الآيات 26-30

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿26﴾ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿27﴾ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿28﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿29﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ يُّ الْكَبِيرُ ﴿30﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو ويعقوب والبحر بالنصب والباقون بالرفع وقرأ جعفر بن محمد (عليهما السلام) والبحر مداده وفي قراءة ابن مسعود وبحر يمده وهي قراءة طلحة بن مصرف وقراءة الحسن والأعرج والبحر يمده بضم الياء.

الحجة:

قال أبو زيد أمددت القوم بمال ورجال إمدادا وقل ماء ركيتنا فمددتها ركية أخرى تمدها قال أبو عبيدة وهاهنا اختصارا سبيله لو كتبت كلمات الله بهذه الأقلام والبحر ما نفدت قال أبو علي والمراد بذلك والله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود قال قتادة يقول لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر مدادا إذا لانكسرت الأقلام ونفذ ماء البحر قبل أن تنفذ عجائب الله وحكمته وخلقه وعلمه فأما انتصاب البحر من قوله ﴿والبحر يمده﴾ فلأنه معطوف على اسم أن وهو ما في الأرض فما اسم أن وأقلام خبرها والتقدير لو أن شجر الأرض أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر فإذا عطفت البحر على اسم أن فنصبته كان خبره يمده والراجع إلى البحر الضمير المنصوب المتصل بيمد ومن رفع استأنف كأنه قال والبحر هذه حاله فيما قاله سيبويه وأقول إذا عطفت البحر على اسم أن فنصبته فالأولى أن يكون خبره محذوفا ويكون التقدير ولو أن البحر مدادا ويمده سبعة أبحر يكون جملة منصوبة الموضع على الحال وحذف الخبر الذي هو مدادا لدلالة الكلام عليه وإذا نصبت البحر أو رفعته فالمعنى لو كتب ما في مقدور الله لنفذ ذلك قبل نفاذ المقدور ونحو هذا من الجمل قد يحذف لدلالة الكلام عليه كقوله ﴿اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون قالت يا أيها الملأ﴾ والمعنى فذهب فألقى الكتاب فقرأته المرأة أو فقرء عليها فقالت يا أيها الملأ ومن قرأ وبحر يمده فتقديره وهناك بحر يمده من بعده سبعة أبحر قال ابن جني لا يجوز أن يكون وبحر معطوفا على أقلام لأن البحر وما فيه من الماء ليس من حديث الشجر والأقلام وإنما هو من حديث المداد كما قرأ جعفر الصادق (عليه السلام) مداده فأما رفع البحر فإن شئت كان معطوفا على موضع أن واسمها كما عطف عليه في قوله أن الله بريء من المشركين ورسوله وقد مضى ذكر ذلك في موضعه ومن قرأ يمده بضم الياء فإنه تشبيه بإمداد الجيش وليس يقوى أن يكون قراءة جعفر بن محمد (عليهما السلام) والبحر مداده أي زائد فيه لأن ماء البحر لا يعتد في الشجر والأقلام لأنه ليس من جنسه والمداد هناك هو هذا الذي يكتب به.

المعنى:

ثم أكد سبحانه ما تقدم من خلقه السماوات والأرض بقوله ﴿لله ما في السماوات والأرض﴾ أي له جميع ذلك خلقا وملكا يتصرف فيه كما يريده ليس لأحد الاعتراض عليه في ذلك ﴿إن الله هو الغني﴾ عن حمد الحامدين وعن كل شيء ﴿الحميد﴾ أي المستحق للحمد والتعظيم ﴿ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله﴾ أي لو كان شجر الأرض أقلاما وكان البحر مدادا ويمده سبعة أبحر مثله أي تزيده بمائها فكتب بتلك الأقلام والبحور لتكسرت تلك الأقلام ونفذ ماء البحور وما نفذت كلمات الله وقد ذكرنا تفسير كلمات الله في سورة الكهف والأولى أن يكون عبارة عن مقدوراته ومعلوماته لأنها إذا كانت لا تتناهى فكذلك الكلمات التي تقع عبارة عنها لا تتناهى ﴿إن الله عزيز﴾ في اقتداره على جميع ذلك ﴿حكيم﴾ يفعل من ذلك ما يليق بحكمته ثم قال ﴿ما خلقكم ولا بعثكم﴾ يا معشر الخلائق ﴿إلا كنفس واحدة﴾ أي كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة في قدرته فإنه لا يشق عليه ابتداء جميع الخلق ولا إعادتهم بعد إفنائهم قال مقاتل إن كفار قريش قالوا إن الله خلقنا أطوارا نطفة علقة مضغة لحما فكيف يبعثنا خلقا جديدا في ساعة واحدة فنزلت الآية ﴿إن الله سميع﴾ يسمع ما يقول القائلون في ذلك ﴿بصير﴾ بما يضمرونه ﴿ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل﴾ أي ينقص من الليل في النهار ومن النهار في الليل عن قتادة وقيل معناه إن كل واحد منهما يتعقب الآخر ﴿وسخر الشمس والقمر﴾ لأنهما يجريان على وتيرة واحدة لا يختلفان ﴿كل يجري إلى أجل مسمى﴾ قدره الله تعالى ﴿وإن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق﴾ الذي يجب توجيه العبادة إليه ﴿وإن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير﴾ أي القادر القاهر والآيتان مفسرتان في سورة الحج.