الآيات 1-8

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿1﴾ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿2﴾ وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا ﴿3﴾ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿4﴾ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴿5﴾ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿6﴾ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿7﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿8﴾

القراءة:

في بعض الروايات عن الكسائي خيرا يره وشرا يره بضم الياء فيهما وهي رواية أبان عن عاصم أيضا وهي قراءة علي (عليه السلام) والباقون ﴿يره﴾ بفتح الياء في الموضعين إلا أن أبا جعفر وروحا ورويسا قرءوا بضم الهاء ضمة مختلسة غير مشبعة.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ يره جعل الفعل منقولا من رأيت زيدا إذا أدركته ببصرك وأريته عمرا وبنى الفعل للمفعول ومن قرأ ﴿يره﴾ فالتقدير ير جزاءه وإثبات الواو في يرهو بعد الهاء هو الوجه كما تقول أكرمهو لأن هذه الهاء يتبعها حرف اللين الواو والياء إذا كان قبلها كسرة أو ياء نحو بهي وعليهي وقد جاء في الشعر نحوه قاله:

ونضواي مشتاقان له أرقان

اللغة:

الزلزلة شدة الاضطراب والزلزال بكسر الزاي المصدر وبفتحها الاسم وزلزلت ورجقت ورجت بمعنى واحد والأثقال جمع الثقل وسمى سبحانه الموتى أثقالا تشبيها بالحمل الذي يكون في البطن لأن الحمل سمي ثقلا كما قال سبحانه فلما أثقلت وتقول العرب إن للسيد الشجاع ثقلا على الأرض فإذا مات سقط عنها بموته ثقل قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:

أبعد ابن عمرو من آل الشريد

حلت به الأرض أثقالها

عنت بذلك أنه حل عن الأرض ثقل بموته لسؤدده وعزة وقيل معناه زينت موتاها به من الحلية وقال الشمردل اليربوعي يرثي أخاه:

وحلت به أثقالها الأرض وانتهى

لمثواه منها وهو عف شمائله

وذكر ابن السائب أن زهير بن أبي سلمى قال بيتا ثم أكدى فمر به النابغة الذبياني

فقال له يا أبا أمامة أجز قال ما ذا قال:

تزال الأرض إما مت خفا

وتحبا ما حييت بها ثقيلا

نزلت بمستقر العز منها فما ذا قال فأكدى والله النابغة الذبياني وأقبل كعب بن زهير وهو غلام فقال له أبوه أجز يا بني قال ما ذا فأنشده فقال كعب:

فتمنع جانبها أن تزولا

فقال له زهير أنت والله ابني وأوحى ووحي بمعنى واحد قال العجاج:

وحي القرار فاستقرت

الإعراب:

العامل في إذا قوله ﴿فمن يعمل مثقال ذرة﴾ وقوله ﴿خيرا﴾ منصوب على التمييز وقيل إن العامل في إذا قوله ﴿تحدث أخبارها﴾ ويكون يومئذ تكرارا أي إذا زلزلت الأرض تحدث أخبارها وقيل إن التقدير وقال الإنسان يومئذ ما لها يومئذ تحدث أخبارها فقيل ذلك بأن ربك أوحى لها وتحدث يجوز أن يكون على الخطاب أي تحدث أنت ويجوز أن يكون على تحدث هي.

المعنى:

خوف الله سبحانه عباده أهوال يوم القيامة فقال ﴿إذا زلزلت الأرض زلزالها﴾ أي إذا حركت الأرض تحريكا شديدا لقيام الساعة زلزالها التي كتب عليها ويمكن أن يكون إنما أضافها إلى الأرض لأنها تعم جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة التي تختص ببعض الأرض فيكون في قوله ﴿زلزالها﴾ تنبيها على شدتها ﴿وأخرجت الأرض أثقالها﴾ أي أخرجت موتاها المدفونة فيها تخرجها أحياء للجزاء عن ابن عباس ومجاهد والجبائي وقيل معناه لفظت ما فيها من كنوزها ومعادنها فتلقيها على ظهرها ليراها أهل الموقف وتكون الفائدة في ذلك أن يتحسر العصاة إذا نظروا إليها لأنهم عصوا الله فيها ثم تركوها لا تغني عنهم شيئا وأيضا فإنه تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ﴿وقال الإنسان ما لها﴾ أي ويقول الإنسان متعجبا ما للأرض تتزلزل يعني ما لها حدث فيها ما لم يعرف منها عن أبي مسلم وقيل إن المراد بالإنسان الكافر لأن المؤمن معترف بها لا يسأل عنها أي يقول الكافر الذي لم يؤمن بالبعث أي شيء زلزلها وأصارها إلى هذه الحالة ﴿يومئذ تحدث أخبارها﴾ أي تخبر بما عمل عليها وجاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أ تدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم قال أخبارها أن تشهد على كل عبد وأنه بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا وهذا أخبارها وعلى هذا فيجوز أن يكون الله تعالى أحدث الكلام فيها وإنما نسبه إليها توسعا ومجازا ويجوز أن يقلبها حيوانا يقدر على النطق ويجوز أن يظهر فيها ما يقوم مقامه الكلام فعبر عنه بالكلام كما يقال عيناك تشهدان بسهرك وكقول الشاعر وقالت له العينان سمعا وطاعة وقد مر أمثاله وقوله ﴿بأن ربك أوحى لها﴾ معناه أن الأرض تحدث بها فتقول إن ربك يا محمد أوحى لها أي ألهمها وعرفها بأن تحدث أخبارها وقيل بأن تلقي الكنوز والأموات على ظهرها يقال أوحى له وإليه أي ألقي إليه من جهة تخفي قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها وقال ابن عباس إذن لها لتخبر بما عمل عليها وروى الواحدي بإسناده مرفوعا إلى ربيعة الحرشي قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حافظوا على الوضوء وخير أعمالكم الصلاة وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وليس فيها أحد يعمل خيرا وشرا إلا وهي مخبرة وقال أبو سعيد الخدري إذا كنت بالبوادي فارفع صوتك بالأذان فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا يسمعه جن ولا إنس ولا حجر إلا يشهد له ﴿يومئذ يصدر الناس أشتاتا﴾ أي يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين أهل الإيمان على حدة وأهل كل دين على حدة وهذا كقوله ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون وقوله يومئذ يصدعون ﴿ليروا أعمالهم﴾ أي ليروا جزاء أعمالهم عن ابن عباس والمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار وقيل معنى الرؤية هنا المعرفة بالأعمال عند تلك الحال وهي رؤية القلب ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين بمعنى ليروا صحائف أعمالهم فيقرءون ما فيها لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾ أي فمن يعمل وزن ذرة من الخير ير ثوابه وجزاءه ﴿ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ أي ير ما يستحق عليه من العقاب ويمكن أن يستدل بها على بطلان الإحباط لأن الظاهر يدل على أنه لا يفعل أحد شيئا من طاعة أو معصية إلا ويجازي عليها وما يقع محبطا لا يجازي عليه وليس لهم أن يقولوا إن الظاهر بخلاف ما تذهبون إليه في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة وذلك لأن الآية مخصوصة بالإجماع فإن التائب معفو عنه بلا خلاف وعندهم أن من شرط المعصية التي يؤاخذ بها أن لا تكون صغيرة فجاز لنا أيضا أن نشرط فيها أن لا يكون مما يعفو الله عنه وقال محمد بن كعب معناه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا وهو كافر ير ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ومن يعمل مثقال ذرة شرا وهو مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر وقال مقاتل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به وكذلك من الشر يراه في كتابه فيسؤه ذلك قال وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير ويقول إنما نوجر على ما نعطي ونحن نحبه وليس اليسير مما يحب ويتهاون بالذنب اليسير ويقول إنما وعد الله النار على الكبائر فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير ويحذرهم اليسير من الشر وعن أبي عثمان المازني عن أبي عبيدة قال قدم صعصعة بن ناجية جد الفرزدق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وفد بني تميم فقال بأبي أنت يا رسول الله أوصيني خيرا فقال أوصيك بأمك وأبيك وأدانيك قال زدني يا رسول الله قال احفظ ما بين لحييك ورجليك ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما شيء بلغني عنك فعلته فقال يا رسول الله رأيت الناس يمرجون على غير وجه ولم أدر أين الصواب غير أني علمت أنهم ليسوا عليه فرأيتهم يئدون بناتهم فعرفت الله عز وجل لم يأمرهم بذلك فلم أتركهم يئدون وفديت ما قدرت وفي رواية أخرى أنه سمع ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ فقال حسبي ما أبالي أن لا أسمع من القرآن غير هذا وقال عبد الله بن مسعود أحكم آية في القرآن ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾ إلى آخر السورة وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يسميها الجامعة وتصدق سعد بن أبي وقاص بتمرتين فقبض السائل يده فقال سعد ويحك يقبل الله منا مثقال الذرة والخردلة وكان فيها مثاقيل.