الآيات 9-11

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴿9﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿10﴾ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿11﴾

اللغة:

الذوق تناول الشيء بالفم لإدراك الطعم وسمى الله سبحانه إحلال اللذات بالإنسان إذاقة لسرعة زوالها تشبيها بما يذاق ثم يزول كما قيل:

أحلام نوم أو كظل زائل والنزع قلع الشيء عن مكانه واليئوس فعول من يئس واليأس القطع بأن الشيء المتوقع لا يكون ونقيضه الرجاء والنعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه والضراء مضرة تظهر الحال بها لأنهما أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة مثل حمراء وعيناء مع ما فيهما من المبالغة والفرح والسرور من النظائر وهو انفتاح القلب بما يلتذ به وضده الغم والصحيح أن الغم السرور من جنس الاعتقادات وليسا بجنسين من الأعراض ومن الناس من قال إنهما جنسان والفخور الذي يكثر فخره وهو التطاول بتعديد المناقب وهي صفة ذم إذا أطلقت لما فيها من التكبر على من لا يجوز أن يتكبر عليه.

الإعراب:

اللام في ﴿لئن﴾ لتوطية القسم وليست للقسم والتقدير والله لئن أذقنا الإنسان منا رحمة إنه ليئوس فإنه جواب القسم الذي هيأته اللام إلا أنه مغن عن جواب الشرط وواقع موقعه ومثله قول الشاعر:

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذا لا أقيلها أي والله لا أقيلها ولو كانت جواب أن لكان لا أقلها الذين صبروا في موضع نصب على الاستثناء من الإنسان لأنه اسم الجنس فهو كقوله ﴿إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا﴾ وقال الزجاج والأخفش أنه استثناء ليس من الأول والمعنى لكن الذين صبروا والأول قول الفراء.

المعنى:

ثم بين سبحانه حال الإنسان فيما قابل به نعمة من الكفر فقال ﴿ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة﴾ أي أحللنا به نعمة من الصحة والكفاية والسعة من المال والولد وغير ذلك من نعم الدنيا ﴿ثم نزعناها منه﴾ أي سبلنا تلك النعمة عنه إذا رأينا المصلحة فيه ﴿إنه ليئوس﴾ أي قنوط وهو الذي سنته وعادته اليأس ﴿كفور﴾ وهو الذي عادته كفران النعمة ومعنى الآية مصروف إلى الكفار الذين هذه صفتهم لجهلهم بالصانع الحكيم الذي لا يعطي ولا يمنع إلا لما تقتضيه الحكمة من وجوه المصالح ﴿ولئن أذقناه﴾ أي أحللنا به وأعطيناه ﴿نعماء بعد ضراء مسته﴾ أي بعد بلاء أصابته ﴿ليقولن﴾ عند نزول النعماء به ﴿ذهب السيئات عني﴾ أي ذهبت الخصال التي تسوء صاحبها من جهة نفور طبعه عنه وهو هاهنا بمعنى الشدائد والآلام والأمراض عني فلا تعود إلي ولا يؤدي شكر الله عليها ﴿إنه لفرح فخور﴾ يفرح به ويفخر به على الناس فلا يصبر في المحنة ولا يشكر عند النعمة ﴿إلا الذين صبروا﴾ معناه إلا الذين قابلوا الشدة بالصبر والنعمة بالشكر ﴿وعملوا الصالحات﴾ أي واظبوا على الأعمال الصالحة ﴿أولئك لهم مغفرة وأجر كبير﴾ وهو الجنة.