الآيات 1-9

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿1﴾ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴿2﴾ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿3﴾ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴿4﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴿5﴾ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴿6﴾ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴿7﴾ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴿8﴾ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴿9﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة وابن كثير ونافع وعاصم ﴿جمع﴾ بالتخفيف والباقون جمع بالتشديد ﴿مؤصدة﴾ وذكرناه في سورة البلد وقرأ أهل الكوفة غير حفص في عمد بضمتين والباقون ﴿في عمد﴾ بفتح العين والميم.

الحجة:

قال أبو الحسن: المثقلة أكثر تقول فلان يجمع المال من هنا ومن هنا قال أبو عمرو: وجمع خفيفة إذا أكثر وإذا ثقل فإنما هو شيء بعد شيء قال أبو علي: وقد يجوز أن يكون جمع لما يجمع فيما قرب من الوقت ولم يجمع شيئا بعد شيء قال سبحانه ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وقال الأعشى:

ولمثل الذي جمعت لريب الدهر

لا مسند ولا زمال

والأشبه أن تكون أداة الحرب لا تجمع في وقت واحد وإنما هو شيء بعد شيء فيجوز على هذا أن يكون شيئا بعد شيء في قول من خفف كما تقول ذلك في قول من ثقل ومن قرأ عمد جعله جمعا لعمود مثل قدوم وقدم وزبور وزبر ومن قال ﴿عمد﴾ فإنه جمع عمود أيضا كما قالوا أفق وأدم وأهب في جمع أفيق وأديم وإهاب وهذا اسم من أسماء الجمع غير مستمر وقد قالوا حارس وحرس وغائب وغيب وخادم وخدم ورائح وروح وهو في أنه غير مطرد مثل عمد.

اللغة:

الهمزة الكثير الطعن على غيره بغير حق العائب له بما ليس بعيب وأصل الهمز الكسر فكان العائب بعيبه إياه وطعنه فيه يكسره ويهمزه وقيل لأعرابي أ تهمز الفأرة قال السنور تهمزها وكان الهمز في الكلام نبرة كالطعنة بقوة اعتمادها واللمز العيب أيضا والهمزة واللمزة بمعنى وقد قيل بينهما فرق فإن الهمزة الذي يعيبك بظهر الغيب واللمزة الذي يعيبك في وجهك عن الليث وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير برأسه ويومىء بعينه ويقال لمزة يلمزه ويلمزه بكسر الميم وضمها ورجل لماز ولمزة وهماز وهمزة قال زياد الأعجم:

تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا

وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة

والحطمة الكثير الحطم أي الأكل ورجل حطمة أكول وحطم الشيء إذا كسره وأذهبه قال:

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم

وفعلة بناء المبالغة في صفة من يكثر منه الفعل ويصير عادة له تقول رجل نكحة كثير النكاح وضحكة كثير الضحك وكذا همزة ولمزة وفعلة ساكنة العين يكون للمفعول به.

الإعراب:

﴿الذي جمع﴾ في موضع جر على البدل من همزة ولا يجوز أن يكون صفة لأنه معرفة ويجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار أعني وفي موضع رفع على إضمار هو وفي حرف عبد الله ويل للهمزة اللمزة فعلى هذا الوجه يكون صفة.

﴿لينبذن﴾ يعني الجامع للمال وروي في الشواذ عن الحسن لينبذان يعني الجامع والمال.

و﴿نار الله﴾ تقديره هي نار الله.

المعنى:

﴿ويل لكل همزة لمزة﴾ هذا وعيد من الله سبحانه لكل مغتاب غياب مشاء بالنميمة مفرق بين الأحبة عن ابن عباس وعنه أيضا قال: الهمزة الطعان واللمزة المغتاب وقيل الهمزة المغتاب واللمزة الطعان عن سعيد بن جبير وقتادة وقيل الهمزة الذي يطعن في الوجه بالعيب واللمزة الذي يغتاب عند الغيبة عن الحسن وأبي العالية وعطاء بن أبي رباح وقيل الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه وبعينه عن ابن زيد ﴿الذي جمع مالا وعدده﴾ أي أحصاه عن الفراء وقيل عدده للدهور فيكون من العدة عن الزجاج يقال أعددت الشيء وعددته إذا أمسكته وقيل جمع مالا من غير حله ومنعه من حقه وأعده ذخرا لنوائب دهره عن الجبائي وقيل أن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ورائه ويطعن عليه في وجهه عن مقاتل وقيل نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي وكان يلمز الناس ويغتابهم عن الكلبي ثم ذكر سبحانه طول أمله فقال ﴿يحسب أن ماله أخلده﴾ أي يظن أن ماله الذي جمعه يخلده في الدنيا ويمنعه من الموت فأخلده في معنى يخلده لأن قوله ﴿يحسب﴾ يدل عليه وإنما قال ذلك وإن كان الموت معلوما عند جميع الناس لأنه يعمل عمل من يتمنى ذلك وقيل ﴿أخلده﴾ بمعنى أوجب إخلاده وهذا كما يقال هلك فلان إذا حدث به سبب الهلاك وإن لم يقع هلاكه بعد ثم قال سبحانه ﴿كلا﴾ أي لا يخلده ماله ولا يبقى له وقيل معناه ليس الأمر كما حسب وقيل معناه حقا ﴿لينبذن في الحطمة﴾ أي ليقذفن ويطرحن من وصفناه في الحطمة وهي اسم من أسماء جهنم قال مقاتل: وهي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب ثم قال سبحانه ﴿وما أدراك ما الحطمة﴾ تفخيما لأمرها ثم فسرها بقوله ﴿نار الله الموقدة﴾ أي المؤججة أضافها سبحانه إلى نفسه ليعلم أنها ليست كسائر النيران ثم وصفها بالإيقاد على الدوام ﴿التي تطلع على الأفئدة﴾ أي تشرف على القلوب فيبلغها ألمها وحريقها وقيل معناه أن هذه النار تخرج من الباطن إلى الظاهر بخلاف نيران الدنيا ﴿إنها عليهم مؤصدة﴾ يعني أنها على أهلها مطبقة يطبق أبوابها عليهم تأكيدا للإياس عن الخروج ﴿في عمد ممددة﴾ وهي جمع عمود وقال أبو عبيدة: كلاهما جمع عماد قال وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار وقال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع إليهم غمها وحرها فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم روح وقال الحسن: يعني عمد السرادق في قوله وأحاط بهم سرادقها فإذا مدت تلك العمد أطبقت جهنم على أهلها نعوذ بالله منها وقال الكلبي: في عمد مثل السواري ممددة مطولة تمد عليهم وقال ابن عباس: هم في عمد أي في أغلال في أعناقهم يعذبون بها وروى العياشي بإسناده عن محمد بن النعمان الأحول عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أن الكفار والمشركين يعيرون أهل التوحيد في النار ويقولون ما نرى توحيدكم أغنى عنكم شيئا وما نحن وأنتم إلا سواء قال فيأنف لهم الرب تعالى فيقول للملائكة اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثم يقول للنبيين اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ثم يقول للمؤمنين اشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ويقول الله أنا أرحم الراحمين أخرجوا برحمتي كما يخرج الفراش قال ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) ثم مدت العمد وأوصدت عليهم وكان والله الخلود.