الآيات 46-61

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿46﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿47﴾ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ ﴿48﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿49﴾ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴿50﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿51﴾ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴿52﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿53﴾ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴿54﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿55﴾ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴿56﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿57﴾ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴿58﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿59﴾ هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴿60﴾ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿61﴾

القراءة:

قرأ الكسائي وحده لم يطمثهن بكسر الميم في إحداهما وضمها في الأخرى والباقون بكسر الميم في الحرفين معا.

الحجة:

قال أبو علي يطمث ويطمث لغتان وقال أبو عبيدة لم يطمثهن أي لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه قال رؤبة:

كالبيض لم يطمث بهن طامث.

اللغة:

الأفنان جمع فنن وهو الغصن الغض الورق ومنه قولهم هذا فن آخر أي نوع آخر ويجوز أن يكون جمع فن والاتكاء الاستناد للتكرمة والإمتاع والتكأة تطرح للإنسان في مجالس الملوك للإكرام والإجلال وهو من وكات السقاء إذا شددته ومنه قولهم العين وكا الستة والفرش جمع فراش وهو الموطإ الممهد للنوم عليه والبطائن جمع بطانة وهو باطن الظهارة والجنى الثمرة التي قد أدركت على الشجرة وهو صلح أن يجني ومنه قول عمرو بن عدي:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

وتمثل به علي (عليه السلام) وأصل الطمث الدم يقال طمثت المرأة إذا حاضت وطمثت إذا دميت بالاقتضاض وبعير لم يطمث إذا لم يمسه حبل ولا رحل قال الفرزدق:

دفعن إلي لم يطمثن قبلي

وهن أصح من بيض النعام

الإعراب:

متكئين حال من المجرورة باللام أي لهم جنتان في هذه الحالة وما بين قوله ﴿جنتان﴾ إلى قوله ﴿متكئين﴾ صفات لجنتين ﴿بطائنها من استبرق﴾ ابتداء وخبر في موضع الجر وصف لفرش وقوله ﴿وجنى الجنتين دان﴾ اعتراض وقوله ﴿فيهن قاصرات الطرف﴾ صفة أخرى لفرش وقوله ﴿كأنهن الياقوت والمرجان﴾ حال لقاصرات الطرف أي مشابهات للياقوت والمرجان وقوله ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه والتقدير ولهم من دونهما جنتان.

المعنى:

ثم عقب سبحانه الوعيد بالوعد فقال ﴿ولمن خاف مقام ربه﴾ أي مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة قال مجاهد وهو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها وقيل هذا لمن راقب الله تعالى في السر والعلانية جملة فما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عرض له من خير عمله وأفضى به إلى الله تعالى لا يطلع عليه أحد وقال الصادق (عليه السلام) من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول من خير وشر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فله ﴿جنتان﴾ أي جنة عدن وجنة النعيم عن مقاتل وقيل بستانان من بساتين الجنة إحداهما داخل القصر والأخرى خارج القصر كما يشتهي الإنسان في الدنيا وقيل إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه عن الجبائي وقيل جنة من ذهب وجنة من فضة ثم وصف الجنتين فقال ﴿ذواتا أفنان﴾ أي ذواتا ألوان من النعيم عن ابن عباس وقيل ذواتا ألوان من الفواكه عن الضحاك وقيل ذواتا أغصان عن الأخفش والجبائي ومجاهد أي ذواتا أشجار لأن الأغصان لا تكون إلا من الشجر فدل بكثرة أغصانها على كثرة أشجارها وبكثرة أشجارها على تمام حالها وكثرة ثمارها لأن البستان إنما يكمل بكثرة الأشجار والأشجار لا تحسن إلا بكثرة الأغصان ﴿فيهما عينان تجريان﴾ أي في الجنتين عينان من الماء تجريان بين أشجارهما وقيل عينان إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم عن الحسن وقيل إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين عن عطية العوفي ﴿فيهما من كل فاكهة زوجان﴾ أي في كلتا الجنتين من كل ثمرة نوعان وضربان متشاكلان كتشاكل الذكر والأنثى فلذلك سماهما زوجين وذلك كالرطب واليابس من العنب والزبيب والرطب واليابس من التين وكذلك سائر الأنواع لا يقصر يابسة عن رطبة في الفضل والطيب وقيل معناه فيهما من كل نوع من الفاكهة ضربان ضرب معروف وضرب من شكله غريب لم يعرفوه في الدنيا ﴿متكئين﴾ حال ممن ذكروا في قوله ﴿ولمن خاف مقام ربه﴾ أي قاعدين كالملوك ﴿على فرش بطائنها من استبرق﴾ أي من ديباج غليظ ذكر البطانة ولم يذكر الظهارة لأن البطانة تدل على أن لها ظهارة والبطانة دون الظهارة فدل على أن الظهارة فوق الإستبرق وقيل إن الظهائر من سندس وهو الديباج الرقيق والبطانة من استبرق وقيل الإستبرق الحرير الصيني وهو بين الغليظ والدقيق وروي عن ابن مسعود أنه قال هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر وقيل لسعيد بن جبير البطائن من استبرق فما الظهائر قال هذا مما قال الله تعالى ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين﴾ ﴿وجنى الجنتين دان﴾ الجنى الثمر المجتنى أي تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله إن شاء قائما وإن شاء قاعدا عن ابن عباس وقيل ثمار الجنتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك عن مجاهد ﴿فيهن﴾ أي في الفرش التي ذكرها ويجوز أن يريد في الجنان لأنها معلومة وإن لم تذكر ﴿قاصرات الطرف﴾ قصرن طرفهن على أزواجهن لم يردن غيرهم عن قتادة وقال أبو ذر أنها تقول لزوجها وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجتك وجعلك زوجي والطرف جفن العين لأنه طرف لها ينطبق عليها تارة وينفتح تارة ﴿لم يطمثهن﴾ أي لم يفتضهن والافتضاض النكاح بالتدمية والمعنى لم يطأهن ولم يغشهن ﴿إنس قبلهم ولا جان﴾ فهن أبكار لأنهن خلقن في الجنة فعلى هذا القول هؤلاء من حور الجنة وقيل هن من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن خلق عن الشعبي والكلبي أي لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان قال الزجاج وفي هذه الآية دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي وقال ضمرة بن حبيب وفيها دليل على أن للجن ثوابا وأزواجا من الحور فالإنسيات للإنس والجنيات للجن قال البلخي المعنى إن ما يهب الله لمؤمني الإنس من الحور لم يطمثهن إنس وما يهب الله لمؤمني الجن من الحور لم يطمثهن جان ﴿كأنهن الياقوت والمرجان﴾ أي هن على صفاء الياقوت في بياض المرجان عن الحسن وقتادة وقال الحسن المرجان أشد اللؤلؤ بياضا وهو صغاره وفي الحديث أن المرأة من أهل الجنة يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة من حرير عن ابن مسعود كما يرى السلك من وراء الياقوت ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ أي ليس جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة وقيل هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الجنة عن ابن عباس وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية فقال هل تدرون ما يقول ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن ربكم يقول هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة وقيل معناه هل جزاء من أحسن إليكم بهذه النعم إلا أن تحسنوا في شكره وعبادته وروى العياشي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول آية في كتاب الله مسجلة قلت ما هي قال قول الله تعالى ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ جرت في الكافر والمؤمن والبر والفاجر ومن صنع إليه معروف فعليه أن يكافىء به وليس المكافاة أن تصنع كما صنع حتى يربي فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء.