الآيات 30-31

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿30﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿31﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو بكر غير أولي الأربة بالنصب والباقون بالجر وقرأ ابن عامر أيه المؤمنين ويا أيه الساحر وأيه الثقلان بضم الهاء والباقون بفتحها.

الحجة:

قال أبو علي غير فيمن جر صفة للتابعين والمعنى لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إربة لهم في النساء والإربة الحاجة لأنهم في أنهم لا إربة لهم كالأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء أي لم يقووا عليها ومنه قوله ﴿فأصبحوا ظاهرين﴾ وجاز وصف التابعين بغير لأنهم غير مقصودين بأعيانهم فأجري لذلك مجرى النكرة وقد قيل إن التابعين جاز أن يوصفوا بغير في هذا لقصر الوصف على شيء بعينه فإذا قصر على شيء بعينه زال الشياع عنه فاختص فالتابعون ضربان ذو إربة وغير ذي إربة وليس ثالث وإذا كان كذلك جاز لاختصاصه أن يجري وصفا على المعرفة وعلى هذا الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وكذلك لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر لأن المسلمين وغيرهم لا يخلو من أن يكونوا أصحاء أو زمنى فإذا وصفوا بأحد الشيئين زال الشياع فساغ الوصف به لذلك ومن نصب غير احتمل ضربين أحدهما أن يكون استثناء والتقدير لا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا ذا الإربة منهم فإنهم لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة (والآخر) أن يكون حالا والمعنى أو الذين يتبعونهن عاجزين عنهن وذو الحال ما في التابعين من الذكر وقال الوقف على يا أيها وأيها بالألف لأنهما إنما أسقطت لسكونها وسكون لام المعرفة فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين وظهرت الألف فأما ضم الهاء في قراءة ابن عامر فلا يتجه لأن آخر الاسم هو الياء الثانية من أي فينبغي أن يكون المضموم آخر الاسم ولو جاز أن يضم هذا من حيث كان مضموما إلى الكلمة لجاز أن يضم الميم من اللهم لأنه آخر الكلمة ووجه الإشكال والشبهة في ذلك أنه وجد هذا الحرف قد صار في بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة ما هو من نفس الكلمة نحو مررت بهذا الرجل وغلام هذه المرأة فلما وجدها في أوائل المبهمة كذلك جعلها في الآخر أيضا بمنزلة شيء من نفس الكلمة واستجاز حذف الألف اللاحق للحرف لما رآه قد حذف في قولهم هلم فأجري عليه الإعراب لما كان كالشيء الذي من نفس الكلمة فإن قلت فإنه قد حرك الياء التي قبلها بالضم في يا أيها الرجل فإنه يجوز أن نقول حركة أي في هذه المواضع كحركات الاتباع في نحو امرىء وامرؤ فهذا وجه شبهته.

اللغة:

أصل الغض النقصان يقال غض من صوته ومن بصره أي نقص ومنه حديث عمرو بن العاص لما مات عبد الرحمن بن عوف هنيئا لك خرجت من الدنيا ببطنتك لم تتغضغض منها بشيء يقال غضغضت الشيء فتغضغض إذا نقص والإربة فعلة من الإرب كالمشية والجلسة وفي الحديث إن رجلا اعترض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسأله فصاحوا به فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوا الرجل أرب ماله قال ابن الأعرابي أي احتاج فسأل ما له وقيل معناه حاجة جاءت به فدعوه وما مزيدة عن الأزهري.

الإعراب:

﴿يغضوا من أبصارهم﴾ مجزوم لأنه جواب شرط مقدر والتقدير قل للمؤمنين غضوا من أبصاركم فإنك إن تقل لهم يغضوا ويجوز أن يكون مجزوما على تقدير ليغضوا من أبصارهم ومثل ذلك قوله ﴿يغضضن﴾ وإن لم يظهر فيه الإعراب لكونه مبنيا وما ظهر في موضع نصب على البدل من ﴿زينتهن﴾ وقوله ﴿منها﴾ من هنا للتبيين والجار والمجرور مع المحذوف في موضع نصب على الحال.

المعنى:

ثم بين سبحانه ما يحل من النظر وما لا يحل منه فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿للمؤمنين يغضوا من أبصارهم﴾ عما لا يحل لهم النظر إليه ﴿ويحفظوا فروجهم﴾ عمن لا يحل لهم وعن الفواحش وقيل إن من مزيدة وتقديره يغضوا أبصارهم عن عورات النساء وقيل إنها للتبعيض لأن غض البصر إنما يجب في بعض المواضع عن أبي مسلم والمعنى ينقصوا من نظرهم فلا ينظروا إلى ما حرم وقيل إنها لابتداء الغاية وقال ابن زيد كل موضع في القرآن ذكر فيه حفظ الفروج فهو عن الزنا إلا في هذا الموضع فإن المراد به الستر حتى لا ينظر إليها أحد وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فلا يحل للرجل أن ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها ﴿ذلك أزكى لهم﴾ أي أنفع لدينهم ودنياهم وأطهر لهم وأنفى للتهمة وأقرب إلى التقوى ﴿إن الله خبير﴾ أي عليم ﴿بما يصنعون﴾ أي بما يعملونه أي على أي وجه يعملونه ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن﴾ أمر النساء بمثل ما أمر به الرجال من غض البصر وحفظ الفرج ﴿ولا يبدين زينتهن﴾ أي لا يظهرن مواضع الزينة لغير محرم ومن هو في حكمه ولم يرد نفس الزينة لأن ذلك يحل النظر إليه بل المراد مواضع الزينة وقيل الزينة زينتان ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها لقوله ﴿إلا ما ظهر منها﴾ وفيها ثلاثة أقاويل (أحدها) إن الظاهرة الثياب والباطنة الخلخالان والقرطان والسواران عن ابن مسعود (وثانيها) إن الظاهرة الكحل والخاتم والخدان والخضاب في الكف عن ابن عباس والكحل والسوار والخاتم عن قتادة (وثالثها) إنها الوجه والكفان عن الضحاك وعطا والوجه والبنان عن الحسن وفي تفسير علي بن إبراهيم الكفان والأصابع ﴿وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ والخمر المقانع جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة المنسدل على جيبها أمرن بإلقاء المقانع على صدورهن تغطية لنحورهن فقد قيل إنهن كن يلقين مقانعهن على ظهورهن فتبدو صدورهن وكنى عن الصدور بالجيوب لأنها ملبوسة عليها وقيل إنهن أمرن بذلك ليسترن شعورهن وقرطهن وأعناقهن قال ابن عباس تغطي شعرها وصدرها وترائبها وسوالفها ﴿ولا يبدين زينتهن﴾ يعني الزينة الباطنة التي لا يجوز كشفها في الصلاة وقيل معناه لا يضعن الجلباب والخمار عن ابن عباس ﴿إلا لبعولتهن﴾ أي لأزواجهن يبدين مواضع زينتهن لهم استدعاء لميلهم وتحريكا لشهوتهم فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن السلتاء من النساء والمرهاء فالسلتاء التي لا تخضب والمرهاء التي لا تكتحل ولعن المسوفة والمفسلة فالمسوفة التي إذا دعاها زوجها إلى المباشرة قالت سوف أفعل والمفسلة هي التي إذا دعاها قالت أنا حائض وهي غير حائض ﴿أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن﴾ وهؤلاء الذين يحرم عليهم نكاحهن فهم ذوو محارم لهن بالأسباب والأنساب ويدخل أجداد البعولة فيه وإن علوا وأحفادهم وإن سفلوا يجوز إبداء الزينة لهم من غير استدعاء لشهوتهم ويجوز لهم تعمد النظر من غير تلذذ ﴿أو نسائهن﴾ يعني النساء المؤمنات ولا يحل لهن أن يتجردن ليهودية أو نصرانية أو مجوسية إلا إذا كانت أمة وهو معنى قوله ﴿أو ما ملكت أيمانهن﴾ أي من الإماء عن ابن جريج ومجاهد والحسن وسعيد بن المسيب قالوا ولا يحل للعبد أن ينظر إلى شعر مولاته وقيل معناه العبيد والإماء وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقال الجبائي أراد مملوكا له لم يبلغ مبلغ الرجال ﴿أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال﴾ اختلف في معناه فقيل التابع الذي يتبعك لينال من طعامك ولا حاجة له في النساء وهو الأبله المولى عليه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل هو العنين الذي لا إرب له في النساء لعجزه عن عكرمة والشعبي وقيل إنه الخصي المجبوب الذي لا رغبة له في النساء عن الشافعي ولم يسبق إلى هذا القول وقيل إنه الشيخ الهم لذهاب إربه عن يزيد بن أبي حبيب وقيل هو العبد الصغير عن أبي حنيفة وأصحابه ﴿أو الطفل﴾ أي الجماعة من الأطفال ﴿الذين لم يظهروا على عورات النساء﴾ يريد به الصبيان الذين لم يعرفوا عورات النساء ولم يقووا عليها لعدم شهوتهم وقيل لم يطيقوا مجامعة النساء فإذا بلغوا مبلغ الشهوة فحكمهم حكم الرجال ﴿ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن﴾ قال قتادة كانت المرأة تضرب برجلها لتسمع قعقعة الخلخال فيها فنهاهن عن ذلك وقيل معناه لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليتبين خلخالها أو يسمع صوته عن ابن عباس ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ أي تفوزون بثواب الجنة وفي الحديث أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة أورده مسلم في الصحيح والمراد بالتوبة الانقطاع إلى الله تعالى.