الآيات 1-14

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿1﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴿2﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿3﴾ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿4﴾ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿5﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿6﴾ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿7﴾ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ﴿8﴾ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴿9﴾ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿10﴾ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ﴿11﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿12﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿13﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ﴿14﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وأهل البصرة سجرت بالتخفيف والباقون بالتشديد وقرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم ويعقوب وسهل ﴿نشرت﴾ بالتخفيف والباقون بالتشديد وقرأ أهل المدينة وابن عامر ورويس وعاصم غير يحيى وحماد ﴿سعرت﴾ بالتشديد والباقون بالتخفيف وقرأ أبو جعفر قتلت بالتشديد والباقون بالتخفيف وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) وإذا المودة سئلت بفتح الميم والواو وروي ذلك عن ابن عباس أيضا وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وهو قراءة ابن عباس ويحيى بن يعمر ومجاهد وأبي الضحى وجابر بن زيد.

الحجة:

قال أبو علي حجة سجرت قوله والبحر المسجور وقيل في البحر المسجور أنه الفارغ والمتتلىء ومنه الممتلىء قول الشاعر في صفة وعل:

إذا شاء طالع مسجورة

ترى حولها النبع والساسما

وحجة تشديد نشرت قوله صحفا منشرة وحجة سعرت بالتخفيف قوله ﴿وكفى بجهنم سعيرا﴾ فسعير فعيل بمعنى مفعول وهذا إنما يجيء من فعل وحجة من قال ﴿سجرت﴾ أن الفعل مسند إلى ضمير كثرة من باب غلقت الأبواب وحجة ﴿نشرت﴾ خفيفة قوله في رق منشور وحجة ﴿سعرت﴾ مشددة كلما خبت زدناهم سعيرا فهذا يدل على كثرة وشيء بعد شيء فحقه التشديد ومن قرأ وإذا الموءودة سألت بفتح السين جعل الموءودة موصوفة بالسؤال وبالقول ﴿بأي ذنب قتلت﴾ ويمكن أن يكون الله سبحانه أكملها في تلك الحال وأقدرها على النطق حتى قالت ذلك القول ويعضده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال يجيء المقتول ظلما يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك متعلقا بقاتله يقول يا رب سل هذا فيم قتلني ومن قرأ قتلت بالتشديد فالمراد به تكرار الفعل لأن المراد بالموءودة هنا الجنس فإرادة التكرار جائزة وأما من قرأ المودة بفتح الميم والواو فالمراد بذلك الرحم والقرابة وأنه يسأل قاطعها عن سبب قطعها وروي عن ابن عباس أنه قال هو من قتل في مودتنا أهل البيت (عليهم السلام) وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال يعني قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن قتل في جهاد وفي رواية أخرى قال هو من قتل في مودتنا وولايتنا.

اللغة:

التكوير التلفيف على جهة الاستدارة ومنه كور العمامة كرت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويرا وطعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا ونعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة والانكدار انقلاب الشيء حتى يصير أعلاه أسفله بما لو كان ماء لتكدر وأصله الانصباب قال العجاج أبصر خربان فضاء فانكدر والعشار جمع عشراء وهي الناقة التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها والناقة إذا وضعت لتمام ففي سنة وأصل السجر الملأ قال لبيد:

فتوسطا عرض السري فصدعا

مسجورة متجاورا قلامها

أي مملوءة وتنور مسجور مملوء بالنار والموءودة من وأد يئد وأدا وكانت العرب تئد البنات خوف الإملاق قال قتادة جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية فقال فأعتق عن كل واحدة رقبة قال إني صاحب إبل قال فاهد إلى من شئت عن كل واحدة بدنة قال الجبائي إنما سميت موئودة لأنها ثقلت في التراب الذي طرح عليها حتى ماتت وهذا خطأ لأن الموءودة من وأد يئد معتل الفاء ومن الثقل آده يؤده أثقله وهو معتل العين ولو كانت مأخوذة منه لقيل مئودة على وزن معوءدة وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن العزل فقال ذاك الوأد الخفي قال الفرزدق:

ومنا الذي منع الوائدات

فأحيا الوئيد فلم تواد

وقال:

ومنا الذي أحيا الوئيد وغالب

وعمرو ومنا حاجب والأقارع

والكشط القلع عن شدة التزاق والكشط والقشط واحد وفي حرف عبد الله وإذا السماء قشطت والتسعير تهييج النار حتى تتأجج ومنه السعر لأنه حال هيج الثمن بالارتفاع والانحطاط.

الإعراب:

ارتفعت الشمس بفعل مضمر تقديره إذا كورت الشمس كورت ولا يجوز إظهاره لأن ما بعده يفسره وإنما احتيج إلى إضمار فعل لأن في إذا معنى الشرط والشرط يقتضي الفعل وجواب إذا قوله ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ فإذا في موضع النصب لأنه ظرف لعلمت وعلى هذا يجري أمثاله والجملة التي هي الفعل المحذوف مع فاعله بعد إذا في موضع جر بإضافة إذا إليها والتقدير وقت تكوير الشمس تعلم كل نفس ما عملته وتجزى به وعلى هذا فهنا اثنا عشر ظرفا كلها إضافة إلى الجمل من قوله ﴿إذا الشمس كورت﴾ إلى قوله ﴿وإذا الجنة أزلفت﴾ والعامل فيها كلها قوله ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾.

المعنى:

أخبر الله سبحانه عن القيامة وشدائدها فقال ﴿إذا الشمس كورت﴾ أي ذهب ضوءها ونورها فأظلمت واضمحلت عن ابن عباس وأبي ومجاهد وقتادة وقيل ألقيت ورمي بها عن أبي صالح والربيع بن خثيم وقيل جمع ضوءها ولفت كما تلف العمامة عن الزجاج والمعنى أن الشمس تكور بأن يجمع نورها حتى تصير كالكارة الملقاء ويذهب ضوءها ويحدث الله تعالى للعباد ضياء غيرها ﴿وإذا النجوم انكدرت﴾ أي تساقطت وتناثرت عن مجاهد وقتادة والربيع بن خثيم يقال انكدر الطائر من الهواء إذا انقض وقيل تغيرت من الكدورة عن الجبائي والأول أولى لقوله ﴿وإذا الكواكب انتثرت﴾ إلا أن تقول يذهب ضوءها ثم تتناثر ﴿وإذا الجبال سيرت﴾ عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا وسرابا ﴿وإذا العشار﴾ وهي النوق الحوامل أتت عليها عشرة أشهر وبعد الوضع تسمى عشارا أيضا وهي أنفس مال عند العرب ﴿عطلت﴾ أي تركت هملا بلا راع وقيل العشار السحاب تعطل فلا تمطر عن الجبائي وحكي ذلك عن أبي عمرو قال الأزهري لا أعرف هذا في اللغة ﴿وإذا الوحوش حشرت﴾ أي جمعت حتى يقتص لبعضها من بعض فيقتص للجماء من القرناء ويحشر الله سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدنيا وينتصف لبعضها من بعض فإذا وصل إليها ما استحقته من الأعواض فمن قال أن العوض دائم تبقى منعمة إلى الأبد ومن قال تستحق العوض منقطعا فقال بعضهم يديمه الله لها تفضلا لئلا يدخل على المعوض غم بانقطاعه وقال بعضهم إذا فعل الله بها ما استحقته من الأعواض جعلها ترابا ﴿وإذا البحار سجرت﴾ أي أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حتى امتلأت وقيل إن المعنى فجر بعضها في بعض فصارت البحور كلها بحرا واحدا ويرتفع البرزخ عن مجاهد ومقاتل والضحاك وقيل سجرت أي أوقدت فصارت نارا تضطرم عن ابن عباس وقيل يبست وذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة عن الحسن وقتادة وقيل ملئت من القيح والصديد الذي يسيل من أبدان أهل النار في النار وأراد بحار جهنم لأن بحور الدنيا قد فنيت عن الجبائي ﴿وإذا النفوس زوجت﴾ أي قرن كل واحد منها إلى شكله وضم إليه والنفس يعبر بها عن الإنسان وقد يعبر بها عن الروح فالمعنى قرن كل إنسان بشكله من أهل النار وبشكله من أهل الجنة عن عمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وقيل معناه ردت الأرواح إلى الأجساد فتصير أحياء عن عكرمة والشعبي وأبي مسلم وقيل يقرن الغاوي بمن أغواه من إنسان أو شيطان عن الجبائي وقيل زوجت أي قرنت نفوس الصالحين من المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين عن عطاء ومقاتل ﴿وإذا الموءودة سئلت﴾ يعني الجارية المدفونة حيا وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها فإن ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته عن ابن عباس قال شاعرهم:

سميتها إذ ولدت تموت

والقبر صهر ضامن زميت

ومعنى قوله ﴿سئلت بأي ذنب قتلت﴾ أن الموءودة تسأل فيقال لها بأي ذنب قتلت ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها لأنها تقول قتلت بغير ذنب ويجري هذا مجرى قوله سبحانه لعيسى (عليه السلام) ﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ على سبيل التوبيخ لقومه وإقامة الحجة عليهم عن الفراء وقيل إن معنى سئلت طولب قاتلها بالحجة في قتلها وسئل عن سبب قتلها فكأنه قيل والموءودة يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت هذه ونظيره قوله ﴿إن العهد كان مسئولا﴾ أي مسئولا عنه عن أبي مسلم وعلى هذا فيكون القتلة هنا هم المسئولين على الحقيقة لا المقتولة وإنما المقتولة مسئول عنها ﴿وإذا الصحف نشرت﴾ يعني صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال أهلها من خير وشر تنشر ليقرأها أصحابها ولتظهر الأعمال فيجازوا بحسبها ﴿وإذا السماء كشطت﴾ أي أزيلت عن موضعها كالجلد يزال عن الجزور ثم يطويها الله وقيل معناه قلعت كما يقلع السقف عن الزجاج وقيل كشفت عمن فيها ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام ﴿وإذا الجحيم سعرت﴾ أوقدت وأضرمت حتى ازدادت شدة على شدة وقيل سعرها غضب الله وخطايا بني آدم عن قتادة ﴿وإذا الجنة أزلفت﴾ أي قربت من أهلها للدخول وقيل قربت بما فيها من النعيم فيزداد المؤمن سرورا ويزداد أهل النار حسرة ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ أي إذا كانت هذه الأشياء التي تكون في القيامة علمت في ذلك الوقت كل نفس ما وجدت حاضرا من عملها كما قالوا أحمدته وجدته محمودا وقيل علمت ما أحضرته من خير وشر وإحضار الأعمال مجاز لأنها لا تبقى والمعنى أنه لا يشذ عنها شيء فكان كلها حاضرة وقيل أن المراد صحائف الأعمال.