الآيات 113-114

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿113﴾ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴿114﴾

اللغة:

أصل الأواه من التأوه وهو التوجع والتحزن يقال تأوه تأوها وأوه تأويها قال المثقب العبدي:

إذا ما قمت أرحلها بليل

تأوه آهة الرجل الحزين

ولو جاء منه فعل مصرفا لكان آه يئوه أوها مثل قال يقول قولا والعرب تقول أوه من كذا بكسر الواو وتسكين الهاء قال:

فأوه بذكراها إذا ما ذكرتها

ومن بعد أرض دونها وسماء والعامة تقول أوه وفيه خمس لغات أوه بسكون الواو وكسر الهاء وأو وآه بالتنوين وأوه وأوه.

المعنى:

﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين﴾ ومعناه ليس للنبي والمؤمنين أن يطلبوا المغفرة للمشركين الذين يعبدون مع الله إلها آخر والذين لا يوحدونه ولا يقرون بإلهيته ﴿ولو كانوا أولي قربى﴾ أي ولو كان الذين يطلبون لهم المغفرة أقرب الناس إليهم ﴿من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم﴾ أي من بعد أن يعلموا أنهم كفار مستحقون للخلود في النار وفي تفسير الحسن أن المسلمين قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ لا تستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية فأنزل الله سبحانه هذه الآية وبين أنه لا ينبغي لنبي ولا مؤمن أن يدعو لكافر ويستغفر له وقوله ﴿ما كان للنبي﴾ أبلغ من أن يقول لا ينبغي للنبي لأنه يدل على قبحه وأن الحكمة تمنع منه ولو قال لا ينبغي لم يدل على أن الحكمة تمنع منه وإنما كان يدل على أنه لا ينبغي أن يختاره ومعناه لم يجعل الله في دينه ولا في حكمه أن يستغفروا للمشركين ولو دعتهم رقة القرابة وشفقة الرحم إلى الاستغفار لهم بعد ما ظهر أن لهم عذابا عظيما ثم بين سبحانه الوجه في استغفار إبراهيم لأبيه مع كونه كافرا سواء كان أباه الذي ولده أو جده لأمه أو عمه على ما رواه أصحابنا فقال ﴿وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه﴾ أي لم يكن استغفاره له إلا صادرا عن موعدة وعدها إياه واختلف في صاحب هذه الموعدة هل هو إبراهيم وأبوه فقيل أن الموعدة كانت من الأب وعد بها إبراهيم أنه يؤمن أن استغفر له لذلك ﴿فلما تبين له أنه عدو لله﴾ ولا يفي بما وعد ﴿تبرأ منه﴾ وترك الدعاء له وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة إلا أنهم قالوا إنما تبين عداوته لما مات على كفره وقيل أن الموعدة كانت من إبراهيم قال لأبيه إني أستغفر لك ما دمت حيا وكان يستغفر له مقيدا بشرط الإيمان فلما آيس من إيمانه تبرأ منه وهذا يوافق قراءة الحسن إلا عن موعدة وعدها أباه ويقويه قوله إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ﴿إن إبراهيم لأواه﴾ أي دعاء كثير الدعاء والبكاء عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل الأواه الرحيم بعباد الله عن الحسن وقتادة وقيل هو الذي إذا ذكر النار قال أوه عن كعب وقيل الأواه المؤمن بلغة الحبشة عن ابن عباس وقيل الأواه الموقن المستيقن عن مجاهد وعكرمة وقيل الأواه العفيف عن النخعي وقيل هو الراجع عن كل ما يكره الله عز وجل عن عطا وقيل هو الخاشع المتضرع رواه عبد الله بن شداد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل هو المسبح الكثير الذكر لله سبحانه عن عقبة بن عامر وقيل هو المتأوه شفقا وفرقا المتضرع يقينا بالإجابة ولزوما للطاعة عن أبي عبيدة وقال الزجاج وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأواه ﴿حليم﴾ يقال بلغ من حلم إبراهيم (عليه السلام) إن رجلا قد أذاه وشتمه فقال له هداك الله وقيل الحليم السيد عن ابن عباس وأصله أنه الصبور على الأذى الصفوح عن الذنب.

النظم:

لما تقدم ذكر الكفار والمنافقين والمنع من موالاتهم والصلاة عليهم والقيام على قبرهم للدعاء لهم نهي عن دعائهم بعد موتهم ولما نهى الله النبي والمؤمنين عن الاستغفار للمشركين ذكر قصة إبراهيم وعذره في الاستغفار لأبيه وأما قوله ﴿إن إبراهيم لأواه حليم﴾ فإنما اتصل بما قبله بأنه إذا كان له صفة الرأفة والرحمة يكون في دعائه أخلص وعلى خلاص أقربائه من العذاب أحرص ومع ذلك تبرأ منه لما يئس من فلاحه.