الآيات 15-16

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ﴿15﴾ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿16﴾

القراءة:

روي في الشواذ قراءة أبي وابن مسعود وباطلا ما كانوا يعملون.

الحجة:

الوجه فيه أن يكون باطلا منصوبا بيعملون وما مزيدة للتوكيد فكأنه قال وباطلا كانوا يعملون ومثله قوله أ هؤلاء إياكم كانوا يعبدون.

اللغة:

الزينة تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة يقال زانه يزينه زينة وزينه يزينه تزيينا والتوفية تأدية الحق على تمام والبخس نقصان الحق وكل ظالم باخس لأنه يظلم غيره بنقصان حقه وفي المثل تحسبها حمقاء وهي باخس.

الإعراب:

قال الفراء كان هذه هنا زائدة وتقديره من يرد الحياة الدنيا وقال غيره معناه إن يصح أنه كان كقوله سبحانه إن كان قميصه قد من دبر ولا يجوز مثل ذلك في غير كان لأنها أم الأفعال قال أبو علي الشرط والجزاء لا يقعان إلا فيما يستقبل فحرف الجزاء يحيل معنى الماضي إلى الاستقبال لا محالة ولو جاز وقوع الماضي بعدها على معناها لما جزمت أ لا ترى أن لو لم تجزم وإن كان فيها معنى الشرط والجزاء لوقوع الماضي بعدها على بابه نحو لو جئتني أمس لأكرمتك.

المعنى:

﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها﴾ أي زهرتها وحسن بهجتها ولا يريد الآخرة ﴿نوف إليهم أعمالهم فيها﴾ أي نوفر عليهم جزاء أعمالهم في الدنيا تاما ﴿وهم فيها لا يبخسون﴾ أي لا ينقصون شيئا منه واختلف في معناه فقيل إن المراد به المشركون الذين لا يصدقون بالبعث يعملون أعمال البر كصلة الرحم وإعطاء السائل والكف عن الظلم وإغاثة المظلوم والأعمال التي يحسنها العقل كبناء القناطير ونحوه فإن الله يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوسيع الرزق وصحة البدن والإمتاع بما خولهم وصرف المكاره عنهم عن الضحاك وقتادة وابن عباس ويقال إن من مات منهم على كفره قبل استيفاء العوض وضع الله عنه في الآخرة من العذاب بقدره فأما ثواب الآخرة فلا حظ لهم فيه وقيل المراد به المنافقون الذين كانوا يغزون مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) للغنيمة دون نصرة الدين وثواب الآخرة جازاهم الله تعالى على ذلك بأن جعل لهم نصيبا في الغنيمة عن الجبائي وقيل إن المراد به أهل الرياء فإن من عمل عملا من أعمال الخير يريد به الرياء لم يكن لعمله ثواب في الآخرة ومثله قوله تعالى ﴿ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب﴾ وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال بشروا أمتي بالنساء والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا للدنيا لم يكن له نصيب في الآخرة ﴿أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار﴾ ظاهر المراد ﴿وحبط ما صنعوا فيها﴾ فلا يستحقون عليه ثوابا لأنهم أوقعوه على خلاف الوجه المأمور بإيقاعه عليه ﴿وباطل ما كانوا يعملون﴾ أي بطل أعمالهم التي عملوها لغير الله تعالى وهذا يحقق ما ذهبنا إليه من أن الإحباط عبارة عن إبطال نفس العمل بأن يقع علي غير الوجه الذي يستحق به الثواب وذكر الحسن في تفسيره أن رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خرج من عند أهله فإذا جارية عليها ثياب وهيئة فجلس عندها فقامت فأهوى بيده إلى عارضها فمضت فأتبعها بصره ومضى خلفها فلقيه حائط فخمش وجهه فعلم أنه أصيب بذنبه فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكر له ذلك فقال أنت رجل عجل الله عقوبة ذنبك في الدنيا أن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا أمسك عنه عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة وإذا أراد به خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا.

النظم:

وجه اتصال الآية بما قبلها أنه سبحانه لما قال ﴿فهل أنتم مسلمون﴾ فكان قائلا إن أظهرنا الإسلام لسلامة المال والنفس يكون ما ذا فقال من أراد الدنيا دون الآخرة سواء أرادها بإظهار الإسلام أو أرادها بسائر المساعي فسبيله هذا.