الآيات 21-25

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿21﴾ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿22﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿23﴾ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿24﴾ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴿25﴾

القراءة:

قرأ روح عن يعقوب ما زكى منكم بالتشديد والباقون بالتخفيف وقرأ أبو جعفر ولا يتأل وهو قراءة زيد بن أسلم وأبي رجا وأبي مجلز والباقون ﴿لا يأتل﴾ وروي عن علي (عليه السلام) ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء كما يروى بالياء أيضا وقرأ أهل الكوفة غير عاصم يوم يشهد عليهم بالياء والباقون ﴿تشهد﴾ وفي الشواذ قراءة مجاهد وأبي روق يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق بالرفع.

الحجة:

الوجه في قوله ﴿ما زكى﴾ بالتشديد أنه قال والله يزكي وأما قوله ﴿ولا يتأل﴾ فإنه من تألى إذا حلف وفي الحديث ومن يتأل على الله يكذبه وهو الذي يحلف فيقول والله لا يدخل فلان الجنة وفلان النار وأنشد الأصمعي:

عجاجة هجاجة تألى لأصبحن الأحقر الأذلاء وأما ﴿لا يأتل﴾ ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) من الآلية التي هي اليمين أيضا يقال ايتلي وتألى وإلى بمعنى والآخر أنه من قولهم ما ألوت في كذا أي ما قصرت والمعنى ولا يقصر وقال الأخفش أنه يحتمل الأمرين وقوله ﴿ولتعفوا ولتصفحوا﴾ بالتاء مثل ما روي فلتفرحوا بالتاء على الأصل وقد تقدم القول فيه ومن قرأ يوم يشهد بالياء فلأن تأنيث الألسنة ليس بحقيقي ولأنه حصل بين الفعل والفاعل فصل ومن قرأ بالتاء فعلى أن الألسنة مؤنثة ومن قرأ الحق بالرفع جعله وصفا لله تعالى أي يوفيهم الله الحق دينهم مثل قوله ﴿إلى الله مولاهم الحق﴾.

النزول:

قيل إن قوله ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم﴾ الآية نزلت في أبي بكر ومسطح بن أثاثة وكان ابن خالة أبي بكر وكان من المهاجرين ومن جملة البدريين وكان فقيرا وكان أبو بكر يجري عليه ويقوم بنفقته فلما خاض في الإفك قطعها وحلف أن لا ينفعه بنفع أبدا فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلى ما كان وقال والله إني لأحب أن يغفر الله لي والله لا أنزعها عنه أبدا عن ابن عباس وعائشة وابن زيد وقيل نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر حلف لا ينفق عليه عن الحسن ومجاهد وقيل نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا يواسوهم عن ابن عباس وغيره.

المعنى:

ثم نهى سبحانه عن اتباع الشيطان فقال ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان﴾ أي آثاره وطرقه التي تؤدي إلى مرضاته وقيل وساوسه ﴿و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر﴾ هذا بيان سبب المنع من اتباعه ﴿ولو لا فضل الله عليكم ورحمته﴾ بأن لطف لكن وأمركم بما تصيرون به أزكياء ونهاكم عما تصبرون بتركه أزكياء ﴿ما زكى منكم من أحد أبدا﴾ أي ما صار منكم أحد زكيا ومن في من أحد مزيدة وقيل معناه ما طهر منكم أحد من وسوسة الشيطان وما صلح ﴿ولكن الله يزكي من يشاء﴾ أي يطهر بلطفه من يشاء وهو من له لطف يفعله سبحانه به ليزكو عنده ﴿والله سميع عليم﴾ يفعل المصالح والألطاف بالمكلفين لأنه يسمع أصواتهم وأقوالهم ويعلم أحوالهم وأفعالهم وفي الآية دلالة على أن الله سبحانه يريد من خلقه خلاف ما يريده الشيطان لأنه إذا ذم سبحانه الأمر بالفحشاء والمنكر فخالق الفحشاء والمنكر ومريدهما أولى بالذم تعالى وتقدس عن ذلك وفيها دلالة على أن أحدا لا يصلح إلا بلطفه ﴿ولا يأتل﴾ أي ولا يحلف أولا يقصر ولا يترك ﴿أولو الفضل منكم والسعة﴾ أي أولو الغنى والسعة في المال ﴿أن يؤتوا أولي القربى﴾ قال الزجاج معناه أن لا يؤتوا فحذف لا أي لا يحلفوا أن لا يؤتوا وقيل لا يقصروا أن يؤتوا ولا يتركوا جهدا في الإنفاق على أقربائهم ﴿والمساكين والمهاجرين في سبيل الله﴾ وقد اجتمع في مسطح الصفات الثلاث كان قرينا لأبي بكر مسكينا مهاجرا قال الجبائي وفي قصة مسطح دلالة على أنه قد يجوز أن تقع المعاصي ممن شهد بدرا بخلاف قول النوائب ﴿وليعفوا وليصفحوا﴾ هذا أمر من الله تعالى للمرادين بالآية بالعفو عمن أساء إليهم والصفح عنهم وقال لهم ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم﴾ معاصيكم جزاء على عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم ﴿والله غفور رحيم إن الذين يرمون المحصنات﴾ أي يقذفون العفائف من النساء ﴿الغافلات﴾ عن الفواحش ﴿المؤمنات﴾ بالله ورسوله واليوم الآخر ﴿لعنوا في الدنيا والآخرة﴾ أي أبعدوا من رحمة الله في الدارين وقيل استحقوا اللعنة فيهما وقيل عذبوا في الدنيا بالجلد ورد الشهادة وفي الآخرة بعذاب النار ﴿ولهم﴾ مع ذلك ﴿عذاب عظيم﴾ وهذا الوعيد عام لجميع المكلفين عن ابن عباس وابن زيد ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون﴾ بين الله سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف وسائر أعضائهم بمعاصيهم وفي كيفية شهادة الجوارح أقوال (أحدها) أن الله تعالى يبنيها بنية يمكنها النطق والكلام من جهتها فتكون ناطقة (والثاني) إن الله تعالى يفعل فيها كلاما يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو الله دون الجوارح وأضيف الكلام إليها على التوسع لأنها محل الكلام (و الثالث) إن الله تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة وأما شهادة الألسن فبأن يشهدوا بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحود وأما قوله ﴿اليوم نختم على أفواههم﴾ فإنه يجوز أن تخرج الألسنة ويختم على الأفواه ويجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي والأرجل ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق﴾ أي يتمم الله لهم جزاءهم الحق فالدين هنا بمعنى الجزاء ويجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ﴿ويعلمون أن الله هو الحق﴾ أي يعلمون الله ضرورة في ذلك اليوم ويقرون أنه الحق لأنه يقضي بالحق ويعطي بالحق ويأخذ بالحق ﴿المبين﴾ أي الذي يظهر لهم حقائق الأمور ويبين جلائل الآيات.

النظم:

بدأ سبحانه فبين حكم القاذف أولا وأوجب عليه الحد ورد شهادته وسماه فاسقا فعلم أن المراد به أهل الملة ثم عقبه بحديث الإفك لاتصاله به ثم ذكر صنفا آخر من القذفة وهم المنافقون بقوله ﴿إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا﴾ وبين ما لهم من الغضب واللعنة ثم عم الجميع بالوعيد في قوله ﴿إن الذين يرمون المحصنات﴾ الآيات عن أبي مسلم.