الآيات 11-15

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴿11﴾ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿12﴾ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿13﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿14﴾ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿15﴾

اللغة:

الثقل متاع البيت وجمعه أثقال وهو من الثقل يقال ارتحل القوم بثقلهم وثقلتهم أي بأمتعتهم ومنه الحديث إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض قال ثعلب سميا به لأن الأخذ بم وجبهما ثقيل وقال غيره إن العرب تق ول لكل شيء خطير نفيس ثقل فسماهما ثقلين تفخيما لشأنهما وكل شيء يتنافس فيه فه وثقل ومنه سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما فضلا على غيرهما من الخلق والطوفان الماء الكثير الغامر لأنه يطوف بكثرته في نواحي الأرض قال الراجز:

أفناهم الطوفان موت جارف

الجرف الأخذ الكثير وقد جرفت الشيء أجرفه بالضم جرفا أي ذهبت كله شبه الموت في كثرته بالطوفان.

الإعراب:

قوله ﴿بحاملين من خطاياهم من شيء﴾ تقديره وما هم بحاملين من شيء من خطاياهم فق وله ﴿من خطاياهم﴾ في الأصل صفة لشيء فقدم عليه فصار في موضع نصب على الحال.

﴿ألف سنة﴾ نصب على الظرف خمسين نصب على الاستثناء وعاما تمييزه.

المعنى:

ثم أقسم سبحانه فقال ﴿وليعلمن الله الذين آمنوا﴾ بالله على الحقيقة ظاهرا وباطنا ﴿وليعلمن المنافقين﴾ فيجازيهم بحسب أعمالهم قال الجبائي معناه وليميزن الله المؤمن من المنافق فوضع العلم موضع التمييز توسعا وقد مر بيانه وفي هذه الآية تهديد للمنافقين بما هو معلوم من حالهم التي استهزءوا بها وتوهموا أنهم قد نجوا من ضررها بإخفائها فبين أنها ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها وأنه يحل الفضيحة العظمى بها ﴿وقال الذين كفروا﴾ نعم الله وجحدوها ﴿للذين آمنوا﴾ أي صدق وابت وحيده وصدق رسله ﴿اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم﴾ أي ونحن نحمل آثامكم عنكم إن قلتم إن لكم في اتباع ديننا إثما ويعن ون بذلك أنه لا إثم عليكم باتباع ديننا ولا يكون بعث ولا نشور فلا يلزمنا شيء مما ضمنا والمأمور في قوله ﴿ولنحمل﴾ هو المتكلم به نفسه في مخرج اللفظ والمراد به إلزام النفس هذا المعنى كما يلزم الشيء بالأمر وفيه معنى الجزاء وتقديره إن تتبع واديننا حملنا خطاياكم عنكم ثم قال سبحانه ﴿وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء﴾ أي لا يمكنهم حملذن وبهم عنهم يوم القيامة فإن الله سبحانه عدل لا يعذب أحدا بذنب غيره فلا يصح إذا أن يتحمل أحد ذنب غيره وهذا مثل قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ولا يجري هذا مجرى تحمل الدية عن الغير لأن الغرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول فلا فرق بين أن ي وديه زيد عنه وبين أن يؤديه عمر وفإنه بمنزلة قضاء الدين.

﴿إنهم لكاذبون﴾ فيما ضمنوا من حمل خطاياهم ﴿وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم﴾ يعني أنهم يحملون خطاياهم وأوزارهم في أنفسهم التي لم يعمل وها بغيرهم ويحملون الخطايا التي ظلم وابها غيرهم وقيل معناه يحملون عذاب ضلالهم وعذاب إضلالهم غيرهم ودعائهم لهم إلى الكفر وهذا كق وله من سن سنة سيئة الخبر وهذا كقوله ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ﴿وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون﴾ ومعناه أنهم يسئلون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع لا سؤال استعلام واستخبار ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه﴾ يدع وهم إلى توحيد الله عز وجل ﴿فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما﴾ فلم يجيب وهو كفروا به ﴿فأخذهم الطوفان﴾ جزاء على كفرهم فهلك و﴿وهم ظالمون﴾ لأنفسهم بما فعلوه من الشرك والعصيان ﴿فأنجيناه وأصحاب السفينة﴾ أي فأنجينا نوحا من ذلك الطوفان والذين ركبوا معه في السفينة من المؤمنين به ﴿وجعلناها﴾ أي وجعلنا السفينة ﴿آية للعالمين﴾ أي علامة للخلائق أجمعين يعتبرون بها إلى يوم القيامة لأنها فرقت بين المؤمنين والكافرين والأبرار والفجار وهي دلالة للخلق على صدق نوح وكفر قومه.

النظم:

إنما اتصل ق وله ﴿وقال الذين كفروا﴾ بما تقدمه من ذكر المنافقين فإنه سبحانه لما بين حالهم عند إيراد الشبهة عليهم بين في هذه الآية أن من الواجب أن لا يغتر المؤمنون بما ي ورده أهل الكفر عليهم من الشبه الفاسدة وقد ذكر في اتصال قصة نوح بما قبلها وجوه (أحدها) أنه لما قال فتنا الذين من قبلهم فصل ذلك فبدأ بقصة نوح ثم بما يليها (وثانيها) أنه لما ذكر حال المجاهد الصابر وحال من كان بخلافه ذكر قصة نوح وصبره على أذى قومه وتكذيبهم تلك المدة الطويلة ثم عقب ذلك بذكر غيره من الأنبياء (وثالثها) أنه لما أمر ونهى ووعد وأوعد على امتثال أوامره وارتكاب نواهيه أكد ذلك بقصص الأنبياء.