الآيات 1-5

الم ﴿1﴾ تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿4﴾ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿5﴾

الإعراب:

﴿تنزيل الكتاب﴾ خبر مبتدأ محذوف وتقديره هذا تنزيل ويجوز أن يكون ﴿تنزيل الكتاب﴾ مبتدأ و﴿لا ريب فيه﴾ خبره وعلى القول الأول يكون ﴿لا ريب فيه﴾ في موضع نصب على الحال أو في موضع رفع على أنه خبر بعد خبر وقوله ﴿من رب العالمين﴾ يحتمل الوجهين أيضا ﴿أم يقولون افتراه﴾ أم هاهنا استفهام مستأنف والتقدير بل أ يقولون وقوله ﴿من ربك﴾ يجوز أن يتعلق بالحق على تقدير هو الذي حق من ربك ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال أي كائنا من ربك والعامل فيه الحق وذو الحال الضمير المستكن فيه.

﴿لتنذر﴾ اللام يتعلق بما يتعلق به من قوله ﴿ما لكم من دونه من ولي﴾ من الثانية زائدة والتقدير ما ولي ثبت لكم ومن دونه في موضع نصب على الحال مما يتعلق به اللام في لكم.

المعنى:

﴿الم﴾ مفسر في أول البقرة ﴿تنزيل الكتاب﴾ أي هذه الآيات تنزيل الكتاب الذي وعدتم به ﴿لا ريب فيه﴾ أي لا شك فيه أنه وحي ﴿من رب العالمين﴾ والمعنى أنه لا ريب فيه للمهتدين وإن كان قد ارتاب فيه خلق من المبطلين لا يعتد بهم لأنه ليس بموضع الشك وقيل معناه أنه زال الشك في أنه كلام رب العزة لعجزهم عن الإتيان بمثله وقيل أن لفظه الخبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه والريب أقبح الشك ﴿أم يقولون﴾ أي بل يقولون ﴿افتريه﴾ وليس الأمر على ما يقولون ﴿بل هو الحق﴾ نزل عليك ﴿من ربك﴾ والحق هو كل شيء من اعتقده كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل إلى استحقاق المدح عليه وتعظيمه فالكتاب حق لأن من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به والباطل نقيض الحق ﴿لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك﴾ يعني قريشا إذ لم يأتهم نبي قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن أتى غيرهم من قبائل العرب مثل خالد بن سنان العبسي وقيل يعني أهل الفترة بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة عن ابن عباس ﴿لعلهم يهتدون﴾ أي ليهتدوا ثم ذكر سبحانه الدلالة على وحدانيته فقال ﴿الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام﴾ أي فيما قدره ستة أيام لأن قبل الشمس لم يكن ليل ولا نهار ﴿ثم استوى على العرش﴾ بالقهر والاستعلاء وهو مفسر في سورة الأعراف ﴿ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع﴾ أي ليس لكم من دون عذابه ولي أي قريب ينفعكم ويرد عذابه عنكم ولا شفيع يشفع لكم وقيل من ولي أي من ناصر ينصركم من دون الله ﴿أفلا تتذكرون﴾ أي أ فلا تتفكرون فيما قلناه وتعتبرون به فتعلموا صحة ما بيناه لكم ﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض﴾ أي خلقهما وما بينهما في هذه المدة يدير الأمور كلها ويقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض وينزله مع الملك إلى الأرض ﴿ثم يعرج إليه﴾ الملك أي يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يصعد إليه ﴿في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون﴾ أي يوم كان مقداره لو سارة غير الملك ألف سنة مما يعده البشر خمس مائة عام نزوله وخمس مائة عام صعوده وقوله ﴿يعرج إليه﴾ يعني إلى الموضع الذي أمره بالعروج إليه كقول إبراهيم إني ذاهب إلى ربي سيهدين أي إلى أرض الشام التي أمرني ربي بالذهاب إليها وقوله ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله﴾ يعني إلى المدينة ولم يكن الله سبحانه بالشام ولا بالمدينة ومعناه أنه ينزل الملك بالتدبير أو الوحي ويصعد إلى السماء فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدونه أنتم لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم وهذا معنى قول ابن عباس والحسن والضحاك وقتادة وهو اختيار الجبائي وقيل معناه أنه يدبر الأمر سبحانه ويقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى ملائكته فإذا مضى الألف سنة قضى لألف سنة أخرى ثم كذلك أبدا عن مجاهد وقيل معناه يدبر أمر الدنيا فينزل القضاء والتدبير من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ثم يرجع الأمر ويعود التدبير إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها حتى يتقطع أمر الأمراء وحكم الحكام وينفرد الله بالتدبير في يوم كان مقداره ألف سنة وهو يوم القيامة فالمدة المذكورة مدة يوم القيامة إلى أن يستقر الخلق في الدارين عن ابن عباس أيضا فأما قوله ﴿في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾ فإنه أراد سبحانه على الكافر جعل الله ذلك اليوم مقدار خمسين ألف سنة فإن المقامات في يوم القيامة مختلفة وقيل إن المراد بالأول إن مسافة الصعود والنزول إلى السماء الدنيا في يوم واحد للملك مقدار مسيرة ألف سنة لغير الملك من بني آدم وإلى السماء السابعة مقدار مسيرة خمسين ألف سنة وقيل إن الألف سنة للنزول والعروج والخمسين ألف سنة لمدة القيامة.