الآيات 1-4

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿1﴾ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿2﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿3﴾ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿4﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو أحد الله الصمد بغير تنوين الدال من أحد وروي عنه (عليه السلام) أنه كان يقول ﴿قل هو الله أحد﴾ ثم يقف فإن وصل قال أحد الله وزعم أن العرب لم تكن تصل مثل هذا والباقون ﴿أحد الله﴾ بالتنوين وقرأ إسماعيل عن نافع وحمزة وخلف ورويس كفؤا ساكنة الفاء مهموزة وقرأ حفص ﴿كفوا﴾ مضمومة الفاء مفتوحة الواو وغير مهموزة وقرأ الباقون كفؤا بالهمزة وضم الفاء.

الحجة:

قال أبو علي: من قرأ ﴿أحد الله﴾ فوجهه بين وذلك أن التنوين من أحد ساكن ولام المعرفة من الاسم ساكن فلما التقى الساكنان حرك الأول منهما بالكسر كما تقول اذهب اذهب ومن قال أحد الله فحذف النون فإن النون قد شابهت حروف اللين في الآخر في أنها تزاد كما يزدن وفي أنها تدغم فيهن كما يدغم كل واحد من الواو والياء في الآخر وفي أنها قد أبدلت منها الألف في الأسماء المنصوبة وفي الخفيفة فلما شابهت حروف اللين أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذف الألف والواو والياء لذلك في نحو رمى القوم ويغزو الجيش ويرمي القوم ومن ثم حذفت ساكنة في الفعل في نحو لم يك ولا تك في مرية فحذفت في أحد الله لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف في نحو هذا زيد بن عمرو حتى استمر ذلك في الكلام وأنشد أبو زيد:

فالفيتة غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلا قليلا

وقال الشاعر:

كيف نومي على الفراش ولما

تشمل أشأم غارة شعواء

تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي

عن خدام العقيلة العذراء

أما كفوا و﴿كفوا﴾ فأصله الضم فخفف مثل طنب وطنب وعنق وعنق.

اللغة:

أحد أصله وحد فقلبت الواو همزة ومثله أناة وأصله وناة وهو على ضربين (أحدهما) أن يكون اسما (والآخر) أن يكون صفة فالاسم نحو أحد وعشرون يريد به الواحد والصفة كما في قول النابغة:

كان رحلي وقد زال النهار بنا

بذي الجليل على مستأنس وحد

وكذلك قولهم واحد يكون اسما كالكاهل والغارب ومنه قولهم واحد اثنان ثلاثة وتكون صفة كما في قول الشاعر:

فقد رجعوا كحي واحدينا وقد جمعوا أحدا الذي هو الصفة على أحد أن قالوا أحد وأحدان شبهوه بسلق وسلقان ونحوه قول الشاعر:

يحمي الصريمة أحدان الرجال له

صيد ومجترىء بالليل هماس

فهذا جمع لأحد الذي يراد به الرفع من الموصوف والتعظيم له وأنه متفرد عن الشبه والمثل وقالوا هو أحد الأحد إذا رفع منه وعظم وقالوا أحد الأحدين وواحد الآحاد وحقيقة الواحد شيء لا ينقسم في نفسه أو في معنى صفته فإذا أطلق واحد من غير تقدم موصوف فهو واحد في نفسه وإذا أجري على موصوف فهو واحد في معنى صفته فإذا قيل الجزء الذي لا يتجزأ واحد أريد أنه واحد في نفسه وإذا قيل هذا الرجل إنسان واحد فهو واحد في معنى صفته وإذا وصف الله تعالى بأنه واحد فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها أحد غيره نحو كونه قادرا لنفسه عالما حيا موجودا كذلك والصمد السيد المعظم الذي يصمد إليه في الحوائج أي يقصد وقيل هو السيد الذي ينتهي إليه السؤدد قال الأسدي:

ألا بكر الناعي بخيري بني أسد

بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

و قال الزبرقان:

ولا رهينة إلا السيد الصمد

وقال رجل مصمد أي مقصود وكذلك بيت مصمد قال طرفة:

وإن يلتقي الحي الجميع تلاقني

إلى ذروة البيت الرفيع المصمد

والكفو والكفيء والكفاء واحد وهو المثل والنظير قال النابغة:

لا تقذفني بركن لا كفاء له

ولو تأثفك الأعداء بالرفد

وقال حسان:

وجبريل رسول الله منا

وروح القدس ليس له كفاء

وقال آخر في الكفيء:

أما كان عباد كفيئا لدارم

بلى ولأبيات بها الحجرات

الإعراب:

قال أبو علي ﴿قل هو الله أحد﴾ يجوز في إعراب الله ضربان (أحدهما) أن يكون خبر مبتدأ وذلك على قول من ذهب إلى أن هو كناية عن اسم الله تعالى ثم يجوز في قوله ﴿أحد﴾ ما يجوز في قولك زيد أخوك قائم (والآخر) على قول من ذهب إلى أن هو كناية عن القصة والحديث فيكون اسم الله عنده مرتفعا بالابتداء وأحد خبره ومثله قوله تعالى فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا إلا أن هي جاءت على التأنيث لأن في التفسير اسما مؤنثا وعلى هذا جاء فإنها لا تعمى الأبصار وإذا لم يكن في التفسير مؤنث لم يؤنث ضمير القصة وقوله ﴿الله الصمد﴾ الله مبتدأ والصمد خبره ويجوز أن يكون الصمد صفة الله والله خبر مبتدإ محذوف أي هو الله الصمد ويجوز أن يكون ﴿الله الصمد﴾ خبرا بعد خبر على قول من جعل هو ضمير الأمر والحديث ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ قال أن له ظرف غير مستقر وهو متعلق بكان وكفوا منتصب بأنه خبر متقدم كما كان قوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين كذلك وزعموا أن من البغداديين من يقول أن في يكن من قوله ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ ضميرا مجهولا وقوله ﴿كفوا﴾ ينتصب على الحال والعامل فيها له وهذا إذا أفردته عن يكن كان معناه له أحد كفوا وإذا حمل على هذا لم يسغ ووجه ذلك أنه محمول على معنى النفي فكأنه لم يكن أحد له كفوا كما كان قولهم ليس الطيب إلا المسك محمولا على معنى النفي ولو لا حمله على المعنى لم يجز ألا ترى أنك لو قلت زيدا إلا منطلق لم يكن كلاما فكما أن هذا محمول على المعنى كذلك ﴿له كفوا أحد﴾ محمول على المعنى وعلى هذا جاز أن يكون أحد فيه الذي يقع لعموم النفي ولو لا ذلك لم يجز أن يقع أحد هذا في الإيجاب فإن قلت أيجوز أن يكون قوله تعالى ﴿له﴾ عندكم حالا على أن يكون المعنى ولم يكن كفوا له أحد فيكون له صفة للنكرة فلما قدم صار في موضع الحال كقوله لعزة موحشا طلل قديم فإن سيبويه قال إن ذلك يقل في الكلام وإن كثر في الشعر فإن حملته على هذا على استكراه كان غير ممتنع والعامل في قوله ﴿له﴾ إذا كان حالا يجوز أن يكون أحد شيئين (أحدهما) يكن (والآخر) أن يكون ما في معنى كفوا من معنى المماثلة فإن قلت أن العامل في الحال إذا كان معنى لم يتقدم الحال عليه فإن له لما كان على لفظ الظرف والظرف يعمل فيه المعنى وإن تقدم عليه كقولك كل يوم لك ثوب كذلك يجوز في هذا الظرف وذلك من حيث كان ظرفا وفيه ضمير في الوجهين يعود إلى ذي الحال وهو كفوا.

النزول:

قيل أن المشركين قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنسب لنا ربك فنزلت السورة عن أبي بن كعب وجابر وقيل أتى عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أخو لبيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال عامر إلى ما تدعونا يا محمد فقال إلى الله فقال صفه لنا أ من ذهب هو أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت السورة وأرسل الله الصاعقة على أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات عن ابن عباس وقيل جاء أناس من أحبار اليهود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا محمد صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فنزلت السورة وهي نسبة الله خاصة عن الضحاك وقتادة ومقاتل وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن اليهود سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا أنسب لنا ربك فمكث ثلاثا لا يجيبهم ثم نزلت السورة.

وقريب منه ما ذكره القاضي في تفسيره أن عبد الله بن سلام انطلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنشدك بالله هل تجدني في التوراة رسول الله فقال أنعت لنا ربك فنزلت هذه السورة فقرأها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت سبب إسلامه إلا أنه كان يكتم ذلك إلى أن هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة ثم أظهر الإسلام.

المعنى:

﴿قل هو الله أحد﴾ هذا أمر من الله عز اسمه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول لجميع المكلفين هو الله الذي تحق له العبادة قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل ومعناه الذي سألتم تبيين نسبته هو الله أحد أي واحد ويجوز أن يكون المعنى الأمر الله أحد لا شريك له ولا نظير وقيل معناه واحد ليس كمثله شيء عن ابن عباس وقيل واحد في الإلهية والقدم وقيل واحد في صفة ذاته لا يشركه في وجوب صفاته أحد فإنه يجب أن يكون موجودا عالما قادرا حيا ولا يكون ذلك واجبا لغيره وقيل واحد في أفعاله لأن أفعاله كلها إحسان لم يفعلها لجر نفع ولا لدفع ضرر فاختص بالوحدة من هذا الوجه إذ لا يشركه فيه سواه واحد في أنه لا يستحق العبادة سواه لأنه القادر على أصول النعم من الحياة والقدرة والشهوة وغير ذلك مما لا تكون النعمة نعمة إلا به ولا يقدر على شيء من ذلك غيره فهو أحد من هذه الوجوه الثلاثة وقيل إنما قال أحد ولم يقل واحد لأن الواحد يدخل في الحساب ويضم إليه آخر وأما الأحد فهو الذي لا يتجزأ ولا ينقسم في ذاته ولا في معنى صفاته ويجوز أن يجعل للواحد ثانيا ولا يجوز أن يجعل للأحد ثانيا لأن الأحد يستوعب جنسه بخلاف الواحد أ لا ترى أنك لو قلت فلان لا يقاومه واحد جاز أن يقاومه اثنان ولما قلت لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فهو أبلغ وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في معنى ﴿قل هو الله أحد﴾ أي قل أظهر ما أوحينا إليك وما نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها عليك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد وهو اسم مكنى مشار إلى غائب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس كما أن قولك هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة إلى المشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة بالأبصار فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا ناله فيه فأنزل الله سبحانه ﴿قل هو الله أحد﴾ فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه يتعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس وحدثني أبي عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئا أنتصر به على الأعداء فقال قل يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر قال وقرأ (عليه السلام) يوم بدر ﴿قل هو الله أحد﴾ فلما فرغ قال يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين وكان يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد فقال له عمار بن ياسر يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات قال اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال قال وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه الله المستور عن إدراك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات وقال الباقر (عليه السلام) الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن إدراك ماهيته والإحاطة بكيفيته وتقول العرب أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما ووله إذا فزع إلى شيء قال والأحد الفرد المتفرد والأحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد الإقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ومن ثم قالوا إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله ﴿الله أحد﴾ أي المعبود الذي يسأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه.

﴿الله الصمد﴾ قال الباقر (عليه السلام) حدثني أبي زين العابدين (عليه السلام) عن أبيه الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال الصمد الذي قد انتهى سؤدده والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال والصمد الذي لا جوف له والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام وأقول أن المعنى في هذه الثلاثة أنه سبحانه الحي الذي لا يحتاج إلى الطعام والشراب والنوم قال الباقر (عليه السلام) والصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه قال وكان محمد بن الحنفية يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره وقال غيره الصمد المتعالي عن الكون والفساد والصمد الذي لا يوصف بالنظائر قال وسئل علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء وقال أبو البختري وهب بن وهب القرشي قال زيد بن علي (ع) الصمد الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأصنافا وأشكالا وأزواجا وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند قال وهب بن وهب وحدثني الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام) إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار وإن الله قد فسر سبحانه الصمد فقال ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد﴾ ﴿لم يلد﴾ لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا ينبعث منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والغم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسامة والجوع والشبع تعالى أن يخرج منه شيء وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف ﴿ولم يولد﴾ أي ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب والنار من الحجر لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشىء الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ قال وهب بن وهب سمعت الصادق (عليه السلام) يقول قدم وفد من فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه عن مسائل فأجابهم عنها ثم سألوه عن الصمد فقال تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف (فالألف) دليل على أنيته وهو قوله عز وجل ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾ وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس (واللام) دليل على إلاهيته بأنه هو الله والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلاهيته بلطفه خافية لا يدرك بالحواس ولا يقع في لسان واصف ولا أذن سامع لأن تفسير الإله هو الله الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وإنما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة وإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا يتبين ولا يدخل في حاسة من حواسه الخمس فلما نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكر العبد في ماهية البارىء وكيفيته أله وتحير ولم تحط فكرته بشيء يتصور له لأنه تعالى خالق الصور وإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم وأما (الصاد) فدليل على أنه سبحانه صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعدنا بالصدق وأراد الصدق وأما (الميم) فدليل على ملكه وأنه الملك الحق المبين لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه وأما (الدال) فدليل على دوام ملكه وأنه دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو الله عز وجل مكون الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن ثم قال (عليه السلام) لو وجدت لعلمي الذي أتاني الله حملة لنشرت التوحيد والإسلام والدين والشرائع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس على الصعداء أو يقول على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علما جما هاه هاه ألا لا أجد من يحمله ألا وأن عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور وعن عبد خير قال سأل رجل عليا (عليه السلام) عن تفسير هذه السورة فقال قل هو الله أحد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثا هالكا ولم يولد فيكون إلها مشاركا ولم يكن له من خلقه كفوا أحد وقال ابن عباس لم يلد فيكون والدا ولم يولد فيكون ولدا وقيل لم يلد ولدا فيرث عنه ملكه ولم يولد فيكون قد ورث الملك عن غيره وقيل لم يلد فيدل على حاجته فإن الإنسان يشتهي الولد لحاجته إليه ولم يولد فيدل على حدوثه وذلك من صفة الأجسام وفي هذا رد على القائلين أن عزيرا والمسيح ابن الله وإن الملائكة بنات الله ولم يكن له كفوا أحد أي لم يكن له أحد كفوا أي عديلا ونظيرا يماثله وفي هذا رد على من أثبت له مثلا في القدم وغيره من الصفات وقيل معناه ولم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكني عنها بالكفوء لأن الزوجة تكون كفوا لزوجها وقيل إنه سبحانه بين التوحيد بقوله ﴿الله أحد﴾ وبين العدل بقوله ﴿الله الصمد﴾ وبين ما يستحيل عليه من الوالد والولد بقوله ﴿لم يلد ولم يولد﴾ وبين ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ وفيه دلالة على أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو في مكان ولا جهة وقال بعض أرباب اللسان وجدنا أنواع الشرك ثمانية النقص والتقلب والكثرة والعدد وكونه علة أو معلولا والأشكال والأضداد فنفى الله سبحانه عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله ﴿قل هو الله أحد﴾ ونفي التقلب والنقص بقوله ﴿الله الصمد﴾ ونفي العلة والمعلول بقوله ﴿لم يلد ولم يولد﴾ ونفي الأشكال والأضداد بقوله ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ فحصلت الوحدانية البحث وروى عمران بن الحصين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية واستعمل عليها عليا (عليه السلام) فلما رجعوا سألهم عن علي (عليه السلام) فقالوا كل خير غير أنه كان يقرأ في أثناء كل صلاة بقل هو الله أحد فقال لم فعلت يا علي هذا فقال لحبي قل هو الله أحد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أحببتها حتى أحبك الله عز وجل ويروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة وروى الفضيل بن يسار قال أمرني أبو جعفر أن أقرأ قل هو الله أحد وأقول إذا فرغت منها كذلك الله ربي ثلاثا.