الآيات 11-20

اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴿12﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴿13﴾ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴿14﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴿15﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿16﴾ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴿20﴾

القراءة:

قرأ يرجعون بالياء أبو عمرو غير عباس وأوقية وسهل وحماد ويحيي مختلف عنهما والباقون بالتاء وقرأ حمزة والكسائي وكذلك تخرجون بفتح التاء والباقون بضمها وفتح الراء وفي الشواذ قراءة عكرمة حينا تمسون وما بعده.

الحجة:

قال أبو علي حجة الياء إن المتقدم ذكره غيبة ﴿يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾ والخلق هم المخلوقون في المعنى وجاء قوله ﴿ثم يعيده﴾ على لفظ الخلق وقوله ﴿ثم إليه ترجعون﴾ على المعنى ولم يرجع على لفظ الواحد ووجه التاء أنه صار الكلام من الغيبة إلى الخطاب وحجة من قرأ يخرجون قوله ﴿من الأجداث إلى ربهم ينسلون﴾ وحجة ﴿تخرجون﴾ من بعثنا من مرقدنا وقوله ﴿كذلك نخرج الموتى﴾ وإليه تقلبون وأما قوله ﴿حين تمسون﴾ فالمراد تمسون فيه فحذف فيه تخفيفا على مذهب صاحب الكتاب في نحوه ومثله قوله تعالى ﴿واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا﴾ أي لا تجزي فيه قال ابن جني قال سيبويه حذف فيه معتبطا لحرف الجر والضمير لدلالة الفعل عليهما وقال أبو الحسن حذف في فبقي تجزيه لأنه أوصل الفعل إليه ثم حذف الضمير من بعد فهما حذفان متتاليان شيئا على شيء.

اللغة:

الإبلاس اليأس من الخير وقيل هو التحير عند لزوم الحجة قال العجاج:

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال نعم أعرفه وأبلسا

والحبرة المسرة ومنه الحبر العالم والحبر الجمال وفي الحديث يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره أي جماله وسحناؤه والتحبير التحسين الذي يسر به وخص ذكر الروضة هاهنا لأنه ليس عند العرب شيء أحسن منها قال الأعشى:

ما روضة من رياض الحزن معشبة

خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس منها كوكب شرق

موزر بعميم النبت مكتهل

يوما بأطيب منها نشر رائحة

ولا بأحسنت منها إذ دنا الأصل

الإعراب:

﴿ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون﴾ يوم ظرف ليتفرقون ويومئذ بدل عنه وموضع الكاف من كذلك نصب بقوله ﴿تخرجون﴾.

المعنى:

ثم ذكر سبحانه قدرته على الإعادة فقال ﴿الله يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾ أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا ﴿ثم إليه ترجعون﴾ فيجازيهم بأعمالهم ﴿ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون﴾ أي يوم تقوم القيامة ييأس الكافرون من رحمة الله تعالى ونعمة التي يفيضها على المؤمنين وقيل يتحيرون وتنقطع حججهم بظهور جلائل آيات الآخرة التي يقع عندها علم الضرورة ﴿ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء﴾ أي لم يكن لهم من أوثانهم التي عبدوها ليشفعوا لهم شفعاء تشفع لهم أو تدفع عنهم كما زعموا أنا نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ﴿وكانوا بشركائهم كافرين﴾ يعني أن المشركين يتبرءون من الأوثان وينكرون كونها آلهة ويقرون بأن الله لا شريك له عن الجبائي وأبي مسلم ﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي تظهر القيامة ﴿يومئذ يتفرقون﴾ فيصير المؤمنون أصحاب اليمين والمشركون أصحاب الشمال فيتفرقون تفرقا لا يجتمعون بعده وقال الحسن لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا ليتفرقن يوم القيامة هؤلاء في أعلى عليين وهؤلاء في أسفل السافلين وهو قوله ﴿فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون﴾ أي في الجنة ينعمون ويسرون سرورا يبين لهم عليهم عن قتادة ومجاهد ومنه قيل كل حبرة تتبعها عبرة والروضة البستان المتناهي منظرا وطيبا وقال ابن عباس يحبرون أي يكرمون وقيل يلذذون بالسماع عن يحيي بن أبي كثير والأوزاعي أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد البيهقي قال أخبرنا جدي الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي قال حدثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد قال أخبرنا أبو الحسن علي بن بندار قال حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن القرباني قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما من عبد يدخل الجنة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجن وليس بمزمار الشيطان ولكن بتمجيد الله وتقديسه وعن أبي الدرداء قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر الناس فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم وفي القوم أعرابي فجثا لركبتيه وقال يا رسول الله هل في الجنة من سماع قال نعم يا أعرابي إن في الجنة نهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء يتغنين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة قال الراوي سألت أبا الدرداء بم يتغنين قال بالتسبيح وعن إبراهيم إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا "هذا الحديث ليس في بعض النسخ وفي أكثرها موجود" وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها سموا وأوسطها محلة ومنها تنفجر أنهار الجنة فقام إليه رجل وقال يا رسول الله إني رجل حبب إلي الصوت فهل لي في الجنة صوت حسن فقال أي والذي نفسي بيده إن الله تعالى يوحي إلى شجرة في الجنة أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير فترفع صوتا لم يسمع الخلائق بمثله قط من تسبيح الرب ثم أخبر عن حال الكافرين فقال ﴿وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة﴾ أي بدلائلنا وبالبعث يوم القيامة ﴿فأولئك في العذاب محضرون﴾ أي فيه محصلون ولفظة الإحضار لا تستعمل إلا فيما يكرهه الإنسان يقال أحضر فلان مجلس القضاء إذا جيء به لما لا يؤثره ومنه حضور الوفاة ثم ذكر سبحانه ما تدرك به الجنة فقال ﴿فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون﴾ وهذا خبر والمراد به الأمر أي فسبحوه ونزهوه عما لا يليق به أو ينافي تعظيمه من صفات النقص بأن تصفوه بما يليق به من الصفات والأسماء.

والإمساء الدخول في المساء وهو مجيء الليل والإصباح نقيضه وهو الدخول في الصباح وهو مجيء ضياء النهار وله الثناء والمدح في السماوات والأرض أي هو المستحق لمدح أهلها لإنعامه عليهم وعشيا أي وفي العشي وحين تدخلون في الظهيرة وهي نصف النهار وإنما خص تعالى هذه الأوقات بالذكر بالحمد وإن كان حمده واجبا في جميع الأوقات لأنها أوقات تذكر بإحسان الله وذلك إن انقضاء إحسان أول إلى إحسان ثان يقتضي الحمد عند تمام الإحسان الأول والأخذ في الآخر كما أخبر سبحانه عن حمد أهل الجنة بقوله ﴿وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين﴾ لأن ذلك حال الانتقال من نعيم الدنيا إلى الجنة وقيل إن الآية تدل على الصلوات الخمس في اليوم والليلة لأن قوله ﴿حين تمسون﴾ يقتضي المغرب والعشاء الآخرة ﴿وحين تصبحون﴾ يقتضي صلاة الصبح ﴿وعشيا﴾ يقتضي صلاة العصر ﴿وحين تظهرون﴾ يقتضي صلاة الظهر عن ابن عباس ومجاهد وهو الأحسن لأنه خص هذه الأوقات بالذكر وقيل إنما خص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن الإنسان في النهار متقلب في أحوال توجب الحمد لله عليها وفي الليل على أحوال توجب تنزيه الله تعالى من الأسواء فيها فلذلك صار الحمد في النهار أخص فسميت به صلاة النهار والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل ﴿يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي﴾ أي يخرج الإنسان من النطفة ويخرج النطفة من الإنسان عن ابن عباس وابن مسعود وقيل يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن عن مجاهد وقد ذكرنا فيما تقدم ﴿ويحيي الأرض بعد موتها﴾ بالنبات بعد جدوبها ﴿و كذلك تخرجون﴾ أي كما أحيا الأرض بالنبات كذلك يحييكم بالبعث وتخرجون من قبوركم أحياء ﴿ومن آياته﴾ أي ومن دلالاته على وحدانيته وكمال قدرته ﴿أن خلقكم﴾ أي خلق آدم الذي هو أبوكم وأصلكم ﴿من تراب﴾ ثم خلقكم منه وذلك قوله ﴿ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ أي ثم إذا أنتم ذرية بشر من لحم ودم تنبسطون في الأرض وتنصرفون على ظهرها وتتفرقون في أطرافها فهلا دلكم ذلك على أنه لا يقدر على ذلك غيره تعالى وأنه لا يستحق العبادة سواه.