الآيات 62-78

وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ﴿62﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿63﴾ مُدْهَامَّتَانِ ﴿64﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿65﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴿66﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿67﴾ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴿68﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿69﴾ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ﴿70﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿71﴾ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴿72﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿73﴾ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴿74﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿75﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴿76﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿77﴾ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴿78﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر ذو الجلال بالرفع والباقون بالجر وفي الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والجحدري ومالك بن دينار وابن محيصن والحسن وزهير القرقبي على رفارف خضر وعباقري حسان وقراءة الأعرج خضر بضمتين.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ ﴿ذي الجلال﴾ فجر جعله صفة لربك وزعموا أن ابن مسعود قرأ ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام بالياء في كلتيهما وقال الأصمعي لا يقال الجلال إلا في الله تعالى فهذا يقوي الجر إلا أن الجلال قد جاء في غير الله قال:

فلا ذا جلال هبنه لجلاله

ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر

ومن رفع أجراه على الاسم قال ابن جني روى قطرب عباقري بكسر القاف غير مصروف ورويناه عن أبي حاتم عباقري بفتح القاف غير مصروف أيضا قال أبو حاتم ولا يشبه إلا أن يكون عباقر بفتح القاف على ما تتكلم به العرب قال ولو قالوا عباقري بكسر القاف وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب كالنسب إلى مداين مدايني والرفارف رياض الجنة عن سعيد بن جبير وعبقر موضع قال امرؤ القيس:

كان صليل المروحين تشده

صليل زيوف ينتقدن بعبقرا

وقال زهير:

بخبل عليها جنة عبقرية

جديرون يوما أن ينالوا أو يستعلوا

وأما ترك صرف عباقري فشاذ في القياس ولا يستنكر شذوذه في القياس مع استمراره في الاستعمال كما جاء عن الجماعة استحوذ عليهم الشيطان فهو شاذ في القياس مطرد في الاستعمال وليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بقبولها وأما خضر بضم الضاد فقليل وهو من مواضع الشعر كما قال طرفة:

ورادا وشقر

اللغة:

الدهمة السواد وإدهام الزرع إذا علاه السواد ريا ومنه الدهماء وتصغيره الدهيماء للداهية سميت بذلك لظلامها والدهماء القدر والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء غير المعجمة لأن النضح الرش وبالخاء كالبزل والنضاخة الفوارة التي ترمي بالماء صعدا والرمان مشتق من رم يرم رما لأن من شأنه أن يرم الفؤاد بجلائه له والخيرات جمع خيرة والرجل خير والرجال خيار وأخيار قال:

ولقد طعنت مجامع الربلات

ربلات هند خيرة الملكات

وقال الزجاج أصل خيرات خيرات فخفف والخيام جمع خيمة وهي بيت من الثياب على الأعمدة والأوتاد مما يتخذ للأصحار والرفوف رياض الجنة من قولهم رف النبات يرف أي صار غضا نضرا وقيل الرفوف المجالس وقيل الوسائد وقيل إن كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف قال ابن مقبل:

وإنا لنزالون تغشى نعالنا

سواقط من أصناف ريط ورفرف

والعبقري عتاق الزرابي والطنافس المخملة الموشمة وهو اسم الجنس واحدته عبقرية قال أبو عبيدة كل شيء من البسط عبقري وكل ما بولغ في وصفه بالجودة نسب إلى عبقر وهو بلد كان يوشى فيه البسط وغيرها.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿ومن دونهما جنتان﴾ أي ومن دون الجنتين اللتين ذكرناهما لمن خاف مقام ربه جنتان أخريان دون الجنتين الأوليين فإنهما أقرب إلى قصره ومجالسة في قصره ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف من طبع البشر من شهوة مثل ذلك ومعنى دون هنا مكان قريب من الشيء بالإضافة إلى غيره مما ليس له مثل قربه وهو ظرف مكان وإنما كان التنقل من جنة إلى جنة أخرى أنفع لأنه أبعد من الملل الذي طبع عليه البشر وقيل إن المعنى إنهما دون الجنتين الأوليين في الفضل فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وروى العياشي بالإسناد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له جعلت فداك أخبرني عن الرجل المؤمن تكون له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة يتزوج أحدهما الآخر فقال يا أبا محمد إن الله حكم عدل إذا كان هو أفضل منها خيره فإن اختارها كانت من أزواجه وإن كانت هي خيرا منه خيرها فإن اختارته كان زوجا لها قال وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تقولن الجنة واحدة أن الله يقول ﴿ومن دونهما جنتان﴾ ولا تقولن درجة واحدة أن الله يقول درجات بعضها فوق بعض إنما تفاضل القوم بالأعمال قال وقلت له إن المؤمنين يدخلان الجنة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر فيشتهي أن يلقى صاحبه قال من كان فوقه فله أن يهبط ومن كان تحته لم يكن له أن يصعد لأنه لا يبلغ ذلك المكان ولكنهم إذا أحبوا ذلك واشتهوه التقوا على الأسرة وعن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له إن الناس يتعجبون منا إذا قلنا يخرج قوم من جهنم فيدخلون الجنة فيقولون لنا فيكونون مع أولياء الله في الجنة فقال يا علاء إن الله يقول ﴿ومن دونهما جنتان﴾ لا والله لا يكونون مع أولياء الله قلت كانوا كافرين قال (عليه السلام) لا والله لو كانوا ما دخلوا الجنة قلت كانوا مؤمنين قال لا والله لو كانوا مؤمنين ما دخلوا النار ولكن بين ذلك وتأويل هذا لو صح الخبر أنهم لم يكونوا من أفاضل المؤمنين وأخيارهم ثم وصف الجنتين فقال ﴿مدهامتان﴾ أي من خضرتهما قد اسودتا من الري وكل نبت أخضر فتمام خضرته أن يضرب إلى السواد وهو على أتم ما يكون من الحسن وهذا على قول من قال إن الجنات الأربع لمن خاف مقام ربه وهو قول ابن عباس وقيل الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين عن الحسن ﴿فيهما عينان نضاختان﴾ أي فوارتان بالماء ينبع من أصلهما ثم يجريان عن الحسن قال ابن عباس تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور وقيل تنضخان بأنواع الخبرات ﴿فيهما فاكهة﴾ يعني ألوان الفاكهة ﴿ونخل ورمان﴾ وحكى الزجاج عن يونس النحوي وهو من قدماء النحويين أن النخل والرمان من أفضل الفواكه وإنما فصلا بالواو لفضلهما قال الأزهري ما علمت أن أحدا من العرب قال في النخل والكرم وثمارها إنها ليست من الفاكهة وإنما قال ذلك من قال لقلة علمه بكلام العرب وتأويل القرآن العربي المبين والعرب تذكر الأشياء جملة ثم تختص شيئا منها بالتسمية تنبيها على فضل فيه كما قال سبحانه من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ﴿فيهن﴾ يعني في الجنات الأربع ﴿خيرات حسان﴾ أي نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه روته أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل خيرات فاضلات في الصلاح والجمال عن الحسن حسان في المناظر والألوان وقيل إنهن نساء الدنيا ترد عليهم في الجنة وهن أجل من الحور العين وقيل خيرات مختارات عن جرير بن عبد الله وقيل لسن بذربات ولا زفرات ولا بخرات ولا متطلعات ولا متسوفات ولا متسلطات ولا طماخات ولا طوافات في الطرق ولا يغرن ولا يؤذين وقال عقبة بن عبد الغفار ونساء أهل الجنة يأخذ بعضهن بأيدي بعض ويتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها:

نحن الراضيات فلا نسخط

ونحن المقيمات فلا نظعن

ونحن خيرات حسان

حبيبات الأزواج كرام

وقالت عائشة أن الحور العين إذا قلن هذه المقالة أجابتهن المؤمنات من نساء الدنيا نحن المصليات وما صليتن ونحن الصائمات وما صمتن ونحن المتوضئات وما توضأتن ونحن المتصدقات وما تصدقتن فغلبتهن والله ﴿حور﴾ أي بيض حسان البياض عن ابن عباس ومجاهد ومنه الدقيق الحواري لشدة بياضه والعين الحوراء إذا كانت شديدة بياض البياض شديدة سواد السواد وبذلك يتم حسن العين ﴿مقصورات في الخيام﴾ أي محبوسات في الحجال مستورات في القباب عن ابن عباس وأبي العالية والحسن والمعنى إنهن مصونات مخدرات لا يبتذلن وقيل مقصورات أي قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم عن مجاهد والربيع وقيل إن لكل زوجة خيمة طولها ستون ميلا عن ابن مسعود وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال الخيمة درة واحدة طولها في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها أهلا (؟) للمؤمن لا يراه الآخرون وعن ابن عباس قال الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ فيها أربعة آلاف مصراع عن وهب وعن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال مررت ليلة أسري بي بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت يا جبرائيل من هؤلاء قال هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن عز وجل أن يسلمن عليك فأذن لهن فقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نياس أزواج رجال كرام ثم قرأ (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿حور مقصورات في الخيام﴾ ﴿لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان﴾ مر معناه والوجه في التكرير الإبانة عن أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة القاصرات الطرف ﴿متكئين على رفرف خضر﴾ أي على فرش مرتفعة عن الجبائي وقيل الرفرف رياض الجنة والواحدة رفرفة عن سعيد بن جبير وقيل هي المجالس عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل هي المرافق يعني الوسائد عن الحسن ﴿وعبقري حسان﴾ أي وزرابي حسان عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وهي الطنافس وقيل العبقري الديباج عن مجاهد وقيل هي البسط عن الحسن قال القتيبي كل ثوب موشى فهو عبقري وهو جمع ولذلك قال حسان ثم ختم السورة بما ينبغي أن يبجل به ويعظم فقال ﴿تبارك اسم ربك﴾ أي تعاظم وتعالى اسم ربك لأنه استحق أن يوصف بما لا يوصف به غيره من كونه قديما وإلها وقادرا لنفسه وعالما لنفسه وحيا لنفسه وغير ذلك ﴿ذي الجلال﴾ أي ذي العظمة والكبرياء ﴿والإكرام﴾ يكرم أهل دينه وولايته عن الحسن وقيل معناه عظمة البركة في اسم ربك فاطلبوا البركة في كل شيء بذكر اسمه وقيل إن اسم صلة لمعنى تبارك ربك قال لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقيل إن المعنى أن اسمه منزه عن كل سوء له الأسماء الحسنى وقد صح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال انطقوا بيا ذا الجلال والإكرام أي داوموا عليه.