الآيات 1-2

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿1﴾ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴿2﴾

اللغة:

العمد والعمد جميعا بمعنى واحد وهما جمع عمود وعماد إلا أن عمدا جمع عمود وعماد وعمدا اسم للجمع ومثله أديم وأدم وإهاب وأهب وأفيق وأفق.

الإعراب:

الذي أنزل يجوز أن يكون موضعه رفعا على الابتداء ويجوز أن يكون موضعه بالعطف على آيات الكتاب ويكون الحق مرفوعا على إضمار هو ويجوز أن يكون في موضع جر بالعطف على الكتاب وتقديره تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك ويكون الحق مرفوعا على الإضمار ويجوز أن يكون الحق مجرورا صفة للذي إذا جعلته عطفا على الكتاب ولكنه لم يقرأ به أحد من القراء.

المعنى:

﴿المر﴾ قد فسرناه في أول البقرة وبينا ما قيل فيه وروي أن معناه أنا الله أعلم وأرى ﴿تلك آيات الكتاب﴾ أي هذه السورة هي آيات الكتاب التي تقدم الوعد بها ليست بمفتريات ولا بسحر والكتاب القرآن عن ابن عباس والحسن وقيل إن الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل عن مجاهد وقتادة ويكون تقديره تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة والآيات الدلالات العجيبة المؤدية إلى المعرفة بالله سبحانه وأنه لا يشبه الأشياء ولا تشبهه ﴿والذي أنزل إليك من ربك الحق﴾ يعني وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق فاعتصم بالله واعمل بما فيه وعلى القول الأول فإنه وصف القرآن بصفتين إحداهما بأنه كتاب والأخرى بأنه منزل ﴿ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ أي لا يصدقون بأنه منزل وأنه حق مع وضوحه ﴿الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها﴾ لما ذكر الله سبحانه أنهم لا يؤمنون عرف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق ويريد بالعمد السواري والدعائم وقيل فيه قولان (أحدهما) أن المراد رفع السماوات بغير عمد وأنتم ترونها كذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة والجبائي وأبي مسلم وهو الأصح قال ابن عباس يعني ليس من دونها دعامة يدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها قال الزجاج وفي ذلك من القدر والدلالة ما لا شيء أوضح منه لأن السماء محيطة بالأرض متبرية منها بغير عمد (والآخر) أن يكون ترونها من نعت العمد فيكون المعنى بغير عمد مرئية فعلى هذا تعمدها قدرة الله عز وجل وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد ﴿ثم استوى على العرش﴾ قد مضى تفسيره وإذا حملنا الاستواء على معنى الملك والاقتدار فالوجه في إدخال ثم فيه ولم يزل سبحانه كذلك أن المراد اقتداره على تصريفه وتقليبه وإذا كان كذلك فلا يكاد القديم سبحانه يوصف به إلا وقد وجد نفس العرش ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ أي ذللهما لمنافع خلقه ومصالح عباده ﴿وكل يجري لأجل مسمى﴾ أي كل واحد منهما يجري إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي تكور عندها الشمس ويخسف القمر وتنكدر النجوم عن الحسن وقال ابن عباس أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهيان إليها ولا يجاوزانها وللشمس مائة وثمانون منزلا تنزل كل يوم منزلا حتى ينتهي إلى آخر منازله ﴿يدبر الأمر﴾ أي يدبر الله كل أمر من أمور السماوات والأرض وأمور الخلق على وجه توجيه الحكمة وتقتضيه المصلحة ﴿يفصل الآيات﴾ أي يأتي ب آية في إثر آية فصلا مميزا بعضها عن بعض ليكون أمكن للاعتبار والتفكر وقيل معناه يبين الدلائل بما يحدثه في السماوات والأرض ﴿لعلكم بلقاء ربكم توقنون﴾ أي لكي توقنوا بالبعث والنشور وتعلموا أن القادر على هذه الأشياء قادر على البعث بعد الموت وفي هذا دلالة على وجوب النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى وعلى بطلان التقليد ولو لا ذلك لم يكن لتفصيل الآيات معنى.