الآيات 1-10

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴿1﴾ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴿2﴾ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴿3﴾ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴿4﴾ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴿5﴾ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴿6﴾ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ﴿7﴾ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴿8﴾ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ﴿9﴾ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر ﴿قل أوحي إلي أنه استمع﴾ بفتح الألف ولم يختلفوا فيه ثم قرأ في الآية الثالثة و﴿أنه تعالى﴾ بالفتح وفي الرابعة ﴿وأنه كان يقول﴾ بالفتح وفي السادسة ﴿وأنه كان رجال﴾ بالفتح ويقرأ ما سواها بالكسر إلا قوله ﴿وأن لو استقاموا﴾ ﴿وأن المساجد لله﴾ ﴿وأنه لما قام﴾ فإنه يقرأ هذه الثلاثة بالفتح وقال الرواة عنه ما كان مردودا على الوحي فهو أنه بالفتح وما كان من قول الجن فهو بالكسر وهذا قول غير مستقيم على قراءته ويمكن أن يكون قد وقع خلل في روايته وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة غير أبي بكر بالفتح من قوله أنه تعالى إلى قوله وأنا منا المسلمون وقرأ الباقون كله بالكسر إلا قوله ﴿وأن لو استقاموا﴾ ﴿وأن المساجد﴾ فإنهما بالفتح لم يختلفوا فيه وقرأ نافع وعاصم برواية أبي بكر وإنه لما قام بالكسر والباقون بالفتح وقرأ يعقوب أن لن تقول بتشديد الواو وفتحها وفتح القاف وروي ذلك عن الجحدري والحسن والباقون ﴿أن لن تقول﴾ بالتخفيف وفي الشواذ قراءة جوية بن عابد قل أحي إلي على وزن فعل.

الحجة:

قال أبو علي أما قوله ﴿أن لو استقاموا﴾ فإنه يجوز فيه أمران (أحدهما) أن تكون أن المخففة من الثقيلة فيكون محمولا على الوحي كأنه أوحي إلي أن لو استقاموا وفصل لو بينها وبين الفعل كفصل السين ولا في قوله ﴿أفلا يرون أن لا يرجع﴾ وعلم أن سيكون (والآخر) أن يكون أن قبل لو بمنزلة اللام في قوله ﴿لئن لم ينته المنافقون﴾ إلى قوله ﴿لنغرينك بهم﴾ وقوله ﴿لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين﴾ فتلحق مرة وتسقط أخرى لأن لو بمنزلة فعل الشرط فكما لحقت اللام زائدة قبل أن الداخلة على الشرط كذلك لحقت أن هذه قبل لو ومعنى أن لو استقاموا على الطريقة قد قيل فيه قولان (أحدهما) لو استقاموا على طريقة الهدى (والآخر) لو استقاموا على الطريقة الكفر و يستدل على القول الأول بقوله تعالى ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم﴾ وقوله ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض﴾ ويستدل على الآخر بقوله تعالى ﴿ولو لا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة﴾ وأما قوله ﴿وإن المساجد لله﴾ فزعم سيبويه أن المفسرين حملوه على أوحي كأنه وأوحي إلي أن المساجد لله ومذهب الخليل أنه على قوله ولأن المساجد لله فلا تدعوا كما أن قوله ﴿وإن هذه أمتكم﴾ على قوله ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون أي لهذا فاعبدون ومثله في قول الخليل لإيلاف قريش كأنه قال لهذا فليعبدوا قال سيبويه ولو قرأ وإن المساجد بالكسر لكان جيدا فأما قوله ﴿وأنه لما قام عبد الله﴾ فإنه على ﴿أوحي إلي﴾ ويكون أن يقطع من قوله ﴿أوحي﴾ ويستأنف به كما جوز سيبويه القطع من أوحي في قوله وإن المساجد لله وعلى هذا يحمل قراءة من كسر إن من قوله ﴿وأنه لما قام عبد الله﴾ ومن قرأ كل ذلك بالفتح فإنه للحمل على أوحي ويجوز أن يكون على غيره كما حمل المفسرون وأن المساجد لله على الوحي وحمله الخليل على ما ذكرناه عنه فأما ما جاء من ذلك بعد قول فحكاية كما حكى قوله ﴿قال الله إني منزلها عليكم﴾ وكذلك ما بعد فاء الجزاء لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء ولذلك حمل سيبويه ومن عاد فينتقم الله منه ومن كفر فأمتعه فمن يؤمن بربه فلا يخاف على أن الابتداء فيها مضمر ومثل ذلك في هذه السورة ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ومن قرأ لن تقول فيكون قوله ﴿كذبا﴾ منصوبا على المصدر من غير حذف موصوف وذلك أن لن تقول في معنى تكذب فجرى مجرى تبسمت وميض البرق فإنه منصوب بفعل مضمر دل عليه تبسمت أي أو مضت فكأنه قال إن لن تكذب الإنس والجن على الله كذبا قال ابن جني ومن رأى أن ينتصب وميض البرق بنفس تبسمت لأنه في معنى أومضت أيضا كذبا بنفس تقول لأنه بمعنى كذب ومن قرأ ﴿أن لن تقول﴾ على وزن تقوم فإن كذبا وصف مصدر محذوف أي قولا كذبا فكذبا هاهنا وصف لا مصدر كما في قوله ﴿وجاءوا على قميصه بدم كذب﴾ أي كاذب فإن جعلته هاهنا مصدرا نصبته نصب المفعول به أي لن تقول كذبا كقولك قلت حقا وقلت شعرا ولا يحسن أن تجعله مع تقول وصفا أي تقول تقولا كذبا لأن التقول لا يكون إلا كذبا فلا فائدة فيه ومن قرأ أحي فهو من وحيت إليه بمعنى أوحيت وأصله وحي فلما انضمت الواو ضما لازما همزت ونحوه وإذا الرسل أقتت أي وقتت قال العجاج وحي لها القرار فاستقرت.

اللغة:

الجد أصله القطع ومنه الجد العظمة لانقطاع كل عظمة عنها لعلوها عليه ومنه الجد أبو الأب لانقطاعه بعلو أبوته وكل من فوقه لهذا الولد أجداد والجد الحظ لانقطاعه بعلو شأنه والجد خلاف الهزل لانقطاعه عن السخف ومنه الجديد لأنه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر والرهق لحاق الإثم وأصله اللحوق ومنه راهق الغلام إذا لحق حال الرجال قال الأعشى:

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها

هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا

أي لم يغش إثما.

الإعراب:

حرسا منصوب على التمييز وهو جمع حارس ويجوز أن يكون جمع حرسي فيكون مثل عربي وعرب وشديدا مذكر محمول على اللفظ ويمكن أن يكون على النسبة أي ذات شدة ومقاعد نصب لأنه ظرف مكان.

﴿أشر أريد﴾ مبتدأ وخبر وإنما جاز أن تكون النكرة مبتدأ من غير تخصيص لأجل همزة الاستفهام كما يجوز ذلك بعد حرف النفي لأن كليهما يفيد معنى العموم.

المعنى:

أمر سبحانه نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخبر قومه بما لم يكن لهم به علم فقال ﴿قل﴾ يا محمد ﴿أوحي إلي﴾ إنما ذكره على لفظ ما لم يسم فاعله تفخيما وتعظيما والله سبحانه أوحى إليه وأنزل الملك عليه ﴿أنه استمع نفر من الجن﴾ أي استمع القرآن طائفة من الجن وهم جيل رقاق الأجسام خفيفة على صورة مخصوصة بخلاف صورة الإنسان والملائكة فإن الملك مخلوق من النور والإنس من الطين والجن من النار ﴿فقالوا﴾ أي قالت الجن بعضها لبعض ﴿إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ والعجب ما يدعو إلى التعجب منه لخفاء سببه وخروجه عن العادة في مثله فلما كان القرآن قد خرج بتأليفه المخصوص عن العادة في الكلام وخفي سببه عن الأنام كان عجبا لا محالة وأيضا فإنه مباين لكلام الخلق في المعنى والفصاحة والنظام لا يقدر أحد على الإتيان بمثله وقد تضمن أخبار الأولين والآخرين وما كان وما يكون أجراه الله على يد رجل أمي من قوم أميين فاستعظموه وسموه عجبا ﴿يهدي إلى الرشد﴾ أي يدل على الهدى ويدعو إليه والرشد ضد الضلال ﴿فآمنا به﴾ أي صدقنا بأنه من عند الله ﴿ولن نشرك﴾ فيما بعد ﴿بربنا أحدا﴾ فنوجه العبادة إليه بل نخلص العبادة لله تعالى والمعنى أنا قد بدأنا بأنفسنا فقبلنا الرشد والحق وتركنا الشرك واعتقدنا التوحيد وفي هذا دلالة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مبعوثا إلى الجن والإنس وعلى أن الجن عقلاء مخاطبون وبلغات العرب عارفون وعلى أنهم يميزون بين المعجز وغير المعجز وأنهم دعوا قومهم إلى الإسلام وأخبروهم بإعجاز القرآن وأنه كلام الله تعالى لأن كلام العباد لا يتعجب منه وروى الواحدي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجن وما رآهم انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم وقالوا ﴿إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا﴾ فأوحى الله تعالى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن﴾ ورواه البخاري ومسلم أيضا في الصحيح وعن علقمة بن قيس قال قلت لعبد الله بن مسعود من كان منكم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الجن فقال ما كان منا معه أحد فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا اغتيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو استطير فانطلقنا نطلبه من الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء فقلنا يا رسول الله أين كنت لقد أشفقنا عليك وقلنا له بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك فقال لنا أنه أتاني داعي الجن فذهبت أقرئهم القرآن فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم فأما أن يكون صحبه منا أحد فلم يصحبه وعن أبي روق قال هم تسعة نفر من الجن قال أبو حمزة الثمالي وبلغنا أنهم من بني الشيصبان هم أكثر الجن عددا وهم عامة جنود إبليس وقيل كانوا سبعة نفر من جن نصيبين رآهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمنوا به وأرسلهم إلى سائر الجن ﴿وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا﴾ الاختيار كسر إن لأنه من قول الجن لقومهم وهو معطوف على قوله ﴿قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ أي وقالوا تعالى جد ربنا وقال الفراء من فتح فتقديره فآمنا به وآمنا بأنه تعالى جد ربنا وكذلك كل ما كان بعده ففتح أن بوقوع الإيمان عليه والمعنى تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصحابة والولد عن الحسن ومجاهد وقيل معناه تعالت صفات الله التي هي له خصوصا وهي الصفات العالية التي ليست للمخلوقين عن أبي مسلم وقيل معناه جل ربنا في صفاته فلا تجوز عليه صفات الأجسام والأعراض عن الجبائي وقيل تعالى قدرة ربنا عن ابن عباس وقيل تعالى ذكره عن مجاهد وقيل فعله وأمره عن الضحاك وقيل علا ملك ربنا عن الأخفش وقيل تعالى آلاؤه ونعمه على الخلق عن القرظي والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال على ما تقدم ذكرهما ومنه قول أنس بن مالك كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد في أعيننا أي عظم وقال الربيع بن أنس أنه قال ليس لله تعالى جد وإنما قالته الجن بجهالة فحكاه سبحانه كما قالت وروي ذلك عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) ﴿وأنه كان يقول سفيهنا﴾ أي جاهلنا ﴿على الله شططا﴾ أرادوا بسفيههم إبليس عن مجاهد وقتادة والشطط السرف في ظلم النفس والخروج عن الحق فاعترفوا بأن إبليس كان يخرج عن الحد في إغواء الخلق ودعائهم إلى الضلال وقيل شططا أي قولا بعيدا من الحق وهو الكذب في التوحيد والعدل ﴿وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا﴾ اعترفوا بأنهم ظنوا أن لن يقول أحد من الإنس والجن كذبا على الله في اتخاذ الشريك معه والصاحبة والولد أي حسبنا أن ما يقولونه من ذلك صدق وأنا على حق حتى سمعنا القرآن وتبينا الحق به وفي هذا دلالة على أنهم كانوا مقلدة حتى سمعوا الحجة وانكشف لهم الحق فرجعوا عما كانوا عليه وفي إشارة إلى بطلان التقليد ووجوب اتباع الدليل ﴿وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن﴾ أي يعتصمون ويستجيرون وكان الرجل من العرب إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه عن الحسن ومجاهد وقتادة وكان هذا منهم على حسب اعتقادهم أن الجن تحفظهم قال مقاتل وأول من تعوذ بالجن قوم من اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا في العرب وقيل معناه وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من أجل الجن ومن معرة الجن عن البلخي قال لأن الرجال لا تكون إلا في الناس وقال الأولون في الجن رجال مثل ما في الناس ﴿فزادوهم رهقا﴾ أي فزاد الجن الإنس إثما على إثمهم الذي كانوا عليه من الكفر والمعاصي عن ابن عباس وقتادة وقيل رهقا أي طغيانا عن مجاهد وقيل فرقا وخوفا عن الربيع وابن زيد وقيل شرا عن الحسن وقيل زادوهم ذلة وضعفا قال الزجاج يجوز أن يكون الإنس الذين كانوا يستعيذون بالجن زادوا الجن رهقا وذلك أن الجن كانوا يزدادون طغيانا في قومهم بهذا التعوذ فيقولون سدنا الإنس والجن ويجوز أن يكون الجن زاد الإنس رهقا ﴿وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا﴾ قيل معناه قال مؤمنوا الجن لكفارهم إن كفار الإنس الذين يعوذون برجال من الجن في الجاهلية حسبوا كما حسبتم يا معشر الجن أن لن يبعث الله رسولا بعد موسى أو عيسى ووراء هذا أن الجن مع تمردهم وعتوهم لما سمعوا القرآن آمنوا واهتدوا به فأنتم معاشر العرب أولى بالتفكر والتدبر لتؤمنوا وتهتدوا مع أن الرسول من جنسكم ولسانه لسانكم وقيل إن هذه الآية مع ما قبلها اعتراض من إخبار الله تعالى يقول إن الجن ظنوا كما ظننتم معاشر الإنس أن الله لا يحشر أحدا يوم القيامة ولا يحاسبه عن الحسن وقيل يعني لن يبعث الله أحدا رسولا عن قتادة ثم حكى عن الجن قولهم ﴿وأنا لمسنا السماء﴾ أي مسسناها وقيل معناه طلبنا الصعود إلى السماء فعبر عن ذلك باللمس مجازا عن الجبائي وقيل التمسنا قرب السماء لاستراق السمع عن أبي مسلم ﴿فوجدناها ملئت حرسا شديدا﴾ أي حفظة من الملائكة شدادا ﴿وشهبا﴾ والتقدير ملئت السماء من الحرس والشهب وهو جمع شهاب وهو نور يمتد من السماء كالنار ﴿وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع﴾ أي لاستراق السمع أي كان يتهيأ لنا فيما قبل القعود في مواضع الاستماع فنسمع منها صوت الملائكة وكلامهم ﴿فمن يستمع﴾ منا ﴿الآن﴾ ذلك ﴿يجد له شهابا رصدا﴾ يرمى به ويرصد له وشهبا مفعول به ورصدا صفته قال معمر قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أ فرأيت قوله ﴿إنا كنا نقعد منها﴾ الآية قال غلظ وشدد أمرها حين بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال البلخي إن الشهب كانت لا محالة فيما مضى من الزمان غير أنه لم يكن يمنع بها الجن عن صعود السماء فلما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منع بها الجن من الصعود ﴿وأنا لا ندري أ شر أريد بمن في الأرض﴾ أي بحدوث الرجم بالشهب وحراسة السماء جوزوا هجوم انقطاع التكليف أو تغيير الأمر بتصديق نبي من الأنبياء وذلك قوله ﴿أم أراد بهم ربهم رشدا﴾ أي صلاحا وقيل معناه إن هذا المنع لا يدري العذاب سينزل بأهل الأرض أم لنبي يبعث ويهدي إلى الرشد فإن مثل هذا لا يكون إلا لأحد هذين الأمرين وسمي العذاب شرا لأنه مضرة وسمي بعثة الرسول رشدا لأنه منفعة.