الآيات 31-35

وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿31﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴿32﴾ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿33﴾ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ ﴿34﴾ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ﴿35﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة وابن عامر ﴿الجوار﴾ بحذف الياء في الوصل والوقف وقرأ الباقون الجواري بإثبات الياء في الوصل وابن كثير ويعقوب في الوقف أيضا وقرأ أهل المدينة وابن عامر يعلم الذين يجادلون بالرفع والباقون و﴿يعلم﴾ بالنصب.

الحجة:

قال أبو علي القياس الجواري ومن حذف فلان حذف هذه الياءات وإن كانت لاما قد كثر في كلامهم فصار كالقياس المستمر ومن قرأ يعلم بالرفع استأنف لأنه موضع استئناف من حيث جاء من بعد الجماعة إن شئت جعلته خبر مبتدأ محذوف ومن نصب فلان قبله شرط وجزاء وكل واحد منهما غير واجب تقول في الشرط إن تأتني وتعطيني أكرمك فتنصب تعطيني وتقديره إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك فالنصب بعد الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جزاء الشرط فأما قوله:

ومن لا يقدم رجله مطمئنة

فيثبتها في مستوى الأرض يزلق

فالنصب فيه حسن لمكان النفي فأما العطف على الشرط نحو إن تأتني وتكرمني فأكرمك فالذي يختار سيبويه النصب في العطف على جزاء الشرط فيختار ﴿ويعلم الذين يجادلون﴾ إذا لم يقطعه من الأول فيرفعه ويزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقوله:

والحق بالحجاز فاستريحا

قال إلا أن من ينصب في العطف على جزاء الشرط أمثل من ذلك لأنه ليس يوقع فعلا إلا بأن يكون من غيره فعل فصار بمنزلة غير الواجب وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء بالنصب وأنشد للأعشى في نصب ما عطف بالفاء على الجزاء:

ومن يغترب عن أهله لم يزل يرى

مصارع مظلوم مجرا ومسحبا

وتدفن منه الصالحات وإن يسيء

يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

فهذا حجة لمن قرأ ﴿ويعلم﴾.

اللغة:

الأعلام الجبال واحدها علم قالت الخنساء:

وإن صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

فيظللن أي يدمن ويقمن يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا والرواكد الثوابت والإيباق الإهلاك والإتلاف ووبق الرجل يبق ووبق يوبق إذا هلك والمحيص المعدل والملجأ.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿وما أنتم﴾ يا معشر المشركين ﴿بمعجزين في الأرض﴾ أي لا تعجزونني حيث ما كنتم فلا تسبقونني هربا في الأرض وفي هذا استدعاء إلى العبادة وترغيب فيما أمر به وترهيب عما نهى عنه ﴿وما لكم من دون الله من ولي﴾ يدفع عنكم عقابه ﴿ولا نصير﴾ ينصركم عليه ﴿ومن آياته﴾ أي ومن حججه الدالة على اختصاصه بصفات لا يشركه فيها غيره ﴿الجوار﴾ أي السفن الجارية ﴿في البحر كالأعلام﴾ أي كالجبال الطوال ﴿إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره﴾ أي إن يشأ الله يسكن الريح فتبقى السفن راكدة واقفة على ظهر الماء لا يبرحن من المكان لأن ماء البحر يكون راكدا فلو لم تجيء الريح لوقفت السفينة في البحر ولم تجر فالله سبحانه جعل الريح سببا لجريها فيه وجعل هبوبها في الجهة التي تسير إليها السفينة ﴿إن في ذلك﴾ الذي ذكر ﴿لآيات﴾ أي حججا واضحات ﴿لكل صبار﴾ على أمر الله ﴿شكور﴾ على نعمته وقيل صبار على ركوبها شكور على جزيها والنجاة من البحر ﴿أو يوبقهن بما كسبوا﴾ معناه إن يشاء إسكان الريح يسكن الريح أو أن يشأ يجعل الريح عاصفة فيهلك السفن أي أهلها بالغرق في الماء عقوبة لهم بما كسبوا من المعاصي ﴿ويعف عن كثير﴾ من أهلها فلا يغرقهم ولا يعاجلهم بعقوبة معاصيهم ﴿ويعلم الذين يجادلون في آياتنا﴾ أي في إبطال آياتنا ودفعها ﴿ما لهم من محيص﴾ أي ملجأ يلجئون إليه عن السدي.