الآيات 21-25

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿21﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿22﴾ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿23﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿24﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿25﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي ورويس عن يعقوب لما صبروا بكسر اللام والباقون ﴿لما﴾ بالتشديد وفتح اللام.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ لما فإنه جعله للمجازاة إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب كما أنك إذا قلت أجيئك إذا جئت تقديره إن جئت أجئك فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم على الشرط فكذلك المعنى هنا لما صبروا جعلناهم أئمة ومن قال لما صبروا علق الجار بجعلنا والتقدير جعلنا منهم أئمة لصبرهم.

المعنى:

ثم أقسم سبحانه في هذه الآية فقال ﴿ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر﴾ أما العذاب الأكبر فهو عذاب جهنم في الآخرة وأما العذاب الأدنى في الدنيا واختلف فيه فقيل إنه المصائب والمحن في الأنفس والأموال عن أبي بن كعب وابن عباس وأبي العالية والحسن وقيل هو القتل يوم بدر بالسيف عن ابن مسعود وقتادة والسدي وقيل هو ما ابتلوا به من الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والكلاب عن مقاتل وقيل هو الحدود عن عكرمة وابن عباس وقيل هو عذاب القبر عن مجاهد وروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) والأكثر في الرواية عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) أن العذاب الأدنى الدابة والدجال ﴿لعلهم يرجعون﴾ أي ليرجعوا إلى الحق ويتوبوا من الكفر وقيل ليرجع الآخرون عن أن يذنبوا مثل ذنوبهم ﴿ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه﴾ أي لا أحد أظلم لنفسه ممن نبه على حجج الله التي توصله إلى معرفته ومعرفة ثوابه ﴿ثم أعرض عنها﴾ جانبا ولم ينظر فيها ﴿إنا من المجرمين﴾ الذين يعصون الله تعالى بقطع طاعاته وتركها ﴿منتقمون﴾ بأن نحل العقاب بهم ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ يعني التوراة ﴿فلا تكن في مرية من لقائه﴾ أي في شك من لقائه أي من لقائك موسى ليلة الإسراء بك إلى السماء عن ابن عباس وقد ورد في الحديث أنه قال رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنؤة ورأيت عيسى بن مريم رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس فعلى هذا فقد وعد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سيلقي موسى قبل أن يموت وبه قال مجاهد والسدي وقيل فلا تكن في مرية من لقاء موسى إياك في الآخرة وقيل معناه فلا تكن يا محمد في مرية من لقاء موسى الكتاب عن الزجاج وقيل معناه فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى الأذى عن الحسن فكأنه قال فلا تك في مرية من أن تلقى كما لقي موسى ﴿وجعلناه هدى لبني إسرائيل﴾ أي وجعلنا موسى هاديا لهم عن قتادة وقيل وجعلنا الكتاب هاديا لهم عن الحسن﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا﴾ أي وجعلنا منهم رؤساء في الخير يقتدى بهم يهدون إلى أفعال الخير بإذن الله عن قتادة وقيل هم الأنبياء الذين كانوا فيهم يدلون الناس على الطريق المستقيم بأمر الله ﴿لما صبروا﴾ أي لما صبروا وجعلوا أئمة ﴿وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ لا يشكون فيها ﴿إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة﴾ أي يحكم بين المؤمن والكافر والفاسق ﴿فيما كانوا فيه يختلفون﴾ من التصديق برسل الله والإيمان بالبعث والنشور وغير ذلك من أعمالهم وأمور دينهم.

النظم:

وجه اتصال ذكر موسى (عليه السلام) بما قبله أن المراد بالآية كما آتيناك القرآن يا محمد فكذبوك كذلك آتينا موسى التوراة فكذبوه فهو تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووعيد للمكذبين به.