الآيات 161-170

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴿161﴾ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ﴿162﴾ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ﴿163﴾ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴿164﴾ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴿165﴾ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴿166﴾ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ﴿167﴾ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنْ الْأَوَّلِينَ ﴿168﴾ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿169﴾ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿170﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الحسن صال الجحيم بضم اللام.

الحجة:

قال ابن جني كان الشيخ أبو علي يحمله على أنه حذف لام صال تخفيفا وأعرب اللام بالضم كما حذفت لام البالية من قولهم ما باليت به بالة وذهب قطرب إلى أنه صال أي صالون فحذف النون للإضافة والواو لالتقاء الساكنين وحمل على معنى من لأنه جمع كقوله ومنهم من يستمعون إليك وقال هذا حسن عندي وقول أبي علي مأخوذ به.

اللغة:

الفاتن الداعي إلى الضلال يتزينه وأصل الفتنة من قولهم فتنت الذهب بالنار إذا أخرجته إلى حال الخلاص الصالي اللازم للنار المحترق بها والمصطلي المستدفىء بالنار ومنه الصلاة للزوم الدعاء فيها والمصلي الذي يجيء بعد السابق للزومه أثره.

المعنى:

ثم خاطب سبحانه الكفار بأن قال لهم ﴿فإنكم وما تعبدون﴾ وموضع ما نصب عطفا على الكاف والميم والمعنى إنكم يا معشر الكفار والذي تعبدونه ﴿ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم﴾ الهاء في عليه إلى ما ذا يعود فيه قولان (أحدهما) أنه يعود إلى ﴿ما تعبدون﴾ والتقدير إنكم وما تعبدونه ما أنتم بفاتنين على عبادته أحدا إلا من يصلى الجحيم ويحترق بها بسوء اختياره وقيل معناه ما أنتم بمضلين أحدا أي لا تقدرون على إضلال أحد إلا من سبق في علم الله تعالى أن سيكفر بالله تعالى ويصلى الجحيم (والآخر) أن الضمير في عليه يعود إلى الله تعالى والتقدير ما أنتم على الله وعلى دينه بمضلين أحدا إلا من هو صالي الجحيم باختياره وهذا كما يقال لا يهلك على الله هالك وفلان يربح على فلان ويخسر على فلان ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ هذا قول جبرائيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل إنه قول الملائكة وفيه مضمر أي وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه وقيل معناه أنه لا يتجاوز ما أمر به ورتب له كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حد له فكيف يجوز أن يعبد من بهذه الصفة وهو عبد مربوب ﴿وإنا لنحن الصافون﴾ حول العرش ننتظر الأمر والنهي من الله تعالى وقيل القائمون صفوفا في الصلاة قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض وقال الجبائي صافون باجنحتنا في الهواء للعبادة والتسبيح ﴿وإنا لنحن المسبحون﴾ أي المصلون والمنزهون الرب عما لا يليق به ومنه قوله فرغت من سبحتي أي من صلاتي وذلك لما في الصلاة من تسبيح الله تعالى وتعظيمه والمسبحون القائلون سبحان الله على وجه التعظيم لله ﴿وإن كانوا ليقولون﴾ إن هذه هي المخففة من الثقيلة أ لا ترى أن اللام قد لزم خبرها والمعنى وأن هؤلاء الكفار يعني أهل مكة كانوا يقولون ﴿لو أن عندنا ذكرا﴾ أي كتابا ﴿من الأولين﴾ أي من كتب الأولين التي أنزلها على أنبيائه وقيل ذكرا أي علما من الأولين الذين تقدمونا وما فعل الله بهم فسمي العلم ذكرا لأن الذكر من أسباب العلم ﴿لكنا عباد الله المخلصين﴾ الذين يخلصون العبادة لله تعالى فجعلوا العذر في امتناعهم من الإيمان أنهم لا يعرفون أخبار من تقدمهم وهل حصلوا في جنة أو نار ﴿فكفروا به﴾ في الكلام حذف تقديره فلما أتاهم الكتاب وهو القرآن كفروا به ﴿فسوف يعلمون﴾ عاقبة كفرهم وهذا تهديد لهم.