الآيات 36-40

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿36﴾ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴿37﴾ وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿38﴾ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿39﴾ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴿40﴾

القراءة:

قرأ حمزة وحده في الغرفة والباقون ﴿في الغرفات﴾ على الجمع وقرأ يعقوب جزاء بالنصب.

الضعف بالرفع.

الحجة:

حجة من قرأ الغرفة قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا وفي الجنة غرفات وغرف غير أن العرب قد تجتزىء بالواحد عن الجمع إذا كان اسم الجنس قالوا أهلك الناس الدينار والدرهم ومن قرأ ﴿فأولئك لهم جزاء الضعف﴾ فالتقدير فأولئك لهم الضعف جزاء في حال المجازاة فهو مصدر وضع موضع الحال أي مجزيين جزاء ويجوز أن يكون مفعولا له وأما إضافة جزاء إلى الضعف في القراءة المشهورة فهو على إضافته إلى المفعول.

الإعراب:

﴿زلفى﴾ في موضع نصب على المصدر تقديره تقربكم قربة وتقريبا وقوله ﴿إلا من آمن﴾ الموصول والصلة في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في تقربكم ويجوز أن يكون نصبا على الاستثناء.

المعنى:

لما حكى الله سبحانه عن الكفار أنهم قالوا ما نحن بمعذبين لأن الله تعالى أغنانا في الدنيا فلا يعذبنا في الآخرة قال رادا عليهم ﴿قل﴾ يا محمد ﴿إن ربي﴾ الذي خلقني ﴿يبسط الرزق لمن يشاء﴾ على ما يعلمه من مصلحته ومصلحة غيره ﴿ويقدر﴾ أي ويضيق أيضا على حسب المصلحة فبسط الرزق هو الزيادة فيه على قدر الكفاية والقدر تضييقه عن قدر الكفاية ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ ذلك بجهلهم بالله وبحكمته فيظنون أن كثرة مال الإنسان يدل على كرامته عند الله تعالى ثم صرح بهذا المعنى فقال ﴿وما أموالكم﴾ أي ليس أموالكم التي خولتموها ﴿ولا أولادكم﴾ التي رزقتموها ﴿بالتي تقربكم عندنا زلفى﴾ أي قربى عن مجاهد قال الأخفش أراد بالتي تقربكم عندنا تقريبا فزلفى اسم المصدر وقال الفراء التي يجوز أن يقع على الأموال والأولاد وجاء الخبر بلفظ الواحدة وأن دخل فيه الأخرى ﴿إلا من آمن وعمل صالحا﴾ معناه لكن من آمن بالله وعرفه وصدق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطاعه فيما أمر به وانتهى عما نهاه عنه ﴿فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا﴾ أي يضاعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا إلى ما زاد والضعف اسم جنس يدل على الكثير والقليل ويجوز أن يكون الأموال والأولاد تقرب إلى الله تعالى زلفى بأن يكسب المؤمن المال مستعينا به على القيام بحق التكليف ويستولد الولد كذلك فيقر بأنه عند الله زلفى فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ولا يكون بمعنى لكن وقيل أن جزاء الضعف أن يعطيهم في الآخرة مثل ما كان لهم في الدنيا من النعيم والضعف المثل عن أبي مسلم ﴿وهم في الغرفات﴾ أي في غرف الجنة وهي البيوت فوق الأبنية ﴿آمنون﴾ فيها لا يخافون شيئا مما يخاف مثله في دار الدنيا من الموت والغير والآفات والأحزان ﴿والذين يسعون في آياتنا﴾ أي يجتهدون في إبطال آياتنا وتكذيبها ﴿معاجزين﴾ لأنبيائنا ومعاجزين أي مثبطين غيرهم عن أفعال البر ﴿أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له﴾ مر تفسيره وإنما كرره سبحانه لاختلاف الفائدة فالأول توبيخ للكافرين وهم المخاطبون به والثاني وعظ للمؤمنين فكأنه قال ليس إغناء الكفار وإعطاؤهم بدلالة على كرامتهم وسعادتهم بل يزيدهم ذلك عقوبة وإغناء المؤمنين يجوز أن يكون زيادة في سعادتهم بأن ينفقوها في سبيل الله ويدل على ذلك قوله ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾ أي وما أخرجتم من أموالكم في وجوه البر فإنه سبحانه يعطيكم خلفه وعوضه إما في الدنيا بزيادة النعمة وإما في الآخرة بثواب الجنة يقال أخلف الله له وعليه إذا أبدل له ما ذهب عنه ﴿وهو خير الرازقين﴾ لأنه يعطي لمنافع عباده لا لدفع ضرر أو جر نفع لاستحالة المنافع والمضار عليه وقال الكلبي ما تصدقتم به في خير فهو يخلفه أما أن يجعله لكم في الدنيا أو يدخر لكم في الآخرة وروى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قال الله عز وجل لي أنفق أنفق عليك وروى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ينادي مناد كل ليلة لدوا للموت وينادي مناد ابنوا للخراب وينادي مناد اللهم هب للمنفق خلفا وينادي مناد اللهم هب للممسك تلفا وينادي مناد ليت الناس لم يخلقوا وينادي مناد ليتهم إذ خلقوا فكروا فيما له خلقوا وعن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كل معروف صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية وعن أبي أمامة قال إنكم تؤولون هذه الآية في غير تأويلها ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾ وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول وإلا فصمتا إياكم والسرف في المال والنفقة وعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا ثم قال سبحانه ﴿ويوم يحشرهم جميعا﴾ يعني يوم القيامة يجمع العابدين لغير الله والمعبودين من الملائكة للحساب ﴿ثم يقول للملائكة أهؤلاء﴾ الكفار ﴿إياكم كانوا يعبدون﴾ أي كانوا يعبدونكم ويقصدونكم بالعبادة وعلى هذا وجه التقرير والاستشهاد للملائكة على اعتقادات الكفار حتى تتبرأ الملائكة منهم ومن عبادتهم كما قال سبحانه.

أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله.

النظم:

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنهم لما قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا بين أن دعواهم مردودة وأنهم معذبون محجوجون.