الآيات 50-60

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ﴿50﴾ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴿51﴾ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴿52﴾ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿53﴾ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿54﴾ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ ﴿55﴾ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿56﴾ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴿57﴾ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿58﴾ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴿59﴾ وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴿60﴾

اللغة:

الفطر الشق عن أمر الله كما ينفطر الورق عن الشجر ومنه فطر الله الخلق لأنه بمنزلة ما شق عنه فظهر.

المدرار الدار الكثير المتتابع على قدر الحاجة إليه دون الزائد

المفسد المضر ومفعال للمبالغة كقولهم معطار ومقدام واعتراك من قولهم عراه يعروه إذا أصابه قال الشاعر:

من القوم يعروه اجتراء ومأثم

والفرق بين الإنظار والتأخير إن الإنظار إمهال لينظر صاحبه في أمره والتأخير خلاف التقديم والناصية قصاص الشعر وأصله الاتصال من قولهم مفازة تناصي مفازة إذا كانت الأخيرة متصلة بالأولى قال فيء تناصيها بلا دفيء وقال أبو النجم:

إن يمس رأسي أشمط العناصي

كأنما فرقه المناصي أي يجاذب ليتصل به في مرة العنيد العاتي الطاغي عند يعند عنودا إذا تجبر وعند عن الأمر إذا حاد عنه فهو عاند وعنود.

الإعراب:

أخاهم نصب بتقدير أرسلنا كأنه قال وأرسلنا إلى عاد أخاهم وهودا عطف بيان وعاد مصروف لأن المراد به الحي وقد يقصد به القبيلة فلا يصرف قال:

لو شهد عاد في زمان عاد

لأبتزها مبارك الجلاد غيره من ضم الراء حمل الصفة على الموضع ومن جره حمله على اللفظ قوله ﴿إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ قال صاحب كتاب كشف الجامع النحوي إن حرف نفي لحقت نقول فنفت جميع القول إلا قولا واحدا وهو قولهم ﴿اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ والتقدير ما نقول قولا إلا هذه المقالة والفعل يدل على المصدر وعلى الظرف وعلى الحال ويجوز أن يذكر الفعل ثم يستثني من مدلوله ما دل عليه من المصادر والظروف والأحوال فنقول اعتراك مستثنى من المصدر الذي دل عليه نقول كقوله تعالى ﴿أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى﴾ فنصب موتتنا على الاستثناء لأنه مستثنى من ضروب الموت الذي دل عليه قوله بميتين ومما جاء من ذلك في الظروف قوله ﴿ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار﴾ فساعة استثناء مما دل عليه يلبثوا من الأوقات ومما جاء من ذلك في الحال قوله ﴿ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله﴾ التقدير ضربت عليهم الذلة في جميع الأحوال أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل أي بعهد من الله انتهى كلامه وقوله ﴿فإن تولوا﴾ تقديره فإن تتولوا فحذف إحدى التاءين لدلالة الكلام عليه وقوله ﴿بعدا لعاد﴾ منصوب على المصدر أي أبعدهم الله بعدا فوقع بعدا موقع إبعاد كما وقع نبات موقع إنبات في قوله ﴿والله أنبتكم من الأرض نباتا ».

المعنى:

ثم عطف سبحانه قصة هود على قصة نوح فقال ﴿وإلى عاد أخاهم هودا﴾ أراد أخاهم في النسب دون الدين ﴿قال يا قوم اعبدوا الله﴾ وحده وأطيعوه دون الأصنام ﴿ما لكم من إله غيره﴾ دخول من يفيد التعميم نفى أن يكون لهم معبود يستحق العبادة غير الله عز اسمه ﴿إن أنتم إلا مفترون﴾ أي ما أنتم إلا كاذبون في قولكم إن الأصنام آلهة ﴿يا قوم لا أسألكم عليه أجرا﴾ أي لست أطلب منكم على دعائي لكم إلى عبادة الله جزاء ﴿إن أجري إلا على الذي فطرني﴾ أي ليس جزائي إلا على الله الذي خلقني ﴿أفلا تعقلون﴾ عنى ما أقول لكم فتعلمون أن الأمر على ما أقوله ﴿ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ قد بينا وجه تقديم الاستغفار على التوبة في أول هذه السورة ﴿يرسل السماء عليكم مدرارا﴾ أي يرسل المطر عليكم متتابعا متواترا دارا وقيل أنهم كانوا قد أجدبوا فوعدهم هود أنهم إن تابوا أخصبت بلادهم وأمرعت وهادهم وأثمرت أشجارهم وزكت ثمارهم بنزول الغيث الذي يعيشون به وهذا مثل قوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴿ويزدكم قوة إلى قوتكم﴾ فسرت القوة هنا بالمال والولد والشدة وكل ذلك مما يتقوى به الإنسان قال علي بن عيسى يريد عزا إلى عزتكم بكثرة عددكم وأموالكم وقيل قوة في إيمانكم إلى قوة أبدانكم ﴿ولا تتولوا﴾ عما أدعوكم إليه ﴿مجرمين﴾ أي مشركين كافرين ﴿قالوا يا هود ما جئتنا ببينة﴾ أي بحجة ومعجزة تبين صدقك ﴿وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك﴾ أي لسنا بتاركي عبادة الأصنام لأجل قولك وقيل إن عن جعلت مكان الباء فمعناه بقولك ﴿وما نحن لك بمؤمنين﴾ أي مصدقين وإنما حملهم على دفع البينة مع ظهورها أشياء منها تقليد الآباء والرؤساء ومنها إتمامهم لمن جاء بها حيث لم ينظروا فيها ومنها أنه دخلت عليهم الشبهة في صحتها ومنها اعتقادهم لأصول فاسدة دعتهم إلى جحدها وإنما حملهم على عبادة الأوثان أشياء منها اعتقادهم إن عبادتها تقربهم إلى الله زلفى ومنها أن الشيطان ربما ألقى إليهم أن عبادتها تحظيهم في الدنيا ومنها أنهم ربما اعتقدوا مذهب المشبهة فاتخذوا الأوثان على صورته عندهم فعبدوها ﴿إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ هذا تمام الحكاية عن قوم هود جوابا لهود والمعنى لسنا نقول فيك إلا أنه أصابك بعض آلهتنا بسوء فخبل عقلك لشتمك لها وسبك إياها ذهب إليه ابن عباس ومجاهد ﴿قال﴾ أي قال هود لقومه ﴿إني أشهد الله واشهدوا﴾ أي وأشهدكم أيضا بعد إشهاد الله ﴿أني بريء مما تشركون من دونه﴾ أي إن كنتم تزعمون أن آلهتكم عاقبتني لطعني عليها فإني على بصيرة في البراءة مما تشركونه مع الله من آلهتكم التي تزعمون أنها أصابتني بسوء وإنما أشهدهم على ذلك وإن لم يكونوا أهل شهادة من حيث كانوا كفارا فساقا إقامة للحجة عليهم لا لتقوم الحجة بهم فقال هذا القول إعذارا وإنذارا وقيل إنه أراد بقوله ﴿اشهدوا﴾ واعلموا كما قال شهد الله أي علم الله ﴿فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون﴾ أي فاحتالوا واجتهدوا أنتم وآلهتكم في إنزال مكروه بي ثم لا تمهلوني قال الزجاج وهذا من أعظم آيات الأنبياء أن يكون الرسول وحده وأمته متعاونة عليه فيقول لهم كيدوني فلا يستطيع واحد منهم ضره وكذلك قال نوح لقومه فاجمعوا أمركم وشركاءكم الآية وقال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإن كان لكم كيد فكيدون ومثل هذا القول لا يصدر إلا عمن هو واثق بنصر الله وبأنه يحفظه عنهم ويعصمه منهم ثم ذكر هود (عليه السلام) هذا المعنى فقال ﴿إني توكلت على الله ربي وربكم﴾ أي فوضت أمري إلى الله سبحانه متمسكا بطاعته تاركا لمعصيته وهذا هو حقيقة التوكل على الله سبحانه ﴿ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها﴾ أي ما من حيوان يدب على وجه الأرض إلا وهو مالك لها يصرفها كيف يشاء ويقهرها وجعل الآخذ بالناصية كناية عن القهر والقدرة لأن من أخذ بناصية غيره فقد قهره وأذله ﴿إن ربي على صراط مستقيم﴾ أي أنه سبحانه مع كونه قاهرا على عدل فيما يعامل به عباده والمعنى أنه يعدل ولا يجوز وقيل معناه إن ربي في تدبير عباده على طريق مستقيم لا عوج فيه ولا اضطراب فهو يجري على سبيل الصواب ويفعل ما يقتضيه الحكمة ﴿فإن تولوا﴾ هذا حكاية عما قاله هود (عليه السلام) لقومه والمعنى فإن تتولوا ويجوز أن يكون حكاية عما قاله سبحانه لهود والمعنى فإن تولوهم ﴿ف﴾ قل لهم ﴿قد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم﴾ أي ليس ذلك لتقصير مني في إبلاغكم وإنما هو لسوء اختياركم في إعراضكم عن نصحي فقد أبلغتكم جميع ما أوحي إلي ﴿ويستخلف ربي قوما غيركم﴾ أي ويهلككم ربي بكفركم ويستبدل بكم قوما غيركم يوحدونه ويعبدونه ﴿ولا تضرونه شيئا﴾ يعني إذا استخلف غيركم فجعلهم بدلا منكم لا تقدرون له على ضر وقيل معناه لا تضرونه بتوليكم وإعراضكم شيئا ولا ضرر عليه في إهلاككم لأنه لم يخلقكم لحاجة منه إليكم ﴿إن ربي على كل شيء حفيظ﴾ يحفظه من الهلاك إن شاء ويهلكه إذا شاء وقيل معناه إن ربي يحفظني عنكم وعن أذاكم وقيل معناه إن ربي على كل شيء من أعمال عباده حفيظ حتى يجازيهم عليها ﴿ولما جاء أمرنا﴾ بهلاك عاد ﴿نجينا هودا والذين آمنوا معه﴾ من الهلاك وقيل أنهم كانوا أربعة آلاف ﴿برحمة منا﴾ أي بما أريناهم من الهدى والبيان عن ابن عباس وقيل ﴿برحمة منا﴾ أي بنعمة منا وهي النجاة أي أنجيناهم برحمة ليعلم أنه عذاب أريد به الكفار لا اتفاق وقع ﴿ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ أي كما نجيناهم من عذاب الدنيا نجيناهم من عذاب الآخرة والغليظ الثقيل العظيم ويحتمل أن يكون هذا صفة للعذاب الذي عذب به قوم هود ثم ذكر سبحانه كفر عاد فقال ﴿وتلك﴾ أي وتلك القبيلة ﴿عاد جحدوا ب آيات ربهم﴾ يعني معجزات هود الدالة على صحة نبوته ﴿وعصوا رسله﴾ إنما جمع الرسل وكان قد بعث إليهم هود لأن من كذب رسولا واحدا فقد كفر بجميع الرسل ولأن هودا كان يدعوهم إلى الإيمان به وبمن تقدمه من الرسل وبما أنزل عليهم من الكتب فكذبوا بهم جميعا فلذلك عصوهم ﴿واتبعوا أمر كل جبار عنيد﴾ أي واتبع السفلة والسقاط الرؤساء وقيل إن الجبار من يقتل ويضرب على غضبه والعنيد الكثير العناد الذي لا يقبل الحق ﴿وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة﴾ أي وأتبع عادا بعد إهلاكهم في الدنيا بالإبعاد عن الرحمة فإن الله تعالى أبعدهم من رحمته وتبعد المؤمنين بالدعاء عليهم باللعن ﴿ويوم القيامة﴾ أي وفي يوم القيامة يبعدون من رحمة الله كما بعدوا في الدنيا منها ويلعنون بأن يدخلوا النار فإن اللعنة الدعاء بالإبعاد من قولك لعنه إذا قال عليه لعنة الله وأصله الإبعاد من الخير ﴿ألا﴾ ابتداء وتنبيه ﴿إن عادا كفروا ربهم﴾ أراد بربهم فحذف الباء كما قالوا أمرتك الخير أي بالخير ﴿ألا بعدا لعاد قوم هود﴾ أي أبعدهم الله من رحمته فبعدوا بعدا.