الآيات 31-40

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴿31﴾ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴿32﴾ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴿33﴾ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴿34﴾ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا ﴿35﴾ فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا ﴿36﴾ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿37﴾ وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا ﴿38﴾ وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴿39﴾ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ﴿40﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة مسلم بن محارب فدمرناهم تدميرا على التأكيد بالنون الثقيلة وروي ذلك عن علي (عليه السلام) وعنه فدمرناهم وهذا كأنه أمر لموسى وهارون أن يدمراهم.

اللغة:

العدو المتباعد عن النصرة للبغضة من عدا يعدو إذا باعد خطوة وعدا عليه باعد خطوة للإيقاع به وتعدى في فعله إذا أبعد في الخروج عن الحق ومنه عدوتا الوادي لأنهما بعداه ونهايتاه والترتيل التبيين في تثبيت وترسل وثغر رتل ورتل بفتح التاء وسكونها إذا كان مفلجا لا لصص فيه التدمير الإهلاك لأمر عجيب ومنه التنكيل يقال دمر على فلان إذا هجم عليه بالمكروه والرس والبئر التي لم تطو بحجارة ولا غيرها والتتبير الإهلاك والاسم من التبار ومنه قيل التبر لقطع الذهب.

الإعراب:

قال الزجاج ﴿هاديا ونصيرا﴾ منصوب على وجهين (أحدهما) الحال أي كفى ربك في حال الهداية والنصر (و الآخر) أن يكون منصوبا على التمييز أي كفى ربك من الهداة والنصار.

﴿جملة﴾ نصب على الحال معناه مجموعا و﴿أحسن﴾ مجرور بالعطف على الحق.

﴿على وجوههم﴾ في موضع نصب على الحال وتقديره يحشرون مكبوبين ﴿وقوم نوح﴾ منصوب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر تقديره أغرقنا قوم نوح والعامل في لما أغرقناهم ﴿وعادا وثمود﴾ وما بعد ذلك عطف على الهاء والميم في قوله ﴿وجعلناهم﴾ ويجوز أن يكون عطفا على معنى ﴿وأعتدنا للظالمين عذابا﴾ ويكون تقديره وعدنا للظالمين بالعذاب ووعدنا عادا وكلا منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره.

المعنى وأنذرنا كلا ضربنا له الأمثال وتبرنا كلا.

﴿مطر السوء﴾ منصوب لأنه مصدر أمطرت تقديره أمطار السوء.

المعنى:

ثم عزى الله سبحانه نبيه بقوله ﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين﴾ أي وكما جعلنا لك عدوا من مشركي قومك جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه عن ابن عباس والمعنى في جعله إياهم عدوا لأنبيائه أنه تعالى أمر الأنبياء (عليهم السلام) أن يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى وترك ما ألفوه من دينهم ودين آبائهم وإلى ترك عبادة الأصنام وذمها وكانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة فإذا أمرهم بها فقد جعلهم عدوا لهم ﴿وكفى بربك هاديا ونصيرا﴾ أي حسبك بالله هاديا إلى الحق وناصرا لأوليائه في الدنيا والآخرة على أعدائهم وقيل هاديا للأنبياء إلى التحرز عن عداوة المجرمين بالاعتصام بحبله ﴿وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة﴾ معناه وقال الكفار لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة قال الله تعالى ﴿كذلك﴾ أي نزلناه كذلك متفرقا ﴿لنثبت به فؤادك﴾ أي لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة وذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة وكل أمر كان ذلك أقوى لقلبه وأزيد في بصيرته وقيل إنما أنزلت الكتب جملة واحدة لأنها نزلت على الأنبياء يكتبون ويقرءون فنزلت عليهم مكتوبة والقرآن إنما نزل على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولذلك نزل متفرقا وأيضا فإن في القرآن الناسخ والمنسوخ وفيه ما هو جواب لمن سأله عن أمور وفيه ما هو إنكار لما كان وفيه ما هو حكاية شيء جرى فاقتضت الحكمة إنزاله متفرقا ﴿ورتلناه ترتيلا﴾ أي بيناه تبيينا ورسلناه ترسيلا بعضه في إثر بعض عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل فصلناه تفصيلا عن السدي وقيل فرقناه تفريقا عن النخعي وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا ابن عباس إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلا قال وما الترتيل قال بينه تبيينا ولا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هذ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكونن هم أحدكم آخر السورة ﴿ولا يأتونك بمثل﴾ أي ولا يأتيك المشركون بمثل يضربونه لك في إبطال أمرك ومخاصمتك ﴿إلا جئناك بالحق﴾ الذي يبطله ويدحضه ﴿وأحسن تفسيرا﴾ أي وبأحسن تفسيرا مما أتوا به من المثل أي بيانا وكشفا ﴿الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم﴾ أي يسحبون على وجوههم إلى النار وهم كفار مكة وذلك أنهم قالوا لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه هم شر خلق الله فقال الله سبحانه ﴿أولئك شر مكانا﴾ أي منزلا ومصيرا ﴿وأضل سبيلا﴾ أي دينا وطريقا من المؤمنين وروى أنس أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري في الصحيح ثم ذكر سبحانه حديث الأنبياء وأممهم تسلية للنبي فقال ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ يعني التوراة ﴿وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا﴾ أي معينا يعينه على تبليغ الرسالة ويحتمل عنه بعض أثقاله ﴿فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ يعني فرعون وقومه وفي الكلام حذف أي فذهبا إليهم فلم يقبلوا منهما وجحدوا نبوتهما ﴿فدمرناهم تدميرا﴾ أي أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة ﴿وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم﴾ أي وأغرقنا قوم نوح بالطوفان وهو مجيء السماء بماء منهمر وتفجير الأرض عيونا حتى التقى الماء على أمر قد قدر قال الزجاج من كذب نبيا فقد كذب بجميع الأنبياء ﴿وجعلناهم للناس آية﴾ أي عبرة وعظة ﴿وأعتدنا﴾ أي وهيأنا ﴿للظالمين عذابا أليما﴾ سوى ما حل بهم في الدنيا ﴿وعادا وثمود﴾ أي وأهلكنا عادا وثمود ﴿وأصحاب الرس﴾ وهو بئر رسوا فيها نبيهم أي القوة فيها عن عكرمة وقيل إنهم كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها وكانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه فانهار البئر وانخسفت بهم الأرض فهلكوا عن وهب وقيل الرس قرية باليمامة يقال لها فلج قتلوا نبيهم فأهلكهم الله عن قتادة وقيل كان لهم نبي يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا عن سعيد بن جبير والكلبي وقيل هم أصحاب رس والرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار فنسبوا إليها عن كعب ومقاتل وقيل أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات عن أبي عبد الله (عليه السلام) قرونا بين ذلك كثيرا أي وأهلكنا أيضا قرونا كثيرا بين عاد وأصحاب الرس على تكذيبهم وقيل بين نوح وأصحاب الرس والقرن سبعون سنة وقيل أربعون سنة عن إبراهيم ﴿وكلا ضربنا له الأمثال﴾ أي وكلا بينا لهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا عن مقاتل وقيل معناه بينا لهم الأحكام في الدين والدنيا ﴿وكلا تبرنا تتبيرا﴾ أي وكلا أهلكنا إهلاكا على تكذيبهم وجحودهم قال الزجاج كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته ﴿ولقد أتوا﴾ يعني كفار مكة ﴿على القرية التي أمطرت مطر السوء﴾ يعني قرية قوم لوط أمطروا بالحجارة ﴿أفلم يكونوا يرونها﴾ في أسفارهم إذا مروا بها فيخافوا ويعتبروا ﴿بل كانوا لا يرجون نشورا﴾ يعني بل رأوها وإنما لم يعتبروا بها لأنهم كانوا لا يخافون البعث وقيل لا يأملون ثوابا ولا يؤمنون بالنشأة الثانية فركبوا المعاصي.