الآيات 47-52

بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿47﴾ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴿48﴾ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴿49﴾ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿50﴾ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿51﴾ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿52﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وقالون عن نافع ويعقوب ويتقه بكسر القاف والهاء مكسورة مختلسة غير مشبعة وقرأ أبو عمرو وحمزة في رواية العجلي وخلاد وأبو بكر في رواية حماد ويحيى ويتقه بكسر القاف وسكون الهاء وقرأ حفص ﴿يتقه﴾ بسكون القاف وكسر الهاء غير مشبعة والباقون يتقه بكسر القاف والهاء مشبعة وروي عن علي (عليه السلام) أنه قرأ قول المؤمنين بالرفع وهو قراءة الحسن بخلاف ابن أبي إسحاق وهو مثل قراءة من قرأ فما كان جواب قومه بالرفع وقد ذكرنا الوجه فيه وقرأ أبو جعفر وحده ليحكم بينهم بضم الياء وفتح الكاف في الموضعين وفي البقرة وآل عمران مثل ذلك وقد ذكرناه هناك.

الحجة:

قال أبو علي الوجه ويتقه موصولة بياء لأن ما قبل الهاء متحرك ومن قرأ ويتقه لا يبلغ بها الياء فالوجه فيه أن الحركة غير لازمة قبل الهاء ألا ترى أن الفعل إذا رفع دخلته الياء ومن قرأ ويتقه بسكون الهاء فلأن ما يتبع هذه الهاء من الياء والواو زيادة فرد إلى الأصل وحذف ما يلحقه من الزيادة ويقوي ذلك ما حكي عن سيبويه أنه سمع من يقول هذه أمة الله في الوصل والوقف وزعم أبو الحسن أن قوله له أرقان ونحوه لغة يجرونها في الموصل مجراها في الوقف فيحذفون منها كما حذفوا في الوقف وحملها سيبويه على الضرورة وأما قراءة حفص ﴿ويتقه﴾ فوجهه أن تقه من يتقه مثل كتف فكما يسكن نحو كتف كذلك تسكن القاف من تقه وعلى هذا قول الشاعر:

عجبت لمولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان ومثله

فبات منتصبا وما تكردسا فلما أسكن ما قبل الهاء لهذا التشبيه حرك الهاء بالكسر كما حرك الدال بالفتح في لم يلده.

اللغة:

قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة يقال أذعن لي بحقي أي طاوعني لما كنت ألتمسه منه وصار يسرع إليه وناقة مذعان منقادة والحيف الجور ينقص الحق والفوز أخذ لحظ الجزيل من الخير.

النزول:

قيل نزلت الآيات في رجل من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود حكومة فدعاه اليهودي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وحكى البلخي أنه كانت بين علي وعثمان منازعة في أرض اشتراها من علي (عليه السلام) فخرجت فيها أحجار وأراد ردها بالعيب فلم يأخذها فقال بيني وبينك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الحكم بن أبي العاص إن حاكمته إلى ابن عمه يحكم له فلا تحاكمه إليه فنزلت الآيات وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أو قريب منه.

المعنى:

﴿ويقولون آمنا بالله﴾ أي صدقنا بتوحيد الله ﴿وبالرسول وأطعنا﴾ هما فيما حكما ﴿ثم يتولى فريق منهم﴾ أي يعرض عن طاعتهما طائفة منهم ﴿من بعد ذلك﴾ أي من بعد قولهم آمنا ﴿وما أولئك﴾ الذين يدعون الإيمان ثم يعرضون عن حكم الله ورسوله ﴿بالمؤمنين﴾ وفي هذه الآية دلالة على أن القول المجرد لا يكون إيمانا إذ لو كان ذلك كذلك لما صح النفي بعد الإثبات ﴿وإذا دعوا إلى الله﴾ أي إلى كتاب الله وحكمه وشريعته ﴿ورسوله﴾ أي وإلى حكم رسوله ﴿ليحكم بينهم﴾ الرسول وإنما أفرد بعد قوله ﴿إلى الله ورسوله﴾ لأن حكم الرسول يكون بأمر الله تعالى فحكم الله ورسوله واحد ﴿إذا فريق منهم معرضون﴾ عما يدعون إليه ﴿و إن يكن لهم الحق﴾ أي وإن علموا أن الحق يقع لهم ﴿يأتوا إليه﴾ أي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿مذعنين﴾ مسرعين طائعين منقادين ثم قال سبحانه منكرا عليهم ﴿أفي قلوبهم مرض﴾ أي شك في نبوتك ونفاق وهو استفهام يراد به التقرير لأنه أشد في الذم والتوبيخ أي هذا أمر قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البينة كما جاء في نقيضه من المدح على طريق الاستفهام نحو قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون

راح ﴿أم ارتابوا﴾ في عدلك أي رأوا منك ما رابهم لأجله أمرك ﴿أم يخافون أن يحيف الله عليهم﴾ أي يجور الله عليهم ﴿ورسوله﴾ أي ويميل رسوله في الحكم ويظلمهم لأنه لا وجه في الامتناع عن المجيء إلا أحد هذه الأوجه الثلاثة ثم أخبر سبحانه أنه ليس شيء من ذلك فقال ﴿بل أولئك هم الظالمون﴾ نفوسهم وغيرهم وفي هذه الآية دلالة على أن خوف الحيف من الله تعالى خلاف الدين وإذا كان كذلك فالقطع عليه أولى أن يكون خلافا للدين ثم وصف سبحانه الصادقين في إيمانهم فقال ﴿إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا﴾ أي سمعنا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطعنا أمره وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم عن ابن عباس ومقاتل وقيل معناه قبلنا هذا القول وأنفذنا له وأجبنا إلى حكم الله ورسوله ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ أي الفائزون بالثواب الظافرون بالمراد وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن المعنى بالآية أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات ﴿ومن يطع الله ورسوله﴾ فيما امرأة ونهيا عنه ﴿ويخش الله﴾ أي ويخش عقاب الله في ترك أوامره وارتكاب نواهيه ﴿ويتقه﴾ أي ويتق عقابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ﴿فأولئك هم الفائزون﴾ وقيل معناه ويخش الله في ذنوبه التي عملها ويتقه فيما بعد.

النظم:

قيل اتصلت الآية الأولى بقوله ويضرب الله الأمثال للناس ويعود الضمير في قوله ويقولون إليهم وإن كان يقع على بعضهم فكأنه قال ويقول جماعة من هؤلاء الناس آمنا عن أبي مسلم وقيل إنه لما تقدم ذكر المؤمن والكافر عقبه سبحانه بذكر المنافق.