سورة البقرة

(1): ﴿الم﴾ قيل هي أسماء للسور وقيل مختصرة من كلمات ف ﴿الم﴾ معناه أنا الله أعلم قيل: إشارة إلى مدة وآجال بحساب الجمل وقيل مقسم بها وقيل أسماء للقرآن وقيل أسماء الله تعالى وقيل سر الله وقيل من المتشابه.

(2): ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ أي القرآن الذي افتتح بالم هو الكتاب الذي أخبرت به موسى ومن بعده من الأنبياء وهم أخبروا بني إسرائيل ﴿لاَ رَيْبَ﴾ لا شك ﴿فِيهِ﴾ لظهوره عندهم ﴿هُدًى﴾ بيان من الضلالة ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون الموبقات وتسليط السفه على أنفسهم وهدى خبر محذوف أو خبر ثان لذلك والتوصيف به للمبالغة والتنكير للتعظيم واختصاصه بالمتقين لأنهم المهتدون به أو المراد زيادته وثباته لهم كاهدنا الصراط المستقيم.

(3): ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ بما غاب عن حواسهم من معرفة الصانع وصفاته والنبوة وقيام القائم والرجعة والبعث والحساب والجنة والنار ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها عما يفسدها أو ينقصها ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ من الأموال والقوى والأبدان والجاه والعلم.

(4): ﴿والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن والشريعة ﴿وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله المنزلة ﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وفي تقديم الظرف وبناء يوقنون على هم تعريض بغيرهم من أهل الكتاب.

(5): ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾ من بيان وصواب وعلم بما أمرهم به ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما يؤملون وتكرير أولئك يفيد اختصاصهم وتميزهم عن غيرهم بكل واحدة من المزيتين وأدخل العاطف لاختلاف الجملتين مفهوما قيل نبه تعالى على اختصاص المتقين بذكر اسم الإشارة المفيد للعلية مع الإيجاز وتكريره وتعريف المفلحين وضم الفصل إعلاما بفضلهم وحثا على لزوم نهجهم وإرادة الكامل من الهدى والفلاح توهن تمسك الوعيدية به في دوام عذاب الفاسق.

(6): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالله وبما آمن به هؤلاء المؤمنون ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ أأخوفتهم ﴿أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أخبر تعالى عن علمه فيهم.

(7): ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾ وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته وأوليائه إذا نظروا إليها بأنهم لا يؤمنون وعن الرضا عليه السلام الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى بل طبع الله عليها بكفرهم وعلى أبصارهم ﴿غِشَاوَةٌ﴾ غطاء أقول: ويمكن أن يكون تهكما حكاية لقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي ءاذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب أو في الآخرة والتعبير بالماضي لتحققه ويشهد له قوله ونحشرهم يوم القيمة على وجوههم عميا وبكما وصما وكرر الجار ليكون أدل على شدة الختم وأفرد السمع لأمن اللبس أو لمح أصله المصدر أو بتقدير حواس سمعهم أو لمناسبة لوحدة المدرك كالجمع لتكثره ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ أي في الآخرة العذاب المعد للكافرين.

(8): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ نزلت في الذين زادوا على كفرهم النفاق وتكرير الباء لادعاء الإيمان بكل على الأصالة ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ نفي وتكذيب لما ادعوه وعدل عما آمنوا المطابق لقولهم ﴿آمَنَّا﴾ للمبالغة لأن إخراجهم عن جملة المؤمنين أبلغ من نفي إيمانهم في الماضي ولذا أكد النفي بالباء.

(9): ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعاملونهم معاملة المخادع ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ ما يضرون بتلك الخديعة ﴿إِلاَّ أَنفُسَهُم﴾ رجوع وبال ذلك عليهم دنيا وآخرة ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكفرهم.

(10): ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ نفاق أو شك أو كفر وغل أو جبن ﴿فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً﴾ بإعلاء شأن نبيه ﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ بالتخفيف أي بسبب كذبهم بقولهم آمنا بالله وبالتشديد أي لتكذيبهم الرسول ولفظ كان للاستمرار.

(11): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ﴾ بإظهار النفاق لعباد الله المستضعفين فتشوشوا عليهم دينهم ﴿قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ لأنا لا نعتقد دينا فنرضى محمدا في الظاهر فنعتق أنفسنا من رقة في الباطن.

(12): ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ بما يفعلون في أمور أنفسهم لأن الله يعرف نبيه نفاقهم فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم ﴿وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ بذلك مع ظهوره.

(13): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ﴿قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء﴾ المذلون أنفسهم لمحمد حتى إذا اضمحل أمرهم أهلكهم أعداؤه ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء﴾ الإخفاء العقول والأراذل إذ عرفوا بالنفاق عند الفريقين ﴿وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ أن الأمر كذلك وأن الله يطلع نبيه على أسرارهم.

(14): ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا﴾ صدر القصة بيان لمذهبهم وهذه بيان لصنعهم مع المؤمنين والكفار فلا تكرير ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أخدانهم من المنافقين المشاركين لهم في تكذيب الرسول ﴿قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ﴾ أي في الدين والاعتقاد كما كنا وخاطبوهم بالاسمية تحقيقا لثباتهم على دينهم وأكد بأن اعتناء بشأنه ورواجه منهم والمؤمنين بالفعلية إخبارا بإحداث الإيمان ولم يعتنوا به ولم يتوقعوا رواجه ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ﴾ بالمؤمنين.

(15): ﴿اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ يجازيهم جزاء من يستهزئ به أما في الدنيا فبإجراء أحكام الإسلام عليهم وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سد عليهم ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ يمهلهم ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ في التعدي عن حدهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون والعمه عمى القلب.

(16): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ﴾ التي اختاروها ﴿بِالْهُدَى﴾ الذي فطروا عليه ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ﴾ ما ربحوا في تجارتهم ﴿وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ إلى الحق والصواب إذ أضاعوا رأس مالهم باستبدالهم الضلالة ولا ربح لمن ضيع رأس المال.

(17): ﴿مَثَلُهُمْ﴾ حالهم العجيبة ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ ليبصر بها ما حوله ﴿فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ﴾ بإرسال ريح أو مطر أطفأها وذلك لأنهم أبصروا بظاهر الإيمان الحق وأعطوا أحكام المسلمين فلما أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الآخرة ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ بأن منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم وإسناد الإذهاب إليه تعالى لأنه المسبب للإطفاء وعدي بالباء لإفادتها الاستصحاب وعدل عن الضوء الموافق لأضاءت إلى النور للمبالغة إذ لو قيل ذهب بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا.

(18): ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة ﴿فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ عن الضلالة إلى الهدى.

(19): ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾ أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما أن بالمطر حياة الأرض ﴿مِّنَ السَّمَاء﴾ من العلاء ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ مثل الشبهات والمصيبات المتعلقة به ﴿وَرَعْدٌ﴾ مثل للتخويف والوعيد ﴿وَبَرْقٌ﴾ مثل الآيات الباهرة ﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ لئلا يخلع الرعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة فيموتوا والمنافقون كانوا يخافون أن يعثر النبي على كفرهم ونفاقهم فيستأصلهم فإذا سمعوا منه لعنا أو وعيدا لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغير ألوانهم فيعرف المؤمنون أنهم المعنيون بذلك ﴿واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ مقتدر عليهم لا يفوتونه.

(20): ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ يذهب بها هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق لم يغضوا عنه أبصارهم لتسلم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة التي يشاهدونها ثم ينكرونها يبطل عليهم كلما يعرفونه ﴿كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ في مطرح ضوئه ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ﴾ وقفوا وتحيروا فهؤلاء المنافقون إذا رأوا ما يحبون في دنياهم فرحوا بإظهار طاعتهم وإذا رأوا ما يكرهون فيها وقفوا ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ حتى لا يتهيأ لهم الاحتراز من أن يقف على كفرهم ﴿إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يعجزه شيء وقيل التمثيل إما مركب تشبيه لحال المنافقين من الشدة والدهشة بحال من أخذه المطر في ليل مظلم مع رعد عاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق أو مفرق تشبيه لذواتهم بذوي الصيب وإيمانهم المشوب بالكفر بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق فإنه وإن كان رحمة في نفسه لكنه عاد نقمة في هذه الصورة ونفاقهم حذرا مما يطرق به غيرهم من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت وتحيرهم بشدة الأمر بأنهم كلما أضاء لهم انتهزوا الفرصة فمشوا قليلا وإذا أظلم عليهم وقفوا متحيرين والمثل الأول يجري فيه الوجهان.

(21): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ لما ذكر تعالى فرق المكلفين وأحوالهم التفت إليهم بالخطاب تنشيطا للسامع وروي أن لذة النداء أزالت مشقة التكليف ﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي خلقكم لتتقوه أي تعبدوه أو لعلكم تتقون النار ولعل من الله واجب.

(22): ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً﴾ جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم مطاوعة لحرثكم وأبنيتكم ودفن موتاكم ولا ينافي كرويتها لعظم حجمها ﴿وَالسَّمَاء بِنَاء﴾ سقفا محفوظا وقبة مضروبة عليكم يدير الكواكب لمنافعكم ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء﴾ من السحاب أو مما فوقه إليه ومنه إلى الأرض ﴿مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ﴾ أي بسببه بأن جعله سببا في خروجها أو مادة لها ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً﴾ أشباها وأمثالا نهي معطوف على اعبدوا أو نفي منصوب بإضمار أن جوابا له ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أن الأنداد لا تقدر على شيء من ذلك والجملة حال من فاعل تجعلوا.

(23): ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ صفة سورة أي كائنة من مثله والضمير لما ومن للتبعيض وللتبيين أو زائدة أي مماثلة للقرآن في الطبقة أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ﴿وَادْعُواْ﴾ إلى المعارضة ﴿شُهَدَاءكُم﴾ كل من حضركم ﴿مِّن دُونِ اللّهِ﴾ أي غير الله لأنه حاضر قادر على ذلك أو ادعوا من دون الله من يشهدون بصدقكم أي تشهدوا بالله كما يفعله العاجز عن البينة أو المعنى ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة ليعينوكم في المعارضة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن محمدا يقوله من تلقاء نفسه.

(24): ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ﴾ لم تأتوا ﴿وَلَن تَفْعَلُواْ﴾ ولا يكون هذا منكم أبدا ﴿فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا﴾ حطبها ﴿النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ حجارة الكبريت لأنها أشد الأشياء حرا أو الأصنام التي نحتوها لقوله إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وجيء بإن التي للشك مكان إذ التي للوجوب تهكما بهم وعبر عن الإتيان بالفعل الأعم منه إيجازا وفيه إخبار بالغيب أنهم لن يفعلوا كما دل عليها ثبوت إعجاز المتحدي وتعريف النار للعهد ﴿أُعِدَّتْ﴾ هيئت ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ المكذبين بكلامه ونبيه.

(25): ﴿وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ تحت أشجارها أو مساكنها ﴿الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا﴾ من تلك الجنات ﴿مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾ في الدنيا فأسماؤه كأسمائه ولكنه في غاية اللطافة والطيب واللذة غير مستحيل إلى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا ﴿وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾ يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار وبأنها متفقات الألوان مختلفات الطعوم ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ﴾ من أنواع الأقذار والمكاره ﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وبه يتم النعمة لأن خوف الانقطاع ينغص العيش.

(26): ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً﴾ للحق يوضحه به لعباده المؤمنين ﴿مَّا﴾ أي مثل كان إبهامية تزيد النكرة إبهاما أو زائدة للتأكيد نحو فبما رحمة ﴿بَعُوضَةً﴾ عطف بيان لمثلا أو مفعول يضرب ومثلا حال منه مقدمة لتنكيره أو هما مفعولاه لتضمنه معنى الجعل ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ والبعوض صغار البق وهو رد على الطاعنين في ضربه الأمثال في كتابه بالذباب والعنكبوت وغيرهما ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ﴾ المثل المضروب ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ أراد به الحق وإبانته ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا﴾ أي شيء ﴿أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً﴾ من جهة المثل ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ قيل هو جواب ماذا أي إضلال كثير بسبب إنكاره وهداية كثير من جهة قبوله فهو يجري مجرى البيان للجملتين أي إن كلا من الفريقين موصوف بالكثرة وبسببية لهما نسبأ إليه وروي أنه قول الكفار أي لا معنى للمثل لأنه وإن نفع به من يهد به فهو يضربه من يضل به فرد الله عليهم قولهم فقال ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ الخارجين عن دين الله.

(27): ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ﴾ ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد وصدق الرسل وما أخذ في عالم الذر من الإقرار لله بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأهل بيته بالولاية ﴿مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ أي أحكامه ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ من الأرحام والقرابات سيما صلة النبي ومودة ذي القربى ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ﴾ بسبب قطع ما في وصله نظام العالم وصلاحه ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لما صاروا إلى النيران وحرموا الجنان.

(28): ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ الخطاب لكفار قريش ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً﴾ عناصر وأغذية وأخلاطا ونطفا وما يتعقبها إلى ولوج الأرواح في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ بنفخ الأرواح فيكم وعطف بالفاء لتعقيب الموت بلا تراخ والبواقي بثم للتراخي ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ في هذه الدنيا ويقبركم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذب فيها الكافرين أو في القيامة ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بعد النشور للجزاء أو تبعثون من قبوركم إليه للحساب فواو ﴿وَكُنتُمْ﴾ للحال والحال هي العلم بجملة القصة لا كل جملة منها لمضي بعضها واستقبال بعضها.

(29): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم﴾ لانتفاعكم ﴿مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا من عذاب نيرانه والأرض داخلة فيما في الأرض إن أريد بها جهة السفل كالسماء جهة العلو وإلا فلا وجميعا حال من ما ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾ أخذ في خلقها وإتقانها ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ عدلهن عن العوج والفطور والضمير للسماء إن فسرت بالجنس أو الجمع وإلا فمبهم يفسره ما بعده كربه رجلا ﴿سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ بدل أو مفسر ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ علم المصالح فخلق ما فيه صلاحكم.

(30): ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ أي اذكر الحادث فحذف الحادث وأقيم الظرف مقامه أو ظرف لقالوا ﴿لِلْمَلاَئِكَةِ﴾ الذين كانوا في الأرض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن لإفسادهم فيها ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ يكون حجة لي في أرضي على خلقي ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾ كما فعلته الجن والنسناس ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ ننزهك عما لا يليق بك متلبسين ﴿بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ نطهر أرضك ممن يعصيك فاجعل ذلك الخليفة منا ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من الصلاح الكائن فيه ومن الكفر الباطن فيمن هو فيكم وهو إبليس.

(31): ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ أسماء المخلوقات قيل اضطره إلى العلم بها أو ألقاه في قلبه أي علمه أسماء الأجناس التي خلقها وخواصها وما يتبعها من المنافع الدينية والدنيوية وقيل أريد أسماؤه الحسنى التي بها خلقت المخلوقات وبتعليمها كلها إياه خلقه من أجزاء متباينة وقوى مختلفة ليستعد لإدراك أنواع المدركات ليتأتى له بمعرفتها مظهريته لأسماء الله الحسنى كلها وجامعيته جميع الوجوه اللائقة به ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ﴾ الضمير للمسميات المدلول عليها بالأسماء والتذكير لتغليب ما فيها من العقلاء ﴿فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ المعروضات تبكيت لهم وبيان لأحقية آدم بالخلافة ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنكم أحق بالخلافة.

(32): ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ إقرار بالقصور وإيذان بأن سؤالهم كان استعلاما لا اعتراضا ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء ﴿الْحَكِيمُ﴾ المصيب في كل فعل.

(33): ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ أخبرهم بالحقائق المكنونة منهم ليعرفوا جامعيتك لها وقدرة الله على الجمع بين الصفات المتباينة في مخلوق واحد ﴿فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ﴾ فعرفوها ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ سرهما ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ من ردكم علي ﴿وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من أنه لا يأتي أفضل منكم وفي الآيات دلالة على شرف الإنسان والعلم وفضله على العبادة وتوقف الخلافة عليه وإن آدم أفضل من الملائكة لأنه أعلم منهم.

(34): ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾ لما في صلبه من نور محمد وأهل بيته وهذا السجود كان لهم تعظيما وإكراما ولله سبحانه عبودية ولآدم طاعة ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ إنما دخل في الأمر لكونه منهم بالولاء ولم يكن من جنسهم ﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ ترفع ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أي صار منهم باستكباره.

(35): ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ حواء ولم يخاطبهما أولا إشعارا بأنه المقصود وهي تبع له ﴿الْجَنَّةَ﴾ من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس وتغرب وقيل دار الثواب إذ لا معهود غيرها ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً﴾ واسعا بلا تعب ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي مكان منها ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي الحنطة أو الكرمة أو التينة أو شجرة تحمل أنواع المطاعم والفواكه وهي شجرة علم محمد وآل محمد ﴿فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾ بالإقدام على ما فيه عدم صلاحكما.

(36): ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ حملهما على الزلة بسبب الشجرة أو أزالهما عن الجنة أي أذهبهما بوسوسته وغروره بأن دخل بين لحيي الحية فأراهما أن الحية تخاطبهما ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ من النعيم ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُواْ﴾ خطاب لهما بدليل اهبطا منها كأنهما الإنس كلهم فجمع الضمير أو مع إبليس مع الحية أو بدونها ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ آدم وحواء وولدهما عدو للحية ولإبليس وإبليس والحية وأولادهما عدو آدم ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ منزل ومقر للمعاش ﴿وَمَتَاعٌ﴾ تمتع ومنفعة ﴿إِلَى حِينٍ﴾ الموت أو القيامة.

(37): ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ وقرىء بنصب آدم ورفع كلمات على معنى تداركته وهي التوسل في دعائه بمحمد وآله الطيبين وقيل ربنا ظلمنا أنفسنا الآية ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ قبل توبته واكتفى به لأن حواء تبع ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ﴾ القابل للتوبات ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالتائبين.

(38): ﴿ قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً﴾ أمر أولا بالهبوط وثانيا بأن لا يتقدم أحدهم الآخر وقيل الأول هبوط قرن بالتعادي والثاني للتكليف وقيل الأول من الجنة إلى سماء الدنيا والثاني منها إلى الأرض وقيل تأكيد ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى﴾ ما زائدة تؤكد إن الشرطية والجواب ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ حين يخاف الكافرون ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين الموت.

(39): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

(40): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يا ولد يعقوب معناه صفوة الله وقيل عبد الله ﴿اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ بأن بعثت محمدا في مدينتكم وأوضحت دلائل صدقه أو المراد ما أنعم على آبائهم من إنجائهم من فرعون والغرق ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي﴾ الذي أخذته عليكم بلسان أنبيائكم وأسلافكم لتؤمنن بمحمد ﴿أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ بالفوز بنعيم الأبد ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ في نقض العهد وإياي نصب بمضمر يفسره المذكور وهو آكد في إفادة التخصيص من إياي ارهبوا.

(41): ﴿وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ﴾ على محمد ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ فإنه مماثل ما في كتابكم أو مطابقا لها في الدعاء إلى التوحيد والإقرار بمحمد والأمر بالعبادة وغير ذلك ﴿وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ والواجب أن تكونوا أول مؤمن به لعلمكم بشأنه ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ بتحريف آيات من التوراة فيها صفة محمد ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عوضا يسيرا من الدنيا ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ في كتمان أمر محمد.

(42): ﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ لا تخلطوه به قالوا نعلم أن محمدا نبي ولكن لست أنت ذلك ﴿وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ﴾ في صفة محمد ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم تكتمونه.

(43): ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ صلوا في جماعتهم عبر عن الصلاة بالركوع لخلو صلاة اليهود عنه أو أريد به الخضوع والانقياد للحق.

(44): ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ توبيخ وتعجيب من حالهم والبر يعم كل خير ﴿وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ تتركونها ﴿وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ التوراة وفيها الوعيد على ترك البر ومخالفة القول للعمل ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ قبح ذلك فيمنعكم منه نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم ويعم كل من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره.

(45): ﴿وَاسْتَعِينُواْ﴾ على مشقة التكليف والبر ﴿بِالصَّبْرِ﴾ على الطاعات وعن المعاصي أو بالصيام ﴿وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا﴾ أي الصلاة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ عظيمة ثقيلة ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ الخائفين عقاب الله في مخالفته لتوطين أنفسهم عليها ويقينهم بجزائها.

(46): ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ يوقنون أنهم يبعثون ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ إلى كراماته.

(47): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ كرر تأكيدا ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ فضلت أسلافكم ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ عالمي زمانهم الذين خالفوا طريقتهم بالإيمان والعلم وجعل الأنبياء فيهم وأنزل الكتاب عليهم.

(48): ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً﴾ وقت النزع ﴿لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ لا تدفع عنها عذابا قد استحقته ﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ بتأخير الموت ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ فداء بأن يمات ويترك هي ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ في دفع الموت والعذاب والضمير للنفوس الكثيرة الدال عليها النفس النكرة في سياق النفي.

(49): ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم﴾ واذكروا إذ أنجينا أسلافكم ﴿مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ﴾ يعذبونكم ﴿سُوَءَ الْعَذَابِ﴾ العذاب الشديد ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ لما قيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده هلاكك ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ﴾ يبقونهن ويتخذونهن إماء ﴿وَفِي ذَلِكُم﴾ الإنجاء أو منعهم أو كليهما ﴿بَلاء﴾ اختبار بنعمة أو محنة أو بهما ﴿مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ كبير.

(50): ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك بسلوككم فيه ﴿فَأَنجَيْنَاكُمْ﴾ هناك ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ أي هو وقومه واقتصر عليهم للعلم بأولويته به ﴿وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إليهم وهم يغرقون.

(51): ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وعده بعد هلاك فرعون أن يعطيه التوراة بعد ثلاثين ليلة فلما استاك فذهب طيب فمه فأخر عشرا ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ إلها ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ بعد انطلاقه إلى الجبل ﴿وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾ بإشراككم.

(52): ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ﴾ عن أوائلكم حين تابوا ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ الاتخاذ للعجل ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.

(53): ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ أي التوراة الجامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل أو أريد بالفرقان معجزاته الفارقة بين الحق والباطل ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكي تهتدوا بما فيه.

(54): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ يقتل من لم يعبد العجل منكم من عبده ﴿ذَلِكُمْ﴾ القتل ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ﴾ من أن تعيشوا لأنه كفارتكم ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ قبل توبتكم قبل استيفاء القتل لجماعتكم ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ الكثير القبول للتوبة البليغ في الرحمة.

(55): ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ عيانا ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إلى الصاعقة تنزل أو إلى أسبأب الموت.

(56): ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ بسبب الصاعقة ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمة البعث وفيه حجة على صحة البعث والرجعة.

(57): ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ لما كنتم في التيه ليقيكم حر الشمس ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ﴾ الترنجبين ينزل عليكم بالليل فتأكلونه ﴿وَالسَّلْوَى﴾ السماني تجيء بالعشاء مشويا فيقع على موائدهم فإذا أكلوا وشبعوا طار عنهم ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ قول الله تعالى ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ لما غيروا وبدلوا ما أمروا به ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ إياها يضرون بالكفران.

(58): ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ حين خرجوا من التيه ﴿ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ هي أريحا من بلاد الشام ﴿فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً﴾ واسعا ﴿وَادْخُلُواْ الْبَابَ﴾ باب القرية أو بيت المقدس أو القبة التي كانوا يصلون إليها ﴿سُجَّداً﴾ لله شكرا أو منحنين ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ سجودنا لله حطة لذنوبنا أو ثقلنا أو أمرك حطة ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ السالفة ﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ من يقارف الذنوب منكم ثوابا بالامتثال كما جعلناه توبة للمسيء.

(59): ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ دخلوا بأستاههم وقالوا ما معناه حنطة حمراء نتقوتها أحب إلينا من هذا الفعل والقول ﴿فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ كرر تأكيدا في تقبيح أمرهم وإيذانا بأن عذابهم بظلمهم ﴿رِجْزاً﴾ عذابا ﴿مِّنَ السَّمَاء﴾ بأن مات منهم في بعض يوم مائة وعشرون ألفا ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ يخرجون عن طاعة الله.

(60): ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ لما عطشوا في التيه ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ﴾ التي دفعها إليه شعيب من آس الجنة أهبط مع آدم طولها عشرة أذرع على طول موسى ولها شعبتان تتقدان في الظلمة ﴿الْحَجَرَ﴾ المعهود روي أنه حجر طوري مربع ينبع من كل وجهه ثلاثة أعين لكل سبط عين يسيل في جدول وكانوا ستمائة ألف سعتهم اثنا عشر ميلا فضربه بها ﴿فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ كل قبيلة ﴿مَّشْرَبَهُمْ﴾ ولا يزاحم الآخرين في مشربهم ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ﴾ من المن والسلوى والماء ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ﴾ تعتدوا ﴿فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ وقيد به لأنه منه ما ليس بفساد كمقابلة المعتدي من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه.

(61): ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ هو المن والسلوى أريد بالواحد أنه لا يتبدل وإن تعددا وضرب واحد لأنهما طعام المتلذذين وهم فلاحة نزعوا إلى ما ألفوه ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا﴾ أطائب الخضر التي تؤكل ﴿وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا﴾ الحنطة أو الخبز أو الثوم ﴿وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ﴾ الله أو موسى ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ تستدعون الأدون ليكون لكم بدلا من الأفضل ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً﴾ من الأمصار ﴿فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ الجزية والفقر فاليهود أذلاء مساكين إما على الحقيقة أو التكلف خوف تضاعف الجزية ﴿وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ رجعوا وعليهم الغضب واللعنة ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ حججه من إفلاق البحر وإظلال الغمام وإنزال المن والسلوى وانفجار الحجر وبالإنجيل والقرآن أو ما في التوراة من صفة محمد ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ بلا جرم منهم إليهم ولا إلى غيرهم كما قتلوا شعيبا وزكريا ويحيى ﴿ذَلِكَ﴾ كرر تأكيدا ﴿بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله مع كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل أي جرهم العصيان والاعتداء إلى الكفر والقتل.

(62): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بأفواههم وهم المنافقون ﴿وَالَّذِينَ هَادُواْ﴾ يقال هاد وتهود إذا دخل في اليهودية ﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصران كسكران ويا نصراني للمبالغة كياء أحمري سموا بذلك لنصرهم المسيح أو لكونهم معه في قرية تسمى ناصرة ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ الذين زعموا أنهم صبوا إلى دين الله وهم كاذبون وقيل هم كاذبون وقيل هم قوم بين اليهود والمجوس لا دين لهم وقيل دينهم يشبه دين النصارى يزعمون أنه دين نوح وقيل هم عبدة النجوم أو الملائكة ﴿مَنْ آمَنَ﴾ منهم ونزع عن كفره ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي بالمبدإ والمعاد ﴿وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ الذي يستوجبونه على الإيمان والعمل ﴿عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من العقاب ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على فوت الثواب.

(63): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ عهودكم أن تعملوا بما في التوراة فأبيتم ذلك ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ الجبل رفع جبرائيل بأمرنا قطعة منه على قدر معسكر أسلافكم فوق رءوسهم حتى قبلوا ﴿خُذُواْ﴾ بتقدير القول ﴿مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ من قلوبكم وأبدانكم قيل لهم إما أن تأخذوا بما أمرتم به فيه وإما أن ألقي عليكم هذا الجبل فالتجئوا إلى قبوله كارهين أو خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد وعزم ﴿وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ﴾ من جزيل ثوابنا على قيامكم به وشديد عقابنا على إبائكم له أو احفظوه أو اعملوا به ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لتتقوا المخالفة أو وجاء منكم أن تكونوا متقين.

(64): ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ عن القيام به ﴿فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بإمهالكم للتوبة وبمحمد يهديكم للحق ﴿لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ بإهلاككم أنفسكم بالمعاصي.

(65): ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ لما اصطادوا السموك فيه وكانوا قد نهوا عنه وكانت قريتهم على البحر ولم يبق فيه حوت إلا أخرج خرطومه يوم السبت فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ مبعدين من كل خير.

(66): ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ أي المسخة ﴿نَكَالاً﴾ عقوبة ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ ما قبلها ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ ما بعدها من الأمم أو لمعاصريهم ومن بعدهم أو لأجل ذنوبهم المتقدمة والمتاخرة ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ من قومهم أو كل متق سمعها.

(67): ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً﴾ قيل كان فيهم شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب المدينة وطالبوا بدمه فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحيا ويخبرهم بقاتله وقيل قتلوا الشيخ وعن الصادق (عليه السلام) قتله ابن عمه ليتزوج ابنته وقد خطبها فرده وزوجها غيره ﴿قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً﴾ سخرية نأتيك بقتيل فتقول اذبحوا بقرة ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ أنسب إلى الله ما لم يقل لي.

(68): ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ﴾ ما صفتها ﴿قَالَ إِنَّهُ﴾ إن الله ﴿يَقُولُ﴾ بعد ما سأل ربه ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ﴾ لا كبيرة ولا صغيرة ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ وسط بين الفارض والبكر ﴿فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ﴾.

(69): ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ حسن الصفرة ليس بناقص ولا مشبع ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ لحسنها.

(70): ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ﴾ ما صفتها يزيد في صفتها ﴿إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ إلى المراد من ذبحها أو القائل روي أنهم لو لم يستثنوا لما تبينت لهم أبدا.

(71): ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ لم تذلل لإثارة الأرض ﴿وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ ولا هي مما تجر الدلاء وتدير النواعير ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من العيوب كلها ﴿لاَّ شِيَةَ فِيهَا﴾ لا لون فيها من غيرها ﴿قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا﴾ بعد ما اشتروها بملء جلدها ذهبا ﴿وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ من عظم ثمنها وكانت ليتيم وكانت البقرة حينئذ بثلاثة دنانير قيل كاد كباقي سائر الأفعال في الأصح فلا ينافي الذبح عدم مقاربته لاختلاف وقتيهما إذ المعنى ما قاربوا الفعل حتى انتهت سؤالاتهم ففعلوا.

(72): ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً﴾ خوطب الجميع لوجود القتيل فيهم ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ فاختلفتم وتدافعتم في القتل ﴿وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من خبر القاتل وإرادة تكذيب موسى.

(73): ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ اضربوا المقتول بذنب البقرة ليحيا ويخبر بقاتله ﴿كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى﴾ في الدنيا والآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أن القادر على إحياء نفس قادر على إحياء الكل.

(74): ﴿ثُمَّ قَسَتْ﴾ غلظت وجفت ويئست من الخير والرحمة ﴿قُلُوبُكُم﴾ معاشر اليهود ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ بعد ما بينت الآيات الباهرات ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ أي زائدة عليها في القسوة ولم يقل أقسى لأن أشد أبلغ أي من عرفها شبهها بالحجارة أو ما هو أقسى منها ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ﴾ بيان التفضيل في الأشدية ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ﴾ ينبع ﴿مِنْهُ الْمَاء﴾ وهو ما يقطر منه الماء حول الأنهار ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ﴾ إذا أقسم عليها باسم الله أو أسماء أوليائه ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بالياء والتاء وهو وعيدهم.

(75): ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ الخطاب للنبي والمؤمنين ﴿أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ﴾ اليهود بقلوبهم ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ﴾ طائفة من أسلافهم ﴿يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ﴾ في أصل جبل طور سيناء ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ إذا أدوه إلى من وراءهم ﴿مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ فهموه بعقولهم ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم في نقولهم كاذبون فما طمعكم في سفلتهم وجهالهم.

(76): ﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ﴾ أي منافقوهم ﴿آمَنَّا﴾ بأنكم على الحق وأن محمدا هو المبشر به في التوراة ﴿وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ﴾ أي الذين لم ينافقوا عاتبين على المنافقين ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ﴾ من دلائل نبوة محمد ﴿لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ﴾ بأنكم قد علمتم هذا فلم تؤمنوا به ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أن الذي تخبرونه به حجة عليكم عند ربكم.

(77): ﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي القائلون لإخوانهم أتحدثونهم ﴿أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ جميعه ومنه إسرارهم الكفر وإعلامهم الإيمان.

(78): ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ لا يقرءون ولا يكتبون ﴿لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم هذا كتاب الله لا يعرفون أن ما قرىء من الكتاب خلاف ما فيه ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ لا علم لهم ويدل على منع التقليد.

(79): ﴿فَوَيْلٌ﴾ تلهف شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم ﴿لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ يحرفون من أحكام التوراة ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ ليأخذوا به عرضا من الدنيا فإنه قليل وإن جل ﴿فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من المحرف ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ﴾ ثانية مضافة إلى الأولى ﴿مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ من المعاصي والرشاء.

(80): ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ قلائل أربعين يوما أيام عبادة العجل وقيل زعموا أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما ﴿قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا﴾ أن عذابكم على كفركم منقطع ﴿فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ﴾ أي إن اتخذتم فمن يخلف إلخ ﴿أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون فأم منقطعة بمعنى بل أو عديلة أي أي الأمرين كائن.

(81): ﴿بَلَى﴾ رد عليهم ﴿مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ أي الشرك ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ بأن تحيط بأعماله فتبطلها أو تخرجه عن جملة دين الله ﴿فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون.

(82): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ شفع قسم الوعد بالوعيد ليرجى ثوابه ويخشى عقابه وأخرج العطف العمل عن الإيمان.

(83): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ عهدهم المؤكد عليهم ﴿لاَ تَعْبُدُونَ﴾ أي لا تعبدوا ﴿إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ وأن تحسنوا بهما إحسانا وأفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد وعلي ﴿وَذِي الْقُرْبَى﴾ وأن تحسنوا بقراباتكم منهما ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ من سكن الضر والفقر حركته ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ﴾ مؤمنهم ومخالفهم ﴿حُسْناً﴾ عاملوهم بخلق جميل ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ عن الوفاء بالعهد ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ﴾ عن العهد تاركين.

(84): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ﴾ لا يريق بعضكم دماء بعض ﴿وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ﴾ لا يخرج بعضكم بعضا ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ﴾ بذلك الميثاق كما أقر به أسلافكم ﴿وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ بذلك.

(85): ﴿ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء﴾ المنافقون ﴿تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ بقتل بعضكم بعضا ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم﴾ حال من فاعل تخرجون يعاون بعضكم بعضا على الإخراج والقتل ﴿بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ الإفراط في الظلم ﴿وَإِن يَأتُوكُمْ﴾ الذين ترومون إخراجهم وقتلهم ﴿أُسَارَى﴾ قد أسرهم الأعداء ﴿تُفَادُوهُمْ﴾ بأموالكم ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ﴾ الضمير للشأن أو مبهم يفسره ﴿إِخْرَاجُهُمْ﴾ أو لمصدر يخرجون وإخراجهم تأكيد ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ﴾ الذي أوجب المفاداة ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ الذي حرم القتل والإخراج ﴿فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ﴾ ذل بضرب الجزية ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وقيل هو قتل قريظة وأسرهم وإجلاء النضير ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ﴾ بالياء والتاء ﴿إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بالتاء والياء تأكيد للوعد.

(86): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ﴾ ابتاعوا حظوظ الدنيا الفانية بنعيم الآخرة الباقية ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ بنقص الجزية في الدنيا وعقوبة الآخرة ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ بالدفع عنهم.

(87): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ والتوراة ﴿ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ جعلنا رسولا في إثر رسول ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾ أعطيناه الآيات الواضحات ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ هو جبرائيل وقيل روح عيسى إذ لم تضمها الأصلاب والأرحام الطوامث أو الإنجيل أو الاسم الأعظم ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ﴾ يا أيها اليهود ﴿بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ﴾ بما لا تحبون ﴿اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ عن الإيمان والاتباع ﴿فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ﴾ كموسى وعيسى ﴿وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ قتل أسلافكم كيحيى وزكريا من قبل وأنتم رمتم قتل محمد في العقبة وقتل علي بالمدينة وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية لتستحضر في النفوس للفضاعة والمفاصلة وأسند إليهم لأنه فعل أسلافهم ورضوا به.

(88): ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ بضم اللام أوعية للخير والعلوم ومع ذلك لا نعرف لك فضلا وبسكونها أي في غطاء فلا نفهم حديثك ﴿بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه﴾ أبعدهم من الخير ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر ﴿فَقَلِيلاً﴾ فإيمانا قليلا ﴿مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ ببعض ويكفرون ببعض.

(89): ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ﴾ أي اليهود ﴿كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ القرآن ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ هو التوراة ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ﴾ أن ظهر محمد بالرسالة ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يسألون الله الفتح والظفر ﴿عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ من أعدائهم ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ﴾ من الحق ﴿كَفَرُواْ بِهِ﴾ حسدا وطلبا للرئاسة ﴿فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أي عليهم أقيم الظاهر مقامه ليفيد أنهم لعنوا بكفرهم.

(90): ﴿بِئْسَمَا﴾ ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس المستكن أي بئس شيئا ﴿اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾ باعوها به صفة ما ﴿أَن يَكْفُرُواْ﴾ هو المخصوص بالذم ﴿بِمَا أنَزَلَ اللّهُ﴾ على موسى من تصديق محمد ﴿بَغْياً﴾ لبغيهم وحسدهم ﴿أَن يُنَزِّلُ﴾ لأن أو على أن ينزل ﴿اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ أي بالوحي ﴿عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ كما أنزل القرآن على محمد ﴿فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ﴾ حين كذبوا بعيسى فجعلوا قردة ﴿عَلَى غَضَبٍ﴾ حين كذبوا بمحمد فسلط عليهم السيف ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ أي لهم أظهر لما مر ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ مذل.

(91): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ﴾ على محمد من القرآن أو كل كتاب أنزله ﴿قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهو التوراة ﴿وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ﴾ حال من فاعل قالوا ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ الضمير لما وهو القرآن لأنه ناسخ لما تقدمه ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ﴾ حال مؤكدة رد لمقالهم إذ كفرهم بما يوافق التوراة كفر بها ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بالتوراة فإن فيه تحريم قتلهم فما آمنتم به بعد.

(92): ﴿وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الآيات التسع ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ معبودا ﴿مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾ حال أي اتخذتموه ظالمين بعبادته أو اعتراض أي وأنتم قوم عادتكم الظلم.

(93): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزم ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ ما يقال لكم ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا﴾ بآذاننا ﴿وَعَصَيْنَا﴾ بقلوبنا أو سمعنا قولك وعصينا أمرك ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ قيل لأنهم مجسمة استحسنوا جسمه فرسخ في قلوبهم حبه ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ بموسى والتوراة أن تكفروا بي ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ كما تزعمون.

(94): ﴿قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ﴾ الجنة ونعيمها ﴿عِندَ اللّهِ خَالِصَةً﴾ خاصة بكم كما زعمتم ﴿مِّن دُونِ النَّاسِ﴾ للجنس أو العهد وهم المسلمون ﴿فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ لأن من أيقن الجنة اشتاقها وتمنى التخلص من دار الفناء والهوان وفي التوراة مكتوب إن أولياء الله يتمنون الموت.

(95): ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ موجبات النار كالكفر بمحمد والقرآن وتحريف التوراة وعبر عن النفس باليد لأنها آلة للإنسان بها عامة صنائعه والجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعنه (عليه السلام) لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ﴾ تهديد لهم.

(96): ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ ليأسهم عن نعم الآخرة ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ محمول على المعنى أي أحرص من الناس ومن الذين أشركوا أفردوا بالذكر لشدة حرصهم إذ لم يعرفوا إلا الحياة الدنيا ﴿يَوَدُّ﴾ يتمنى ﴿أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ حكاية لما ودوا ولو بمعنى ليت ﴿وَمَا هُوَ﴾ التعمير ألف سنة ﴿بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ بمباعده منه ﴿أَن يُعَمَّرَ﴾ بدل التعمير عن الضمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني أو الضمير لا إلى أحدهم وأن يعمر فاعل مزحزحه أي ما واحدهم منجيه عن النار تعميره ﴿وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ عليم بأعمالهم.

(97): ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ﴾ وقرىء جبرئيل كسلسبيل وبفتح الجيم وكسر الراء وبلا همزة كقنديل نزلت لما قال اليهود لو كان الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك فإنه ملك الرحمة وجبرائيل ملك العذاب وهو عدونا ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي جبرائيل ﴿نَزَّلَهُ﴾ أي القرآن ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ أي على فهمك وحفظك وكان حقه على قلبي فجاء على حكاية كلام الله كأنه قيل قل ما تكلمت به ﴿بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بأمره ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ من كتب الله ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أحوال من مفعوله وجزاء الشرط فإنه نزله أي من عاد منهم جبرئيل فغير منصف لأنه ينزل كتابا يصدق الكتب السالفة فحذف الجزاء وأقيم علته مقامه أو من عاداه فبسبب أنه نزل عليك.

(98): ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ﴾ مخالفا له ﴿وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ أفردا بالذكر لفضلهما كأنهما من جنس آخر ولأن النزاع كان فيهما ﴿فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ﴾ يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو وأقيم الظاهر مقام المضمر ليفيد أنه تعالى عاداهم لكفرهم وأن عداوة المذكورين كفر.

(99)-(100): ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ القرآن ودلائله الواضحات نزلت حين قال اليهود ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ﴾ الهمزة للإنكار والواو عاطفة على مقدر أي أكفروا بالآيات وكلما ﴿أَوَكُلَّمَا عََاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ نقضه وطرحه وقيل منهم لأن بعضهم لم ينقض ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ بالتوراة فلا يبالون بنقض العهد.

(101): ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾ محمد أو عيسى أو القرآن ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من التوراة أو موسى ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ﴾ التوراة وسائر كتب الله لأن كفرهم بالمصدق لها كفر بها ﴿وَرَاء ظُهُورِهِمْ﴾ مثل تركهم إياه كمن ترك المرمى وراء الظهر استغناء عنه ﴿كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنه كتاب الله أي علموا وعاندوا.

(102): ﴿وَاتَّبَعُواْ﴾ عطف على نبذوا ﴿مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ أي نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحرة التي تقرؤها أو تتبعها الشياطين من الجن أو الإنس أو منهما ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ على عهده زعما منهم أنه بالسحر نال ما نال ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ ولا استعمل السحر كما! زعم هؤلاء ﴿وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ كفروا بتعليمهم الناس السحر ﴿وَمَا أُنزِلَ﴾ وبتعليمهم إياهم ما نزل ﴿عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ النازلين ﴿بِبَابِلَ﴾ يسميان ﴿هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ أظهرهما الله للناس بصورة بشرين ليقفوا به على حد السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ السحر وإبطاله ﴿حَتَّى يَقُولاَ﴾ للمتعلم ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ امتحان للعباد ﴿فَلاَ تَكْفُرْ﴾ بها باستعمال السحر ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ مما تتلوا الشياطين ومما أنزل على الملكين ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بتخليته فربما أحدث فعلا وربما لم يحدث ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ في دينهم ﴿وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ فيه ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ﴾ أي هؤلاء المتعلمون أو اليهود ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ استبدل السحر بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه أو بكتاب الله واللام للابتداء علقت علموا ﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ نصيب لاعتقادهم أن لا آخرة ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ﴾ باعوا ﴿بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾ ورهنوها بالعذاب ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ يعلمون بعلمهم إذ علم من لا يعمل به كلا علم فلا ينافي إثبات العلم لهم.

(103): ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ﴾ بمحمد والقرآن ﴿واتَّقَوْا﴾ المعاصي كنبذ كتاب لله واتباع السحر ﴿لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه﴾ خير جواب لو، أي لا يثبوا مثوبة فحذف الفعل وعدل إلى الإسمية ليفيد ثبات المثوبة ونكرت لأن المعنى لشيء من الثواب ﴿خَيْرٌ﴾ لهم ﴿لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أن ثواب الله خير مما هم فيه.

(104): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾ أي راع أحوالنا وتأن بنا حتى نفهم ما تلقنا وذلك لأن اليهود توصلوا بهذا اللفظ إلى شتم رسول الله وكانت في لغتهم سبأ بمعنى اسمع لا سمعت وقيل نسبته إلى الرعونة ﴿وَقُولُواْ انظُرْنَا﴾ انظر إلينا ﴿وَاسْمَعُوا﴾ إذ قال لكم أمرا وأطيعوا ﴿وَلِلكَافِرِينَ﴾ للشاتمين ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وأتى بالظاهر إشعارا بالعلة وبأن ذلك يجر إلى الكفر.

(105): ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ الود المحبة ومن للتبيين ﴿وَلاَ الْمُشْرِكِينَ﴾ لا لتأكيد النفي﴿أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم﴾ مفعول يود ﴿مِّنْ خَيْرٍ﴾ هو الوحي ومن مزيدة للاستغراق ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ﴾ بالنبوة ﴿مَن يَشَاء﴾ ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة ﴿وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ يشعر بأن النبوة من الفضل.

(106): ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ﴾ بأن نرفع حكمها ﴿أَوْ نُنسِهَا﴾ بأن نمحو من القلوب رسمها ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا﴾ بما هو أعظم لثوابكم وأجل لصلاحكم ﴿أَوْ مِثْلِهَا﴾ من الصلاح أي لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ألم تعلم خطاب للنبي وأمته لقوله تعالى.

(107): ﴿وَمَا لَكُم﴾ وأفرد لأنه أعلمهم أو لمنكر النسخ ﴿أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فهو يملك أموركم ويجريها على ما يصلحكم من النسخ وغيره ﴿مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يقوم بأمركم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ينصركم.

(108): ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ أيها الكفار واليهود ﴿أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ﴾ ما تقترحوا من الآيات ﴿كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾ واقترح عليه نزلت في أهل الكتاب حين سألوه أن ينزل عليهم كتابا من السماء أو في المشركين حين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قولهم أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ﴾ ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ أي وسطه فلا يصل إلى المقصود.

(109): ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ كحي بن أخطب ونظرائه ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم﴾ يرجعونكم ﴿مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾ مفعول ثان ليردون أو حال من مفعوله ﴿حَسَدًا﴾ علة ود ﴿مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾ متعلق بود أي تمنوا ذلك من قبل أنفسهم لا من قبل التدين أو حسدا منبعثا من أنفسهم ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ صدق محمد ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ﴾ اتركوا العقوبة والتثريب ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾ فيهم بالقتل يوم فتح مكة أو ضرب الجزية أو قتل قريظة وإجلاء النضير ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على الانتقام منهم.

(110): ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾ كأنهم أمروا بهما للاستعانة على مشقة العفو ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ كصلاة وإنفاق ﴿تَجِدُوهُ﴾ تجدوا ثوابه ﴿عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لا يضيع لديه عمل.

(111): ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى﴾ جمع بين قوليهما لا من اللبس بعلم السامع بالتعادي بينهما وهود جمع هائد وإفراد الاسم وجمع الخبر باعتبار اللفظ والمعنى ﴿تِلْكَ﴾ الأماني ﴿أَمَانِيُّهُمْ﴾ التي يتمنونها بلا حجة ﴿قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ على اختصاصكم بالجنة ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في قولكم إذ ما لا دليل عليه باطل.

(112): ﴿بَلَى﴾ رد لمقالتهم ﴿مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾ أخلص نفسه ﴿لِلّهِ﴾ لما سمع الحق ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ في عمله لله ﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ ثابتا لديه ومن شرطية أو موصولة والجملة جوابها أو خبرها والفاء لتضمنها معنى الشرط فالرد بلى وحده أو من فاعل فعل مقدر أي بلى يدخلها من أسلم ﴿وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ في الآخرة.

(113): ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾ من الدين ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ وقيل نزلت حين قدم وفد نجران على الرسول وأتاهم أحبار اليهود وتقاولوا بذلك ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ الواو للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وهم من أهل التلاوة للكتب ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل ذلك ﴿قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ كعبدة الأصنام والدهرية ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ يكفر بعضهم بعضا وبخهم على تشبههم بالجهلة ﴿فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ بين الحزبين ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بأن يكذبهم ويدخلهم النار أو بما يقسم لكل منهم من العقاب.

(114): ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ﴾ قيل نزلت في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله وأحرقوا التوراة والمشركين حين منعوا رسول الله دخول المسجد الحرام عام الحديبية والحكم عام في كل مانع وساع في خراب كل مسجد وإن خص السبب ﴿أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ مفعول ثان لمنع أو مفعول له أي كراهة أن يذكر ﴿وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ لئلا تعمر بطاعة الله ﴿أُوْلَئِكَ﴾ المانعون ﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ من عذابه أو من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يمنعوهم منها أو ما كان لهم في علم الله فهو وعد للمؤمنين بالنصر وقيل معناه النهي عن تمكينهم من دخول المسجد ﴿لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ القتل أو السبي أو الجزية أو فتح مدائنهم إذا قام المهدي أو طردهم عن الحرم ﴿وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ بظلمهم.

(115): ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ يملكهما يعني بهما ناحيتي الأرض أي له الأرض كلها فإن منعتم الصلاة في المساجد فصلوا حيث كنتم ﴿فَأَيْنَمَا﴾ إلى أي جهة صرفتم وجوهكم ﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾ جهته التي جعلها قبلة لكم أو ذاته أي عالم بما فعلتم فيه ﴿إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ﴾ الرحمة فيوسع على عباده ﴿عَلِيمٌ﴾ بمصالحهم قيل منسوخة بآية فول وقيل مخصوصة بحال الضرورة والمروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أنها نزلت في قبلة المتحير وفي التطوع في السفر على الراحلة.

(116): ﴿تُوَلُّواْ وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا﴾ قالت اليهود عزير ابن الله والنصارى المسيح ابن الله ومشركو العرب الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيها له عن ذلك ﴿بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ملكا من جملة ذلك الملائكة وعزير والمسيح ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ منقادون لمشيئته وتكوينه.

(117): ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ منشئهما لا من شيء ولا على مثال سبق ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْراً﴾ أراد خلقه وفعله ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ والمراد تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور بلا توقف لا حقيقة أمر وامتثال.

(118): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ جملة المشركين وأهل الكتاب ﴿لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ﴾ كما تأتيك بزعمك ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم﴾ من الأمم ﴿مِّثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ كأرنا الله جهرة هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ في العمى والعناد ﴿قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.

(119): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ متلبسا به ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ لا جابرا على الإيمان تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ كان يغتم لإصرارهم على الكفر ﴿وَلاَ تُسْأَلُ﴾ على النهي كما عن نافع والباقون على النفي ﴿عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ ما لهم لا يؤمنوا بعد تبليغك.

(120): ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ إقناط له تعالى عن إسلامهم وكأنهم قالوا ذلك فحكاه تعالى ولذا قال ﴿قُلْ﴾ مجيبا لهم ﴿إِنَّ هُدَى اللّهِ﴾ أي الإسلام ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ بالحق لا ما تدعون إليه ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم﴾ بدعهم ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ أي الدين الصحيح أو البيان ﴿مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ يدفع عنك من قبيل إياك أعني.

(121): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ وهم مؤمنوا أهل الكتاب ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾ بالتدبر له والعمل بمقتضاه أو بالوقف عند ذكر الجنة والنار والسؤال في الأولى والاستعاذة في الأخرى ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بكتابهم دون المحرفين ﴿وَمن يَكْفُرْ بِهِ﴾ من المحرفين ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ حيث اشتروا الضلالة بالهدى.

(122): ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

(123): ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ مر مثل الآيتين والتكرير لبعد ما بين الكلامين تأكيدا للتذكير ومبالغة في النصح وإقامة الحجة.

(124): ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ عامله معاملة المختبر وفسرت بذبح ولده والنار وبمناسك الحج وبالكوكب والقمر والشمس وبالعشر الحنيفية وبالكلمات التي تلقاها آدم من ربه وهي أسماء محمد وأهل بيته (عليهم السلام) ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ أداهن بغير تفريط ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ نسلي الواو للاستيناف أو العطف على محذوف ومن للابتداء أو التبعيض أو زائدة أي اجعلني إماما واجعل من ذريتي أو بعضها أو ذريتي على جهة السؤال ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي﴾ الإمامة ﴿الظَّالِمِينَ﴾ لا يكون السفيه إمام التقي دلت على وجوب عصمة النبي والإمام لصدق الظالم على العاصي سواء فسر بانتقاص الحق أو بوضع الشيء في غير موضعه.

(125): ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ﴾ الكعبة ﴿مَثَابَةً لِّلنَّاسِ﴾ مرجعا ومحل عود أو موضع ثواب ﴿وَأَمْناً﴾ فريضة أو فداء ﴿وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ من دخله كان آمنا ﴿وَاتَّخِذُواْ﴾ بتقدير القول ﴿مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ الحجر الذي قام عليه ودعا الناس إلى الحج أو بنى البيت ﴿مُصَلًّى﴾ موضع صلاة أو قبلة ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أمرناهما ﴿أَن﴾ بأن أو أي ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ نحيا عنه المشركين أو من الأصنام والأنجاس ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ الدائرين حوله ﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾ المقيمين عنده أو المعتكفين فيه ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ المصلين.

(126): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا﴾ البلد أو المكان ﴿بَلَدًا آمِنًا﴾ ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا أهله كليل نائم ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ ومن آمن بدل البعض من أهله ﴿قَالَ﴾ الله تعالى ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ عطف على محذوف أي ارزق من آمن ومن كفر ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾ أزمانا أو متاعا ﴿قَلِيلاً﴾ في الدنيا قل متاع الدنيا قليل ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ﴾ ألزمه ﴿إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمخصوص محذوف أي العذاب.

(127): ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ﴾ حكاية حال ماضية ﴿الْقَوَاعِدَ﴾ جمع قاعدة أي الأساس ورفعها البناء عليها أو السافات إذ كل ساف قاعدة ﴿مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ ولعل الفصل لأنه كان يناوله الحجارة قائلين ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ﴾ لدعائنا ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنياتنا.

(128): ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ﴾ مخلصين أو منقادين ﴿لَكَ﴾ والمراد طلب الزيادة في الإخلاص أو الانقياد أو الثبات عليه ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنَا﴾ واجعل بعضها وخصا البعض لما علما أن فيهم ظلمة ﴿أُمَّةً﴾ من أمه إذا قصده قيل للجماعة لأنها تام ﴿مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ أمة محمد لقوله وابعث فيهم وعن الصادق (عليه السلام) هم بنو هاشم خاصة ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ عرفنا متعبداتنا أو مذابحنا أو عبادتنا ﴿وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ بعباده.

(129): ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ﴾ في تلك الأمة ﴿رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ من تلك الأمة ولم يبعث منهم غير محمد قال أنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ دلائل التوحيد والنبوة الموحاة إليهم ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ المعارف والأحكام ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم من خبائث العقائد والأخلاق والأعمال ﴿إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ﴾ لا تغلب على ما تريد ﴿الحَكِيمُ﴾ المحكم له.

(130): ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ إنكار واستبعاد وهي دين الإسلام والحنيفية العشر التي جاء بها ﴿إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أذلها واستخف بها قيل سفه بالكسر متعد وبالضم لازم وفي السجادي ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ﴾ الرسالة ﴿فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ المستقيمين على الخير ومن كان كذلك كان حقيقا بالإتباع لا يرغب عنه إلا سفيه.

(131): ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ظرف لاصطفيناه أو لأذكر مقدرا.

(132)-(133): ﴿وَوَصَّى بِهَا﴾ بالملة أو كلمة أسلمت ﴿إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ الأربعة إسماعيل وإسحق ومدين ومدان ﴿وَيَعْقُوبُ﴾ أي وصى بها يعقوب بنيه الاثني عشر قائلا ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ﴾ الإسلام ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء﴾ إنكاري أي ما كنتم حاضرين ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ المراد به أخذ ميثاقهم على الثبات على الإسلام والتوحيد ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ﴾ عطف بيان لآبائك وعد إسماعيل منهم لأن العم يسمى أبا ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾ بدل من إله آبائك للتصريح بالتوحيد ورفع توهم ينشأ من تكرير المضاف أو نصب على الاختصاص ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ حال من فاعل نعبد أو مفعوله أو منهما أو اعتراض.

(134): ﴿تِلْكَ﴾ أي إبراهيم ويعقوب وبنوهما ﴿أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ مضت ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ﴾ لكل أجر عمله ﴿وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لا تؤاخذون بمعاصيهم كما لا تثابون بطاعاتهم.

(135): ﴿وَقَالُواْ﴾ أي أهل الكتاب ﴿كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ أي دعا كل من الفريقين إلى دينه ﴿تَهْتَدُواْ﴾ جواب كونوا ﴿قُلْ بَلْ﴾ نتبع ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ حال أي مائلا من الباطل إلى الحق ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ تعريض بأهل الكتاب وغيرهم إذ دعوا أتباعه وهم مشركون.

(136): ﴿قُولُواْ﴾ أيها المؤمنون ﴿آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ أي القرآن ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ﴾ صحف إبراهيم فإنها منزلة إليهم لأنهم متعبدون بما فيها كما أن القرآن منزل إلينا والأسباط حفدة يعقوب ذراري بنيه الاثني عشر ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ التوراة والإنجيل وخصا بالذكر لأنه احتجاج على أهل الكتابين ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ﴾ المذكورون وغيرهم ﴿مِن رَّبِّهِمْ﴾ منزلا منه ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى وأضيفت بين إلى أحد لعمومه في سياق النفي ﴿وَنَحْنُ لَهُ﴾ لله تعالى ﴿مُسْلِمُونَ﴾ منقادون مخلصون.

(137): ﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ﴾ دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم التي آمنتم بها ﴿فقد اهتدوا وإن تولوا﴾ أعرضوا عن الإيمان ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ مخالفة للحق فهم في شق غير شقه ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ﴾ وعد له تعالى النصر عليهم ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لدعائك ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنيتك وهو مستجيب لك فهو من تمام الوعد أو وعيد للمعرضين أي يسمع أقوالهم ويعلم أعمالهم فيجازيهم عليها.

(138): ﴿صِبْغَةَ اللّهِ﴾ مصدر مؤكد لآمنا أي صبغنا الله صبغة وهي الفطرة التي فطر الناس عليها أو هدانا دينه أو طهرنا بالإيمان تطهيرا سماه صبغة للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية يجعلون ذلك تطهيرا لهم ومحققا لنصرانيتهم ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً﴾ لا صبغة أحسن من صبغته ﴿وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾ عطف على آمنا.

(139): ﴿قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا﴾ تجادلوننا ﴿فِي اللّهِ﴾ في أمره واصطفائه النبي من العرب دونكم قيل قال أهل الكتاب كل الأنبياء منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت ﴿وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ الكل عباده يصيب برحمته من يشاء ﴿وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ دونكم.

(140): ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ أم منفصلة والهمزة للإنكار وقرىء بتاء الخطاب فيجوز كونها عديلة همزة أتحاجوننا ﴿قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ﴾ وقد قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا وقال ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده والمعطوفون عليه أتباعه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ﴾ تعريض لأهل الكتاب بكتمهم ما نزل في محمد ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وعيد لهم.

(141): ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ كرر تأكيدا للزجر عن الاتكال على فضل الآباء وأريد بالأمة هناك الأنبياء وهنا أسلاف أهل الكتاب.

(142): ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ﴾ ما صرفهم ﴿عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ أي بيت المقدس ﴿قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي الأرض كلها ﴿يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو ما توجبه الحكمة من المصلحة.

(143): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي كما جعلناكم مهتدين ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ عدولا أو خيارا وعنهم (عليهم السلام) نحن الأمة الوسط وإيانا عنى وفي قراءتهم أئمة ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ بأعمالهم المخالفة للحق في الدنيا والآخرة أو حجة عليهم تبينون لهم أو تشهدون للأنبياء على أممهم المنكرين لتبليغهم ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ بما عملتم أو حجة تبين لكم أو يشهد بعدالتكم وعديت شهادته بعلى لأنه كالرقيب عليهم ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا﴾ بيت المقدس ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ﴾ نمتحن الناس فنميز ﴿مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ في الصلاة إليه ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ فيرتد لألفة بقبلة آبائه أو ليتعلق عليها به وجودا أو ليعلم أولياءه الرسول والمؤمنون وفي الولاية إشعار بأن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم وقيل المراد الكعبة أي ما رددناك إلى ما كنت عليها إلا لنعلم الثابت من المرتد لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلي بمكة إليها ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس ثم رد إليها بعد الهجرة ﴿وَإِن كَانَتْ أَنَّهُ﴾ التحويلة أو القبلة وإن مخففة ﴿لَكَبِيرَةً﴾ ثقيلة واللام فارقة ﴿إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾ إلى الحكمة الثابتين على اتباع الرسول ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ صلاتكم نزلت حين قال المسلمون كيف حال من صلى إلى بيت المقدس ﴿إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ لا يضيع أعمالهم.

(144): ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾ تردده ﴿فِي السَّمَاء﴾ في جهتها ترقبا للوحي نزلت حين عيرته اليهود بأنه تابع لقبلتهم واغتم لذلك وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يترقب أن يحوله ربه للكعبة لأنه قبلة أبيه إبراهيم وأدعى للعرب إلى اتباعه ولمخالفة اليهود ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ لمقاصد دينية وافقت حكمة الله تعالى ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ نحوه ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ﴾ أيها الناس ﴿فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ خصه أولا ثم عمم تصريحا لعموم الحكم ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ﴾ أي التوجه إلى الكعبة ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ لتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ وعد ووعيد للحزبين وقرىء بتاء الخطاب.

(145): ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ﴾ برهان وحجة ﴿مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ﴾ عنادا ﴿وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ لتعصبهم وتصلبهم واليهود تستقبل الصخرة والنصارى المشرق ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم﴾ فرضا ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ﴾ بالوحي ﴿مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أكد الوعيد له لطفا للسامعين وتحذيرا عن اتباع الهوى وتحريصا على الثبات على الحق.

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ﴾ أي علماؤهم ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ أي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأوصافه ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ﴾ لا يشبهون عليهم بغيرهم أو الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ مبتدأ خبره ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ واللام للعهد إشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس أي الحق ما كان من ربك أو الحق خبر محذوف أي هو الحق والظرف حال أو خبر ثان ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ الشاكين في ذلك من قبيل إياك أعني.

(148): ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ لكل أهل ملة قبلة أو لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة والتنوين للعوض ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ وجهة أو الله تعالى موليها إياه وقرىء مولاها أي مولى تلك الجهة ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾ الطاعات ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ﴾ في أي موضع متم ﴿يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ﴾ إلى المحشر ﴿جَمِيعًا﴾ من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومتفرقها وعنهم (عليهم السلام) أنها في أصحاب القائم يفقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه جمعكم.

(149): ﴿وَمِنْ حَيْثُ﴾ من أي بلد ﴿خَرَجْتَ﴾ إلى السفر ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ في الصلاة ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بالتاء والياء.

(150): ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ قيل كرر تأكيدا لأمر القبلة وتثبيتا للقلوب عن فتنة النسخ وذكر في كل آية غاية للتحويل من ابتغاء مرضاة الرسول وجرى عادة الله على توليته كل أمة وجهة ودفع حجة المخالف ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ علة لولوا أي توليتكم عن الصخرة إلى الكعبة ترد احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلة الكعبة والمشركين بأنه يخالف قبلة إبراهيم ويدعي ملته ﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾ استثناء من الناس أي لئلا يكون حجة لأحد من الناس إلا المعاندين من اليهود القائلين ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبه لبلده وسمي حجة لسوقهم إياه مساقها أو من العرب القائلين رجع إلى قبلة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم إذ الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة إذ لا حجة للظالم ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ﴾ من مطاعنهم ﴿وَاخْشَوْنِي﴾ بمخالفة أمري ﴿وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ عطف على لئلا وعلة محذوف أي وأمرتكم لإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم.

(151): ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ﴾ متصل بسابقه أي ولأتم نعمتي عليكم بالقبلة أو الثواب كما أتممتها بإرسال رسول منكم أو بلاحقه أي كما ذكرتكم بإرساله فاذكروني ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ﴾ يعرفكم ما تكونون به أزكياء ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ مما لا سبيل إلى علمه إلا بالوحي.

(152): ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ بطاعتي ﴿أَذْكُرْكُمْ﴾ برحمتي ﴿وَاشْكُرُواْ لِي﴾ نعمتي ﴿وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ بجحدها.

(153): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ﴾ على الجهاد أو الطاعات ﴿بِالصَّبْرِ﴾ عن الشهوات ﴿وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالنصر والتوفيق.

(154): ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ﴾ أي هم أموات ﴿بَلْ﴾ هم ﴿أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾ كيف حياتهم في الصافي أن أرواح المؤمنين في الجنة على صور أبدانهم فلو رأيته لقلت فلان وعنه (عليه السلام) أنها تصير في مثل قوالبهم ويعرفون القادم عليهم بصورته وعلى هذا فتخصيص الشهداء لمزيد قربهم ونزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر.

(155): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ نختبرنكم اختبار الممتحن ﴿بِشَيْءٍ﴾ بقليل ﴿مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ قيل الخوف خوف الله والجوع الصوم والنقص من الأموال الزكاة ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد لأنهم ثمرة القلب ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

(156): ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ﴾ إقرارا بالملك ورضا بالقضاء ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ إقرار بالهلك والبعث للجزاء.

(157): ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أنواع الأثنية الجميلة ويفيد أن الصلاة ليست من خصائص النبي فيجوز أن يصلي على غيره بانفراده فعلى آله بطريق أولى ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ وإحسان ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ للحق في الاسترجاع والتسليم.

(158): ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾ هما جبلان بمكة معروفان ﴿مِن شَعَآئِرِ اللّهِ﴾ من أعلام مناسكه ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ نزلت حين تحرج المسلمون من الطواف بهما وعليهما الأصنام أو حين ظنوا أن السعي بهما شيء صنعه المشركون ﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ تبرع زيادة على الواجب من حج أو عمرة أو غيره أو الأعم أو من فعل طاعة من فرض أو نفل وقرىء يطوع وأصله يتطوع ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ﴾ مجاز على ذلك ﴿عَلِيمٌ﴾ به.

(159): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ من أهل الكتاب أو الأعم ﴿مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ﴾ في أمر محمد أو الأعم ﴿وَالْهُدَى﴾ ما يهدي إلى الحق ﴿مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾ التوراة والإنجيل أو الأعم ﴿أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ كل من يتأتى منه اللعن حتى أنفسهم يقولون لعن الله الظالمين.

(160): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾ من كتمانهم ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ أعمالهم وما كانوا أفسدوه ﴿وَبَيَّنُواْ﴾ ما كتموا ﴿فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ أقبل توبتهم ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البالغ في العقود والإحسان.

(161): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من الكاتمين وغيرهم ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ لم يتوبوا ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ قيل الأول لعنهم أحياء وهذا لعنهم أمواتا.

(162): ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ في اللعنة أو النار ﴿لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ نظر رحمة أو لا يمهلون ليعتذروا.

(163): ﴿وَإِلَهُكُمْ﴾ المستحق للعبادة ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا شريك له في الإلهية ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ تقرير لوحدانيته بنفي غيره وإثباته ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ المولى لجميع النعم أصولها وفروعها.

(164): ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ على هذا الطراز العجيب والنمط الغريب وما فيها من العجائب والغرائب والمنافع والمصالح ﴿وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ اعتقابهما كل يخلف الآخر ﴿وَالْفُلْكِ﴾ السفن ﴿الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ﴾ بنفعهم أو بالذي ينفعهم والاستدلال بأحوالها وبالبحر وعجائبه ﴿وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء﴾ السحاب وما فوقه ﴿مِن مَّاء﴾ بيان لما ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بالنبات ﴿وَبَثَّ﴾ فرق ﴿فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ تقليبها في مهابها وأحوالها وقرىء الريح ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ﴾ الرياح تقلبه ﴿بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ بمشيئة الله تعالى ﴿لآيَاتٍ﴾ دلائل على وجود الإله ووحدته وعلمه وقدرته تعالى وسائر صفاته ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتفكرون فيها بعقولهم.

(165): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً﴾ من الأصنام أو الرؤساء الذين يتبعونهم ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ يعظمونهم ﴿كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾ لا يعدلون عنه إلى غيره ﴿وَلَوْ يَرَى﴾ يعلم ﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بالشرك ﴿إِذْ يَرَوْنَ﴾ حين يرون ﴿الْعَذَابَ﴾ في القيامة ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ﴾ القدرة ﴿لِلّهِ جَمِيعاً﴾ أي لندموا وقرىء ترى على الخطاب أي لرأيت أمرا عظيما ﴿وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ استيناف.

(166): ﴿إِذْ تَبَرَّأَ﴾ بدل من إذ يرون ﴿الَّذِينَ اتُّبِعُواْ﴾ الرؤساء ﴿مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ﴾ من الأتباع ﴿وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ﴾ حال بإضمار قد ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ الوصل التي كانت بينهم من مودة أو قرابة.

(167): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ﴾ الأتباع ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ ليت لنا عودة إلى الدنيا ﴿فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ﴾ الأمر الفظيع ﴿يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾ ندامات ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ عدل عن وما يخرجون إليه مبالغة في الخلود وإقناطا من الكرة.

(168): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ﴾ من أنواع ثمارها وأطعمتها ﴿حَلاَلاً﴾ مباحا مفعول كلوا أو صفته مصدر محذوف ﴿طَيِّباً﴾ ملتذا أو طاهرا من الشبه ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ ما يخطو بكم إليه ويعزيكم به من مخالفة الرسول فتحرموا حلالا وتحللوا حراما ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهر العداوة.

(169): ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ﴾ القبائح ﴿وَالْفَحْشَاء﴾ ما تجاوز الحد في القبح ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ كادعاء الأنداد والأولاد وتحريم حلاله وبالعكس.

(170): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا﴾ وجدنا ﴿عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾ نزلت في المشركين أو اليهود ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً﴾ من الدين ﴿وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ للحق.

(171): ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ يصيح ﴿بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء﴾ أي مثل داعي الذين كفروا كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع إلا تصويته ولا تفهم معناه ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ عن الهدى ﴿فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ لتركهم النظر.

(172): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من مستلذاته أو حلاله ﴿وَاشْكُرُواْ لِلّهِ﴾ الذي رزقكموها ﴿إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ فإن العبادة لا تتم إلا بالشكر.

(173): ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ ما مات حتف أنفه ﴿وَالدَّمَ﴾ أي المسفوح منه لقوله أو دما مسفوحا ﴿وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ﴾ وإن ذكي ﴿وَمَا أُهِلَّ﴾ صوت ﴿بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ﴾ ما ذبح للأصنام تقربا إليها فذكر اسم غير الله ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ إلى شيء من هذه المحرمات ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ خارج على الإمام أو باغ الصيد بطرا ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ متعد بقطع الطريق ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ ستار لعيوبكم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بكم بإباحة المحرمات في الضرورة.

(174): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ من اليهود وغيرهم ﴿مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ التوراة في بعث محمد ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا﴾ عوضا ﴿قَلِيلاً﴾ من حطام الدنيا ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ﴾ ملؤها يقال أكل في بطنه وفي بعض بطنه ﴿إِلاَّ النَّارَ﴾ إذ يؤديهم ذلك إليها ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ بكلام خير بل بنحو اخسئوا أو عبر به عن غضبه ﴿وَلاَ يُزَكِّيهِمْ﴾ من ذنوبهم أو بالثناء عليهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم.

(175): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى﴾ الكفر بالإيمان ﴿وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ إذ كتموا الحق للرشا ﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ تعجب من التباسهم بموجبات النار بلا مبالاة.

(176): ﴿ذَلِكَ﴾ العذاب ﴿بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ فكذبوه وكتموه ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ﴾ القرآن فقالوا سحر وشعر وكهانة وأساطير الأولين أو كتب الله فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ﴿لَفِي شِقَاقٍ﴾ خلاف ﴿بَعِيدٍ﴾ عن الحق.

(177): ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ﴾ الطاعة ﴿أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ﴾ بصلاتكم ﴿قِبَلَ الْمَشْرِقِ﴾ أيها النصارى ﴿وَالْمَغْرِبِ﴾ أيها اليهود ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ﴾ بر ﴿مَنْ آمَنَ﴾ ولكن ذا البر من آمن ﴿بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ صدق بالمبدإ والمعاد ﴿وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ﴾ جنسه أو القرآن ﴿وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ أي مع حب المال أو الإيتاء أو حب الله ﴿ذَوِي الْقُرْبَى﴾ للمعطي والرسول وهو مروي عن الصادق (عليه السلام) ﴿وَالْيَتَامَى﴾ المحاويج منهم ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾ من لم يجدوا نفقة السنة ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ المسافر المنقطع به سمي ابنه للملازمة وقيل الضيف ﴿وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾ بحدودها ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ المفروضة ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ﴾ عطف على من آمن ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ نصب على المدح ﴿فِي الْبَأْسَاء﴾ مجاهدة النفس أو الفقر ﴿والضَّرَّاء﴾ الفقر والشدة أو المرض ﴿وَحِينَ الْبَأْسِ﴾ عند شدة القتال ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في إيمانهم ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ لما أمروا باتقائه.

(178): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ﴾ فرض ﴿عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ المساواة أو التعويض ﴿فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ يقتص به ﴿وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ﴾ ترك ﴿لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ﴾ فعلى العافي اتباع ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ من غير استزادة ولا تعنيف ﴿وَأَدَاء﴾ من الجاني ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى العافي ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ من غير بخس ولا مماطلة ﴿ذَلِكَ﴾ الحكم المذكور ﴿تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ لما فيه من التسهيل والنفع ﴿فَمَنِ اعْتَدَى﴾ بالقتل أو التمثيل ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد قبول الدية ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

(179): ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ لأن من علم أن القصاص واجب لا يجترىء على القتل ﴿يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾ نودوا للتأمل في حكمة القصاص ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ القتل خوفا من القصاص.

(180): ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ ظهرت أسبأبه وأماراته ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا﴾ مالا كثيرا ﴿الْوَصِيَّةُ﴾ مرفوع بكتب وتذكيره بتأويل أن توصوا ﴿لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالعدل فلا يتجاوز الثلث ولا يفضل الغني ولا يضر الوارث ﴿حَقًّا﴾ مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قيل وجوبها منسوخ وجوازها واستحبابها باق.

(181): ﴿فَمَن بَدَّلَهُ﴾ غير ذلك الإيصاء ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ وتحققه ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ﴾ إثم التبديل ﴿عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وعيد للمبدل.

(182): ﴿فَمَنْ خَافَ﴾ توقع وعلم ﴿مِن مُّوصٍ جَنَفًا﴾ ميلا عن الحق في الوصية خطأ ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ تعمدا للجنف ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ بالرد إلى الحق ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ في تبديل الباطل إلى الحق بخلاف العكس ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ للمذنب ﴿رَّحِيمٌ﴾ به فكيف للمصلح المستحق الأجر.

(183): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ فرض ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي الأنبياء والأمم من لدن آدم والتشبيه في أصل الصوم وقيل في العدد والوقت ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ به المعاصي فإنه يقمع الشهوة كما قال خصاء أمتي الصوم.

(184): ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ محصورات أو قلائل ونصبها بالصيام ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾ بحيث يضر به الصوم ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ راكب سفر ﴿فَعِدَّةٌ﴾ فعليه صوم عدة أيام المرض والسفر ﴿مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وهو صريح في الوجوب ودعوى أنه رخصة بإضمار فأفطر تعسف ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ هم الذين يكون الصيام بقدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعسر خيرهم بين الفدية وبين الصوم إذ لا يكلف إلا بما دون الطاقة ﴿فِدْيَةٌ﴾ عن كل يوم ﴿طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ إن أفطروا ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ زاد في مقدار الفدية ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ﴾ أيها المطيقون ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الفدية وتطوع الخير ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ منهم وقيل كان القادرون على الصوم مخيرين بينه وبين الفدية ثم نسخ بقوله فمن شهد وقيل غير منسوخ بل المراد به الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ومن كان يطيقه ثم أصابه كبر أو عطاش فصار لا يطيقه إلا بمشقة وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام).

(185): ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ خبر محذوف أي الأيام المعدودات أو مبتدأ خبره ﴿الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ نزل فيه جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة أو ابتداء إنزاله فيه وأنزل في شأنه ﴿هُدًى﴾ هاد ﴿لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ﴾ آيات واضحات ﴿مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل ﴿فَمَن شَهِدَ﴾ حضر غير مسافر ولا مريض ﴿مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ تأكيدا لوجوب الإفطار والقضاء ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ في جميع أموركم ﴿وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ فلذا أمر بالإفطار في السفر والمرض ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ﴾ أيام الشهر بالصيام ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ تعظموه على هدايته إياكم أو فدية تكبير صلاة العيد والتكبيرات بعد أربع صلوات ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ تسهيله الأمر لكم.

(186): ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ نزلت حين سألوا أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ عليهم بأحوالهم سميع لدعائهم كما يسمع القريب كلام صاحبه ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ إذا أتى بشرائط الدعاء وعرف من يدعو ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾ إذا دعوتهم للإيمان والطاعة ﴿وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾ وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ يصيبون الحق ويهتدون إليه.

(187): ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ﴾ كناية عن المواقعة ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ استيناف يبين سبب الإحلال وهو صعوبة الصبر عنهن لشدة الملابسة والمخالطة التي هي وجه تمثيل كل منهما باللباس لصاحبه أو بستر كل منهما حال صاحبه ومنعه عن الفجور ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ﴾ روي أنها نزلت حين كان النكاح في ليالي شهر رمضان والأكل فيها بعد النوم حراما فنكح قوم من الشبان فيها سرا ونام رجل قبل الإفطار وحضر حفر الخندق فأغمي عليه ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ﴾ من الولد ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ بياض النهار من سواد الليل وهو الفجر الصادق المعترض في الأفق الذي لا شك فيه ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾ بيان حده ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ التي يجوز الاعتكاف فيه وهي كل مسجد جامع على الأظهر ﴿تِلْكَ﴾ الأحكام المذكورة ﴿حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ بالمخالفة نهوا عن قربها مبالغة في منع التعدي ﴿كَذَلِكَ﴾ البيان ﴿يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ تعدي حدوده.

(188): ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم﴾ لا يأكل بعضكم مال بعض ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ بالوجه الذي لم يشرعه الله ﴿وَتُدْلُواْ بِهَا﴾ عطف على تأكلوا أي ولا تلقوا أمرها ﴿إِلَى الْحُكَّامِ﴾ بالجور ﴿لِتَأْكُلُواْ﴾ بالتحاكم ﴿فَرِيقًا﴾ طائفة ﴿مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ﴾ بموجب الإثم كاليمين الكاذبة وشهادة الزور ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم مبطلون.

(189): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾ ما الحكمة في اختلاف حالها وزيادتها ونقصانها ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ معالم لهم يوقتون بها معاملاتهم وعدد نسائهم وصومهم وفطرهم ومعالم للحج ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾ من ظهورها كان الرجل إذا أحرم نقب في مؤخر بيته نقبا منه يدخل ويخرج وروي معناه أن تأتوا الأمور من غير وجوهها ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ ما حرم الله ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ ائتوا الأمور من وجوهها وعنهم (عليهم السلام) هي بيوت العلم ونحن أبوابها ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكي تظفروا بالهدى.

(190): ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ جاهدوا في دينه لإعزازه ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ لا الكافين فتكون منسوخة تقابلوا المشركين أو أريد بهم من يتوقع منهم القتال ليخرج الشيوخ والصبيان والنساء ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ عما حد الله في القتل ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

(191): ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ وجدتموهم في حل أو حرم ﴿وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أي مكة ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أي شركهم وصدهم إياكم عن الحرم أعظم من قتلكم إياهم فيه ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ﴾ تفاتحوهم بالقتال ﴿عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ فإنهم هم الذين هتكوا حرمة الحرم ﴿كَذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ يفعل بهم كفعلهم.

(192): ﴿فَإِنِ انتَهَوْاْ﴾ عن القتال والشرك ﴿فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ بهم.

(193): ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ شرك ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾ الطاعة والعبادة ﴿لِلّهِ﴾ وحده ﴿فَإِنِ انتَهَواْ﴾ عن الشرك ﴿فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ فلا تعتدوا على المنتهين وسمي جزاء الظلم ظلما للمشاكلة كاعتدوا عليه.

(194): ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ أي إذا قاتل المشركون في الشهر الحرام جاز قتالهم فيه ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ يجري فيها القصاص فلما هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثله ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ فلا تعتدوا في الانتصار ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ فينصرهم.

(195): ﴿وَأَنفِقُواْ﴾ من أموالكم ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ في وجوه البر والجهاد ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ﴾ أي أنفسكم ﴿إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ بالإسراف وكل ما يؤدي إلى الإهلاك ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي المقتصدين.

(196)-(197): ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ﴾ ائتوا بهما تامين كاملين ﴿لِلّهِ﴾ لوجه الله خالصا ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ منعكم خوف أو مرض بعد ما أحرمتم ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ فعليكم إذا أردتم التحليل ما تيسر من الأنعام تبعثونه ﴿وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ مكانه الذي ينحر فيه وهو في المرض للحاج منى يوم النحر وللمعتمر مكة في الساعة التي وعد المبعوث معهم وفي العدو مكانه الذي صد فيه حين يريد الإحلال ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً﴾ مرضا محوجا للحلق ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ﴾ كقمل أو غيره ﴿فَفِدْيَةٌ﴾ أي فحلق فالواجب فدية ﴿مِّن صِيَامٍ﴾ ثلاثة أيام ﴿أَوْ صَدَقَةٍ﴾ على عشرة مساكين لكل مد وروي ستة لكل مدان ﴿أَوْ نُسُكٍ﴾ ذبح شاة ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ﴾ استمتع بعد التحلل من عمرته بإباحة ما حرم عليه ﴿إِلَى الْحَجِّ﴾ إلى أن يحرم بالحج ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ شاة ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ في أيامه أي في ذي الحجة ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ إلى أهاليكم فإن أقام بمكة انتظر وصول أهل بلده ثم يصوم ما لم يتجاوز شهرا فيجتزي به ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ في بدلية الهدي لا تنقص عن الأضحية الكاملة أو تأكيد آخر مبالغة في حفظ العدد ﴿ذَلِكَ﴾ أي التمتع ﴿لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ من كان منزله على ثمانية وأربعين ميلا منه ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي وقته ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ معروفات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل تسعة من ذي الحجة بليلة النحر وقيل العشرة فالجمع لإقامة البعض مقام الكل أو لاستعماله فيما فوق الواحد وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت أفعاله وإحرامه ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ بأن لبى أو أشعر أو قلد ﴿ فَلاَ رَفَثَ ﴾ هو الجماع ﴿وَلاَ فُسُوقَ﴾ هو الكذب والسبأب ﴿وَلاَ جِدَالَ﴾ هو قول لا والله وبلى والله ﴿فِي الْحَجِّ﴾ في أيامه ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ يجازيكم به ﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾ لمعادكم التقوى ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ وقيل كان أهل اليمن لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ويكونون كلا على الناس فنزلت فيهم ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ خصوا بالخطاب إشعارا بأن مقتضى العقل خشية الله وتقواه.

(198): ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ إثم ﴿أَن تَبْتَغُواْ﴾ في أن تطلبوا ﴿فَضْلاً﴾ رزقا ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بالتجارة قيل كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع ذلك أو المراد مغفرة منه ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم﴾ دفعتم أنفسكم بكثرة ﴿مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾ بالتسبيح ونحوه ﴿عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ لدينه أي بإزاء هدايته أو كما علمكم المناسك وغيرها ﴿وَإِن﴾ مخففة ﴿كُنتُم مِّن قَبْلِهِ﴾ قبل الهدى ﴿لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾ الجاهلين.

(199): ﴿ثُمَّ أَفِيضُواْ﴾ يا معشر قريش ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ من عرفات وكان قريش يقفون بجمع ولا يقفون مع سائر الناس بعرفات ترفعا عليهم فأمروا بمساواتهم فثم لتفاوت ما بين الإفاضتين إذ تلك حرام وهذه واجبة وقيل من جمع إلى منى بعد الإفاضة من عرفات إليها والأمر عام ويراد بالناس إبراهيم والأنبياء وهو الأنسب بثم والسوق ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ﴾ من جاهليتكم عند الإفاضة إلى المشعر أو من ذنوبكم ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

(200): ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾ ذكرا كثيرا ﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ﴾ كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون فيذكرون مفاخر آبائهم وأيامهم ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ بأن تزيدوا في ذكر آلائه وشكر نعمائه ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا﴾ اجعل عطاءنا ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ خاصة ﴿وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ نصيب.

(201): ﴿وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ كالصحة والأمن وسعة الرزق وحسن الخلق ﴿وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ رضوانك والجنة ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ بالعفو وعن علي (عليه السلام) الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار امرأة السوء.

(202): ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ من جنسه وهو جزاؤه أو من أجله ﴿وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يحاسبهم في قدر لمحة.

(203): ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ كبروه أدبار الصلاة في أيام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة في منى وعشر في غيرها أولها ظهر يوم النحر ﴿فَمَن تَعَجَّلَ﴾ استعجل النفر ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ أي نفر في ثاني أيام التشريق بعد الزوال والرمي إلى الغروب ﴿فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بتعجيله ومن تأخر إلى الثالث فنفر فيه أي وقت شاء بعد الرمي قال الصادق (عليه السلام) لو سكت لم يبق أحد إلا تعجل ولكنه قال ﴿وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ أي ذلك التخيير للمتقي المعاصي لأنه الحاج على الحقيقة أو لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيجازيكم بأعمالكم.

(204): ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ نزلت في المرائي أو المنافق أو الأخنس بن شريق ﴿مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي قوله في ذمها وزوالها أو يعجبك في الدنيا كلامه دون الآخرة إذ لا حقيقة له ﴿وَيُشْهِدُ اللّهَ﴾ يستشهده ويحلف به ﴿عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ أي أنه مضمر ما يقول ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ جمع خصم أي أشد الخصوم خصومة أو شديد المخاصمة.

(205): ﴿وَإِذَا تَوَلَّى وَاللّهُ﴾ عنك أو صار واليا ﴿سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ كما فعل الأخنس بثقيف إذ بيتهم وأهلك مواشيهم وأحرق زروعهم أو كما تفسد ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم حتى يحبس الله بشؤمه القطر فيهلك الحرث والنسل ﴿لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾ لا يرضاه.

(206): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ﴾ حملته الحمية الجاهلية على الإثم الذي أمر باتقائه ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ كفته عقوبة ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ الوطء هي له.

(207): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ يبعها ويبذلها ﴿ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾ نزلت في علي (عليه السلام) حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الغار وبات على فراشه يفديه بنفسه ﴿وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

(208): ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ﴾ الانقياد والطاعة أو الإسلام أو الصلح ﴿كَآفَّةً﴾ جميعا ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ بتفرقكم أو تفريقكم ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.

(209): ﴿فَإِن زَلَلْتُمْ﴾ عما أمرتم به ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ الحجج ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يعجزه البطش ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يبطش إلا بحق.

(210): ﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ معناه النفي ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ﴾ بأسه أو أمره أو يأتيهم بنقمته أو عذابه ﴿فِي ظُلَلٍ﴾ جمع ظلة وهي ما أظلك ﴿مِّنَ الْغَمَامِ﴾ السحاب الأبيض فإنه مظنة الرحمة فإتيان العذاب منه من حيث لا يحتسب ﴿وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ فرغ من تدميرهم والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ﴾ ببناء الفاعل والمفعول.

(211): ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أمر للرسول أو لكل أحد والسؤال تقريع ﴿كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ﴾ نعمة ﴿بَيِّنَةٍ﴾ معجزة واضحة على أيدي أنبيائهم أو حجة في الكتب على صدق محمد ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ﴾ آياته ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ﴾ وعرفها ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ له أو لمن عصاه.

(212): ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ من فقراء المؤمنين ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوا﴾ من المؤمنين ﴿فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لأنهم في عليين وهم في سجين ﴿وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء﴾ في الدارين ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بغير تقدير.

(213): ﴿كَانَ النَّاسُ﴾ قبل نوح أو بين آدم ونوح أو أهل السفينة ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على الفطرة لا مهتدين ولا كافرين ﴿فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ ليتخذ عليهم الحجة ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ متلبسا به ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ أي الله أو الكتاب ﴿فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾ في الحق أو الكتاب ﴿إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ أعطوا العلم به إذ جعلوا المزيل للاختلاف سببا لحصوله ﴿مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا﴾ ظلما وطلبا للرئاسة ﴿بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ﴾ بيان لما ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بلطفه وأمره ﴿وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ موصل إلى النجاة.

(214): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم﴾ أي مثل حالهم فتصبروا كما صبروا ﴿مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء﴾ استيناف بيان للمثل ﴿وَزُلْزِلُواْ﴾ أزعجوا بأنواع البلايا ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ لاستطالة زمان الشدة وفناء الصبر ﴿مَتَى نَصْرُ اللّهِ﴾ معناه طلب النصر وتمنيه ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ أي قل لهم ذلك إجابة لسؤالهم.

(215): ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ قيل كان عمرو بن الجموح شيخا ذا مال فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما أتصدق وعلى من أتصدق فنزلت ﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ﴾ مال ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ لا يضيعه.

(216): ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ طبعا والوصف بالمصدر للمبالغة ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ في المال إذ فيه الظفر أو الشهادة ﴿وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا﴾ وهو ترك الجهاد والحياة ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ إذ فيه الذل وحرمان الأجر ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ﴾ ما يصلحكم ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فامتثلوا ما أمرتم به وإن لم تعرفوا الحكمة.

(217): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ بدل اشتمال قتل المسلمون مشركا في غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فاستعظمت قريش ذلك فنزلت ﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ أي ذنب عظيم ﴿وَصَدٌّ﴾ منع ﴿عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ طاعته أو الإسلام أي ولكن ما فعلوا بك من الصد عن الإسلام ﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ بالله ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي وبه ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾ وهم النبي والمؤمنون ﴿أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ﴾ وزرا مما فعله المسلمون خطأ وهو خبر الأربعة المذكورة ﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ أي الكفر والإخراج ﴿أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ المذكور ﴿وَلاَ يَزَالُونَ﴾ أي الكفار ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ لدوام عداوتهم لكم ﴿حَتَّىَ﴾ كي ﴿يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ بفوات ثمرة الإسلام ﴿وَالآخِرَةِ﴾ بفوات الثواب ﴿وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لكفرهم.

(218): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ﴾ نصرته في الدنيا وثوابه في الآخرة ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ﴾ لذنوبهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم وفيه إشعار بأن الرجاء إنما يليق مع وجود أسبأبه لا بدونه فإنه رجاء كاذب وغرور.

(219)-(220): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ﴾ وهو كل شراب مسكر ﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ كل ما تقومر عليه أي عن تعاطيها ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ يؤدي إلى ارتكاب سائر المحرمات وترك الواجبات ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ من كسب المال واللذة والطرب ﴿وَإِثْمُهُمَآ﴾ الفساد الذي ينشأ منهما أو عقابهما الأخروي الدائم ﴿أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ الدنيوي الزائل روي نزلت حرمة الخمر في أربع آيات كل لاحقة أشد وأغلظ من سابقتها وهذه أولها ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ ما قدر الإنفاق ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ هو نقيض الجهد أي ما تيسر بذله قيل نسخ بآية الزكاة وقيل هو الوسط بين الإسراف والإقتار أو ما فضل عن قوت السنة أو طيب المال ﴿كَذَلِكَ﴾ التبيين لأمر النفقة والخمر والميسر أي ﴿يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ﴾ الحجج في الأحكام تبيينا مثل ذلك التبيين ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ فتؤثرون إبقاءهما وأكثرهما نفعا ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ لما نزل قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما اجتنبوا مخالطتهم فشق ذلك عليهم فنزلت ﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ﴾ أي مداخلتهم لإصلاحهم ﴿خَيْرٌ﴾ من مجانبتهم ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ وتعاشروهم ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ في الدين ومن حق الأخ أن يخالط ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ لا يخفى عليه من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه بفعله ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ﴾ لحملكم على العنت وهو المشقة ولم يطق لكم مداخلتهم ﴿إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ غالب قادر على ما يشاء ﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل ما توجبه الحكمة.

(221): ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ﴾ لا تتزوجوهن ﴿حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ﴾ مملوكة ﴿مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن﴾ حرة ﴿مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ لمالها أو جمالها ولو بمعنى إن ﴿وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ﴾ لا تزوجوهم المؤمنات ﴿حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ﴾ مملوك ﴿مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن﴾ حر ﴿مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ ماله أو جماله ﴿ ُوْلَئِكَ﴾ أي المشركون ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ أي الكفر المؤدي إلى دخولها فحقهم أن لا يواصلوا ﴿وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾ إلى ما يوجبهما ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأمره وتوفيقه ﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ﴾ حججه أو أوامره ونواهيه ﴿لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لكي يعلموا ويتذكروا.

(222): ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ مصدر كالمبيت قيل كانوا في الجاهلية لم يؤاكلوا الحائض ولا يساكنوها كفعل اليهود فسئل (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك فنزلت ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ أن الحيض قذر مؤذ ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾ فاجتنبوا مجامعتهن ﴿وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ﴾ بالجماع ﴿حَتَّىَ يَطْهُرْنَ﴾ بالتشديد أي يتطهرن والتخفيف أي ينقين وجمع بينهما بحمل تطهر على معنى طهر كتبين بمعنى بان وكذا ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ أي طهرن أو غسلن الفرج ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ﴾ اطلبوا الولد من القبل الذي حلله لكم أو من قبل الطهر لا الحيض أو من قبل النكاح لا الفجور ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ من الذنوب أو الكبائر ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ بالماء أو من الصغائر ويدل على الأول ما روي أنهم كانوا يستنجون بالكرسف والأحجار فلانت بطن رجل من الأنصار فاستنجى بالماء فنزلت.

(223): ﴿نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ﴾ محل حرث ﴿لَّكُمْ﴾ قيل نزلت ردا على اليهود قالوا إذا أتى الرجل المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول ﴿فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ﴾ نساءكم ﴿أَنَّى﴾ من أين ﴿شِئْتُمْ﴾ وروي متى شئتم في الفرج ﴿وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ﴾ بالطاعة فيما أمرتم به وقيل التسمية على الوطء وقيل طلب الولد ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ بترك معاصيه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ﴾ أي ملاقوا ثوابه وجزائه ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالثواب والجنة.

(224): ﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً﴾ معرضا ﴿لِّأَيْمَانِكُمْ﴾ فتبتذلوه بكثرة الحلف به قيل نزلت في عبد الله بن رواحة حلف لا يكلم ختنه ولا يصلح بينه وبين أخته ﴿أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ﴾ علة للنهي أي نهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم ﴿بَيْنَ النَّاسِ﴾ فإن الخلاف مجتر على الله ولا تطع كل حلاف مهين وقيل أي لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه فيكون الإيمان بمعنى المحلوف عليه وأن تبروا عطف بيان لها واللام متعلق بتجعلوا أو بعرضة ﴿وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ بأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأسراركم.

(225): ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ﴾ الكائن ﴿فِيَ أَيْمَانِكُمْ﴾ إذا حنثتم أي بما يسبق به اللسان من غير عقد معه ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ بما واطأت فيها قلوبكم ألسنتكم وعزرتموه ﴿وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ لا يعجل بالعقوبة.

(226): ﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ يحلفون أن لا يطئوهن مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر وعدي بمن لتضمنه معنى البعد ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ انتظارها وابتداؤها وقت الإيلاء وقيل حين الحكم ﴿فَإِنْ فَآؤُوا﴾ رجعوا عن اليمين بالوطء للقادر وبإظهار العزم عليه للعاجز في المدة أو بعدها ﴿فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

(227): ﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾ بطلاقهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم.

(228)-(229): ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ إذا كن مدخولات ذوات الأقراء ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾ عن التزويج بقمع نفوسهن الطوامح إلى الرجال ومعناها الأمر والتعبير بالخبر للتأكيد ﴿ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ جمع قرء يقال للطهر والحيض والمراد به هنا الطهر على الأصح وذكر القرء وهو للكثرة والمقام للقلة وصيغتها الأقراء لاستعمال كل من الجمعين مكان الآخر وأوثر لكثرة استعماله ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ من الحمل أو الحيض استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة ويفيد قبول قولها في ذلك ﴿إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي كمال الإيمان يمنع من الكتمان ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ إلى النكاح ﴿فِي ذَلِكَ﴾ في زمان التربص ﴿إِنْ أَرَادُواْ﴾ بالمراجعة ﴿إِصْلاَحًا﴾ لا ضررا بهن ﴿وَلَهُنَّ﴾ حقوق عليهم ﴿مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ في الوجوب لا في الجنس ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالوجه الذي لا ينكر شرعا وعرفا ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ زيادة في الحق وفضيلة ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾ أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق لا الجمع أو التطليق الرجعي اثنتان لما روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) سئل أين الثالثة فقال أو تسريح بإحسان ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ بالمراجعة وحسن المعاشرة ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ﴾ طلاق ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ بأن لا يراجعها ضرارا حتى تبين وهو المروي عنهم (عليهم السلام) ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ من المهور ﴿شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا﴾ أي الزوجان ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾ من لوازم الزوجية ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أيها الحكام ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ نفسها واختلعت به ولو بأزيد من المهر أي لا إثم عليه في الأخذ ولا عليها في الإعطاء وإن أثمت في إظهار الكراهة ﴿تِلْكَ﴾ الأحكام المذكورة ﴿حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾ تجاوزوها بالمخالفة ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ قيل ظاهرها تقييد الأخذ بالتباغض من الجانبين وهو في المباراة لا الخلع إذ شرطه البغض من المرأة فقط.

(230): ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الطلاق المكرر المذكور في الطلاق مرتان واستوفى نصابه أو ثالثة بعد المرتين ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ من بعد ذلك الطلاق ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ ولا بد من الوطء للإجماع والنص ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الثاني ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾ ما شرع من لوازم الزوجية ﴿وَتِلْكَ﴾ الأحكام المذكورة ﴿حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وينتفعون بالبيان.

(231): ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ قاربن آخر عدتهن ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ اتركوهن حتى تنقضي عدتهن بلا ضرار وكرر هذا الحكم للاهتمام به ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا﴾ نصب علة أو حالا كان المطلق يترك المطلقة حتى تقارب الأجل ثم يراجعها لتطول العدة عليها وهو الضرار ﴿لَّتَعْتَدُواْ﴾ لتظلموهن أو تلجئوهن إلى الافتداء ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بتعريضها للعذاب ﴿وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا﴾ لا تستخفوا بأوامره ونواهيه ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بالإسلام وبمحمد فقابلوها بالشكر أو بما أباحه لكم من زواج وأموال ﴿وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ﴾ القرآن ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ السنة فاعملوا بهما ﴿يَعِظُكُم بِهِ﴾ بما أنزل ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تهديد وتأكيد.

(232): ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ انقضت عدتهن ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ﴾ تمنعوهن ﴿أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ الخطاب عام أي ليس لأحد ذلك أو للأزواج الذين يمنعون نساءهم بعد العدة عن التزويج ظلما للحمية لقوله إذا طلقتم أو للأولياء ﴿إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم﴾ أي الخطاب والنساء ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شرعا حال من الواو أو صفة مصدر محذوف ويفيد جواز العضل عن غير الكفؤ ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ إذ هو المنتفع به ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي عملكم بموجب ما ذكر ﴿أَزْكَى﴾ خير ﴿لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ من دنس الذنوب ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ﴾ ما فيه الصلاح ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك.

(233): ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ﴾ خبر بمعنى الأمر مبالغة وهو للندب أو الوجوب فيختص بما إذا تعذر غير الأم أو بالمطلقات والمعنى أن الإرضاع حقهن لا يمنعن منه إن أردنه ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ نعت لرفع احتمال التسامح ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع أو متعلق بيرضعن أي لأجل أزواجهن فإن نفقة الولد على والده وظاهره أن أقصى مدة الرضاع حولان ولا يعتد به بعدهما وجواز النقص ويحد بأحد وعشرين شهرا وبعض الأخبار يفيد جواز الزيادة على الحولين ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ أي الأب إذ الولد يولد له وعبر به إشارة إلى المعنى الموجب للإرضاع عليه ﴿رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ قيل يفيد وجوب أجرة المثل وقيل المراد نفقة الزوجية وقد يختص بالمطلقة ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بحسب وسعه كما نبه ﴿لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾ أي لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ﴾ وارث الوالد إن مات ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾ ما على الوالد ﴿فَإِنْ أَرَادَا﴾ أي الوالدان ﴿فِصَالاً﴾ قبل الحولين أو بعدهما صادرا ﴿عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ﴾ مشتمل على مصلحة الطفل ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ فيه واشترط رضا الأب لولايته والأم لأحقيتها بالتربية وهي أعلم بحال الصبي ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ﴾ المراضع ﴿أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ فيه ويفيد أن للأب استرضاع غير الأم لكنه مقيد بما إذا لم يستلزم الإضرار بها للنهي عنه ﴿إِذَا سَلَّمْتُم﴾ إلى المراضع ﴿مَّآ آتَيْتُم﴾ ما أردتم إعطاءه ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شرعا صلة سلمتم ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ بالمحافظة على حدوده سيما في أمر الأطفال والمراضع ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وعد ووعيد.

(234): ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾ أي بعدهم أو أزواج الذين يتوفون يتربصن ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ أنث باعتبار الليالي وتدخل الأيام معها والحكم يعم الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغيرها والمسلمة والكتابية أما الحامل فبأبعد الأجلين إجماعا فتوى ونصا ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيها الحكام والمسلمون ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ﴾ من التعرض للخطاب ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ الذي لا ينكر شرعا ويشعر بأن عليهم منعهن لو فعلن ما ينكر فإن قصروا أثموا ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ترغيب وترهيب.

(235): ﴿وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء﴾ المعتدات غير الرجعيات ﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ﴾ أضمرتم في قلوبكم بلا تصريح ولا تعريض ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ لرغبتكم فيهن فلا تصبرون على الكتمان ﴿وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ خلوة كانوا يتكلمون فيها بما يستهجن فنهوا عن ذلك ﴿إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾ بأن تعرضوا ولا تصرحوا ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ ينقضي مكتوب من العدة ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ من العزم ﴿فَاحْذَرُوهُ﴾ ولا تعزموا ما لا يجوز ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ لمن عزم ولم يفعل خشية الله ﴿حَلِيمٌ﴾ بمهل العقوبة.

(236): ﴿لاَّ جُنَاحَ﴾ لا تبعة ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من مهر أو لا إثم رفع لتوهم منع الطلاق قبل المسيس ﴿إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ﴾ تجامعوهن ﴿أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أي وتفرضوا أو لا أن تفرضوا أي لا تبعة على المطلق من المطلق من المهر إذا لم يمس المطلقة ولم يسم لها مهرا إذ مع المس عليه المسمى أو مهر المثل وبدونه مع التسمية نصف المسمى فمنطوقها ينفي وجوب المهر في الصورة الأولى ومفهومها يثبته في الجملة في الأخيرتين ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ حيث لا مهر ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ مقدار ما يليق به ﴿وَعَلَى الْمُقْتِرِ﴾ الضيق الحال ﴿قَدْرُهُ مَتَاعًا﴾ تمتيعا ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ شرعا وعرفا بحسب المروءة ﴿حَقًّا﴾ واجبا أو حق ذلك حقا ﴿عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ إلى أنفسهم بالامتثال أو إلى المطلقات بالتمتيع سموا بالمشارفة محسنين ترغيبا.

(237): ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ أي فعليكم أو فالواجب ‌﴿إَلاَّ أَن يَعْفُونَ﴾ أي المطلقات عن حقهن كلا أو بعضا والصيغة للمؤنث ووزنها يفعلن ولا أثر لأن فيها لبنائها ويأتي للمذكر ووزنها يفعون بحذف اللام ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ الولي إذا كانت صغيرة أو غير رشيدة إذ له العفو إذا اقتضته المصلحة ولكن لا عن الكل عند الأصحاب وقيل الزوج لأنه المالك لحله وعقده وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ خطاب للأزواج فعلى الأول لما ذكر عفو المرأة ووليها ذكر عفو الزوج وعلى الثاني أعيد ذكره تأكيدا وجمع باعتبار كل زوج أو للزوجين معا بتغليب الذكورة ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض ﴿إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ عليم.

(238): ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ قَانِتِينَ﴾ بأدائها لأوقاتها بحدودها ﴿والصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ واختلف فيها وبكل واحدة من الخمس قائل والأشهر الأقوى عندنا أنها الظهر في غير الجمعة والجمعة يوم الجمعة ﴿وَقُومُواْ لِلّهِ﴾ داعين أو ذاكرين أو خاشعين.

(239): ﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ عدوا أو غيره ولم يمكنكم الصلاة بشرائطها ﴿فَرِجَالاً﴾ جمع راجل ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾ أي فصلوا راجلين أو راكبين على أي هيئة تمكنتم ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ﴾ من الخوف ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ﴾ صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن ﴿كَمَا﴾ ذكر مثل ما ﴿عَلَّمَكُم﴾ من الشرائع أو شكرا يوازيه ﴿مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ موصولة أو موصوفة.

(240): ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم﴾ بالنصب أي يوصون وصية أو ألزموا وصية وبالرفع أي عليهم وصية ﴿مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ بدل منه أو حال من أزواجهم أي غير مخرجات أي يجب على المقاربين للوفاة أن يوصوا بأن تمنع أزواجهم بعدهم حولا بالنفقة والسكنى وهي منسوخة إجماعا وعن الصادق (عليه السلام) نسخها بأربعة أشهر وعشرا ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ من منزل الزوج ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيها الحكام أو الأولياء ﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ﴾ من ترك الحداد ﴿مِن مَّعْرُوفٍ﴾ شرعا ويفيد أنها كانت مخيرة بين ملازمة المنزل والحداد وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ﴾ لا يقهر ﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل بحسب المصلحة.

(241): ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قيل عمم وجوب المتعة لكل مطلقة بعد إيجابها لواحدة منهن وعندنا أن العموم مخصص بالآية السابقة وقيل التمتيع يعم الواجب والمندوب وقيل أريد به نفقة الزوجية.

(242): ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ دلائله وأحكامه ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

(243): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ﴾ هم أهل مدينة من مدائن الشام ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ كانوا سبعين ألف بيت ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ إذ وقع فيهم الطاعون ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ﴾ فماتوا وصاروا رميما ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ بدعوة حزقيل النبي وعاشوا ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم ﴿إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ كإحياء أولئك ليعتبروا وذكر خبرهم ليستبصروا ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ﴾ له حق شكره.

(244): ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ لما بين أن الفرار من الموت غير منج أمرهم بالجهاد ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم.

(245): ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ﴾ ينفق في طاعته ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ خالصا لوجهه أو حلالا طيبا ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ لا يحصيها إلا الله ﴿وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ يمنع ويوسع بحسب المصلحة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ تأكيدا للجزاء.

(246): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ﴾ جماعة الأشراف ﴿مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من للتبعيض ﴿مِن بَعْدِ مُوسَى﴾ من للابتداء أي بعد وفاته ﴿إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ﴾ هو إسماعيل وقيل شمعون أو يوشع ﴿ابْعَثْ﴾ سل الله أن يبعث ﴿لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ لأن جالوت والعمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فغلبوا على ديار بني إسرائيل وسبوا ذراريهم ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أهل بدر ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ في ترك القتال وعيد لهم.

(247): ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى﴾ من أين ﴿يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ وهو من ولد بنيامين وكانت النبوة يومئذ في أولاد لاوي والملك في ولد يوسف ﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ وراثة ومكنة ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ﴾ ولا بد للملك من مال يعتضد به قيل كان سقاء أو دباغا فأنكروا تملكه لسقوط نسبه وفقره فرد عليهم ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ﴾ اختاره ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وهو أعلم بالمصالح منكم ﴿وَزَادَهُ﴾ ما هو أنفع مما ذكرتم ﴿بَسْطَةً﴾ سعة ﴿فِي الْعِلْمِ﴾ ولا يتم أمر الرئاسة إلا، به ﴿وَالْجِسْمِ﴾ إذ الجسيم أعظم في النفوس وأقوى على مكابدة الحروب وكان إذا مد الرجل القائم يده نال رأسه أو المراد الشجاعة ﴿وَاللّهُ﴾ له الملك ﴿يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ بمن يصلح لذلك.

(248): ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ﴾ حين طلبوا منه الحجة على رياسته ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ هو الذي أنزله الله على موسى فوضعته أمه فيه وألقته في اليم ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ﴾ أمنة وطمأنينة وروي هو ريح من الجنة لها وجه كوجه الإنسان ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ هي الألواح وسائر آيات الأنبياء ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ وكان التابوت يدور في بني إسرائيل حيثما دار الملك فرفعه الله إليه بعد موسى حين استخفوا به ثم لما بعث طالوت أنزله إليهم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ من كلام نبيهم أو خطاب عن الله تعالى.

(249): ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ﴾ انفصل بهم عن بلده ﴿قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم﴾ ممتحنكم ﴿بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ من حزب الله ﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ﴾ لم يذقه ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ استثناء من فمن شرب ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب والذين شربوا كانوا ستين ألفا ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ﴾ تخطى النهر طالوت ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ﴾ قال الذين اغترفوا منه ﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ لكثرتهم وقوتهم ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ يتيقنون ﴿أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ﴾ وهم الذين لم يشربوا ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بأمره ونصره ﴿وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالنصر.

(250): ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ في مداحض الحرب ﴿وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ بذلك وبإلقاء الرعب في قلوبهم.

(251): ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بنصره ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ وزوجه طالوت بنته ﴿وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾ في الأرض المقدسة ولم يجتمعوا على ملك قبل داود ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ النبوة ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ كمنطق الطير والسرد ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر أو بنصر المسلمين على الكفار ﴿لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ بغلبة المفسدين فيها ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ في دينهم وديارهم.

(252): ﴿تِلْكَ﴾ القصص المذكورة ﴿آيَاتُ اللّهِ﴾ دلائله ﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾ بالصدق الذي لا يشك فيه أحد ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ لإخبارك بها ولم تقرأ ولم تسمع.

(253): ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ إشارة إلى جماعة الرسل المذكورة في السورة أو المعلومة له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ﴾ كموسى ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ كمحمد خص بالعلوم الوافرة والآيات الباهرة والدعوة العامة والمعجزة المستمرة ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ خصه وموسى لوضوح معجزاتهما وعظمها ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ مشيئة إلجاء ﴿مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم﴾ من بعد الرسل ﴿مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ الحجج الواضحة لاختلافهم في الدين وتكفير بعضهم بعضا ﴿وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ﴾ بتوفيقه ﴿وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ﴾ بخذلانه ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ﴾ كرر تأكيدا ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ من العصمة والخذلان.

(254): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ﴾ الموت ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ﴾ فينتفع به ﴿وَلاَ خُلَّةٌ﴾ فيسامح لأجلها ﴿وَلاَ شَفَاعَةٌ﴾ إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفيع يشفع لكم ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ أي التاركون للزكاة عبر عنهم به تغليظا ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لأنفسهم.

(255): ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ ﴾ الذي يصح أن يعلم ويقدر ﴿الْقَيُّومُ﴾ الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾ فتور يتقدم النوم فلذا قدم على ﴿وَلاَ نَوْمٌ﴾ والقياس العكس والجملة نفي للتشبيه وتأكيد للقيوم إذ لا تدبير ولا حفظ لمن ينعس أو ينام ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكا وملكا ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ بيان لكبريائه أي لا أحد يتمالك يوم القيامة أن يشفع لأحد إلا بإذنه ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما كان ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما لم يكن بعد أو ما قبلهم وما بعدهم أو عكسه أو أمور الدنيا والآخرة أو عكسه، والضمير لما في السموات والأرض تغليبا للعقلاء أو لما دل عليه من الملائكة والأنبياء ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ﴾ من معلوماته ﴿إِلاَّ بِمَا شَاء﴾ بما يوحي إليهم ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ﴾ علمه أو ملكه أو الجسم المحيط دون العرش أو العرش ﴿السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ﴾ يثقله ﴿حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ عن المثل والند ﴿الْعَظِيمُ﴾ الشأن.

(256): ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ لم يجر الله أمر الدين على الإجبار بل على الاختيار فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ تميز الحق من الباطل أو الإيمان عن الكفر بالدلائل الواضحة ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ الشياطين أو ما عبد من دون الله ﴿وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ﴾ المحكمة تمثيل للمعلوم بالظاهر المحسوس ﴿لاَ انفِصَامَ﴾ لا انقطاع ﴿لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿عَلِيمٌ﴾ بالضمائر والأحوال.

(257): ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ متولي أمورهم ﴿يُخْرِجُهُم﴾ بلطفه ﴿مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ من الكفر إلى الإيمان أو من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ الشياطين أو رؤساء الضلالة ﴿يُخْرِجُونَهُم﴾ بوسوستهم إليهم ﴿مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ من نور الإسلام الذي فطروا عليه إلى ظلمات الكفر ومن نور البينات إلى ظلمات الشبهات ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وعيد.

(258): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ﴾ تعجب من محاجة نمرود وكفر به ﴿أَنْ﴾ لأن ﴿آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾ أي محاجته لبطره بإيتاء الملك ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يخلق الحياة والموت ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ أعفي عن القتل وأقتل ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ لم يجب معارضته لظهور فسادها إذ المراد بالإحياء والإماتة خلقها لا الإبقاء والقتل عدل إلى ما لا يمكنه التمويه فيه، وعن الصادق (عليه السلام) أن إبراهيم قال له: فأحي من قتلته إن كنت صادقا ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ صار مبهوتا ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ إلى المحاجة أو الجنة.

(259): ﴿أَوْ كَالَّذِي﴾ أي إذا رأيت مثل الذي ﴿مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ هو إرميا النبي أو عزير ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ ساقطة حيطانها على سقوفها ﴿قَالَ أَنَّىَ﴾ أي متى وكيف ﴿يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قاله لما رأى أهلها موتى والسبأع تأكل الجيف وكلامه اعتراف بالعجز عن معرفة طريق الحشر أو لاستزادة البصيرة ﴿فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ ثم أحياه ﴿قَالَ﴾ الله تعالى أو ملك أو نبي آخر ﴿كَمْ لَبِثْتَ قَالَ﴾ قول الظان ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا﴾ قيل أميت ضحى وبعث بعد المائة آخر النهار فقال ولم يعلم بقاء الشمس يوما ثم التفت فرأى بقية منها فقال: ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كَالَّذِي قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ﴾ قيل: كان تينا وعنبا ﴿وَشَرَابِكَ﴾ كان عصيرا أو لبنا ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يتغير بمر السنين أخذ من السنة ولامها إما هاء أصلية أو واو فالهاء للسكت وإفراد الضمير لأن الطعام والشراب كالجنس الواحد وجد الكل على حاله ﴿وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ كيف تفرقت عظامه وتفتتت ﴿وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً﴾ حجة ﴿لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا﴾ نرفع بعضها إلى بعض ﴿ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ أمر الإحياء أو كمال قدرة الله ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وقرىء أعلم أمرا.

(260): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ سأل ذلك ليصير علمه عيانا ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن﴾ بقدرتي على الإحياء ﴿قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بمضامة العيان إلى الوحي والبيان وروي ليطمئن قلبي على الخلة لأن الله أوحى إليه: إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفسه أنه ذلك الخليل فسأل ما سأل ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ﴾ الطاووس والديك والحمامة والغراب ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ اضممهن ﴿إِلَيْكَ﴾ وقرىء بكسر الصاد لتتأملها فلا تلبس عليك بعد الإحياء فقطعهن واخلطهن واجعل مناقرهن بين أصابعك ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ﴾ وكانت الجبال عشرة وقيل أربعة ﴿مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ﴾ قل لهن: تعالين بإذن الله ﴿يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ ساعيات مسرعات طيرانا أو مشيا، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ﴿وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يعجزه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ في أفعاله وأقواله.

(261): ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ في وجوه البر أي مثل نفقتهم ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ أو مثلهم كمثل باذر حبة ﴿أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

(262): ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا﴾ بالاعتداد بالإحسان ﴿وَلاَ أَذًى﴾ بالتطاول بالإنعام ﴿لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

(263): ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ رد جميل ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ ستر على السائل أو عفو من الحاجة ﴿خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ﴾ عن إنفاقكم ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجل بعقوبة من يمن ويؤذي.

(264): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أجرها ﴿بالمن والأذى﴾ المنافقين للإخلاص ﴿كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ﴾ كإبطال المنافق المرائي بإنفاقه ﴿وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ﴾ المرائي ﴿كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ حجر أملس ﴿عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ﴾ مطر عظيم القطر ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ أجرد لا تراب عليه ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ لا يجدون ثواب ما عملوا رياء والضمير للذي ينفق مرادا به الجنس أو الفريق ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ لا يقسرهم على الطاعة وفيه تعريض بأن المن والرياء من صفة الكافر لا المؤمن.

(265): ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ توطينا لها على الثبات على طاعة الله ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ﴾ أي مثل نفقتهم في النمو كمثل بستان ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ موضع مرتفع إذ شجره أنضر وثمره أكثر ﴿أَصَابَهَا وَابِلٌ﴾ مطر عظيم القطر ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا﴾ ثمرها ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل وقيل: أربعة أمثاله ونصب حالا أي مضاعفا ﴿فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها أو فيصيبها طل والمعنى أن نفقتهم زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن تفاوتت باعتبار ما ينضم إليها من الأحوال ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ترغيب في الإخلاص وترهيب من الرياء.

(266): ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ استفهام إنكاري ﴿أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ خصا بالذكر لأنهما أكرم أشجارها فغلبا ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ يدل على احتوائها على سائر الأشجار ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ الواو للحال ﴿وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء﴾ صغار عجزة عن الكسب، فهو للشيخوخة والمعالة أحوج ما يكون إلى جنة ﴿فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ﴾ ريح مستديرة من الأرض نحو السماء كالعمود ﴿فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ﴾ روي: من أنفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كمن قال الله: أيود أحدكم إلخ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ فتعتبرون.

(267): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ من جيده أو حلاله ﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾ أي ومن طيبات ما أخرجنا من الغلات والثمار والمعادن ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ﴾ لا تقصدوا الرديء أو الحرام من المال ﴿تُنفِقُونَ﴾ حال من فاعل تيمموا ويجوز تعلق منه به والضمير للخبيث والجملة حال منه ﴿وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ﴾ والحال أنكم لا تأخذونه في حقوقكم لخبثه ﴿إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ﴾ تتسامحوا في أخذه ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ﴾ عن إنفاقكم ﴿حَمِيدٌ﴾ بقبوله.

(268): ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ في الإنفاق ﴿وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء﴾ بالبخل أو المعاصي ﴿وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ﴾ لذنوبكم ﴿وَفَضْلاً﴾ خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا والآخرة ﴿وَاللّهُ وَاسِعٌ﴾ فضله للمنفق ﴿عَلِيمٌ﴾ بإنفاقه.

(269): ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ﴾ العلم النافع أو تحقيق العلم وإتقان العمل ﴿مَن يَشَاء﴾ قدم ثاني المفعولين اهتماما به ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ نكر تعظيما أي أي خير كثير ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ بالآيات ﴿إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾ ذوو العقول العالمون العاملون.

(270): ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ﴾ حسنة أو قبيحة ﴿أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ﴾ في طاعة أو معصية ﴿فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾ فيجازيكم عليه ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ﴾ الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون في المعاصي أو ينذرون فيها أو لا يوفون بالنذر ﴿مِنْ أَنصَارٍ﴾ تمنعهم من عذاب الله.

(271): ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ﴾ أي الزكاة المفروضة ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ نعم شيئا إبداؤها ﴿وَإِن تُخْفُوهَا﴾ يعني النافلة ﴿وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء﴾ سرا ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ﴾ وقيل الآية على عمومها للفرض والنفل ﴿وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ سرا وجهرا ﴿خَبِيرٌ﴾ عليم.

(272): ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ لا يجب عليك وإنما عليك الإبلاغ ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ يلطف بمن يعلم أنه يصلح باللطف ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ﴾ ثوابه لا لغيركم فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ﴾ ليس نفقتكم إلا طلبا لرضاء الله تعالى أو معناه النهي ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ ثوابه أضعافا تأكيد للشرطية السابقة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ لا تنقصون ثوابه.

(273): ﴿لِلْفُقَرَاء﴾ أي أعمدوا، أو صدقاتكم للفقراء ﴿الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ أحصرهم الجهاد ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ لاشتغالهم به ﴿ضَرْبًا﴾ ذهابا ﴿فِي الأَرْضِ﴾ للكسب وقيل هم أهل الصفة وهم نحو من أربعمائة من فقراء المهاجرين كانوا في صفة المسجد دأبهم التعلم والعبادة والخروج في كل سرية يبعثها النبي ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ﴾ يخالهم ﴿أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ من جهة امتناعهم عن المسألة ﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ من صفرة الوجوه ورثاثة الحال ﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ إلحاحا ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ ترغيب في الإنفاق.

(274): ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً﴾ يعمون الأوقات والأحوال وأموالهم بالصدقة نزلت في علي (عليه السلام) لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وواحد نهارا وواحد سرا وواحد علانية ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ بالاستحقاق ﴿عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من أهوال القيامة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فيها.

(275): ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ يأخذونه وذكر الأكل لأنه أغلب منافع المال والربا الزيادة في المعاملة أصلا أو عوضا ﴿لاَ يَقُومُونَ﴾ إذا بعثوا من قبورهم ﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ﴾ إلا قياما كقيام المصروع بناء على زعمهم أن ﴿الشَّيْطَانُ﴾ يخبطه فيصرع ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ الجنون وهو على زعمهم أن الجني يمسه فيختلط عقله يعني أنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنه تعالى أربى في بطونهم الربا فأثقلهم وتلك سيماهم في المحشر ﴿ذَلِكَ﴾ العقاب ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ قاسوا أحدهما بالآخر وعكس التشبيه مبالغة كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا به البيع ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ رد لقياسهم إذ الأحكام تبع للحكمة ﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ﴾ بلغه وعظ ونهي ﴿مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ أخذه قبل النهي لا يلزمه رده ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ﴾ يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه أو يجازيه على انتهائه إن اتعظ لله تعالى ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ بعد ما تبين له تحريمه استخفافا ﴿فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لكفرهم بتحليل ما حرم الله أو أريد به المكث الطويل.

(276): ﴿يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا﴾ يهلكه ويذهب ببركته ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ ينميها ويضاعف ثوابها ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ﴾ مصر على تحليل الحرام ﴿أَثِيمٍ﴾ متماد في ارتكابه.

(277): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ﴾ عطفهما على ما يعمهما لفضلهما ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

(278): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ﴾ اتركوا ﴿مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ البقايا الذي اشترطتم على الناس وهي الربا قيل كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إن صح إيمانكم.

(279): ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي فأعلموا بها من أذن به أي علم وتنكير حرب للتعظيم ﴿وَإِن تُبْتُمْ﴾ من الارتباء ﴿فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ﴾ بأخذ الزيادة ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ بالنقصان.

(280): ﴿وَإِن كَانَ﴾ وقع غريم ﴿ذُو عُسْرَةٍ﴾ إعسار ﴿فَنَظِرَةٌ﴾ فالواجب أو فعليكم إنظار ﴿إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ يسار ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ﴾ بالإبراء ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أكثر ثوابا من الإنظار أو خير مما تأخذون لبقاء ثوابه ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الخير والشر أو ما في التصدق من الأجر.

(281): ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ﴾ يوم القيامة أو يوم الموت فتأهبوا للقائه ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ جزاءه خيرا كان أو شرا ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب وزيادة عقاب وروي أنها آخر آية نزل بها جبرائيل وقال ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش الرسول بعدها أحدا وعشرين يوما وقيل سبعة أيام.

(282): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم﴾ داين بعضكم بعضا وتعاملتم ﴿بِدَيْنٍ﴾ بمعاملة أحد العوضين فيها مؤجل وذكر الدين مع تداينتم تأكيدا أو لرفع توهمه بمعنى تتاجرتم من أول الأمر وعن ابن عباس أنها في السلم خاصة ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ موقت ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ لأنه أوفق ﴿وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ بألا يزيد ولا ينقص ﴿وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ﴾ لا يمتنع من الكتابة ﴿كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ﴾ من الكتابة بالعدل ﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ أي المديون لأنه المشهود عليه والإملال الإملاء ﴿وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ﴾ في الإملال ﴿وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ﴾ ولا ينقص من الحق ﴿شَيْئًا﴾ قدرا ووصفا ﴿فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ ناقص العقل مبذرا ﴿أَوْ ضَعِيفًا﴾ في بدنه أو فهمه أو علمه ﴿أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ﴾ باشتغاله بما يهمه ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ﴾ نائبة والقيم بأمره ﴿بِالْعَدْلِ﴾ بلا حيف على المكتوب له وعليه ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ﴾ المسلمين ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾ في دينه وأمانته وتيقظه ﴿أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا﴾ الشهادة بأن تنسها ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ وعلة اعتبار تعدد المرأة التذكير لكن جعل الضلال علة لكونه سببا له كأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى أن ضلت ﴿وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ﴾ لإقامة الشهادة أو تحملها وسموا شهداء لمجاز المشاركة ﴿وَلاَ تَسْأَمُوْاْ﴾ لا تملوا ﴿أَن تَكْتُبُوْهُ﴾ الدين أو الحق ﴿صَغِيرًا﴾ كان ﴿أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ المسمى ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي الكتب ﴿أَقْسَطُ﴾ أعدل ﴿عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ﴾ وأثبت ﴿لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ﴾ وأقرب إلى أن لا تشكوا في قدر الدين وأجله ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَ﴾ التجارة ﴿تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ حالة ﴿تُدِيرُونَهَا﴾ تتعاطونها ﴿بَيْنَكُمْ﴾ يدا بيد والاستثناء من التداين والتعامل أي وإن كانت المعاملة يدا بيد ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا﴾ لبعدها عن الشك والتنازع ﴿وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ مطلقا للاحتياط والأمر للاستحباب أو الإرشاد ﴿وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾ نهاهما عن ترك الإجابة والتحريف في الكتابة والشهادة إن بني للفاعل أو نهى عن الضرار بها باستعجالهما عن مهم أو تكليف الكاتب قرطاسا ونحوه أو الشهيد الشاهد مئونة مجيئه من بلده إن بني للمفعول ﴿وَإِن تَفْعَلُواْ﴾ المضارة ﴿فَإِنَّهُ فُسُوقٌ﴾ خروج عن الطاعة لاحق ﴿بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ ما فيه مصالحكم ويشعر بأن التقوى تورث العلم النافع ﴿وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ولعل تكرار لفظ الله في الجمل الثلاث لكونه أدخل في التعظيم من الضمير.

(283): ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ﴾ مسافرين ﴿وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾ تقوم مقام الوثيقة أو فالوثيقة رهان وتقيد الارتهان بالسفر وعدم وجدان الكاتب خرج مخرج الغالب وظاهره اعتبار القبض كما عليه أكثر الأصحاب ومالك وقرىء رهن كسقف وكلاهما جمع رهن بمعنى المرهون ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا﴾ وثق الدائن بالمديون ولم يرتهن منه ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ أي دينه الذي ائتمنه عليه وسمي أمانة لذلك ﴿وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ﴾ أيها الشهود ﴿وَمَن يَكْتُمْهَا﴾ مع تمكنه من أدائها ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ﴾ كافر ﴿قَلْبُهُ﴾ أسند الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعله، أو لأنه رئيس الأعضاء ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ ترهيب.

(284): ﴿لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ من السوء ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾ في القيامة ﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء﴾ فضلا ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء﴾ عدلا ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ على المغفرة والعذاب.

(285): ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ﴾ منهم ﴿آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ وقرىء وكتابه أي القرآن أو الجنس قائلين ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ﴾ بمعنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه بين ﴿مِّن رُّسُلِهِ﴾ أي نؤمن بجميعهم ﴿وَقَالُواْ سَمِعْنَا﴾ قولك ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أمرك ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ اغفر غفرانك ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ المرجع بعد الموت.

(286): ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا﴾ فيما افترض عليها ﴿إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ ما تتسع فيه طاقتها ولا تضيق عنه أي ما دونها ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ من خير ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ من شر لا يثاب بطاعتها ولا يؤاخذ بذنبها وخص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن في الاكتساب اعتمالا والشر تشتهيه النفس الأمارة فهي أعمل في تحصيله بخلاف الخير وفيه إشعار بأن أدنى خير ينفعها والشر القليل غير ضار بل الذي يضرها كثيرة لأن كثرة المباني تدل على كثرة المعاني وفيه إشارة إلى أن الصغاير مكفرة بترك الكبائر ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ إن تعرضنا لما يؤدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو إغفال أو إن تركنا أو أذنبنا أو يكون الدعاء به لاستدامة فضله ﴿رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ ثقلا أي تكليفا شاقا ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا﴾ كتكليف بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم وقرض ما أصابه البول من أبدانهم بالمقاريض ﴿رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا﴾ الأولى بنا ﴿فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ فمن حق المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.