الآيات 26-30
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴿26﴾ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴿27﴾ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴿28﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ ﴿29﴾ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴿30﴾
القراءة:
قرأ أهل المدينة وابن عامر وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم بغير فاء والباقون بالفاء.
الحجة:
قال أبو علي القول في ذلك أن أصاب في قوله ﴿وما أصابكم﴾ يحتمل أمرين يجوز أن يكون صلة ما ويجوز أن يكون شرطا في موضع جزم فمن قدره شرطا لم يجز حذف الفاء منه على قول سيبويه وقد تأول أبو الحسن بعض الآي على حذف الفاء في جواب الشرط وقال بعض البغداديين حذف الفاء من الجواب جائز واستدل على ذلك بقوله وإن أطعتموهم إنكم لمشركون وإذا كان صلة فالإثبات والحذف جائزان على معنيين مختلفين أما إذا ثبت الفاء ففيه دليل على أن الأمر الثاني وجب بالأول وإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأول وجاز أن يكون لغيره.
المعنى:
لما تقدم وعيد أهل العصيان عقبه سبحانه بالوعد لأهل الطاعة فقال ﴿ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي يجيبهم إلى ما يسألونه وقيل معناه يجيبهم في دعاء بعضهم لبعض عن معاذ بن جبل وقيل معناه يقبل طاعاتهم وعباداتهم ويزيدهم من فضله على ما يستحقونه من الثواب وقيل معناه ويستجيب الذين آمنوا بأن يشفعهم في إخوانهم ﴿ويزيدهم من فضله﴾ ويشفعهم في إخوان إخوانهم عن ابن عباس وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله ﴿ويزيدهم من فضله﴾ الشفاعة لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا ﴿والكافرون لهم عذاب شديد﴾ ظاهر المعنى ولما بين سبحانه أنه يزيد المؤمنين من فضله أخبر عقيبه أن الزيادة في الأرزاق في الدنيا تكون على حسب المصالح فقال ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض﴾ أي لو وسع الرزق على عباده على حسب ما يطلبونه لبطروا النعمة وتنافسوا وتغالبوا وظلموا في الأرض وتغلب بعضهم على بعض وخرجوا عن الطاعة قال ابن عباس بغيهم في الأرض طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة وملبسا بعد ملبس ﴿ولكن ينزل بقدر ما يشاء﴾ أي ولكنه ينزل من الرزق قدر صلاحهم ما يشاء نظرا منه لهم عن قتادة والمعنى أنه يوسع الرزق على من تكون مصلحته فيه ويضيق على من يكون مصلحته فيه ويؤيده الحديث الذي رواه أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جبرائيل (عليه السلام) عن الله إن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم ولو صححته لأفسده وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده وذلك أني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ومتى قيل نحن نرى كثيرا ممن يوسع عليه الرزق يبغي في الأرض قلنا إنا إذا علمنا على الجملة أنه سبحانه يدبر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم فلعل هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي وسع عليهم أو لم يوسع أو لعلهم لو لم يوسع عليهم لكانوا أسوأ حالا في البغي فلذلك وسع عليهم والله أعلم بتفاصيل أحوالهم ﴿إنه بعباده خبير بصير﴾ أي عليم بأحوالهم بصير بما يصلحهم وما يفسدهم ثم بين سبحانه حسن نظره بعباده فقال ﴿و هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا﴾ أي ينزله عليهم من بعد ما يئسوا من نزوله والغيث ما كان نافعا في وقته والمطر قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته وغير وقته ووجه إنزاله بعد القنوط أنه أدعى إلى شكر الآتي به وتعظيمه والمعرفة بموقع إحسانه ﴿وينشر رحمته﴾ أي ويفرق نعمته ويبسطها بإخراج النبات والثمار التي يكون سببها المطر ﴿وهو الولي﴾ الذي يتولى تدبير عباده وتقدير أمورهم ومصالحهم المالك لهم.
﴿الحميد﴾ المحمود على جميع أفعاله لكون جميعها إحسانا ومنافع ﴿ومن آياته﴾ الدالة على وحدانيته وصفاته التي باين بها خلقه ﴿خلق السماوات والأرض﴾ لأنه لا يقدر على ذلك غيره لما فيهما من العجائب والأجناس التي لا يقدر عليها القادر بقدرته ﴿وما بث فيهما من دابة﴾ والدابة ما تدب فيدخل فيه جميع الحيوانات ﴿وهو على جمعهم إذا يشاء قدير﴾ أي وهو على حشرهم إلى الموقف بعد إماتتهم قادر لا يتعذر عليه ذلك ثم قال سبحانه ﴿وما أصابكم﴾ معاشر الخلق ﴿من مصيبة﴾ من بلوى في نفس أو مال ﴿فبما كسبت أيديكم﴾ من المعاصي ﴿ويعفوا عن كثير﴾ منها فلا يعاقب بها قال الحسن: الآية خاصة بالحدود التي تستحق على وجه العقوبة وقال قتادة هي عامة وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير آية في كتاب الله هذه الآية يا علي ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلا بذنب وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده وقال أهل التحقيق إن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين ولأن الأنبياء والأئمة يمتحنون بالمصائب وإن كانوا معصومين من الذنوب لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب.
النظم:
والوجه في اتصال هذه الآية بما قبلها إن الله تعالى لما بين عظيم إنعامه على العباد بين بعده أن لا يعاقبهم إلا على معاصيهم.