الآيات 6-11

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿6﴾ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ﴿7﴾ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿8﴾ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ﴿9﴾ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿10﴾ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿11﴾

القراءة:

قرأ أبو جعفر والكسائي فسحقا بضمتين والباقون بالتخفيف.

الحجة:

سحق وسحق مثل عنق وعنق وطنب وطنب ونحو ذلك وكلاهما حسن.

اللغة:

الشهيق صوت تقطيع النفس كالنزع وإذا اشتد لهيب النار سمع منها ذلك الصوت كأنها تطلب الوقود قال رؤبة:

حشرج في الجوف سحيلا أو شهق

حتى يقال ناهق وما نهق

وقيل إن الشهيق في الصدر والزفير في الحلق والفور ارتفاع الشيء بالغليان يقال فارت القدر تفور ومنه الفوارة لارتفاعها بالماء ارتفاع الغليان ومنه فار الدم من الجرح وفار الماء من الأرض والسحق البعد يقال أسحقهم الله إسحاقا وسحقا أي ألزمهم الله سحقا عن الخير فجاء المصدر على غير لفظه كما قال والله أنبتكم من الأرض نباتا وتقديره فأسحقهم إسحاقا وأما سحقته سحقا فمعناه باعدته بالتفريق عن حال اجتماعه حتى صار كالغبار.

المعنى:

لما تقدم وعيد الشياطين الذين دعوا إلى الكفر والضلال أتبعه سبحانه بذكر الكفار الضلال فقال ﴿وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير﴾ أي بئس المال والمرجع وإنما وصف ببئس وهو من صفات الذم والعقاب حسن لما في ذلك من الضرر الذي يجب على كل عاقل أن يتقيه بغاية الجهد ولا يجوز قياسا على ذلك أن يوصف به فاعل العقاب لأنه لا يقال بئس الرجل إلا على وجه الذم ووجه الحكمة في فعل العقاب ما فيه من الزجر المتقدم للمكلف ولا يمكن أن يكون مزجورا إلا به ولولاه لكان مغرى بالقبيح ﴿إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا﴾ أي إذا طرح الكفار في النار سمعوا للنار صوتا فظيعا مثل صوت القدر عند فورانها وغليانها فيعظم بسماع ذلك عذابهم لما يرد على قلوبهم من قوله ﴿وهي تفور﴾ أي تغلي بهم كغلي المرجل ﴿تكاد تميز﴾ أي تتقطع وتتفرق ﴿من الغيظ﴾ أي شدة الغضب سمى سبحانه شدة التهاب النار غيظا على الكفار لأن المغتاظ هو المتقطع مما يجد من الألم الباعث على الإيقاع بغيره فحال جهنم كحال المتغيظ ﴿كلما ألقي فيها﴾ أي كلما طرح في النار ﴿فوج﴾ من الكفار ﴿سألهم خزنتها أ لم يأتكم نذير﴾ أي تقول لهم الملائكة الموكلون بالنار على وجه التبكيت لهم في صيغة الاستفهام أ لم يجئكم مخوف من جهة الله سبحانه يخوفكم عذاب هذه النار ﴿قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء﴾ أي فيقولون في جوابهم بلى قد جاءنا مخوف فلم نصدقه وكذبناه ولم نقبل منه بل قلنا له ما نزل الله شيئا مما تدعونا إليه وتحذرنا منه فتقول لهم الملائكة ﴿إن أنتم إلا في ضلال كبير﴾ أي لستم اليوم إلا في عذاب عظيم وقيل معناه قلنا للرسل ما أنتم إلا في ضلال أي ذهاب عن الصواب كبير في قولكم أنزل الله علينا كتابا ﴿وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل﴾ من النذر ما جاءونا به ودعونا إليه وعملنا بذلك ﴿ما كنا في أصحاب السعير﴾ وقال الزجاج لو كنا نسمع سمع من يعي ويفكر ونعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار وفي الحديث عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الرجل ليكون من أهل الجهاد ومن أهل الصلاة والصيام وممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وما يجزي يوم القيامة إلا على قدر عقله وعن أنس بن مالك قال أثنى قوم على رجل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف عقل الرجل قالوا يا رسول الله نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم ثم قال سبحانه ﴿فاعترفوا بذنبهم﴾ في ذلك الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإقرار والاعتراف والإقرار مشتق من قر الشيء يقر قرارا إذا ثبت والاعتراف مأخوذ من المعرفة والذنب مصدر لا يثنى ولا يجمع ومتى جمع فلاختلاف جنسه ﴿فسحقا لأصحاب السعير﴾ هذا دعاء عليهم أي أسحقهم الله وأبعدهم من النجاة سحقا وإذا قيل ما وجه اعترافهم بالذنب مع ما عليهم من الفضيحة به فالجواب أنهم قد علموا حصولهم على الفضيحة اعترفوا أم لم يعترفوا فليس يدعوهم إلى أحد الأمرين إلا مثل ما يدعوهم إلى الآخر في أنه لا فرج فيه فاستوى الأمران عليهم الاعتراف وترك الاعتراف والجزع وترك الجزع.