الآيات 32-34

وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿32﴾ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿33﴾ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴿34﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير من بعد إكراههن لهن غفور رحيم وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).

الحجة:

اللام في هن متعلقة بغفور أي غفور لهن.

اللغة:

الأيامى جمع أيم وهي المرأة التي لا زوج لها سواء كانت بكرا أو ثيبا ويقال للرجل الذي لا زوجة له أيم أيضا قال جميل:

أحب الأيامى إذ بثينة أيم

وأحببت لما أن غنيت الغوانيا

وقال الشاعر:

فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي

يدا الدهر ما لم تنكحي أتايم

والفعل منه آمت المرأة تئيم أيمة وأيوما والإنكاح التزويج يقال نكح إذا تزوج وأنكح غيره إذا زوجه والاستعفاف والتعفف سواء وهو طلب العفة واستعمالها ويقال رجل عف وامرأة عفة والكتاب والمكاتبة أن يكاتب الرجل مملوكه على مال يؤديه إليه فإذا أداه عتق وأصله من الجمع وكل شيء جمعته إلى شيء فقد كتبته ومنه الكتاب لتداني بعض حروفه إلى بعض وهنا قد جمع العبد نجوم المال وقيل جمع ماله إلى مال السيد.

الإعراب:

أحد مفعولي ﴿أنكحوا﴾ محذوف تقديره وأنكحوا رجالكم الأيامى من نسائكم أو نساءكم الأيامى من رجالكم وأنكحوا الصالحين من عبادكم إماءكم الصالحات أو الصالحات من إمائكم عبادكم الصالحين لأن الأيامى يشتمل على الرجال والنساء والصالحين يشتمل عليهما أيضا وقوله ﴿منكم﴾ و﴿من عبادكم وإمائكم﴾ الجار والمجرور في موضع نصب على الحال ومن للتبيين وكل موضع يكون من مع معمولة والعامل فيه في محل النصب على الحال لا يكون إلا كذلك.

المعنى:

ثم أمر سبحانه عباده بالنكاح وأغناهم عن السفاح فقال ﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ ومعناه زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم وهذا أمر ندب واستحباب وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء وروى عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير قال لقيني ابن عباس في حجة حجها فقال هل تزوجت قلت لا قال فتزوج قال ولقيني في العام المقبل فقال هل تزوجت قلت لا فقال اذهب فتزوج فإن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أبي هريرة قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد للقيت الله بزوجة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول شراركم عزابكم وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من أدرك له ولد وعنده ما يزوجه فلم يزوجه فأحدث فالإثم بينهما وعن أبي أمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أربع لعنهم الله من فوق عرشه وأمنت عليه ملائكته الذي يحصر نفسه فلا يتزوج ولا يتسرى لئلا يولد له والرجل يتشبه بالنساء وقد خلقه الله ذكرا والمرأة تتشبه بالرجال وقد خلقها الله أنثى ومضلل الناس يريد الذي يهزأ بهم يقول للمسكين هلم أعطك فإذا جاء يقول ليس معي شيء ويقول للمكفوف اتق الدابة وليس بين يديه شيء والرجل يسأل عن دار القوم فيضلله ﴿والصالحين من عبادكم وإمائكم﴾ أي وزوجوا المستورين من عبيدكم وولائدكم وقيل إن معنى الصلاح هاهنا الإيمان عن مقاتل ثم رجع إلى الأحرار فقال ﴿إن يكونوا فقراء﴾ لا سعة لهم للتزويج ﴿يغنهم الله من فضله﴾ وعدهم سبحانه أن يوسع عليهم عند التزويج ﴿والله واسع﴾ المقدور كثير الفضل ﴿عليم﴾ بأحوالهم وما يصلحهم فيعطيهم على قدر ذلك وقال أبو عبد الله (عليه السلام) من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بربه لقوله سبحانه ﴿إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله﴾ ﴿وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله﴾ هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد السبيل إلى أن يتزوج بأن لا يجد المهر والنفقة أن يتعفف ولا يدخل في الفاحشة ويصبر حتى يوسع الله عليه من رزقه ثم بين سبحانه ما يسهل سبيل النكاح فقال ﴿والذين يبتغون الكتاب﴾ أي يطلبون المكاتبة ﴿مما ملكت أيمانكم﴾ من العبيد والإماء ﴿فكاتبوهم﴾ والمكاتبة أن يكاتب الإنسان عبده على مال ينجمه عليه ليؤديه إليه في هذه النجوم المعلومة وهذا أمر ندب واستحباب وترغيب عند جميع الفقهاء وقيل أنه أمر حتم وإيجاب إذا طلبه العبد وعلم فيه الخير عن عطا وعمر بن دينار والطبري ﴿إن علمتم فيهم خيرا﴾ أي صلاحا ورشدا عن ابن عباس وروي عنه أيضا إن علمتم فيهم قدرة على الاكتساب لأداء مال الكتابة ورغبة فيه وأمانة وهو قول ابن عمر وابن زيد والثوري والزجاج قال الحسن إن كان عنده مال فكاتبه وإلا فلا تعلق عليه صحيفة يغدو بها على الناس ويروح بها فيسألهم وروي أن عبدا لسلمان قال له كاتبني قال أ لك مال قال لا قال تطعمني أوساخ الناس فأبى عليه وقال قتادة يكره أن يكاتب العبد ويقول لا يكاتبه إلا يسأل الناس ﴿وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾ أي حطوا عنهم من نجوم الكتابة شيئا عن ابن عباس وقتادة وعطا وقيل معناه ردوا عليهم يا معشر السادة من المال الذي أخذتم منهم شيئا وهو استحباب وقيل هو إيجاب وقال قوم من المفسرين أنه خطاب للمؤمنين بمعونتهم على تخليص رقابهم من الرق ومن قال أنه خطاب للسادة اختلفوا في قدر ما يجب فقيل يتقدر بربع المال عن الثوري وروي ذلك عن علي (عليه السلام) وقيل ليس فيه تقدير بل يحط عنه شيء منه وهو الصحيح وقيل أنه يعطى سهمه من الصدقات في قوله وفي الرقاب قال الحسن لو لا الكتابة لما جاز له أخذ الصدقة وقال أصحابنا أن المكاتبة ضربان مطلق ومشروط فالمشروط أن يقول لعبده في حال الكتابة متى عجزت عن أداء ثمنك كنت مردودا في الرق فإذا كان كذلك جاز له رده في الرق عند العجز والمطلق ينعتق منه عند العجز بحساب ما أدى من المال ويبقى مملوكا بحساب ما بقي عليه ويرث ويورث بحساب ما عتق ﴿ولا تكرهوا فتياتكم﴾ أي إمائكم وولايدكم ﴿على البغاء﴾ أي على الزنا ﴿إن أردن تحصنا﴾ أي تعففا وتزويجا عن ابن عباس وإنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن فإن لم ترد المرأة التحصن بغت بالطبع فهذه فائدة الشرط ﴿لتبتغوا عرض الحياة الدنيا﴾ أي من كسبهن وبيع أولادهن قيل أن عبد الله بن أبي كان له ست جوار يكرههن على الكسب بالزنا فلما نزل تحريم الزنا أتين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكون إليه فنزلت الآية ﴿ومن يكرههن﴾ أي ومن يجبرهن على الزنا من سادتهن ﴿فإن الله من بعد إكراههن غفور﴾ للمكرهات لا للمكره لأن الوزر عليه ﴿رحيم﴾ بهن ﴿ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات﴾ أي واضحات ظاهرات ومن قرأ بفتح الباء فمعناه مفصلات بينهن الله وفصلهن ﴿ومثلا من الذين خلوا من قبلكم﴾ وأخبارا من الذين مضوا من قبلكم وقصصا لهم وشبها من حالهم بحالكم لتعتبروا بها ﴿وموعظة للمتقين﴾ أي وزجرا للمتقين عن المعاصي وخصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها.