الآيات 1-22

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴿1﴾ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ﴿2﴾ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴿3﴾ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿4﴾ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿5﴾ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿6﴾ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴿7﴾ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿8﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿9﴾ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴿10﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴿11﴾ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴿12﴾ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴿13﴾ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴿14﴾ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴿15﴾ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿16﴾ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴿17﴾ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴿18﴾ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ﴿19﴾ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ﴿20﴾ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴿21﴾ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴿22﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة غير عاصم وقتيبة المجيد بالجر والباقون بالرفع وقرأ نافع في لوح محفوظ بالرفع والباقون بالجر.

الحجة:

قال أبوعلي من رفع المجيد كان متبعا قوله ﴿ذو العرش﴾ ومن جر فمن النحويين من جعله وصفا لقوله ﴿ربك﴾ في ﴿إن بطش ربك﴾ قال ولا أجعله وصفا للعرش ومنهم من قال صفة للعرش قال أبوزيد يقال مجدت الإبل تمجد مجودا إذا رعت في أرض مكلئة وشبعت وأمجدت الإبل إذا أشبعتها وقالوا في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي صار ماجدا في إيرائه النار وقيل استمجد العفار إذا كثر ناره وصفت وحجة نافع في قراءته محفوظ أن القرآن وصف بالحفظ في قوله ﴿وإنا له لحافظون﴾ ومعنى حفظ القرآن أنه يؤمن من تحريفه وتبديله وتغييره فلا يلحقه شيء من ذلك وحجة من جر محفوظا جعله وصفا للوح فإنهم يقولون اللوح المحفوظ.

اللغة:

الأخدود الشق العظيم في الأرض ومنه ما روي في معجز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه دعا الشجرة فجعلت تخد الأرض خدا حتى أتته ومنه الخد لمجاري الدموع وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق والوقود ما تشتعل به النار من الحطب وغيره بفتح الواو والوقود بالضم الإيقاد يقال فتنت الشيء أحرقته والفتين حجارة سود كأنها محرقة وأصل الفتنة الامتحان ثم يستعمل في العذاب.

الإعراب:

قال الفراء ﴿قتل أصحاب الأخدود﴾ جواب القسم كما كان جواب والشمس وضحاها قد أفلح من زكاها وقيل إن جواب القسم محذوف وتقديره أن الأمر حق في الجزاء على الأعمال وقيل جواب القسم قوله ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين﴾ الآية وقيل جواب القسم قوله ﴿إن بطش ربك لشديد﴾ النار بدل من الأخدود وهو بدل الاشتمال لأن الأخدود يشتمل على ما فيه من النار أي النار منه و﴿ذات الوقود﴾ صفة للنار ويسأل على هذا فيقال كيف خصت هذه النار بذا وكل نار لها وقود وأجيب عنها بجوابين (أحدهما) أنه قد يكون نار ليست بذات وقود كنار الحجر ونار الكبد (والآخر) إن الوقود معرف فصار مخصوصا كأنه وقود بعينه كما قال وقودها الناس والحجارة فكان الوقود هنا أبدان الناس، إذ هم عليها قعود إذ مضاف إلى الجملة وهي ظرف لقوله ﴿قتل أصحاب الأخدود﴾ إذا كان إخبارا لا دعاء و﴿أن يؤمنوا﴾ في موضع نصب بقوله ﴿نقموا﴾ والتقدير وما نقموا إلا إيمانهم ﴿فرعون وثمود﴾ في موضع جر بدل من الجنود ويجوز أن يكونا في موضع نصب بإضمار فعل كأنه قال أعني فرعون وثمود.

قصة أصحاب الأخدود:

روى مسلم في الصحيح عن هدية بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر فلما مرض الساحر قال إني قد حضر أجلي فادفع إلي غلاما أعلمه السحر فدفع إليه غلاما وكان يختلف إليه وبين الساحر والملك راهب فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره فكان يطيل عنده القعود فإذا أبطأ عن الساحر ضربه وإذا أبطأ عن أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال يا بني إذا استبطأك الساحر فقل حبسني أهلي وإذا استبطأك أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة فقال اليوم أعلم أمر الساحر أفضل أم أمر الراهب فأخذ حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل هذه الدابة فرمى فقتلها ومضى الناس فأخبر بذلك الراهب فقال أي بني إنك ستبتلى وإذا ابتليت فلا تدل علي قال وجعل يداوي الناس فيبرىء الأكمه والأبرص فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا فقال اشفني ولك ما هاهنا فقال إني لا أشفي أحدا ولكن الله يشفي فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك قال فآمن فدعا الله له فشفاه فذهب فجلس إلى الملك فقال يا فلان من شفاك قال ربي قال أنا قال لا ربي وربك الله قال أ وإن لك ربا غيري قال نعم ربي وربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام فبعث إلى الغلام فقال لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص قال ما أشفي أحدا ولكن الله ربي يشفي قال أ وإن لك ربا غيري قال نعم ربي وربك الله فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين وقال للغلام ارجع عن دينك فأبى فأرسل معه نفرا وقال اصعدوا به جبل كذا وكذا فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه منه قال فعلوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون وجاء إلى الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله فأرسل به مرة أخرى قال انطلقوا به فلججوه في البحر فإن رجع وإلا فغرقوه فانطلقوا به في قرقور فلما توسطوا به البحر قال اللهم اكفنيهم بما شئت قال فانكفأت بهم السفينة وجاء حتى قام بين يدي الملك فقال ما صنع أصحابك قال كفانيهم الله ثم قال إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به أجمع الناس ثم اصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضعه على كبد القوس ثم قل باسم رب الغلام فإنك ستقتلني قال فجمع الناس وصلبه ثم أخذ سهما من كنانته فوضعه على كبد القوس وقال باسم رب الغلام ورمى فوقع السهم في صدغه ومات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل له أ رأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك آمن الناس فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك ثم أضرمها نارا فقال من رجع عن دينه فدعوه ومن أبى فأقحموه فيها فجعلوا يقتحمونها وجاءت امرأة بابن لها فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق وقال ابن المسيب كنا عند عمر بن الخطاب إذ ورد عليه أنهم احتفروا فوجدوا ذلك الغلام وهو واضع يده على صدغه فكلما مدت يده عادت إلى صدغه فكتب عمر واروه حيث وجدتموه وروى سعيد بن جبير قال لما انهزم أهل اسفندهان قال عمر بن الخطاب ما هم يهود ولا نصارى ولا لهم كتاب وكانوا مجوسا فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) بل قد كان لهم كتاب ولكنه رفع وذلك أن ملكا لهم سكر فوقع على ابنته أوقال على أخته فلما أفاق قال لها كيف المخرج مما وقعت فيه قالت تجمع أهل مملكتك وتخبرهم أنك ترى نكاح البنات وتأمرهم أن يحلوه فجمعهم فأخبرهم فأبوا أن يتابعوه فخد لهم أخدودا في الأرض وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى قبول ذلك قذفه في النار ومن أجاب خلى سبيله وقال الحسن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ذكر أمامه أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء وروى العياشي بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أرسل علي (عليه السلام) إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الأخدود فأخبره بشيء فقال (عليه السلام) ليس كما ذكرت ولكن سأخبرك عنهم إن الله بعث رجلا حبشيا نبيا وهم حبشة فكذبوه فقاتلهم فقتلوا أصحابه وأسروه وأسروا أصحابه ثم بنوا له حيرا ثم ملأوه نارا ثم جمعوا الناس فقالوا من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه فجعل أصحابه يتهافتون في النار فجاءت امرأة معها صبي لها ابن شهر فلما هجمت على النار هابت ورقت على ابنها فناداها الصبي لا تهابي وارمي بي وبنفسك في النار فإن هذا والله في الله قليل فرمت بنفسها في النار وصبيها وكان ممن تكلم في المهد وبإسناده عن ميثم التمار قال سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر أصحاب الأخدود فقال كانوا عشرة وعلى مثالهم عشرة يقتلون في هذا السوق وقال مقاتل كان أصحاب الأخدود ثلاثة واحد بنجران والآخر بالشام والآخر بفارس حرقوا بالنار أما الذي بالشام فهو أنطياخوس الرومي وأما الذي بفارس فهو بخت نصر وأما الذي بأرض العرب فهو يوسف بن ذي نواس فأما من كان بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهما قرآنا وأنزل في الذي كان بنجران وذلك أن رجلين مسلمين ممن يقرءون الإنجيل (أحدهما) بأرض تهامة (والآخر) بنجران اليمن أجر أحدهما نفسه في عمل يعمله فجعل يقرأ الإنجيل فرأت ابنة المستأجر النور يضيء من قراءة الإنجيل فذكرت لأبيها فرمق حتى رآه فسأله فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره بالدين والإسلام فتابعه مع سبعة وثمانين إنسانا من رجل وامرأة وهذا بعد ما رفع عيسى إلى السماء فسمع يوسف بن ذي نواس بن شراحيل بن تبع الحميري فخد لهم في الأرض وأوقد فيها فعرضهم على الكفر فمن أبى قذفه في النار ومن رجع عن دين عيسى لم يقذف فيها وإذا امرأة جاءت ومعها ولد صغير لا يتكلم فلما قامت على شفير الخندق نظرت إلى ابنها فرجعت فقال لها يا أماه إني أرى أمامك نارا لا تطفى فلما سمعت من ابنها ذلك قذفها في النار فجعلها الله وابنها في الجنة وقذف في النار سبعة وسبعون إنسانا قال ابن عباس من أبى أن يقع في النار ضرب بالسياط فأدخل الله أرواحهم في الجنة قبل أن تصل أجسامهم إلى النار.

المعنى:

إن الله سبحانه أقسم بالسماء فقال ﴿والسماء ذات البروج﴾ فالبروج المنازل العالية والمراد هنا منازل الشمس والقمر والكواكب وهي اثنا عشر برجا يسير القمر في كل برج منها يومين وثلاث وتسير الشمس في كل برج شهرا ﴿واليوم الموعود﴾ يعني يوم القيامة في قول جميع المفسرين وهو اليوم الذي يجازى فيه الخلائق ويفصل فيه القضاء ﴿وشاهد ومشهود﴾ فيه أقوال (أحدها) إن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة عن ابن عباس وقتادة وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه وفي الحديث ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله بخير إلا استحباب له ولا استعاذ من شر إلا أعاذه منه ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة (وثانيها) أن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة عن إبراهيم (وثالثها) أن الشاهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية أخرى وسعيد بن المسيب وهو المروي عن الحسن بن علي وروي أن رجلا دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا رجل يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فسألته عن الشاهد ومشهود فقال نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة فجزته إلى آخر يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسألته عن ذلك فقال أما الشاهد فيوم الجمعة وأما المشهود فيوم النحر فجزتهما إلى غلام كان وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت أخبرني عن شاهد ومشهود فقال أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما المشهود فيوم القيامة أ ما سمعته سبحانه يقول ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا﴾ وقال ﴿ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود﴾ فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وسألت عن الثاني فقالوا ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن بن علي (عليهما السلام) (ورابعها) أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم القيامة وعن أبي الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال فقلت وبعد الموت فقال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق (وخامسها) إن الشاهد الملك يشهد على بني آدم والمشهود يوم القيامة عن عكرمة وتلا هاتين الآيتين وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد وذلك يوم مشهود وقد قيل في ذلك أقوال أخر كقول الجبائي الشاهد الذين يشهدون على الناس والمشهود هم الذين يشهد عليهم وقول الحسين بن الفضل الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله ﴿لتكونوا شهداء على الناس﴾ وقيل الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود هم لقوله ﴿يوم تشهد عليهم ألسنتهم﴾ الآية وقيل الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج وقيل الشاهد الأيام والليالي والمشهود بنو آدم وينشد للحسين بن علي (عليهما السلام):

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا

وخلفت في يوم عليك شهيد

فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة

فقيد بإحسان وأنت حميد

ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

وقيل الشاهد الأنبياء والمشهود محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيانه ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين﴾ إلى قوله ﴿فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ وقيل الشاهد الله والمشهود لا إله إلا الله بيانه قوله ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾ الآية وقيل الشاهد الخلق والمشهود الحق وإليه أشار الشاعر بقوله:

أيا عجبا كيف يعصي الإله

أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة

وفي كل تسكينة شاهد

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

فهذه ثمانية أقوال أخر ﴿قتل أصحاب الأخدود﴾ أي لعنوا بتحريقهم الناس في الدنيا قبل الآخرة والمراد به الكافرون الذين حفروا الأخدود وعذبوا المؤمنين بالنار ويحتمل أن يكون إخبارا عن المسلمين الذين عذبوا بالنار في الأخدود والمعنى أنهم قتلوا بالإحراق في النار ذكرهم الله سبحانه وأثنى عليهم بحسن بصيرتهم وصبرهم على دينهم حتى أحرقوا بالنار لا يعطون التقية بالرجوع عن الإيمان ﴿النار ذات الوقود﴾ أي أصحاب النار الذين أوقدوها بإحراق المؤمنين وقوله ﴿ذات الوقود﴾ إشارة إلى كثرة حطب هذه النار وتعظيم لأمرها فإن النار لا تخلو عن وقود ﴿إذ هم عليها قعود﴾ يعني الكفار إذ هم على أطراف هذه النار جلوس يعذبون المؤمنون عن ابن عباس وقيل يعني هم عندها قعود يعرضونهم على الكفر عن مقاتل قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود وهو قوله ﴿وهم﴾ يعني الملك وأصحابه الذين خدوا الأخدود ﴿على ما يفعلون بالمؤمنين﴾ من عرضهم على النار وإرادتهم أن يرجعوا إلى دينهم ﴿شهود﴾ أي حضور قال الزجاج أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن أحرقوا بالنار في الله وقال الربيع بن أنس لما ألقوا في النار نجى الله المؤمنين بأن أخذ أرواحهم قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم وقيل أنهم كانوا فرقتين فرقة تعذب المؤمنين وفرقة تشاهد الحال لم يتولوا تعذيبهم لكنهم قعود رضوا بفعل أولئك وكانت الفرقة القاعدة مؤمنة لكنهم لم ينكروا على الكفار صنيعهم فلعنهم الله جميعا عن أبي مسلم والقعود جمع القاعد وكذلك الشهود جمع الشاهد وهم كل حاضر على ما شاهدوه إما بسمع أو بصر ﴿وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله﴾ أي ما كرهوا منهم إلا أنهم آمنوا عن ابن عباس وقيل ما أنكروا عليهم دينا وما عابوا منهم شيئا إلا إيمانهم وهذا كقوله ﴿هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله﴾عن الزجاج ومقاتل وقال الجبائي ما فعلوا بهم ذلك العذاب إلا بإيمانهم ﴿العزيز﴾ القادر الذي لا يمتنع عليه شيء القاهر الذي لا يقهر ﴿الحميد﴾ المحمود في جميع أفعاله ﴿الذي له ملك السماوات والأرض﴾ أي له التصرف في السماوات والأرض لا اعتراض لأحد عليه ﴿والله على كل شيء شهيد﴾ أي شاهد عليهم لم يخف عليه فعلهم بالمؤمنين فإنه يجازيهم وينتصف للمؤمنين منهم ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات﴾ أي الذين أحرقوهم وعذبوهم بالنار عن ابن عباس وقتادة والضحاك ومثله يوم هم على النار يفتنون ﴿ثم لم يتوبوا﴾ من فعلهم ذلك ومن الشرك الذي كانوا عليه وإنما شرط عدم التوبة لأنهم لو تابوا لما توجه إليهم الوعيد ﴿فلهم عذاب جهنم﴾ بكفرهم ﴿ولهم عذاب الحريق﴾ بما أحرقوا المؤمنين يسأل فيقال كيف فصل بين عذاب جهنم وعذاب الحريف وهما واحد.

أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق مثل الزقوم والغسلين والمقامع ولهم مع ذلك الإحراق بالنار وقيل لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا وذلك أن النار ارتفعت من الأخدود فأحرقتهم عن الربيع بن أنس وهو قول الكلبي وقال الفراء ارتفعت النار عليهم فأحرقتهم فوق الأخاديد ونجا المؤمنون ثم ذكر سبحانه ما أعده للمؤمنين الذين أحرقوا بالنار فقال ﴿إن الذين آمنوا﴾ أي صدقوا بتوحيد الله ﴿وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير﴾ النجاة العظيم والنفع الخالص وإنما وصفه بالكبير لأن نعيم العاملين كبير بالإضافة إلى نعيم من لا عمل له من داخلي الجنة لما في ذلك من الإجلال والإكرام والتبجيل والإعظام ثم قال سبحانه متوعدا للكفار والعصاة ﴿إن بطش ربك﴾ يا محمد ﴿لشديد﴾ يعني أن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة أليم شديد وإذا وصف البطش وهو الأخذ عنفا بالشدة فقد تضاعف مكروهه وتزايد إيلامه ﴿إنه هو يبديء﴾ الخلق يخلقهم أولا في الدنيا ﴿ويعيد﴾ هم أحياء بعد الموت للحساب والجزاء فليس إمهاله لمن يعصيه لإهماله إياه وقيل أنه يبديء بالعذاب في الدنيا ويعيده في الآخرة عن ابن عباس وذلك لأن ما قبله يقتضيه ﴿وهو الغفور﴾ لذنوب المؤمنين من أهل طاعته ومعناه كثير الغفران عادته مغفرة الذنوب ﴿الودود﴾ يود أولياءه ويحبهم عن مجاهد قال الأزهري في تفسير أسماء الله يجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى مفعول كركوب وحلوب ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لما عرفوا من فضله وكرمه ولما أسبغ من آلائه ونعمه قال وكلتا الصفتين مدح لأنه سبحانه أن أحب عباده المطيعين فهو فضل منه وأن أحبوه فلما عرفوه من فضله وإحسانه ﴿ذو العرش المجيد﴾ أكثر القراءة في المجيد الرفع لأن الله سبحانه هو الموصوف بالمجد ولأن المجيد لم يسمع في غير صفة الله تعالى وإن سمع الماجد ومن كسر المجيد جعله من صفة العرش وروي عن ابن عباس أنه قال يريد العرش وحسنه ويؤيده أن العرش وصف بالكرم في قوله ﴿رب العرش الكريم﴾ فجاز أيضا أن يوصف بالمجد لأن معناه الكمال والعلو والرفعة والعرش أكمل كل شيء وأعلاه وأجمعه لصفات الحسن ﴿فعال لما يريد﴾ لا يعجزه شيء طلبه ولا يمتنع منه شيء أراده عن عطاء وقيل لما يريد من الإبداء والإعادة ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال ﴿هل أتيك حديث الجنود﴾ الذين تجندوا على أنبياء الله أي هل بلغك أخبارهم وقيل أراد قد أتاك ثم بين سبحانه أصحاب الجنود فقال ﴿فرعون وثمود﴾ والمعنى تذكر يا محمد حديثهم تذكر معتبر كيف كذبوا أنبياء الله وكيف نزل بهم العذاب وكيف صبر الأنبياء وكيف نصروا فاصبر كما صبر أولئك ليأتيك النصر كما أتاهم وهذا من الإيجاز البديع والتلويح الفصيح الذي لا يقوم مقامه التصريح ﴿بل الذين كفروا﴾ يعني مشركي قريش ﴿في تكذيب﴾ لك والقرآن قد أعرضوا عما يوجبه الاعتبار وأقبلوا على ما يوجبه الكفر والطغيان ﴿والله من ورائهم محيط﴾ معناه أنهم في قبضة الله وسلطانه لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوانبه لا يمكنه الفوات والهرب وهذا من بلاغة القرآن ﴿بل هو قرآن مجيد﴾ أي كريم لأنه كلام الرب عن ابن عباس أي ليس هو كما يقولون من أنه شعر أو كهانة وسحر بل هو قرآن كريم عظيم الكرم فيما يعطي من الخير جليل الخطر والقدر وقيل هو قرآن كريم لما يعطي من المعاني الجليلة والدلائل النفيسة ولأن جميعه حكم والحكم على ثلاثة أوجه لا رابع لها معنى يعمل عليه فيما يخشى أو يتقي وموعظة تلين القلب للعمل بالحق وحجة تؤدي إلى تميز الحق من الباطل في علم دين أودنيا وعلم الدين أشرفهما وجميع ذلك موجود في القرآن ﴿في لوح محفوظ﴾ من التغيير والتبديل والنقصان والزيادة وهذا على قراءة من رفعه فجعله من صفة قرآن ومن جره فجعله صفة للوح فالمعنى أنه محفوظ لا يطلع عليه غير فجعله من صفة قرآن ومن جره فجعله صفة للوح فالمعنى أنه محفوظ لا يطلع عليه غير الملائكة وقيل محفوظ عند الله وهو أم الكتاب ومنه نسخ القرآن والكتب وهو الذي يعرف باللوح المحفوظ وهو من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب عن ابن عباس ومجاهد وقيل إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في جبهة إسرافيل عن أنس وقيل اللوح المحفوظ عن يمين العرش عن مقاتل.