الآيات 41-50

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴿41﴾ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴿42﴾ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴿44﴾ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴿45﴾ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴿46﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴿47﴾ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا ﴿48﴾ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴿49﴾ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴿50﴾

القراءة:

قرأ البرجمي نسقيه بفتح النون والباقون ﴿نسقيه﴾ بضم النون وفي الشواذ قراءة الأعرج من اتخذ الألاهة هواه وقراءة ابن السميفع الرياح بشرى.

الحجة:

قد مضى الفرق بين نسقي ونسقي فيما تقدم الألاهة الشمس وقيل ألهة بالضم غير مصروفة وأنشد:

تروحنا من اللعباء عصرا

فأعجلنا الألاهة أن تصبا

ويروى وأعجلنا الإلاهة ومن قرأ وألهتك فمعناه وعبادتك وقد يجوز أن يكون أراد هذه المعرفة فأضافها إليه لعبادته لها فيكون كقولك ويذرك وشمسك أي والشمس التي تعبدها ومن قرأ بشرى فهو مصدر وضع موضع الحال أي مبشرة كقولهم هلم جرا أي جارا أو منجرا ويأتينك سعيا وقد ذكرنا الاختلاف بين القراء فيه وما لهم من الاحتجاج في كل وجه منه في سورة الأعراف وذكرنا اختلافهم في ﴿ليذكروا﴾ في سورة بني إسرائيل.

اللغة:

القبض جمع الأجزاء المنبسطة واليسير السهل القريب واليسير أيضا نقيض العسير وأيسر الرجل ملك من المال ما تتيسر به الأمور عليه وقيل اليد اليسرى لأنه يتيسر بها العمل مع اليمني وتياسر أخذ في جهة اليد اليسرى والسبات قطع العمل ومنه سبت رأسه يسبته سبتا إذا حلقه ومنه يوم السبت وهو يوم قطع العمل والنشر خلاف الطي وأناسي جمع إنسان جعلت الياء عوضا عن النون وقد قالوا أيضا أناسين وقد يجوز أيضا أن يكون جمع إنسي فيكون مثل كرسي وكراسي.

الإعراب:

﴿أهذا الذي بعث الله رسولا﴾ العائد من الصلة إلى الموصول محذوف لطول الكلام أي بعثه الله ﴿رسولا﴾ منصوب على الحال من الهاء المحذوفة و﴿إن كاد ليضلنا﴾ إن مخففة واسمه محذوف تقديره أنه كاد وهو ضمير الأمر والشأن واللام في ﴿ليضلنا﴾ لام التأكيد التي تقع في خبر إن ﴿كيف مد الظل﴾ كيف في محل النصب على الحال من الضمير المستكن في مد والتقدير أ مبدعا مد الظل أم لا ويجوز أن يكون في موضع المصدر والتقدير أي مد مد الظل وقال الزجاج الأجود أن يكون ﴿ألم تر﴾ من رؤية القلب ويجوز أن يكون من رؤية العين و﴿بشرا﴾ نصب على الحال في الوجوه كلها من الرياح والعامل فيه ﴿أرسل﴾.

﴿مما خلقنا﴾ الجار والمجرور في موضع نصب على الحال.

المعنى:

ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيما تقدم فقال ﴿وإذا رأوك﴾ أي وإذا شاهدوك يا محمد ﴿إن يتخذونك إلا هزوا﴾ أي ما يتخذونك إلا مهزوا به والمعنى أنهم يستهزءؤن بك ويستصغرونك ويقولون على وجه السخرية ﴿أهذا الذي بعث الله رسولا﴾ أي بعثه الله إلينا رسولا ﴿إن كاد ليضلنا عن آلهتنا﴾ قال ابن عباس معناه لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا وتأويله قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا على وجه يؤدي إلى هلاكنا فإن الإضلال الأخذ بالشيء إلى طريق الهلاك ﴿لولا أن صبرنا عليها﴾ أي على عبادتها لأزلنا عن ذلك وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه فقال سبحانه متوعدا لهم ﴿وسوف يعلمون حين يرون العذاب﴾ الذي ينزل بهم في الآخرة عيانا ﴿من أضل سبيلا﴾ أي من أخطأ طريقا عن الهدى أهم أم المؤمنون ثم عجب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من نهاية جهلهم فقال ﴿أرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾ أي من جعل إلهه ما يهواه وهو غاية الجهل وكان الرجل من المشركين يعبد الحجر والصنم فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ يعبد الآخر عن سعيد بن جبير وقيل معناه أرأيت من ترك عبادة خالقه وإلهه ثم هوى حجرا فعبده ما حاله عندك عن عطاء عن ابن عباس وقيل من أطاع هواه واتبعه فهو كالإله له وترك الحق عن القتيبي ﴿أفأنت تكون عليه وكيلا﴾ أي أفأنت كفيل حافظ يحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهواه من دون الله أي لست كذلك وقيل معناه أ تقدر أنت يا محمد أن تهديه إذا لم يتدبر ولم يتفكر أي لا تقدر على ذلك لأن الوكيل هو الكافي للشيء ولا يكون كذلك إلا وهو قادر عليه ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿أم تحسب﴾ يا محمد ﴿أن أكثرهم يسمعون﴾ ما تقوله سماع طالب للأفهام ﴿أو يعقلون﴾ ما تقوله لهم وتقرأ عليهم وما يعاينونه من المعجزات والحجج أي لا تظن ذلك ﴿إن هم إلا كالأنعام﴾ أي ما هم إلا كالبهائم التي تسمع النداء ولا تعقل ﴿بل هم أضل سبيلا﴾ من الأنعام لأنهم مكنوا من المعرفة فلم يعرفوا والأنعام لم يمكنوا منها ولأن الأنعام ألهمت منافعها ومضارها فهي لا تفعل ما يضرها وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة وسعوا في هلاك أنفسهم وتجنبوا سبيل نجاتهم فهم أضل منها ثم نبه سبحانه على النظر فيما يدل على وحدانيته وكمال قدرته فقال ﴿ألم تر﴾ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به سائر المكلفين ﴿إلى ربك كيف مد الظل﴾ أي أ لم تر إلى فعل ربك ثم حذف المضاف عن مقاتل وقيل معناه أ لم تعلم فيكون من رؤية القلب عن الزجاج وذكر أن هذا على القلب وتقديره أ لم تر إلى الظل كيف مده ربك يعني الظل من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ابن عباس والضحاك وسعيد بن جبير وجعله ممدودا لأنه لا شمس معه كما قيل في ظل الجنة ممدودا إذا لم تكن معه الشمس وقال أبو عبيدة الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفيء من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوعها فيكون الظل بالليل لأنه ظل الأرض عن الجبائي والبلخي ﴿ولو شاء لجعله ساكنا﴾ أي مقيما دائما لا يزول ولا تنسخه الشمس يقال فلان يسكن بلد كذا إذا أقام به فهو مثل قوله سبحانه قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة الآية في المعنى وفي هذا إشارة إلى أنه قادر على تسكين الشمس حتى يبقى الظل ممدودا بخلاف ما يقوله الفلاسفة ﴿ثم جعلنا الشمس عليه﴾ أي على الظل ﴿دليلا﴾ قال ابن عباس تدل الشمس على الظل بمعنى أنه لو لا الشمس لما عرف الظل ولو لا النور لما عرفت الظلمة وكل الأشياء تعرف بأضدادها وقيل معناه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا بإذهابها إياه عند مجيئها عن ابن زيد وقيل لأن الظل يتبع الشمس في طوله وقصره كما يتبع السائر الدليل فإذا ارتفعت الشمس قصر الظل وإذا انحطت الشمس طال الظل وقيل إن على هنا بمعنى مع فالمعنى ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلا على وحدانيتنا ﴿ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا﴾ أي قبضنا الظل بارتفاع الشمس لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل فجعل سبحانه ذلك قبضا وأخبر أن ذلك يسير بمعنى أنه سهل عليه لا يعجزه قال الكلبي إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا والمعنى ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه حتى ننسخها شيئا فشيئا وقيل معناه ثم قبضنا الظل بغروب الشمس إلينا أي إلى الموضع الذي حكمنا بكون الظل فيه.

قبضا يسيرا أي خفيا وإنما قيل ذلك لأن الظل لا يذهب بغروب الشمس دفعة بل يذهب جزءا فجزأ بحدوث الظلام فكلما حدث جزء من الظلام نقص جزء من الظل ﴿وهو الذي جعل لكم الليل لباسا﴾ أي غطاء ساترا للأشياء بالظلام كاللباس الذي يشتمل على لابسه فالله سبحانه ألبسنا الليل وغشانا به لنسكن ونستريح من كد الأعمال كما قال في موضع آخر لتسكنوا فيه ﴿والنوم سباتا﴾ أي راحة لأبدانكم وقطعا لأعمالكم قال الزجاج السبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه ﴿وجعل النهار نشورا﴾ لانتشار الروح باليقظة فيه مأخوذ من نشور البعث وقيل لأن الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم ومعايشهم فيكون النشور هنا بمعنى التفرق لابتغاء الرزق عن ابن عباس ﴿وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته﴾ مضى الكلام فيه في سورة الأعراف ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ أي طاهرا في نفسه ومطهرا لغيره مزيلا للأحداث والنجاسات ﴿لنحيي به بلدة ميتا﴾ قد مات بالجدب وأراد بالبلدة البلد أو المكان فلذلك قال ميتا بالتذكير والمعنى لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت قال ابن عباس لنخرج به النبات والثمار ﴿ونسقيه مما خلقنا أنعاما﴾ أي ولنسقي من ذلك الماء أنعاما جمة أو نجعله سقيا لأنعام ﴿وأناسي كثيرا﴾ أي أناسا كثيرة ﴿ولقد صرفناه﴾ أي صرفنا المطر بينهم يدور في جهات الأرض وقيل قسمناه بينهم يعني المطر فلا يدوم على مكان فيهلك ولا ينقطع عن مكان فيهلك ويزيد لقوم وينقص لآخرين على حسب المصلحة ﴿ليذكروا﴾ أي ليتفكروا ويستدلوا به على سعة مقدورنا ولأنه لا يستحق العبادة غيرنا ﴿فأبى أكثر الناس إلا كفورا﴾ أي جحودا لما عددناه من النعم وإنكارا فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا عن عكرمة وقيل فأبوا إلا كفورا بالبعث والنشور.