الآيات 1-6

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿1﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴿2﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴿3﴾ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴿4﴾ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴿5﴾ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿6﴾

القراءة:

قرأ أهل البصرة وحفص ﴿والذين قتلوا﴾ على ما لم يسم فاعله والباقون قاتلوا بالألف.

الحجة:

قال أبو علي قاتلوا أعم من قتلوا ألا ترى أن من قاتل ولم يقتل لن يضل عمله كما أن الذي قتل كذلك فهو لعمومه أولى.

اللغة:

البال الحال والشأن والبال القلب أيضا يقال خطر ببالي كذا والبال لا يجمع لأنه أبهم أخواته من الحال والشأن.

والإثخان إكثار القتل وغلبة العدو وقهرهم ومنه أثخنه المرض اشتد عليه وأثخنه الجراح والوثاق اسم من الإيثاق ويقال أوثقه إيثاقا ووثاقا إذا اشتد أسره كيلا يفك والأوزار السلاح وأصل الوزر ما يحمله الإنسان فسمي السلاح أوزارا لأنه يحمل قال الأعشى:

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا

ومن نسج داود يحدو بها

على أثر الحي عيرا فعيرا

الإعراب:

ذلك خبر مبتدإ محذوف تقديره الأمر ذلك ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره ذلك كائن فضرب الرقاب مصدر فعل محذوف تقديره فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وأضيف المصدر إلى المفعول وهذه الإضافة في تقدير الانفصال لأن تقديره فضربا الرقاب قال الشاعر:

فندلا زريق المال ندل الثعالب

وكذلك قوله ﴿منا﴾ و﴿فداء﴾ تقديره فإما تمنون منا وإما تفدون فداء.

المعنى:

﴿الذين كفروا﴾ بتوحيد الله وعبدوا معه غيره ﴿وصدوا﴾ الناس ﴿عن سبيل الله﴾ أي عن سبيل الإيمان والإسلام باستدعائهم إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني مشركي العرب ﴿أضل أعمالهم﴾ أي أحبط الله أعمالهم التي كان في زعمهم أنها قربة وأنها تنفعهم كالعتق والصدقة وقرى الضيف والمعنى أذهبها وأبطلها حتى كأنها لم تكن إذ لم يروا لها في الآخرة ثوابا وقيل نزلت في المطعمين ببدر وكانوا عشرة أنفس أطعم كل واحد منهم الجند يوما ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أي صدقوا بتوحيد الله وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة ﴿وآمنوا بما نزل على محمد﴾ من القرآن والعبادات خص الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذكر مع دخوله في الأول تشريفا له وتعظيما ولئلا يقول أهل الكتاب نحن آمنا بالله وبأنبيائنا وكتبنا ﴿وهو الحق من ربهم﴾ أي وما نزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الحق من ربهم لأنه ناسخ للشرائع والناسخ هو الحق وقيل معناه ومحمد الحق من ربهم دون ما يزعمون من أنه سيخرج في آخر الزمان نبي من العرب فليس هذا هو فرد الله ذلك عليهم ﴿كفر عنهم سيئاتهم﴾ أي سترها عنهم بأن غفرها لهم يعني غفر سيئاتهم المتقدمة بإيمانهم وحكم بإسقاط المستحق عليها من العقاب ﴿وأصلح بالهم﴾ أي أصلح حالهم في معاشهم وأمر دنياهم عن قتادة وقيل أصلح أمر دينهم ودنياهم بأن نصرهم على أعدائهم في الدنيا ويدخلهم الجنة في العقبي ثم بين سبحانه لم فعل ذلك ولم قسمهم هذين القسمين فقال ﴿ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم﴾ أي ذلك الإضلال والإصلاح باتباع الكافرين الشرك وعبادة الشيطان واتباع المؤمنين التوحيد والقرآن وما أمر الله سبحانه باتباعه ﴿كذلك يضرب الله للناس أمثالهم﴾ أي كالبيان الذي ذكرنا يبين الله سبحانه للناس أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين فإن معنى قول القائل ضربت لك مثلا بينت لك ضربا من الأمثال عن الزجاج وقيل أراد به المثل المقرون به فجعل الكافر في اتباعه الباطل كمن دعاه الباطل إلى نفسه فأجابه والمؤمن كمن دعاه الحق إلى نفسه فأجابه وقيل معناه كما بينت عاقبة الكافر والمؤمن وجزاء كل واحد منهما أضرب للناس أمثالا يستدلون بها فيزيدهم علما ووعظا وأضاف المثل إليهم لأنه مجعول لهم ثم أمر سبحانه بقتال الكفار فقال ﴿فإذا لقيتم﴾ معاشر المؤمنين ﴿الذين كفروا﴾ يعني أهل دار الحرب ﴿فضرب الرقاب﴾ أي فاضربوا رقابهم والمعنى اقتلوهم لأن أكثر مواضع القتل ضرب العنق وإن كان يجوز الضرب في سائر المواضع فإن الغرض قتلهم ﴿حتى إذا أثخنتموهم﴾ أي أثقلتموهم بالجراح وظفرتم بهم وقيل حتى إذا بالغتم في قتلهم وأكثرتم القتل حتى ضعفوا ﴿فشدوا الوثاق﴾ أي أحكموا وثاقهم في الأسر.

أمر سبحانه بقتلهم والإثخان فيهم ليذلوا فإذا ذلوا بالقتل أسروا فالأسر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال سبحانه ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ﴿فإما منا بعد وإما فداء﴾ أي فأما أن تمنوا عليهم منا بعد أن تأسروهم فتطلقوهم بغير عوض وأما أن تفدوهم فداء واختلف في ذلك فقيل كان الأسر محرما بآية الأنفال ثم أبيح بهذه الآية لأن هذه السورة نزلت بعدها فإذا أسروا فالإمام مخير بين المن والفداء بأسارى المسلمين وبالمال وبين القتل والاستعباد وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد بن إسحاق وقيل أن الإمام مخير بين المن والفداء والاستعباد وليس له القتل بعد الأسر عن الحسن وكأنه جعل في الآية تقديما وتأخيرا تقديره فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ثم قال حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء وقيل أن حكم الآية منسوخ بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وبقوله فإما تثقفنهم في الحرب عن قتادة والسدي وابن جريج وقال ابن عباس والضحاك الفداء منسوخ وقيل أن حكم الآية ثابت غير منسوخ عن ابن عمر والحسن وعطاء قالوا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من على أبي غرة وقتل عقبة بن أبي معيط وفادى أسارى بدر والمروي عن أئمة الهدى صلوات الرحمن عليهم أن الأسارى ضربان ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال والحرب قائمة فهؤلاء يكون الإمام مخيرا بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفوا ولا يجوز المن ولا الفداء. والضرب الآخر الذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانقضى القتال فالإمام مخير فيهم بين المن والفداء إما بالمال أو بالنفس وبين الاسترقاق وضرب الرقاب فإذا أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك وكان حكمهم حكم المسلمين ﴿حتى تضع الحرب أوزارها﴾ أي حتى يضع أهل الحرب أسلحتهم فلا يقاتلون وقيل حتى لا يبقى أحد من المشركين عن ابن عباس وقيل حتى لا يبقى دين غير دين الإسلام عن مجاهد والمعنى حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا فلا يبقى إلا الإسلام خير الأديان ولا تعبد الأوثان وهذا كما جاء في الحديث والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال وقال الفراء المعنى حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم وقال الزجاج أي اقتلوهم وأسروهم حتى يؤمنوا فما دام الكفر فالحرب قائمة أبدا ﴿ذلك﴾ أي الأمر الذي ذكرنا ﴿ولو يشاء الله لانتصر منهم﴾ أي من الكفار بإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء ﴿ولكن﴾ يأمركم بالحرب وبذل الأرواح في إحياء الدين ﴿ليبلوا بعضكم ببعض﴾ أي ليمتحن بعضكم ببعض فيظهر المطيع من العاصي والمعنى أنه لو كان الغرض زوال الكفر فقط لأهلك الله سبحانه الكفار بما يشاء من أنواع الهلاك ولكن أراد مع ذلك أن يستحقوا الثواب وذلك لا يحصل إلا بالتعبد وتحمل المشاق ﴿والذين قتلوا في سبيل الله﴾ أي في الجهاد في دين الله يوم أحد عن قتادة ومن قرأ قاتلوا فالمعنى جاهدوا سواء قتلوا أو لم يقتلوا ﴿فلن يضل أعمالهم﴾ أي لن يضيع الله أعمالهم ولن يهلكها بل يقبلها ويجازيهم عليها ثوابا دائما ﴿سيهديهم﴾ إلى طريق الجنة والثواب ﴿ويصلح بالهم﴾ أي شأنهم وحالهم والوجه في تكرير قوله ﴿بالهم﴾ أن المراد بالأول أنه أصلح بالهم في الدين والدنيا وبالثاني أنه يصلح حالهم في نعيم العقبي فالأول سبب النعيم والثاني نفس النعيم ﴿ويدخلهم الجنة عرفها لهم﴾ أي بينها لهم حتى عرفوها إذا دخلوها وتفرقوا إلى منازلهم فكانوا أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم عن سعيد بن جبير وأبي سعيد الخدري وقتادة ومجاهد وابن زيد وقيل معناه بينها لهم وأعلمهم بوصفها على ما يشوق إليها فيرغبون فيها ويسعون لها عن الجبائي وقيل معناه طيبها لهم عن ابن عباس في رواية عطاء من العرف وهو الرائحة الطيبة يقال طعم معرف أي مطيب.