الآيات 11-22
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴿11﴾ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴿12﴾ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴿13﴾ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴿14﴾ وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ﴿15﴾ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ﴿16﴾ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ﴿17﴾ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ﴿18﴾ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ﴿19﴾ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴿20﴾ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴿21﴾ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ﴿22﴾
القراءة:
قرأ الشعبي وعبيد بن عمير قدروها بضم القاف والقراءة المشهورة ﴿قدروها﴾ بفتح القاف وقرأ أهل المدينة وحمزة عاليهم ساكنة الياء والباقون ﴿عاليهم﴾ بفتح الياء وقرأ أهل البصرة وأبو جعفر وابن عامر خضر بالرفع واستبرق بالجر وقرأ ابن كثير وأبو بكر خضر بالجر واستبرق بالرفع وقرأ نافع وحسن بالرفع فيهما وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالجر فيهما.
الحجة:
من قرأ ﴿قدروها﴾ بالفتح فالمعنى قدروها في أنفسهم فجاءت كما قدروها ومن قرأ بالضم أراد أن ذلك قدر لهم أي قدره الله لهم كذلك قال أبو علي الضمير في ﴿قدروها﴾ للخزان أو الملائكة أي قدروها على ربهم لا ينقص من ذلك ولا يزيد عليه ومن قرأ قدروها فهو على هذا المعنى يريد كان اللفظ قدروا عليها فحذف الجار كما حذف من قوله:
كأنه واضح الأقراب في لقح
أسمى بهن وعزته الأناصيل
فلما حذف الحرف وصل الفعل فكذلك قوله قدروها إلا أن المعنى قدرت عليهم أي على ربهم فقلب كما قال:
لا تحسبن دراهما سرقتها
تمحو مخازيك التي بعمان
وعلى هذا يتأول قوله ﴿ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة﴾ ومثل هذا ما حكاه أبو زيد إذا طلعت الجوزاء أوفى السود في الجرباء قال ومن نصب ﴿عاليهم﴾ فإن النصب يحتمل أمرين (أحدهما) أن يكون حالا (والآخر) أن يكون ظرفا فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين (أحدهما) لقاهم (والآخر) جزاهم ومثله في كونه حالا ﴿متكئين فيها على الأرائك﴾ فإن قلت لم لا يكون متكئين صفة جنة وفيها ذكر لها قيل لا يجوز ذلك ألا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنة وليس الفعل لها فإذا لم يجز ذلك كان حالا وكذلك قوله ﴿ودانية عليهم ظلالها﴾ إلا أنه يجوز في قوله ﴿ودانية عليهم ظلالها﴾ أمران (أحدهما) الحال (والآخر) أن ينتصب على أنه مفعول به ويكون المعنى وجزاهم جنة وحريرا أي لبس حرير ودخول جنة ودانية عليهم ظلالها فيكون على هذا التقدير كقوله ولمن خاف مقام ربه جنتان فإن لم تحمله على هذا وقلت إنه يعرض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف وإن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم وإذا حملته على الحال يكون مثل ما عطفته عليه من قوله ﴿متكئين﴾ ﴿ودانية عليهم﴾ وكذلك يكون ﴿عاليهم ثياب سندس﴾ معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة فيكون ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل والضمير عائد إلى ذي الحال من قوله ﴿عاليهم﴾ وفي الشواذ عاليتهم قراءة الأعمش ويكون بمنزلة قوله خاشعا أبصارهم وخاشعة أبصارهم ومن جعله ظرفا فإنه لما كان عالي بمعنى فوق أجري مجراه في هذا ومن قرأ عاليهم بسكون الياء جعله مبتدأ وثياب سندس خبره ويكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة كما أن الخبر جماعة وقد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة قال:
ألا إن جيراني العشية رائح
دعتهم دواع من هوى ومنادح
وفي التنزيل مستكبرين به سامرا تهجرون فقطع دابر القوم الذين ظلموا فكأنه أفرد من حيث جعل بمعنى المصدر من نحو قوله ولا خارجا من في زور كلام وقد قالوا الجامل والباقر يراد بهما الكثرة وأخذ عليه البصير النحوي الملقب بجامع العلوم هذا الكلام ونسبه فيه إلى سوء التأمل وقال عاليهم بسكون الياء صفة الولدان أي يطوف عليهم ولدان عاليهم ثياب سندس فيرتفع ثياب سندس باسم الفاعل الجاري صفة على الموصوف وأقول وبالله التوفيق إني لأرى أن نظر هذا الفاضل قد اختل كما أن بصره قد اعتل فرمى أبا علي بدائه وأنسل أ لم ينظر في خاتمة هذه الآية إلى قوله سبحانه ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾ ثم قوله عقيب ذلك ﴿إن هذا كان لكم جزاء﴾ فيعرف أن الضمير في عاليهم هو بعينه في وسقاهم وهو ضمير المخاطبين في لكم وهذا الضمير لا يمكن أن يعود إلا إلى الأبرار المثابين المجازين دون الولدان المخلدين الذين هم من جملة ثوابهم وجزائهم اللهم لك الحمد على تأييدك وتسديدك رجعنا إلى كلام أبي علي قال ويجوز على قياس قول أبي الحسن في قائم أخواك وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل وإن لم يعتمد على شيء أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم وأفردت عاليا لأنه فعل متقدم قال أبو علي والأوجه قراءة من قال خضر بالرفع واستبرق بالجر لأن خضرا صفة مجموعة لموصوف مجموع وهو ثياب وأما استبرق فجر من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب كما أضيفت إلى سندس كما يقال ثياب خز وكتان ويدل على ذلك قوله ﴿ويلبسون ثيابا خضرا من سندس﴾ واستبرق ومن قرأ ﴿خضر واستبرق﴾ فإنه أجرى الخضر وهو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس وأجاز أبو الحسن وصف هذه الأجناس بالجمع فقال تقول أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض على استقباح له ومن رفع استبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه ثياب سندس وثياب استبرق فحذف المضاف الذي هو ثياب وأقام استبرق مقامه كما إنك إذا قلت عليه خز بمعنى عليه ثوب خز وليس المعنى أن عليه الدابة التي هي الخز وعلى هذا قوله:
كان خزا تحته وقزا
وفرشا محشوة أوزا
اللغة:
الوقاية الحفظ والمنع من الأذى وقاه يقيه وقاية ووقاه توقية قال رؤبة أن الموقي مثل ما وقيت ومنه اتقاه وتوقاه وأصل الشر الظهور فهو ظهور الضرر ومنه شررت الثوب إذا ظهرته للشمس أو الريح قال وحتى أشرت بالأكف المصاحف أي أظهرت ومنه شرر النار لظهوره بتطايره والنضرة حسن الألوان ونبت ناضر ونضير ونضر والسرور اعتقاد وصول المنافع إليه في المستقبل وقال قوم هو لذة في القلب فحسب متعلقة بما فيه النفع وكل سرور فلا بد له من متعلق كالسرور بالمال والولد والسرور بالإكرام والإجلال والسرور بالحمد والشكر والسرور بالثواب والأرائك الحجال فيها الأسرة واحدتها أريكة قال الزجاج الأريكة كل ما يتكأ عليه من مسورة أو غيرها والزمهرير أشد ما يكون من البرد والزنجبيل ضرب من القرفة طيب الطعم يحذو اللسان ويربى بالعسل ويستدفع به المضار وإذا مزج به الشراب فاق في الإلذاذ والعرب تستطيب الزنجبيل جدا قال الشاعر:
كان القرنفل والزنجبيل
باتا بفيها واريا مشورا
والسلسبيل الشراب السهل اللذيذ يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل والولدان الغلمان جمع وليد والسندس الديباج الرقيق الفاخر الحسن والإستبرق الديباج الغليظ الذي له بريق.
الإعراب:
﴿وإذا رأيت ثم﴾ قال الزجاج العامل في ثم معنى رأيت والمعنى وإذا رأيت ببصرك ثم قال الفراء المعنى وإذا رأيت ما ثم وغلطه الزجاج في ذلك وقال إن ما تكون موصولة بقوله ثم على هذا التفسير ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم وأقول يجوز أن يكون مفعول رأيت محذوفا ويكون ثم ظرفا والتقدير وإذا رأيت ما ذكرناه ثم.
المعنى:
ثم أخبر سبحانه بما أعد للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال ﴿فوقيهم الله شر ذلك اليوم﴾ أي كفاهم الله ومنع منهم أهوال يوم القيامة وشدائده ﴿و لقيهم نضرة وسرورا﴾ أي استقبلهم بذلك ﴿وجزيهم﴾ أي وكافأهم ﴿بما صبروا﴾ أي بصبرهم على طاعته واجتناب معاصيه وتحمل محن الدنيا وشدائدها ﴿جنة﴾ يسكنونها ﴿وحريرا﴾ من لباس الجنة يلبسونه ويفرشونه ﴿متكئين﴾ أي جالسين جلوس الملوك ﴿فيها﴾ أي في الجنة ﴿على الأرائك﴾ أي الأسرة في الحجال عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل كلما يتكأ عليه فهو أريكة عن الزجاج وقيل الأرائك الفرش فوق الأسرة عن أبي مسلم ﴿لا يرون فيها﴾ أي في تلك الجنة ﴿شمسا﴾ يتأذون بحرها ﴿ولا زمهريرا﴾ يتأذون ببرده ﴿ودانية عليهم ظلالها﴾ يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم وقيل إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا ﴿وذللت قطوفها تذليلا﴾ أي وسخرت وسهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره وإن قعد نزلت عليه حتى ينالها وإن اضطجع تدلت حتى تنالها يده عن مجاهد وقيل معناه لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك ﴿ويطاف عليهم﴾ أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل ﴿بانية من فضة وأكواب﴾ جمع كوب وهو إناء للشرب من غير عروة وقيل الأكواب الأقداح عن مجاهد ﴿كانت﴾ تلك الأكواب ﴿قواريرا﴾ أي زجاجات ﴿من فضة﴾ قال الصادق (عليه السلام) ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج والمعنى أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير فيرى من خارجها ما في داخلها قال أبو علي إن سئل فقيل كيف تكون القوارير من فضة وإنما القوارير من الرمل دونها فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء واشتدت ملابسته له قيل أنه من كذا وإن لم يكن منه في الحقيقة كقول البعيث:
ألا أصبحت خنساء خارمة الوصل
وضنت علينا والضنين من البخل
وصدت فأعدانا بهجر صدودها
وهن من الأخلاف قبلك والمطل
وقال:
ألا في سبيل الله تغيير لمتي
ووجهك مما في القوارير أصفر
فعلى هذا يجوز قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة ونقائها ويجوز تقدير حذف المضاف أي من صفاء الفضة وقوارير الثانية بدل من الأولى وليست بتكرار وقيل أن قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة فلذلك كانت قواريرها مثل الفضة عن ابن عباس ﴿قدروها تقديرا﴾ أي قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد ولا ينقص من الري والضمير في قدروها للسقاة والخدم الذين يسقون فإنهم يقدرونها ثم يسقون وقيل قدروها على قدر ملء الكف أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا لم تعظم ولم يثقل الكف عن حملها عن الربيع والقرظي وقيل قدروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدروا والضمير في قدروا للشاربين ﴿ويسقون فيها﴾ أي في الجنة ﴿كأسا كان مزاجها زنجبيلا﴾ قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا وقال ابن عباس كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له مثل في الدنيا ولكن سماه الله بالاسم الذي يعرف والزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن ووعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة ﴿عينا فيها تسمى سلسبيلا﴾ أي تمزج الخمر بالزنجبيل والزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن وقال الزجاج هو صفة لما كان في غاية السلاسة يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق وقيل سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان عن أبي العالية ومقاتل وقيل سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاءوا عن قتادة ﴿ويطوف عليهم ولدان مخلدون﴾ مر تفسيره ﴿إذا رأيتهم﴾ يعني إذا رأيت أولئك الولدان ﴿حسبتهم لؤلؤا منثورا﴾ من الصفاء وحسن المنظر والكثرة فذكر لونهم وكثرتهم وقيل إنما شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم ﴿وإذا رأيت ثم﴾ أي إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة وقيل أن تقديره وإذا رأيت الأشياء ثم ﴿رأيت نعيما﴾ خطيرا ﴿وملكا كبيرا﴾ لا يزول ولا يفنى عن الصادق (عليه السلام) وقيل كبيرا أي واسعا يعني أن نعيم الجنة لا يوصف كثرة وإنما يوصف بعضها وقيل الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام وقيل هو أنهم لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه وقيل هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر وحصول الأماني ﴿عاليهم ثياب سندس﴾ من جعله ظرفا فهو بمنزلة قولك فوقهم ثياب سندس ومن جعله حالا فهو بمنزلة قولك يعلوهم ثياب سندس وهو ما رق من الثياب فيلبسونها وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في معناه تعلوهم الثياب فيلبسونها ﴿خضر واستبرق﴾ وهو ما غلظ منها ولا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج قال ابن عباس أ ما رأيت الرجل عليه ثياب والذي يعلوها أفضلها ﴿وحلوا أساور من فضة﴾ الفضة الشفافة وهي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة وهو أفضل من الدر والياقوت وهما أفضل من الذهب والفضة فتلك الفضة أفضل من الذهب والفضة في الدنيا وهما أثمان الأشياء وقيل أنهم يحلون بالذهب تارة وبالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية كما قال الله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب والفضة وإن كانت دنية الثمن في الدنيا فهي في غاية الحسن خاصة إذا كانت بالصفة التي ذكرناها والغرض في الآخرة ما يكثر الاستلذاذ والسرور به لا ما يكثر ثمنه لأنه ليست هناك أثمان ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾ أي طاهرا من الأقذار والأقذاء لم تدنسها الأيدي ولم تدسها الأرجل كخمر الدنيا وقيل طهورا لا يصير بولا نجسا ولكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك وإن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا وأكلهم ونهمتهم فإذا أكل ما شاء سقي شرابا طهورا فيطهر بطنه ويصير ما أكل رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر ويضمر بطنه وتعود شهوته عن إبراهيم التميمي وأبي قلابة وقيل يطهرهم عن كل شيء سوى الله إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله رووه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ﴿إن هذا﴾ يعني ما وصف من النعيم وأنواع الملاذ ﴿كان لكم جزاء﴾ أي مكافاة على أعمالكم الحسنة وطاعتكم المبرورة ﴿وكان سعيكم﴾ في مرضاة الله وقيامكم بما أمركم الله به ﴿مشكورا﴾ أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه فكأنه شكر لكم فعلكم.