الآيات 36-40

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴿36﴾ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴿37﴾ حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴿38﴾ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿39﴾ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿40﴾

القراءة:

قرأ عاصم في رواية حماد ويعقوب يقيض بالياء والباقون ﴿نقيض﴾ بالنون وقرأ أهل العراق غير أبي بكر ﴿حتى إذا جاءنا﴾ على الواحد والباقون جاءانا على الاثنين.

الحجة:

من قرأ يقيض بالياء فالضمير يعود إلى الرحمن ومن قرأ بالنون فالمعنى على ذلك لكنه سبحانه أخبر عن نفسه بنون العظمة ومن قرأ جاءانا على التثنية فهو الكافر وقرينة ومن قرأ جاءنا فهو الكافر لأنه أفرد بالخطاب في الدنيا وأقيمت عليه الحجة بإنفاذ الرسول إليه فاجتزىء بالواحد عن الاثنين كما قال لينبذن في الحطمة والمراد لينبذن هو وماله.

اللغة:

العشو أصله النظر ببصر ضعيف يقال عشا يعشو عشوا وعشوا إذا ضعف بصره وأظلمت عينه كان عليها غشاوة وقال الأعشى:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

وإذا ذهب البصر قيل عشي يعشى عشا والرجل أعشى وقرأ في الشواذ ومن يعش بفتح الشين ومعناه يعم ويقال عشا إلى النار إذا أتاها وقصد لها وعشا عنها إذا أعرض عنها قاصدا لغيرها كقولهم مال إليه ومال عنه والتقييض الإتاحة.

الأزهري قيض الله فلانا لفلان جاء به.

المعنى:

لما تقدم ذكر الوعد للمتقين عقبه بذكر الوعيد لمن هو على ضد صفتهم فقال ﴿ومن يعش عن ذكر الرحمن﴾ أي يعرض عنه عن قتادة والسدي وقيل معناه ومن يعم عنه عن ابن عباس وابن زيد قال الجبائي شبههم بالأعمى لما لم يبصروا الحق والذكر هو القرآن وقيل هو الآيات والأدلة ﴿نقيض له شيطانا فهو له قرين﴾ أي نخل بينه وبين الشيطان الذي يغويه ويدعوه إلى الضلالة فيصير قرينة عوضا عن ذكر الله عن الحسن وأبي مسلم قال الحسن وهو الخذلان عقوبة له عن الإعراض حين علم أنه لا يفلح وقيل معناه نقرن به شيطانا في الآخرة يلزمه فيذهب به إلى النار كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير به إلى الجنة عن قتادة وقيل أراد به شياطين الإنس نحو علماء السوء ورؤساء الضلالة يصدونهم عن سبيل الله فيتبعونهم ﴿وإنهم﴾ يعني وإن الشياطين وإنما جمع لأن قوله ﴿ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا﴾ في مذهب جمع وإن كان اللفظ على الواحد ﴿ليصدونهم﴾ أي يصرفون هؤلاء الكفار ﴿عن السبيل﴾ أي عن طريق الجنة ﴿ويحسبون أنهم مهتدون﴾ أي ويحسب الكفار أنهم على الهدى فيتبعونهم ﴿حتى إذا جاءنا﴾ من قرأ على التثنية فالمعنى جاءنا الشيطان ومن أغواه يوم القيامة الذي يتولى سبحانه حساب الخلق فيه ومن قرأ على التوحيد فالمعنى حتى إذا جاءنا الكافر وعلم ما يستحقه من العقاب ﴿قال﴾ في ذلك الوقت لقرينة الذي أغواه ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾ يعني المشرق والمغرب فغلب أحدهما كما قال الشاعر:

أخذنا بآفاق السماء عليكم

لنا قمراها والنجوم الطوالع

يعني الشمس والقمر وقيل يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبراهيم (عليه السلام) وقيل أراد بالمشرقين مشرق الشتاء ومشرق الصيف كما في قوله ﴿رب المشرقين﴾ والمراد يا ليت بيني وبينك هذا البعد مسافة فلم أرك ولا اغتررت بك ﴿فبئس القرين﴾ كنت لي في الدنيا حيث أضللتني وأوردتني النار وبئس القرين أنت لي اليوم فإنهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة زيادة عقوبة وغم عن ابن عباس ويقول الله سبحانه في ذلك اليوم للكفار ﴿ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون﴾ أي لا يخفف الاشتراك عنكم شيئا من العذاب لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب وقيل معناه أنه لا تسلي لهم عما هم فيه بما يرونه بغيرهم من العذاب لأنه قد يتسلى الإنسان عن المحنة إذا رأى إن عدوه في مثلها ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي﴾ شبه الكفار في عدم انتفاعهم بما يسمعونه ويرونه بالصم والعمي ﴿ومن كان في ضلال مبين﴾ أي بين ظاهر مضاف معناه لا يضيقن صدرك فإنك لا تقدر على إكراههم على الإيمان.