث فيه ﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾ فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فأمر بالتعوذ من شره وقيل إنه أراد من شر نفس الحاسد ومن شر عينه فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر وقد جاء في الحديث أن العين حق وقد مضى الكلام فيه وروي أن العضباء ناقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشق ذلك على الصحابة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه وروى أنس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من رأى شيئا يعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضر شيئا وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين (عليهما السلام) بهاتين السورتين وقال بعضهم إن الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنه أحس الطبائع نعوذ بالله منه.