الآيات 1-15

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿1﴾ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿2﴾ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿3﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿﴾ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا ﴿5﴾ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿6﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿10﴾ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ﴿11﴾ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴿12﴾ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴿13﴾ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴿14﴾ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴿15﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) والباقون ﴿ولا يخاف﴾ بالواو وكذلك هو في مصاحفهم.

الحجة:

قال أبو علي: الواو يجوز أن يكون في موضع حال أي فسواها غير خائف عقباها يعني غير خائف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله وفاعل يخاف الضمير العائد إلى قوله ﴿ربهم﴾ وقيل أن الضمير يعود إلى صالح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أرسل إليهم وقيل إذا انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها أي لا يخاف من إقدامه على ما أتاه مما نهي عنه ففاعل يخاف العاقر على هذا والفاء للعطف على قوله ﴿فكذبوه فعقروها﴾ فلا يخاف كأنه يتبع تكذيبهم وعقرهم إن لم يخوفوا.

اللغة:

ضحى الشمس صدر وقت طلوعها وضحى النهار صدر وقت كونه وأضحى يفعل كذا إذا فعله في وقت الضحى وضحى بكبش أو غيره إذا ذبحه في وقت الضحى من أيام الأضحى ثم كثر ذلك حتى لو ذبح في غير ذلك الوقت لقيل ضحى والطحو والدحو بمعنى يقال طحا بك همك يطحو طحوا إذا انبسط بك إلى مذهب بعيد قال علقمة:

طحا بك قلب في الحسان ظروب

يقال طحا القوم بعضهم بعضا عن الشيء إذا دفعوا دفعا شديد الانبساط والطواحي النسور تنبسط حول القتلى وأصل الطحو البسط الواسع يقال دسا فلان يدسو دسوا فهو داس نقيض زكا يزكو زكا فهو زاك وقيل أن أصل دسا دس فأبدل من أحد السينين ياء كما قالوا تظنيت بمعنى تظننت ومثله:

تقضي البازي إذا البازي كسر

بمعنى تقضض وإنما يفعلون ذلك كراهية التضعيف والطغوى والطغيان مجاوزة الحد في الفساد وبلوغ غايته وفي قراءة الحسن وحماد بن مسلمة بطغواها بضم الطاء وعلى هذا فيكون مصدرا على فعلى كالرجعى والحسنى وبعث مطاوع انبعث يقال بعثته على الأمر فانبعث له والسقيا الحظ من الماء والنصيب منه والعقر قطع اللحم بما يسيل الدم وهو من عقر الحوض أي أصله والعقر نقص شيء من أصل بنية الحيوان والدمدمة ترديد الحال المستكرة وهي مضاعفة ما فيه الشقة وقال مؤرج: الدمدمة هلاك باستئصال قال ابن الأعرابي: دمدم أي عذب عذابا تاما.

الإعراب:

والشمس هذه الواو الأولى هي التي للقسم وسائر الواوات فيما بعدها عطف عليها إلى قوله ﴿قد أفلح من زكاها﴾ وهو جواب القسم والتقدير لقد أفلح وقوله ﴿وما بناها﴾ ﴿وما طحاها﴾ ﴿وما سواها﴾ ما هاهنا مصدرية وتقديره والسماء وبنائها والأرض وطحواها ونفس وتسويتها وقيل أن ما في هذه المواضع بمعنى من أي والذي بناها ويحكى عن أهل الحجاز أنهم يقولون إذا سمعوا صوت الرعد سبحان ما سبحت له أي سبحان الذي سبحت له ومن سبحت له وقوله ﴿ناقة الله وسقياها﴾ منصوب بفعل مضمر أي احذروا ناقة الله وذروا سقياها.

المعنى:

﴿والشمس وضحاها﴾ قد تقدم أن لله سبحانه أن يقسم بما يشاء من خلقه تنبيها على عظيم قدره وكثرة الانتفاع به ولما كان قوام العالم من الحيوان والنبات بطلوع الشمس وغروبها أقسم الله سبحانه بها وبضحاها وهو امتداد ضوئها وانبساطه عن مجاهد والكلبي وقيل هو النهار كله عن قتادة وقيل حرها عن مقاتل كقوله تعالى في طه ﴿ولا تضحى﴾ أي لا يؤذيك حرها ﴿والقمر إذا تلاها﴾ أي إذا أتبعها فأخذ من ضوئها وسار خلفها قالوا وذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور وقيل تلاها ليلة الهلال وهي أول ليلة من الشهر إذا سقطت الشمس رؤي القمر عند غيبوبتها عن الحسن وقيل في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس وقيل في الشهر كله فهو في النصف الأول يتلوها وتكون أمامه وهو وراؤها وفي النصف الأخير يتلو غروبها بالطلوع ﴿والنهار إذا جلاها﴾ أي جلى الظلمة وكشفها وجازت الكناية عن الظلمة ولم تذكر لأن المعنى معروف غير ملتبس وقيل أن معناه والنهار إذا أظهر الشمس وأبرزها سمي النهار مجليا لها لظهور جرمها فيه ﴿والليل إذا يغشاها﴾ أي يغشى الشمس حتى تغيب فتظلم الآفاق ويلبسها سواده ﴿والسماء وما بناها﴾ أي ومن بناها عن مجاهد والكلبي وقيل والذي بناها عن عطاء وقيل معناه والسماء وبنائها مع إحكامها واتساقها وانتظامها ﴿والأرض وما طحاها﴾ في ما وجهان كما ذكرناه أي وطحوها وتسطيحها وبسطها ليمكن الخلق التصرف عليها ﴿ونفس وما سواها﴾ هو كما ذكرناه وسواها عدل خلقها وسوى أعضاءها وقيل سواها بالعقل الذي فضل به سائر الحيوان ثم قالوا يريد جميع ما خلق من الجن والإنس عن عطاء وقيل يريد بالنفس آدم ومن سواها الله تعالى عن الحسن ﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ أي عرفها طريق الفجور والتقوى وزهدها في الفجور ورغبها في التقوى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وقيل علمها الطاعة والمعصية لتفعل الطاعة وتذر المعصية وتجتني الخير وتجتنب الشر ﴿قد أفلح من زكاها﴾ على هذا وقع القسم أي قد أفلح من زكى نفسه عن الحسن وقتادة أي طهرها وأصلحها بطاعة الله وصالح الأعمال ﴿وقد خاب من دساها﴾ بالعمل الطالح أي أخملها وأخفى محلها وقيل أضلها وأهلكها عن ابن عباس وقيل أفجرها عن قتادة وقيل معناه قد أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس دساها الله أي جعلها قليلة خسيسة وجاءت الرواية عن سعيد بن أبي هلال قال كان رسول الله إذا قرأ هذه الآية ﴿قد أفلح من زكاها﴾ وقف ثم قال اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وزكها وأنت خير من زكاها وروى زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) في قوله ﴿فألهمها فجورها وتقواها﴾ قال بين لها ما تأتي وما تترك وفي قوله ﴿قد أفلح من زكاها﴾ قال قد أفلح من أطاع ﴿وقد خاب من دساها﴾ قال قد خاب من عصى وقال ثعلب قد أفلح من زكى نفسه بالصدقة والخير وخاب من دس نفسه في أهل الخير وليس منهم ثم أخبر سبحانه عن ثمود وقوم صالح فقال ﴿كذبت ثمود بطغواها﴾ أي بطغيانها ومعصيتها عن مجاهد وابن زيد يعني أن الطغيان حملهم على التكذيب فالطغوى اسم من الطغيان كما أن الدعوى من الدعاء وقيل أن الطغوى اسم العذاب الذي نزل بهم فالمعنى كذبت ثمود بعذابها عن ابن عباس وهذا كما قال فأهلكوا بالطاغية والمراد كذبت بعذابها الطاغية فأتاها ما كذبت به ﴿إذ انبعث أشقاها﴾ أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر ومعنى انبعث انتدب وقام والأشقى عاقر الناقة وهو أشقى الأولين على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واسمه قدار بن سالف قال الشاعر وهو عدي بن زيد:

فمن يهدي أخا لذناب لو

فأرشوه فإن الله جار

ولكن أهلكت لو كثيرا

وقبل اليوم عالجها قدار

يعني حين نزل بها العذاب فقال لو فعلت وقد صحت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب عن أبيه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من أشقى الأولين قال عاقر الناقة قال صدقت فمن أشقى الآخرين قال قلت لا أعلم يا رسول الله قال: الذي يضربك على هذه وأشار إلى يافوخة وعن عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة العسرة نائمين في صور من النخل ودقعاء من التراب فو الله ما أهبنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء فقال ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك بالسيف يا علي على هذه ووضع يده على قرنه حتى تبل منها هذه وأخذ بلحيته وقيل أن عاقر الناقة كان أشقر أزرق قصيرا ملتزق الحلق ﴿فقال لهم رسول الله﴾ صالح ﴿ناقة الله﴾ قال الفراء: حذرهم إياها وكل تحذير فهو نصب والتقدير احذروا ناقة الله فلا تعقروها عن الكلبي ومقاتل كما يقال الأسد الأسد أي احذروه ﴿وسقياها﴾ أي وشربها من الماء أو ما يسقيها أي فلا تزاحموها فيه كما قال سبحانه لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ﴿فكذبوه﴾ أي فكذب قوم صالح صالحا ولم يلتفتوا إلى قوله وتحذيره إياهم بالعذاب بعقرها ﴿فعقروها﴾ أي فقتلوا الناقة ﴿فدمدم عليهم ربهم﴾ أي فدمر عليهم ربهم عن عطاء ومقاتل وقيل أطبق عليهم بالعذاب وأهلكهم ﴿بذنبهم﴾ لأنهم رضوا جميعا به وحثوا عليه وكانوا قد اقترحوا تلك الآية فاستحقوا بما ارتكبوه من العصيان والطغيان عذاب الاستئصال ﴿فسواها﴾ أي فسوى الدمدمة عليهم وعمهم بها فاستوت على صغيرهم وكبيرهم ولم يفلت منها أحد منهم وقيل معناه سوى الأمة أي أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها فسوى بينها فيه عن الفراء وقيل جعل بعضها على مقدار بعض في الاندكاك واللصوق بالأرض فالتسوية تصيير الشيء على مقدار غيره وقيل سوى أرضهم عليهم ﴿ولا يخاف عقباها﴾ أي لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والجبائي والمعنى لا يخاف أن يتعقب عليه في شيء من فعله فلا يخاف عقبى ما فعل بهم من الدمدمة عليهم لأن أحدا لا يقدر على معارضته والانتقام منه وهذا كقوله لا يسأل عما يفعل وقيل معناه لا يخاف الذي عقرها عقباها عن الضحاك والسدي والكلبي أي لا يخاف عقبى ما صنع بها لأنه كان مكذبا بصالح وقيل معناه ولا يخاف صالح عاقبة ما خوفهم به من العقوبات لأنه كان على ثقة من نجاته.