الآية- 5

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿5﴾

القراءة:

روي عن ابن عباس بخلاف ومجاهد ويحيى بن يعمر وعن علي بن الحسين وأبي جعفر محمد بن علي وزيد بن علي وجعفر بن محمد (عليهما السلام) يثنوني صدورهم على مثال يفعوعل وعن ابن عباس أيضا يثنون وعن مجاهد يثنئن وروي ذلك أيضا عن عروة الأعشى.

الحجة:

أما يثنوني على مثال يفعوعل فهو من أمثلة المبالغة تقول أعشب البلد فإذا كثر ذلك قلت اعشوشب وكذلك احلولى واخشوشب واخشوشن وأما يثنون ويثنئن فقد قال ابن جني إنهما من لفظ الثن وهو ما هش وضعف من الكلاء وأنشد أبو زيد:

تكفي اللقوح أكلة من ثن يثنئن بالهمزة أصله يثنان فحركت الألف لسكونها وسكون النون الأولى فانقلبت همزة وأما ﴿يثنون﴾ فأصله يثنونن فلزم الإدغام لتكرير العين إذا كان غير ملحق فأسكنت النون الأولى ونقلت كسرتها إلى الواو وأدغمت النون في النون فصار يثنون.

اللغة:

أصل الثني العطف تقول ثنيته عن كذا أي عطفته ومنه الاثنان لعطف أحدهما على الآخر في المعنى ومنه الثناء لعطف المناقب في المدح ومنه الاستثناء لأنه عطف عليه بالإخراج منه والاستخفاء طلب خفاء الشيء يقال استخفى وتخفى بمعنى وكذلك استغشى وتغشى قالت الخنساء:

أرعى النجوم وما كلفت رعيتها

وتارة أتغشى فضل أطماري

الإعراب:

ألا معناها التنبيه ولا حظ لها في الإعراب وما بعدها مبتدأ.

النزول:

قيل نزلت في الأخنس بن شريق وكان حلو الكلام يلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما يحب وينطوي بقلبه على ما يكره عن ابن عباس وروى العياشي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) طأطأ أحدهم رأسه وظهره هكذا وغطى رأسه بثوبه حتى لا يراه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله هذه الآية.

المعنى:

لما تقدم ذكر القرآن بين سبحانه فعلهم عند سماعه فقال ﴿ألا إنهم﴾ يعني الكفار والمنافقين ﴿يثنون صدورهم﴾ أي يطوونها على ما هم عليه من الكفر عن الحسن وقيل معناه يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كلام الله سبحانه وذكره عن قتادة وقيل يثنونها على عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الفراء والزجاج وقيل إنهم إذا عقدوا مجلسا على معاداة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والسعي في أمره بالفساد انضم بعضهم إلى بعض وثنى بعضهم صدره إلى صدر بعض يتناجون ﴿ليستخفوا منه﴾ أي ليخفوا ذلك من الله تعالى على القول الأخير فإنهم كانوا قد بلغ من شدة جهلهم بالله أن ظنوا أنهم إذا ثنوا صدورهم على سبيل الإخفاء لم يعلم الله تعالى أسرارهم وعلى الأقوال الأخر معناه ليستروا ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿ألا حين يستغشون ثيابهم﴾ معناه أنهم يتغطون بثيابهم ثم يتفاوضون فيما كانوا يدبرونه على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعلى المؤمنين فيكتمونه عن ابن عباس فبين الله سبحانه أنه ﴿يعلم ما يسرون وما يعلنون﴾ وقت ما يتغطون بثيابهم ويجعلونها غشاء فوقهم لا بمعنى أنه يتجدد له العلم في حال استغشائهم بالثوب بل هو عالم بذلك في الأزل ﴿إنه عليم بذات الصدور﴾ يريد بما في النفوس عن ابن عباس وبحقيقة ما في القلوب من المضمرات وقيل إنه كنى باستغشاء ثيابهم عن الليل لأنهم يتغطون بظلمته كما يتغطون بثيابهم.