الآيات 31-35

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿31﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33﴾ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿34﴾ أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴿35﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي فارقوا بالألف والباقون ﴿فرقوا﴾ وقد مضى بيانه في سورة الأنعام وفي الشواذ قراءة أبي العالية فيمتعوا فسوف يعلمون ومعناه تطول أعمارهم على كفرهم فسوف يعلمون تهديدا على ذلك.

اللغة:

الإنابة الانقطاع إلى الله بالطاعة فأصله على هذا القطع ومنه الناب لأنه قاطع وينيب في الأمر إذا نشب فيه كما ينشب الناب القاطع ويجوز أن يكون من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة فتكون الإنابة التوبة التي يجددها مرة بعد مرة والشيع الفرق وكل فرقة شيعة على حدة سموا بذلك لأن بعضهم يشيع بعضا على مذهبه فشيعة الحق هم الذين اجتمعوا على الحق وكذلك شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) هم الذين اجتمعوا معه على الحق.

المعنى:

ثم قال سبحانه ﴿منيبين إليه﴾ قال الزجاج زعم جميع النحويين أن معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه لأن مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدخل معه فيها الأمة والدليل على ذلك قوله ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء﴾ فقوله ﴿فأقم وجهك﴾ معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه أي راجعين إلى كل ما أمر به مع التقوى وأداء الفرض وهو قوله ﴿واتقوه وأقيموا الصلوة﴾ ثم أخبر سبحانه أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد فقال ﴿ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم﴾ أي لا تكونوا من أهل الشرك من جملة الذين فرقوا دينهم عن الفراء ويجوز أن يكون قوله ﴿من الذين فرقوا دينهم﴾ ﴿وكانوا شيعا﴾ ابتداء كلام ومعناه الذين أوقعوا في دينهم الاختلاف وصاروا ذوي أديان مختلفة فصار بعضهم يعبدوننا وبعضهم يعبد نارا وبعضهم شمسا إلى غير ذلك وقد تقدم تفسيره في سورة الأنعام ﴿كل حزب بما لديهم فرحون﴾ أي كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون عن مقاتل وقيل كل فريق بدينهم معجبون مسرورون يظنون أنهم على حق ﴿وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم﴾ أي إذا أصابهم مرض أو فقر أو شدة دعوا الله تعالى ﴿منيبين إليه﴾ أي منقطعين إليه مخلصين في الدعاء له ﴿ثم إذا أذاقهم منه رحمة﴾ بأن يعافيهم من المرض أو يغنيهم من الفقر أو ينجيهم من الشدة ﴿إذا فريق منهم بربهم يشركون﴾ أي يعودون إلى عبادة غير الله على خلاف ما يقتضيه العقل من مقابلة النعم بالشكر ثم بين سبحانه أنهم يفعلون ذلك ﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ من النعم إذ لا غرض في الشرك إلا كفران نعم الله سبحانه وقيل إن هذه اللام للأمر على معنى التهديد مثل قوله ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ ثم قال سبحانه يخاطبهم مهددا لهم ﴿فتمتعوا﴾ بهذه الدنيا وانتفعوا بنعيمها الفاني كيف شئتم ﴿فسوف تعلمون﴾ عاقبة كفركم ﴿أم أنزلنا عليهم سلطانا﴾ هذا استفهام مستأنف معناه بل أنزلنا عليهم برهانا وحجة يتسلطون بذلك على ما ذهبوا إليه ﴿فهو يتكلم بما كانوا به يشركون﴾ أي فذلك البرهان كأنه يتكلم بصحة شركهم ويحتج لهم به والمعنى أنهم لا يقدرون على تصحيح ذلك ولا يمكنهم ادعاء برهان وحجة عليه.