الآيات 1-10

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴿1﴾ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ﴿2﴾ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ﴿3﴾ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴿4﴾ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴿5﴾ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿6﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴿7﴾ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴿8﴾ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴿9﴾ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴿10﴾

القراءة:

أدغم أبو عمرو وحمزة التاء في الصاد وفي الزاي وفي الذال من ﴿الصافات صفا﴾ ﴿فالزاجرات زجرا﴾ ﴿فالتاليات ذكرا﴾ والذريات ذروا وقرأ أبو عمرو وحده والعاديات ضبحا مدغما فالمغيرات صبحا فالملقيات ذكرا والسابحات سبحا والسابقات سبقا مدغما وابن عباس لا يدغم شيئا من ذلك والباقون بإظهار التاء في ذلك كله وقرأ عاصم وحمزة ﴿بزينة﴾ بالتنوين ﴿الكواكب﴾ بالجر وقرأ أبو بكر ﴿بزينة﴾ منونا أيضا الكواكب بالنصب وقرأ الباقون بزينة الكواكب مضافة وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ﴿لا يسمعون﴾ بتشديد السين والميم والباقون لا يسمعون بالتخفيف.

الحجة:

قال أبو علي إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة اللفظين ألا ترى أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا ويجتمعان في الهمس والمدغم فيه يزيد على المدغم بخلتين هما الإطباق والصفير ويحسن إدغام الأنقص في الأزيد ولا يجوز أن يدغم الأزيد صوتا في الأنقص صوتا فلهذا يحسن إدغام التاء في الزاي من قوله ﴿فالزاجرات زجرا﴾ لأن التاء مهموسة والزاي مجهورة وفيها زيادة صفير كما كان في الصاد وكذلك حسن إدغام التاء في الذال في قوله ﴿فالتاليات ذكرا﴾ والذريات ذروا لاتفاقهما في أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا فأما إدغام التاء في الضاد من قوله تعالى والعاديات ضبحا فإن التاء أقرب إلى الذال وإلى الزاي منهما في الضاد لأن الذال والزاي والصاد من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا وطرفها والضاد أبعد منهن لأنها من وسط اللسان وكذلك حسن إدغام التاء فيها لأن الصاد تغشى الصوت بها واتسع واستطال حتى اتصل صوتها بأصول الثنايا وطرف اللسان فأدغم التاء فيها وسائر حروف طرف اللسان وأصول الثنايا إلا حروف الصفير فإنها لم تدغم في الضاد ولم تدغم الضاد في شيء من هذه الحروف لما فيها من زيادة الصوت فأما الإدغام في السابحات سبحا والسابقات سبقا فحسن لمقاربة الحروف فأما من قرأ بالإظهار في هذه الحروف فلاختلاف المخارج وأما من قرأ ﴿بزينة الكواكب﴾ جعل الكواكب بدلا من الزينة كما تقول مررت بأبي عبد الله زيد ومن قرأ الكواكب بالنصب أعمل الزينة في الكواكب والمعنى بأن زينا الكواكب فيها ومثل ذلك أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما.

ومن قرأ بزينة الكواكب أضاف المصدر إلى المفعول كقوله تعالى من دعاء الخير وبسؤال نعجتك ومن قرأ ﴿لا يسمعون﴾ فإنما هو لا يتسمعون فأدغم التاء في السين وقد يتسمع ولا يسمع فإذا نفي التسمع عنهم فقد نفي سمعهم من جهة التسمع ومن جهة غيره فهو أبلغ ويقال سمعت الشيء واستمعته كما يقال حقرته واحتقرته وشويته واشتويته وقد قال تعالى وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وقال ومنهم من يستمع إليك فعدي الفعل مرة بالي ومرة باللام وحجة من قرأ يسمعون قوله إنهم عن السمع لمعزولون.

اللغة:

قال أبو عبيدة كل شيء بين السماء والأرض لم يضم قطريه فهو صاف ومنه الطير صافات إذا نشرت أجنحتها والصافات جمع الجمع لأنه جمع صافة والزجر الصرف عن الشيء لخوف الذم والعقاب.

المارد الخارج إلى الفساد العظيم وهو من وصف الشياطين وهم المردة وأصله الانجراد ومنه الأمرد فالمارد المنجرد من الخير.

الدحور الدفع بالعنف يقال دحر يدحر دحرا ودحورا.

والواصب الدائم الثابت قال أبو الأسود:

لا أشتري الحمد القليل بقاؤه

يوما بذم الدهر أجمع واصبا

والخطفة الاستلاب بسرعة يقال خطفه واختطفه والشهاب شعلة نار ساطعة يقال فلان شهاب حرب إذا كان ماضيا والثاقب المضيء كأنه يثقب بضوئه ومنه حسب ثاقب أي شريف.

الإعراب:

﴿حفظا﴾ مصدر فعل محذوف أي زيناها وحفظناها حفظا.

﴿لا يسمعون﴾ جملة مجرورة الموضع بأنها صفة شيطان ﴿دحورا﴾ مصدر فعل دل عليه ﴿يقذفون﴾ أي يدحرون دحورا.

﴿إلا من خطف الخطفة﴾ يحتمل أن يكون من خطف في موضع نصب على الاستثناء والعامل فيه ما يتعلق به اللام في لهم عذاب والمستثنى منه هم من لهم ويحتمل أن يكون استثناء منقطعا فيكون من خطف مبتدأ وخبره ﴿فأتبعه شهاب ثاقب﴾.

المعنى:

﴿والصافات صفا﴾ اختلف في معنى الصافات على وجوه (أحدها) أنها الملائكة تصف أنفسها صفوفا في السماء كصفوف المؤمنين في الصلاة عن ابن عباس ومسروق والحسن وقتادة والسدي (وثانيها) أنها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض واقفة تنتظر ما يأمرها الله تعالى عن الجبائي (وثالثها) أنهم جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين في الصلاة وفي الجهاد عن أبي مسلم ﴿فالزاجرات زجرا﴾ اختلف فيها أيضا على وجوه (أحدها) أنها الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجرا عن السدي ومجاهد وعلى هذا فإنه يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد كما يوصل مفهوم إغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف (وثانيها) أنها الملائكة الموكلة بالسحاب تزجرها وتسوقها عن الجبائي (وثالثها) أنها زواجر القرآن وآياته الناهية عن القبائح عن قتادة (ورابعها) أنهم المؤمنون يرفعون أصواتهم عند قراءة القرآن لأن الزجرة الصيحة عن أبي مسلم ﴿فالتاليات ذكرا﴾ اختلف فيها أيضا على أقوال (أحدها) أنها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى والذكر الذي ينزل على الموحى إليه عن مجاهد والسدي (وثانيها) أنها الملائكة تتلو كتاب الله الذي كتبه لملائكته وفيه ذكر الحوادث فتزداد يقينا بوجود المخبر على وفق الخبر (وثالثها) جماعة قراء القرآن من المؤمنين يتلونه في الصلاة عن أبي مسلم وإنما لم يقل فالتاليات تلوا كما قال ﴿فالزاجرات زجرا﴾ لأن التالي قد يكون بمعنى التابع ومنه قوله والقمر إذا تلاها فلما كان اللفظ مشتركا بينه بما يزيل الإبهام ﴿إن إلهكم لواحد﴾ وهذه أقسام أقسم الله تعالى بها أنه واحد ليس له شريك ثم اختلف في مثل هذه الأقسام فقيل أنها أقسام بالله تعالى على تقدير ورب الصافات ورب الزاجرات ورب التين والزيتون لأن في القسم تعظيما للمقسم به ولأنه يجب على العباد أن لا يقسموا إلا بالله تعالى إلا أنه حذف لأن حجج العقول دالة على المحذوف عن الجبائي والقاضي وقيل بل أقسم الله سبحانه بهذه الأشياء وإنما جاز ذلك لأنه ينبىء عن تعظيمها بما فيها من الدلالة على توحيده وصفاته العلى فله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لخلقه أن يقسموا إلا به ثم قال سبحانه ﴿رب السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ومدبرهما ﴿وما بينهما﴾ من سائر الأجناس من الحيوان والنبات والجماد ﴿ورب المشارق﴾ وهي مشارق الشمس أي مطالعها بعدد أيام السنة ثلاثمائة وستون مشرقا والمغارب مثل ذلك تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب في مغرب عن ابن عباس والسدي وإنما خص المشارق بالذكر لأن الشروق قبل الغروب ﴿إنا زينا السماء الدنيا﴾ يعني التي هي أقرب السماوات إلينا وإنما خصها بالذكر لاختصاصها بالمشاهدة ﴿بزينة الكواكب﴾ أي بحسنها وضوئها والتزيين تحسين الشيء وجعله على صورة تميل إليها النفس فالله سبحانه زين السماء على وجه تمتع الرائي لها وفي ذلك أعظم النعمة على العباد مع ما لهم من المنفعة بالتفكير فيها والاستدلال بها على صانعها ﴿وحفظا من كل شيطان﴾ أي وحفظناها من كل شيطان ﴿مارد﴾ أي خبيث خال من الخير متمرد والمعنى وحفظناها من دنو كل شيطان للاستماع فإنهم كانوا يسترقون السمع ويستمعون إلى كلام الملائكة ويقولون ذلك إلى ضعفة الجن وكانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة ويوهمونهم أنهم يعرفون الغيب فمنعهم الله تعالى عن ذلك ﴿لا يسمعون إلى الملأ الأعلى﴾ أي لكيلا يتسمعوا إلى الكتبة من الملائكة في السماء عن الكلبي وقيل إلى كلام الملأ الأعلى أي لكيلا يتسمعوا والملأ الأعلى عبارة عن الملائكة لأنهم في السماء ﴿ويقذفون من كل جانب﴾ أي يرمون بالشهب من كل جانب من جوانب السماء إذا أرادوا الصعود إلى السماء للاستماع ﴿دحورا﴾ أي دفعا لهم بالعنف وطردا ﴿ولهم عذاب واصب﴾ أي ولهم مع ذلك أيضا عذاب دائم يوم القيامة ﴿إلا من خطف الخطفة﴾ والتقدير لا يتسمعون إلى الملائكة إلا من وثب الوثبة إلى قريب من السماء فاختلس خلسة من الملائكة واستلب استلابا بسرعة ﴿فأتبعه شهاب ثاقب﴾ أي فلحقه وأصابه نار مضيئة محرقة والثاقب المنير المضيء وهذا كقوله إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين.