الآيات 11-14

إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿11﴾ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿12﴾ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿13﴾ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿14﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة زيد بن أسلم وأبي جعفر القارىء إلا من ظلم بفتح الهمزة خفيفة اللام وقرأ علي بن الحسين (عليهما السلام) وقتادة مبصرة بفتح الميم والصاد.

الحجة:

قال ابن جني من عدل إلى هذه القراءة فكأنه خفي عليه انقطاع الاستثناء في القراءة الفاشية فإن من هذه القراءة في موضع رفع بالابتداء أو يكون للشرط كقولك من يقم أضرب ومن هناك منصوبة على الاستثناء وهو استثناء منقطع بمعنى لكن وقوله ﴿مبصرة﴾ كقولك هدى ونورا وقد كثرت المفعلة بمعنى الشياع والكثرة في الجواهر والأحداث جميعا كقولهم أرض مضبة كثيرة الضباب ومفعاة كثيرة الأفاعي ومحياة ومحواة كثيرة الحيات هذا في الجواهر وأما الأحداث فكقولك البطنة موسنة وأكل الرطب موردة ومحمة ومنه المسعاة والمعلاة والحق مجدرة بك ومخلقة وفي كله معنى الكثرة من موضعين (أحدهما) المصدرية التي فيه والمصدر إلى الشياع والعموم (والآخر) التاء وهي لمثل ذلك.

الإعراب:

﴿بيضاء﴾ منصوبة على الحال و﴿من غير سوء﴾ يتعلق ببيضاء و﴿في تسع آيات﴾ يتعلق بألق و﴿أدخل يدك﴾ ومعناه إلقاء العصا وإدخال اليد في جيبك من جملة الآيات التسع التي يظهرها له ﴿إلى فرعون﴾ يتعلق بمحذوف والتقدير مرسلا إلى فرعون فهو في موضع الحال ﴿ظلما وعلوا﴾ مفعول له وكيف في موضع نصب بأنه خبر كان.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿إلا من ظلم﴾ المعنى لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين لأن الأنبياء لا يقع منهم ظلم لكونهم معصومين من الذنوب والقبائح فيكون هذا استثناء منقطعا وإنما حسن ذلك لاجتماع الأنبياء وغيرهم في معنى شملهم وهو التكليف ﴿ثم بدل حسنا بعد سوء﴾ أي بدل توبة وندما على ما فعله من القبيح وعزما أن لا يعود إليه في المستقبل ﴿فإني غفور رحيم﴾ أي ساتر لذنبه قابل لتوبته ﴿وأدخل يدك إلى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء﴾ أعطاه آية أخرى وقد سبق بيانها ﴿في تسع آيات﴾ أي مع تسع آيات أخر أنت مرسل بها ﴿إلى فرعون وقومه﴾ فحذف أو يكون تقديره مرسلا بها إلى فرعون ومبعوثا إليه ومثله قول الشاعر:

رأتني بحبليها فصدت مخافة

وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق

والتقدير رأتني مقبلا بحبليها وقال الزجاج في تسع آيات معناه من تسع آيات أي أظهر هاتين الآيتين من جملة تسع آيات كقولهم خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان والمعنى منها فحلان والآيات التسع مفسرة في سورة بني إسرائيل ﴿إنهم كانوا قوما فاسقين﴾ أي خارجين عن طاعة الله إلى أقبح وجوه الكفر ﴿فلما جاءتهم آياتنا﴾ أي حججنا ومعجزاتنا﴿مبصرة﴾ أي واضحة بينة على من أبصر أنها خارجة عن قدرة البشر وهو مثل قوله وآتينا ثمود الناقة مبصرة وقد مر بيانه ﴿قالوا هذا سحر مبين﴾ أي ظاهر بين ﴿وجحدوا بها﴾ وأنكروها ولم يقروا بأنها من عند الله تعالى قال أبو عبيدة الباء زائدة والمعنى جحدوها كما قال العجاج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج ﴿واستيقنتها أنفسهم﴾ أي عرفوها وعلموها يقينا بقلوبهم وإنما جحدوها بألسنتهم ﴿ظلما﴾ على بني إسرائيل وقيل ظلما على أنفسهم ﴿وعلوا﴾ أي طلبا للعلو والرفعة وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى (عليه السلام) ﴿فانظر﴾ يا محمد أو أيها السامع ﴿كيف كان عاقبة المفسدين﴾ في الأرض بالمعاصي.