الىيات 26-30

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿26﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿27﴾ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿28﴾ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿29﴾ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴿30﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير حفص أإنكم لتأتون الفاحشة ﴿أإنكم لتأتون الرجال﴾ بهمزتين فيهما وقرأ أبو عمرو بالاستفهام فيهما بهمزة ممدودة آنكم وقرأ الباقون ﴿إنكم لتأتون الفاحشة﴾ بكسر الهمزة من غير استفهام ﴿أإنكم لتأتون الرجال﴾ بالاستفهام إلا أن ابن كثير وورشا ويعقوب قرءوا بهمزة واحدة غير ممدودة وابن عامر وحفص بهمزتين وأهل المدينة غير ورش بهمزة واحدة ممدودة.

اللغة:

هاجر القوم من دار إلى دار معناه تركوا الأولى للثانية قال الأزهري أصل المهاجرة خروج البدوي من البادية إلى المدن وتهجر أي تشبه بالمهاجرين ومنه حديث عمر هاجروا ولا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله والنادي والندي المجلس إذا اجتمعوا فيه وتنادى القوم اجتمعوا في النادي ودار الندوة دار قصي بن كلاب كانوا يجتمعون فيه للمشاورة تبركا به والأصل من النداء لأن القوم ينادي بعضهم بعضا.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم بأن قال ﴿فآمن له لوط﴾ أي فصدق بإبراهيم لوط وهو ابن أخته وكان إبراهيم خاله عن ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين وهو أول من صدق بإبراهيم (عليه السلام) ﴿وقال﴾ إبراهيم ﴿إني مهاجر إلى ربي﴾ أي خارج من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم لقبيح أعمالهم من حيث أمرني ربي وقيل معناه قال لوط إني مهاجر إلى ربي عن الجبائي وخرج إبراهيم (عليه السلام) ومعه لوط وامرأته سارة وكانت ابنة عمه من كوثي وهي قرية من سواد الكوفة إلى أرض الشام عن قتادة ومثل هذا هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة أولا ثم إلى المدينة ثانيا لأنهم هجروا ديارهم وأوطانهم بسبب أذى المشركين لهم ﴿إنه هو العزيز﴾ الذي لا يذل من نصره ﴿الحكيم﴾ الذي لا يضيع من حفظه ﴿ووهبنا له﴾ أي لإبراهيم من بعد إسماعيل ﴿إسحاق ويعقوب﴾ من وراء إسحاق ﴿وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب﴾ وذلك أن الله سبحانه لم يبعث نبيا من بعد إبراهيم إلا من صلبه فالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان كلها أنزلت على أولاده ﴿وآتيناه أجره في الدنيا﴾ وهو الذكر الحسن والولد الصالح عن ابن عباس وقيل هو رضى أهل الأديان به فكلهم يحبونه ويتولونه عن قتادة وقيل هو أنه أري مكانه في الجنة عن السدي وقال بعض المتأخرين هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء قال البلخي وفي هذا دلالة على أنه يجوز أن يثيب الله في دار التكليف ببعض الثواب ﴿وأنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ يعني أن إبراهيم مع ما أعطي من الأجر والثواب في الدنيا يحشره الله في جملة الصالحين العظيمي الأقدار مثل آدم ونوح ﴿ولوطا إذ قال لقومه﴾ أي وأرسلنا لوطا ويجوز أن يريد واذكر لوطا حين قال لقومه ﴿إنكم لتأتون الفاحشة﴾ من قرأ بلفظ الاستفهام أراد به الإنكار دون الاستعلام ومن قرأ إنكم على الخبر أراد أن لوطا قال ذلك لقومه منكرا لفعلهم لا مفيدا معلما لهم لأنهم قد علموا ما فعلوه والفاحشة هاهنا ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران ﴿ما سبقكم بها﴾ أي بهذه الفاحشة ﴿من أحد من العالمين﴾ أي أحد من الخلائق ثم فسر الفاحشة بقوله ﴿إنكم لتأتون الرجال﴾ أي تنكحونهم ﴿وتقطعون السبيل﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) تقطعون سبيل الولد باختياركم الرجال على النساء (وثانيها) إنكم تقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاحشة فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالحذف فأيهم أصابه كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك (وثالثها) إنهم كانوا يقطعون الطريق على الناس كما يفعل قطاع الطريق في زماننا ﴿وتأتون في ناديكم المنكر﴾ قيل فيه أيضا وجوه (أحدها) هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء عن ابن عباس وروي ذلك عن الرضا (عليه السلام) (وثانيها) إنهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا عن مجاهد (وثالثها) كانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق وحذف الأحجار على من مر بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط قال الزجاج وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير ولا أن يجتمعوا على المناهي ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا يأتونه من الفضائح قالوا له استهزاء ائتنا بعذاب الله وذلك قوله ﴿فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين﴾ وعند ذلك ﴿قال﴾ لوط ﴿رب انصرني على القوم المفسدين﴾ الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض.