الآيات 1-11

الْقَارِعَةُ ﴿1﴾ مَا الْقَارِعَةُ ﴿2﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴿3﴾ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴿4﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴿5﴾ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴿6﴾ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴿7﴾ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴿8﴾ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴿9﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿10﴾ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴿11﴾

القراءة:

روي عن أبي عمرو أنه أمال ﴿القارعة﴾ وقرأ حمزة ويعقوب ما هي في الوصل والباقون ﴿ما هيه﴾ بإثبات الهاء ولم يختلفوا في الوقف أنها بالهاء.

الحجة:

قال أبو علي: إمالة القارعة وإن كان المستعلي فيه مفتوحا جائزة وذلك أن كسرة الراء غلبت عليها فإمالتها وقد أمالت ما تباعد عنها نحو قادر وزعم سيبويه أن ذلك لغة قوم ترضى عربيتهم وكذلك طارد وغارم وطاهر وكل ذلك تجوز إمالته إذا كانت الراء مكسورة وقال سيبويه: وينشد أصحاب هذه اللغة:

عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرباب سكوب

وأما قوله ﴿ما هيه﴾ فيوقف عندها لأنها فاصلة والفواصل مواضع وقوف كما أن أواخر الأبيات كذلك وهذا مما يقوي حذف الياء من يسر وما أشبهه أ لا ترى أنهم حذفوا الياء من نحو قوله:

ولأنت تفري ما خلقت وبعض

القوم يخلق ثم لا يفري

اللغة:

القارعة البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة والقرع الضرب بشدة الاعتماد قرع يقرع قرعا ومنه المقرعة وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف والقرعة كالضرب بالفال وقوارع الدهر دواهيه والفراش الجراد الذي ينفرش ويركب بعضه بعضا وهو غوغاء الجراد عن الفراء والمبثوث المتفرق في الجهات كأنه محمول على الذهاب فيها والبث التفريق وأبثثته الحديث إذا ألقيته إليه كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين والعهن الصوف ذو الألوان يقال عهن وعهنة وعيشة راضية مرضية بمعنى المفعول وقيل معناه ذات رضى كقولهم فلان نابل أي ذو نبل قال:

وغررتني وزعمت أنك

لابن بالصيف تأمر

أي ذو لبن وتمر وقال النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

أي ذي نصب والهاوية من أسماء جهنم وهي المهواة التي لا يدرك قعرها.

الإعراب:

﴿القارعة﴾ مبتدأ وما مبتدأ ثان وما بعده خبره وكان حقه القارعة ما هي لكنه سبحانه كرر تفخيما لشأنها ومثله قوله لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد والجملة خبر المبتدأ الأول ويجوز أن يكون قوله ﴿القارعة﴾ مبتدأ ويكون الناس خبره بمعنى أن القارعة تحدث في هذا اليوم فيكون قوله ﴿ما القارعة وما أدراك ما القارعة﴾ اعتراضا ويجوز أن يكون التقدير هذا الأمر يقع يوم يكون الناس كالفراش المبثوث.

المعنى:

﴿القارعة﴾ اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع وتقرع أعداء الله بالعذاب ﴿ما القارعة﴾ هذا تعظيم لشأنها وتهويل لأمرها ومعناه وأي شيء القارعة ثم عجب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ﴿وما أدراك ما القارعة﴾ يقول إنك يا محمد لا تعلم حقيقة أمرها وكنه وصفها على التفصيل وإنما تعلمها على سبيل الإجمال ثم بين سبحانه أنها متى تكون فقال ﴿يوم يكون الناس كالفراش المبثوث﴾ شبه الناس عند البعث بما يتهافت في النار وقال قتادة: هذا هو الطائر الذي يتساقط في النار والسراج وقال أبو عبيدة: هو طير ينفرش ليس بذباب ولا بعوض لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم إلى بعض فالفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة فدل ذلك على أنهم يفزعون عند البعث فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة وهذا مثل قوله كأنهم جراد منتشر ﴿وتكون الجبال كالعهن المنفوش﴾ وهو الصوف المصبوغ المندوف والمعنى أن الجبال تزول عن أماكنها وتصير خفيفة السير ثم ذكر سبحانه أحوال الناس فقال ﴿فأما من ثقلت موازينه﴾ أي رجحت حسناته وكثرت خيراته ﴿فهو في عيشة راضية﴾ أي معيشة ذات رضى يرضاها صاحبها ﴿وأما من خفت موازينه﴾ أي خفت حسناته وقلت طاعاته والقول في حقيقة الوزن والميزان والاختلاف في ذلك قد مضى ذكره فيما سبق من الكتاب وقد ذكر سبحانه الحسنات في الموضعين ولم يذكر وزن السيئات لأن الوزن عبارة عن القدر والخطر والسيئة لا خطر لها ولا قدر وإنما الخطر والقدر للحسنات فكان المعنى فأما من عظم قدره عند الله لكثرة حسناته ومن خف قدره عند الله لخفة حسناته ﴿فأمه هاوية﴾ أي فمأواه جهنم ومسكنه النار وإنما سماها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي الولد إلى أمه ولأن الأصل السكون إلى الأمهات قال قتادة: هي كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قيل هوت أمه وقيل إنما قال ﴿فأمه هاوية﴾ لأن العاصي يهوي إلى أم رأسه في النار عن أبي صالح وقيل أنه يهوي فيها وهي المهواة لا يدرك قعرها ثم قال سبحانه ﴿وما أدراك ما هيه﴾ هذا تعظيم وتفخيم لأمرها يريد أنك لا تعلم تفصيلها وأنواع ما فيها من العقاب وإن كنت تعلمها على طريق الجملة والهاء في هيه للوقف ثم فسرها فقال ﴿نار حامية﴾ أي نار حارة شديدة الحرارة.