الآيات 1-14

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿1﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿2﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿3﴾ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴿4﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿5﴾ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴿6﴾ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ ﴿7﴾ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴿8﴾ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴿9﴾ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴿10﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ﴿11﴾ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴿12﴾ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴿13﴾ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴿14﴾

اللغة:

ذرت الريح التراب تذروه ذروا إذا طيرته وأذرته تذرية بمعناه والحبك الطرايق التي تجري على الشيء كالطرائق التي ترى في السماء وفي الصافي من الماء إذا مرت عليه الريح وهو تكسر جار فيه ويقال للشعر الجعد حبك والواحد حباك وحبيكة والحبك حسن أثر الصنعة في الشيء واستواؤه يقال حبكه يحبكه ويحبكه قال زهير في الحبك:

مكلل بأصول النجم تنسجه

ريح خريق لضاحي مائه حبك

والخراص الكذاب والخرص الظن والحدس وسمي الخزر خرصا منه ويقال كم خرص أرضك بكسر الخاء وأصل الخرص القطع من قولهم خرص فلان كلاما واخترصه إذا اقتطعه من غير أصل والغمرة من غمرة الماء يغمره وغمره الدين إذا غطاه بكثرته والغمر السيد الكثير العطاء لأنه يغمر بعطائه.

الإعراب:

قال الزجاج يوم نصب على وجهين (أحدهما) أن يكون على معنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون (والآخر) أن يكون لفظه لفظ نصب ومعناه معنى رفع لأنه مضاف إلى جملة كلام تقول يعجبني يوم أنت قائم ويوم أنت تقوم إن شئت فتحته وإن شئت رفعته كما قال الشاعر:

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات

أو قال وروي غير أن نطقت بالرفع لما أضاف غير إلى أن وليست بمتمكنة فتح وكذلك لما أضاف يوم إلى الجملة فتح وكما قرىء من خزي يومئذ ففتح يوم وهو في موضع خفض لأنك أضفته إلى غير متمكن وقيل أنه لما جرى في كلامهم ظرفا بقي في موضع الرفع على ذلك الاستعمال وجاء مفتوحا كما جاء في قوله ومنا دون ذلك وقوله لقد تقطع بينكم.

المعنى:

﴿والذاريات ذروا﴾ روي أن ابن الكوا سأل أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) وهو يخطب على المنبر فقال ما ﴿الذاريات ذروا﴾ قال الرياح قال ﴿فالحاملات وقرا﴾ قال السحاب قال ﴿فالجاريات يسرا﴾ قال السفن قال ﴿فالمقسمات أمرا﴾ قال الملائكة وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد فالذاريات الرياح تذرو التراب وهشيم النبت أي تفرقة ﴿فالحاملات وقرا﴾ السحاب تحمل ثقلا من الماء من بلد إلى بلد فتصير موقرة به والوقر بالكسر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن والوقر ثقل الأذن ﴿فالجاريات يسرا﴾ السفن تجري ميسرة على الماء جريا سهلا إلى حيث سيرت وقيل هي السحاب تجري يسرا إلى حيث سيرها الله من البقاع وقيل هي النجوم السبعة السيارة الشمس والقمر وزحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ﴿فالمقسمات أمرا﴾ الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لكثرة ما فيها من المنافع للعباد ولم تضمنه من الدلالة على وحدانية الله تعالى وبدائع صنعه وقيل أن التقدير فيها القسم برب هذه الأشياء لأنه لا يجوز القسم إلا بالله عز اسمه وقال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليه السلام) أنه لا يجوز لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى والله سبحانه يقسم بما يشاء من خلقه ثم ذكر المقسم عليه فقال ﴿إنما توعدون﴾ أي من الثواب والعقاب والجنة والنار ﴿لصادق﴾ أي صدق لا بد من كونه فهو اسم وضع موضع المصدر وقيل معناه ذو صدق كقوله عيشة راضية ﴿وإن الدين لواقع﴾ أي إن الجزاء وقيل أن الحساب لكائن يوم القيامة ثم أنشأ قسما آخر فقال ﴿والسماء ذات الحبك﴾ أي ذات الطرائق الحسنة لكنا لا نرى تلك الحبك لبعدها عنا عن الحسن والضحاك وقيل ذات الخلق الحسن المستوي عن ابن عباس وقتادة وعكرمة والربيع وقيل ذات الحسن والزينة عن علي (عليه السلام) وروى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال قلت له أخبرني عن قول الله تعالى ﴿والسماء ذات الحبك﴾ فقال محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض والله تعالى يقول رفع السماوات بغير عمد فقال سبحان الله أ ليس يقول بغير عمد ترونها قلت بلى قال فثم عمد ولكن لا ترى فقلت فكيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمني عليها فقال هذه أرض الدنيا والسماء الدنيا فوقها قبة والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والسماء الثانية فوقها قبة والأرض الثالثة فوق السماء الثانية والسماء الثالثة فوقها قبة ثم هكذا إلى الأرض السابعة فوق السماء السادسة والسماء السابعة فوقها قبة وعرش الرحمن فوق السماء السابعة وهو قوله ﴿خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن﴾ وصاحب الأمر وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي علي بعده وهو على وجه الأرض وإنما يتنزل الأمر إليه من فوق من بين السماوات والأرضين قلت فما تحتنا إلا أرض واحدة قال وما تحتنا إلا أرض واحدة وإن الست لفوقنا ﴿إنكم لفي قول مختلف﴾ هذا جواب القسم أي إنكم يا أهل مكة في قول مختلف في قول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فبعضكم يقول شاعر وبعضكم يقول مجنون وفي القرآن يقولون أنه سحر وكهانة ورجز وما سطره الأولون وقيل معناه منكم مكذب بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنكم مصدق به ومنكم شاك فيه وفائدته أن دليل الحق ظاهر فاطلبوا الحق بدليله وإلا هلكتم ﴿يؤفك عنه من أفك﴾ أي يصرف عن الإيمان به من صرف عن الخير أي المصروف عن الخيرات كلها من صرف عن هذا الدين وقيل معناه يؤفك عن الحق والصواب من أفك فدل ذكر القول المختلف على ذكر الحق فجازت الكناية عنه وقيل معناه يصرف عن هذا القول أي بسببه ومن أجله عن الإيمان من صرف فالهاء في عنه تعود إلى القول المختلف عن مجاهد فيكون الصارف لهم أنفسهم كما يقال فلان معجب بنفسه وأعجب بنفسه وكما يقال أين يذهب بك لمن يذهب في شغله وقيل أن الصارف لهم رؤساء البدع وأئمة الضلال لأن العامة تبع لهم ﴿قتل الخراصون﴾ أي لعن الكذابون يعني الذين يكذبون على الله وعلى رسوله وقيل معناه لعن المرتابون عن ابن عباس قال ابن الأنباري وإنما كان القتل بمعنى اللعنة هنا لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك ثم وصف سبحانه هؤلاء الكفار فقال ﴿الذين هم في غمرة﴾ أي في شبهة وغفلة غمرهم الجهل ﴿ساهون﴾ أي لاهون عما يجب عليهم وقيل هم في ضلالتهم متمادون عن ابن عباس وقيل في عمى مترددون عن قتادة وقيل أن أول مراتب الجهل السهو ثم الغفلة ثم الغمرة فتكون الغمرة عبارة عن المبالغة في الجهل أي هم في غاية الجهل ساهون عن الحق وعما يراد بهم ﴿يسئلون أيان يوم الدين﴾ أي متى وقت الجزاء إنكارا واستهزاء لا على وجه الاستفادة لمعرفته فأجيبوا بما يسوؤهم من الحق الذي لا محالة أنه نازل بهم فقيل ﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ أي يكون هذا الجزاء في يوم يعذبون فيها ويحرقون بالنار وقال عكرمة أ لم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل فتن أي فهؤلاء يفتنون بالإحراق كما يفتن الذهب بإحراق الغش الذي فيه ويقول لهم خزنة النار ﴿ذوقوا فتنتكم﴾ أي عذابكم وحريقكم ﴿هذا الذي كنتم به تستعجلون﴾ في الدنيا تكذيبا به واستبعادا له فقد حصلتم الآن فيه وعرفتم صحته.