الآيات 24-37

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ﴿24﴾ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴿25﴾ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴿26﴾ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿27﴾ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴿28﴾ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴿29﴾ قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ يمُ ﴿30﴾ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿31﴾ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴿32﴾ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ ﴿33﴾ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴿34﴾ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿35﴾ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿36﴾ وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿37﴾

اللغة:

الروغ الذهاب إلى الشيء في خفية يقال راغ يروغ روغا وروغانا وهو أروغ من ثعلب والصرة شدة الصياح وهو من صرير الباب ويقال للجماعة صرة أيضا قال امرؤ القيس:

فألحقنا بالهاديات ودونه

جواحرها في صرة لم تزيل

والصك الضرب باعتماد شديد وهو أن تصتك ركبتا الرجل والعقيم العاقر وأصل العقم الشد وجاء في الحديث تعقم أصلاب المشركين فلا يستطيعون السجود أي تشد وداء عقام إذا اشتد حتى إذا يأس منه أن يبرأ ومعاقم الفرس مفاصله يشد بعضها ببعض والعقيم والعقمة ثياب معلمة أي شدت بها الأعلام وعقمت المرأة فهي معقومة وعقيم من نساء عقم وعقمت أيضا ورجل عقيم من قوم عقمى قال الشاعر:

عقم النساء فما يلدن شبيهه

إن النساء بمثله عقم

والريح العقيم التي لا تنشىء السحاب للمطر والملك عقيم يقطع الولادة لأن الأب يقتل الابن على الملك والخطب الأمر الجليل ومنه الخطبة لأنها كلام بليغ لعقد أمر جليل يستفتح بالتحميد والتمجيد

والخطاب أجل من الإبلاغ.

المعنى:

لما قدم سبحانه الوعد والوعيد عقب ذلك بذكر بشارة إبراهيم ومهلك قوم لوط تخويفا للكفار أن ينزل بهم مثل ما أنزل بأولئك فقال ﴿هل أتيك﴾ يا محمد وهذا اللفظ يستعمل إذا أخبر الإنسان بخبر ماض فيقال هل أتاك خبر كذا وإن علم أنه لم يأته ﴿حديث ضيف إبراهيم المكرمين﴾ عند الله وذلك أنهم كانوا ملائكة كراما ونظيره قوله بل عباد مكرمون وقيل أكرمهم إبراهيم فرفع مجالسهم وخدمهم بنفسه عن مجاهد لأن أضياف الكرام مكرمون وكان إبراهيم أكرم الناس وأظهرهم فتوة وسماهم ضيفا من غير أن أكلوا من طعامه لأنهم دخلوا مدخل الأضياف واختلف في عددهم فقيل كانوا اثني عشر ملكا عن ابن عباس ومقاتل وقيل كان جبرائيل ومعه سبعة أملاك عن محمد بن كعب وقيل كانوا ثلاثة جبرائيل وميكائيل وملك آخر ﴿إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما﴾ أي حين دخلوا على إبراهيم فقالوا له على وجه التحية سلاما أي أسلم سلاما ف ﴿قال﴾ لهم جوابا عن ذلك ﴿سلام﴾ وقرىء سلم وهذا مفسر في سورة هود ﴿قوم منكرون﴾ أي قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم وذلك أنه ظنهم من الإنس ولم يعرفهم عن ابن عباس والإنكار نفي صحة الأمر ونقيضه الإقرار والاعتراف ﴿فراغ إلى أهله﴾ أي ذهب إليهم خفيا وإنما راغ مخافة أن يمنعوه من تكلف مأكول كعادة الظرفاء ﴿فجاء بعجل سمين﴾ وكان مشويا لقوله في آية أخرى حينئذ قال قتادة وكان عامة مال إبراهيم (عليه السلام) البقر ﴿فقربه إليهم﴾ ليأكلوا فلم يأكلوا فلما رآهم لا يأكلون عرض عليهم ف ﴿قال ألا تأكلون﴾ وفي الكلام حذف كما ترى ﴿فأوجس منهم خفية﴾ أي فلما امتنعوا من الأكل أوجس منهم خيفة والمعنى خاف منهم وظن أنهم يريدون به سوءا ﴿قالوا﴾ أي قالت الملائكة ﴿لا تخف﴾ يا إبراهيم ﴿وبشروه بغلام عليم﴾ أي يكون عالما إذا كبر وبلغ والغلام المبشر به هو إسماعيل عن مجاهد وقيل هو إسحاق لأنه من سارة وهذه القصة لها عن أكثر المفسرين وهذا كله مفسر فيما مضى ﴿فأقبلت امرأته في صرة﴾ أي فلما سمعت البشارة امرأته سارة أقبلت في ضجة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل في جماعة عن الصادق (عليه السلام) وقيل في رفقة عن سفيان والمعنى أخذت تصيح وتولول كما قالت يا ويلتي ﴿فصكت وجهها﴾ أي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا عن مقاتل والكلبي وقيل لطمت وجهها عن ابن عباس والصك ضرب الشيء بالشيء العريض ﴿وقالت عجوز عقيم﴾ أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد ﴿قالوا كذلك قال ربك﴾ أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاما فلا تشكي فيه ﴿إنه هو الحكيم العليم﴾ بخفايا الأمور ﴿قال﴾ إبراهيم (عليه السلام) لهم ﴿فما خطبكم﴾ أي فما شأنكم ولأي أمر جئتم ﴿أيها المرسلون﴾ وكأنه قال قد جئتم لأمر عظيم فما هو ﴿قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين﴾ أي عاصين لله كافرين لنعمه استحقوا العذاب والهلاك وأصل الجرم القطع فالمجرم القاطع للواجب بالباطل فهؤلاء أجرموا بأن قطعوا الإيمان بالكفر ﴿لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك﴾ هذا مفسر في سورة هود ﴿للمسرفين﴾ أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها وقيل أرسلت الحجارة على الغائبين وقلبت القرية بالحاضرين ﴿فأخرجنا من كان فيها﴾ أي في قرى قوم لوط ﴿من المؤمنين﴾ وذلك قوله فأسر بأهلك الآية وذلك أن الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين لئلا يصيبهم العذاب ﴿فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين﴾ أي غير أهل بيت من المسلمين يعني لوطا وبنتيه وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم والإيمان هو التصديق بجميع ما أوجب الله التصديق به والإسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه الله وألزمه ووجدان الضالة هو إدراكها بعد طلبها ﴿وتركنا فيها﴾ أي وأبقينا في مدينة قوم لوط ﴿آية﴾ أي علامة ﴿للذين يخافون العذاب الأليم﴾ أي تدلهم على أن الله أهلكهم فيخافون مثل عذابهم والترك في الأصل ضد الفعل ينافي الأخذ في محل القدرة عليه والقدرة عليه قدرة على الأخذ وعلى هذا فالترك غير داخل في أفعال الله تعالى فالمعنى هنا أنا أبقينا فيها عبرة ومثله قوله وتركهم في ظلمات وقيل إنه الانقلاب لأن اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلا الله تعالى.