الآيات 1-5

حم ﴿1﴾ عسق ﴿2﴾ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿3﴾ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يُّ الْعَظِيمُ ﴿4﴾ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿5﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير كذلك يوحى إليك بفتح الحاء والباقون ﴿يوحي﴾ بكسر الحاء وفي الشواذ رواية الأعمش عن ابن مسعود حم سق بغير عين.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ يوحى فبنى الفعل للمفعول به احتمل أمرين (أحدهما) أن المعنى يوحي إليك السورة كما أوحى إلى الذين من قبلك زعموا أن هذه السورة قد أوحى إلى الأنبياء قبل (والآخر) أن يكون الجار والمجرور يقومان مقام الفاعل ويجوز أن يكون قوله تعالى ﴿الله العزيز الحكيم﴾ تبيينا للفاعل كقوله يسبح له فيها ثم قال رجال كأنه قيل من يسبح فقال رجال ومن قرأ ﴿يوحي إليك﴾ على بناء الفعل للفاعل فإن اسم الله يرتفع بفعله وأما اختلاف القراء في ﴿يتفطرن﴾ وينفطرن والوجه في ذلك قد مر ذكره في سورة مريم وقال ابن جني قراءة ابن مسعود حم سق مما يؤكدان الغرض في هذه الفواتح إنما هو لكونها فواصل بين السور ولو كان في أسماء الله سبحانه لما جاز تحريف شيء منها بل كانت مؤداة بأعيانها وقد كان ابن عباس قد قرأها بلا عين أيضا وكان يقول السين كل فرقة تكون والقاف كل جماعة تكون.

المعنى:

﴿حم﴾ قد مضى تفسيره ﴿عسق﴾ قيل إنما فضلت هذه السورة من بين سائر الحواميم بعسق لأن جميعها استفتح بذكر الكتاب على التصريح به إلا هذه فذكر عسق ليكون دلالة على الكتاب دلالة التضمين وإن لم يدل عليه دلالة التصريح وهو معنى قول قتادة فإنه قال هو اسم من أسماء القرآن وقيل لأن هذه السورة انفردت بأن معانيها أوحيت إلى سائر الأنبياء فلذلك خصت بهذه التسمية وقال عطا: هي حروف مقطعة من حوادث آتية فالحاء من حرب والميم من تحويل ملك والعين من عدو مقهور والسين من الاستئصال بسنين كسني يوسف والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض وسائر الأقوال في ذلك مذكورة في أول البقرة ﴿كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك﴾ أي كالوحي الذي تقدم يوحي إليك أخبار الغيب وما يكون قبل أن يكون وإلى الذين من قبلك من الأنبياء عن عطا عن ابن عباس قال وما من نبي أنزل الله عليه الكتاب إلا أنزل عليه معاني هذه السورة بلغاتهم وقيل معناه كهذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحي إليك لأن ما لم يكن حاضرا تراه صلح فيه هذا لقرب وقته وذلك لبعده في نفسه ومعنى التشبيه في كذلك أن بعضه كبعض في أنه حكمة وصواب بما تضمنه من الحجج والمواعظ والفوائد ﴿الله﴾ الذي تحق له العبادة ﴿العزيز﴾ القادر الذي لا يغالب ﴿الحكيم﴾ المحكم لأفعاله ﴿له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي﴾ المستعلي على كل قادر ﴿العظيم﴾ شأنه ﴿تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن﴾ أي تكاد كل واحدة من السماوات تنشق من فوق التي تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا استعظاما لذلك عن ابن عباس والحسن وقيل معناه تكاد السماوات يتشققن فرقا من عظمة الله وجلاله من فوقهن تقديره ممن فوقهن أي من عظمة من فوقهن عن الضحاك وقتادة والزجاج وقيل من فوقهن أي من فوق الأرضين وهذا على طريق التمثيل والمعنى لو كانت السماوات تنفطر لشيء لانفطرت لهذا ﴿والملائكة يسبحون بحمد ربهم﴾ أي ينزهونه عما لا يجوز عليه في صفاته ويعظمونه عما لا يليق به في ذاته وأفعاله وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) والملائكة ومن حول العرش يسبحون بحمد ربهم لا يفترون ﴿ويستغفرون لمن في الأرض﴾ من المؤمنين ﴿ألا إن الله هو الغفور الرحيم﴾ والمعنى ظاهر.