الآيات 21-25

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴿21﴾ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿22﴾ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿23﴾ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴿24﴾ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿25﴾

اللغة:

الينابيع جمع ينبوع وهو الموضع الذي ينبع منه الماء يقال نبع الماء من موضع كذا إذا فار منه والزرع ما ينبت على غير ساق والشجر ما له ساق وأغصان والنبات يعم الجميع وهاج النبت يهيج هيجا إذا جف وبلغ نهايته في اليبوسة والحطام فتات التبن والحشيش والحطم الكسر للشيء اليابس ومنه سميت جهنم حطمة لأنها تكسر كل شيء ومنه الحطيم بمكة قال النضر لأن البيت رفع وترك ذلك محطوما وهو حجر الكعبة مما يلي الميزاب.

الإعراب:

﴿أفمن شرح الله صدره﴾ من مع صلته مبتدأ والخبر محذوف تقديره أ فمن شرح الله صدره كمن قسا قلبه من ذكر الله أي من ترك ذكر الله لأن القلب إنما يقسو من ترك ذكر الله ويجوز أن يكون تشمئز عند ذكر الله فيقال قست من ذكر الله أي من ذكر الناس الله.

كتابا منصوب لأنه بدل من قوله ﴿أحسن الحديث﴾.

المعنى:

لما قدم سبحانه ذكر الدعاء إلى التوحيد عقبه بذكر دلائل التوحيد فقال يخاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان المراد جميع المكلفين ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء﴾ أي مطرا ﴿فسلكه﴾ أي فأدخل ذلك الماء ﴿ينابيع في الأرض﴾ مثل العيون والأنهار والقني والآبار ونظيره قوله وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ﴿ثم يخرج به﴾ أي بذلك الماء من الأرض ﴿زرعا مختلفا ألوانه﴾ أي صنوفه من البر والشعير والأرز وغير ذلك يقال هذا لون من الطعام أي صنف وقيل مختلف الألوان من أخضر وأصفر وأبيض وأحمر ﴿ثم يهيج﴾ أي يجف وييبس ﴿فتريه مصفرا﴾ بعد خضرته ﴿ثم يجعله حطاما﴾ أي رفاتا منكسرا متفتتا ﴿إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب﴾ معناه إن في إخراج هذه الزروع ألوانا مختلفة بماء واحد ونقلها من حال إلى حال لتذكيرا لذوي العقول السليمة إذا تكفروا في ذلك عرفوا الصانع المحدث وعلموا صحة الابتداء والبعث والإعادة ﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام﴾ أي فسح صدره ووسع قلبه لقبول الإسلام والثبات عليه وشرح الصدر يكون بثلاثة أشياء (أحدها) بقوة الأدلة التي نصبها الله تعالى وهذا يختص به العلماء (والثاني) بالألطاف التي تتجدد له حالا بعد حال كما قال سبحانه والذين اهتدوا زادهم هدى (والثالث) بتوكيد الأدلة وحل الشبهة وإلقاء الخواطر ﴿فهو على نور﴾ أي على دلالة وهدى ﴿من ربه﴾ شبه الأدلة بالنور لأن بها يعرف الحق كما بالنور تعرف أمور الدنيا عن الجبائي وقيل النور كتاب الله عز وجل فيه نأخذ وإليه ننتهي عن قتادة وحذف كمن هو قاسي القلب يدل على المحذوف قوله ﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ وهم الذين ألفوا الكفر وتعصبوا له وتصلبت قلوبهم حتى لا ينجع فيها وعظ ولا ترغيب ولا ترهيب ولا ترق عند ذكر الله وقراءة القرآن عليه ﴿أولئك في ضلال﴾ أي عدول عن الحق ﴿مبين﴾ أي ظاهر واضح ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ يعني القرآن سماه الله حديثا لأنه كلام الله والكلام سمي حديثا كما يسمى كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديثا ولأنه حديث التنزيل بعد ما تقدمه من الكتب المنزلة على الأنبياء وهو أحسن الحديث لفرط فصاحته ولإعجازه واشتماله على جميع ما يحتاج المكلف إليه من التنبيه على أدلة التوحيد والعدل وبيان أحكام الشرع وغير ذلك من المواعظ وقصص الأنبياء والترغيب والترهيب ﴿كتابا متشابها﴾ يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ليس فيه اختلاف ولا تناقض وقيل معناه أنه يشبه كتب الله المتقدمة وإن كان أعم وأجمع وأنفع وقيل متشابها في حسن النظم وجزالة اللفظ وجودة المعاني ﴿مثاني﴾ سمي بذلك لأنه يثني فيه بعض القصص والأخبار والأحكام والمواعظ بتصريفها في ضروب البيان ويثني أيضا في التلاوة فلا يمل لحسن مسموعة ﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم﴾ أي تأخذهم قشعريرة خوفا مما في القرآن من الوعيد ﴿ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله﴾ إذا سمعوا ما فيه من الوعد بالثواب والرحمة والمعنى أن قلوبهم تطمئن وتسكن إلى ذكر الله الجنة والثواب فحذف مفعول الذكر للعلم به وروي عن العباس بن عبد المطلب أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها وقال قتادة هذا نعت لأولياء الله بنعتهم الله بأن تقشعر، جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما ذلك في أهل البدع وهو من الشيطان ﴿ذلك﴾ يعني القرآن ﴿هدى الله يهدي به من يشاء﴾ من عباده بما نصب فيه من الأدلة وهم الذين آتاهم القرآن من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الجبائي وقيل يهدي به من يشاء من الذين اهتدوا به إنما خصهم بذلك لأنهم المنتفعون بالهداية ومن لم يهتد لا يوصف بأنه هداه الله إذ ليس معه هداية ﴿ومن يضلل الله﴾ عن طريق الجنة ﴿فما له من هاد﴾ أي لا يقدر على هدايته أحد عن الجبائي وقيل معناه من ضل عن الله ورحمته فلا هادي له يقال أضللت بعيري إذا ضل عن أبي مسلم وقيل معناه من يضلله عن زيادة الهدى والألطاف لأن الكافر لا لطف له ﴿أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة﴾ تقديره أ فحال من يدفع عذاب الله بوجهه يوم القيامة كحال من يأتي آمنا منا لا تمسه النار وإنما قال بوجهه لأن الوجه أعز أعضاء الإنسان وقيل معناه أمن يلقى في النار منكوسا فأول عضو منه مسته النار وجهه عن عطاء ومعنى يتقي يتوقى كما قال عنترة:

إذ يتقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولكني تضايق مقدمي

أي يقدمونني إلى القتال فيتوقون بي حرها ثم أخبر سبحانه عما يقوله خزنة النار للكفار بقوله ﴿وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون﴾ أي جزاء ما كسبتموه من المعاصي ثم أخبر سبحانه عن أمثال هؤلاء الكفار من الأمم الماضية فقال ﴿كذب الذين من قبلهم﴾ بآيات الله وجحدوا رسله ﴿فأتاهم العذاب﴾ عاجلا ﴿من حيث لا يشعرون﴾ أي وهم آمنون غافلون.

النظم:

إنما اتصل قوله ﴿أفمن شرح الله صدره﴾ بما تقدم من ذكر أدلة التوحيد والعدل التي إذا تفكر فيها العاقل انشرح صدره واطمأنت نفسه إلى ثلج اليقين واتصل قوله ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ بما تقدمه من قوله فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أي فإن أحسن الحديث القرآن فهو أولى بالإتباع عن أبي مسلم واتصل قوله ﴿أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب﴾ بما قبله على تقديره فمن لم يهتد بهدى الله لا يهتدي وكيف يهتدي بغيره من يتقي بوجهه سوء العذاب يعني المقيم على كفره.