الآيات 1-10

سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴿1﴾ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴿2﴾ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ﴿3﴾ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴿4﴾ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴿5﴾ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ﴿6﴾ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴿7﴾ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ ﴿8﴾ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ﴿9﴾ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴿10﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر سأل بغير همز والباقون بالهمز وقرأ الكسائي يعرج بالياء وقرأ الباقون بالتاء وقرأ ابن كثير في رواية البزي وعاصم في رواية البرجمي عن أبي بكر ولا يسأل بضم الياء والباقون ﴿لا يسأل﴾ بفتح الياء.

الحجة:

قال أبو علي من قرأ سأل جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين مثل قال وخاف وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول هما يتساولان فمن قال سأل كان على هذه اللغة ومن قرأ ﴿سأل﴾ فجعل الهمزة عين الفعل فإن حقق قال سأل وإن خفف جعلها بين الألف والهمزة وأما قول الشاعر:

سألت هذيل رسول الله فاحشة

ضلت هذيل بما قالت ولم تصب

ويمكن فيه الوجهان وكل القراء على همز سائل لأنه لا يخلو إما أن يكون من يتساولان أو من اللغة الأخرى فإن كان من الأول لم يكن فيه إلا الهمز كما يكون في قائل وخائف لأن العين إذا اعتلت بالفعل اعتلت في اسم الفاعل واعتلالها لا يكون بالحذف للالتباس فقلب إلى الهمزة وإن كانت في لغة من همز فليس فيه إلا الهمز كما يكون في ثائر إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين وكذلك في الوجه الآخر وأما يعرج و﴿تعرج﴾ فالياء والتاء فيه حسنتان ومن ضم قوله ولا يسئل حميم حميما فالمعنى والله أعلم لا يسئل حميم عن حميمه ليعرف شأنه من جهته كما يتعرف الخبر الصديق من جهة صديقه والقريب عن قريبه فإذا كان كذلك فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل قلت سألت زيدا عن حميمه وإذا بنيت الفعل للمفعول به قلت سئل زيد عن حميمه وقد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجرورا قبل حذف الجار فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به فعلى هذا انتصب قوله ﴿حميما﴾ ويدل على هذا المعنى قوله يبصرونهم أي يبصر الحميم الحميم تقول بصرت به فإذا ضعفت عين الفعل صار الفاعل مفعولا فتقول بصرني زيد بكذا فإذا حذفت الجار قلت بصرني زيد كذا فإذا بنيت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار قلب بصرت زيدا فعلى هذا قوله يبصرونهم فإذا بصروهم لم يحتج إلى تعرف شأن الحميم من حميمه وإنما جمع فقيل يبصروهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ فالمراد به الكثرة والجمع يدلك على ذلك قوله فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ومن قرأ ﴿ولا يسأل حميم حميما﴾ فالمعنى لا يسأل الحميم عن حميمه في ذلك اليوم لأنه يذهل عن ذلك ويشغل عنه بشأنه كما قال يوم يفر المرء من أخيه إلى قوله لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه.

اللغة:

المعارج مواضع العروج وهو الصعود مرتبة بعد مرتبة ومنه الأعرج لارتفاع إحدى رجليه عن الأخرى قال الزجاج المهل دردي الزيت وقيل هو الجاري بغلظة وعكزه على رفق من أمهله إمهالا والعهن الصوف المنقوش والحميم القريب النسب إلى صاحبه وأصله من القرب قال:

أحم الله ذلك من لقاء

أحاد أحاد في الشهر الحلال

الإعراب:

بعذاب الباء تتعلق بسال لأن معناه دعا داع بعذاب وقيل إن الباء بمعنى عن وتقديره عن عذاب قال:

دع المعمر لا تسأل بمصرعه

وأسأل بمصقلة البكري ما فعلا

يريد عن مصرعه وعن مصقله واللام في قوله ﴿للكافرين﴾ بمعنى على ويتعلق بواقع أي واقع على الكافرين وقيل إنه يتعلق بمحذوف فيكون صفة لسائل تقديره سأل سائل كائن للكافرين أي منهم.

المعنى:

﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾ قيل إن هذا السائل هو الذي قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية وهو النضر بن الحارث بن كلدة فيكون المعنى دعا داع على نفسه بعذاب واقع مستعجلا له وهو واقع بهم لا محالة عن مجاهد وقيل سأل المشركون فقالوا لمن هذا العذاب الذي تذكر يا محمد فجاء جوابه بأنه ﴿للكافرين ليس له دافع﴾ عن الحسن وقيل معناه دعا داع بعذاب على الكافرين وذلك الداعي هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الجبائي وتكون الباء في بعذاب مزيدة على التوكيد كما في قوله وهزي إليك بجذع النخلة والتقدير سأل سائل عذابا واقعا وقيل هي بمعنى عن وعليه تأويل قول الحسن لأنهم سألوا عن العذاب لمن هو وقيل الباء للتعدي أي بإنزال عذاب وعليه تأويل قول مجاهد وقيل إن معنى سأل سائل على قراءة من قرأ بالألف من سال يسيل سيلا والتقدير سال سيل سائل بعذاب واقع وقيل سائل اسم واد في جهنم سمي به لأنه يسيل بالعذاب عن ابن زيد وأخبرنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثنا محمد بن سهل قال حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال لما نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم وقال من كنت مولاه فعلي مولاه طار ذلك في البلاد فقدم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النعمان بن الحرث الفهري فقال أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو أمر من عند الله فقال والله الذي لا إله إلا هو أن هذا من الله فولى النعمان بن الحرث وهو يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله وأنزل الله تعالى ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾ وقوله ﴿ليس له دافع من الله ذي المعارج﴾ أي ليس لعذاب الله دافع من الله وقيل معناه بعذاب للكافرين واقع من الله أي وقوعه من الله وذي المعارج صفة الله سبحانه وقيل فيه وجوه (أحدها) أن معناه ذي الفواضل العالية والدرجات التي يعطيها للأنبياء والأولياء في الجنة لأنه يعطيهم المنازل الرفيعة والدرجات العلية وهو معنى قول قتادة والجبائي (وثانيها) أنها معارج السماء أي مواضع عروج الملائكة عن ابن عباس ومجاهد وقال الكلبي معناه ذي السماوات لأن الملائكة تعرج فيها (وثالثها) أنه بمعنى ذي الملائكة أي مالك الملائكة التي تعرج إلى السماء ومنه ليلة المعراج لأنه عرج بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء فيها ﴿تعرج الملائكة والروح﴾ أي تصعد الملائكة ويصعد الروح أيضا معهم وهو جبرائيل خصه بالذكر من بين الملائكة تشريفا له ﴿إليه﴾ أي إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم جعل سبحانه عروجهم إلى ذلك الموضع عروجا إليه كقول إبراهيم (عليه السلام) إني ذاهب إلى ربي إلى الموضع الذي وعدني ربي ﴿في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة﴾ اختلف في معناه فقيل تعرج الملائكة إلى الموضع الذي يأمرهم الله به في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة وذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السماوات السبع وقوله في سورة السجدة في يوم كان مقداره ألف سنة هو لما بين السماء الدنيا والأرض في الصعود والنزول خمسمائة سنة في الصعود وخمسمائة سنة في النزول عن مجاهد والمراد أن الآدميين لو احتاجوا إلى قطع هذا المقدار الذي قطعته الملائكة في يوم واحد لقطعوه في هذه المدة وقيل أنه يعني يوم القيامة وأنه يفعل فيه من الأمور ويقضي فيه من الأحكام بين العباد ما لو فعل في الدنيا لكان مقداره خمسين ألف سنة عن الجبائي وهو معنى قول قتادة وعكرمة وروى أبو سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفس محمد بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا والله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة وعنه أيضا قال لا ينتصف ذلك اليوم حتى يقبل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وقيل معناه أن أول نزول الملائكة في الدنيا وأمره ونهيه وقضائه بين الخلائق إلى آخر عروجهم إلى السماء وهو القيامة هذه المدة فيكون مقدار الدنيا خمسين ألف سنة لا يدري كم مضى وكم بقي وإنما يعلمه الله عز وجل وقال الزجاج يجوز أن يكون قوله ﴿في يوم﴾ من صلة واقع فيكون المعنى سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وذلك العذاب يقع يوم القيامة ﴿فاصبر﴾ يا محمد على تكذيبهم إياك ﴿صبرا جميلا﴾ لا جزع فيه ولا شكوى على ما تقاسيه ﴿إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا﴾ أخبر سبحانه أنه يعلم مجيء يوم القيامة وحلول العقاب بالكفار قريبا ويظنه الكفار بعيدا لأنهم لا يعتقدون صحته وكل ما هو آت فهو قريب دان فالرؤية الأولى بمعنى الظن والثانية بمعنى العلم ثم أخبر سبحانه أنه متى يقع العذاب بهم فقال ﴿يوم تكون السماء كالمهل﴾ أي كدردي الزيت عن ابن عباس وقيل كعكر القطران عن عطاء وقيل مثل الفضة إذا أذيبت عن الحسن وقيل مثل الصفر المذاب عن أبي مسلم ﴿وتكون الجبال كالعهن﴾ أي كالصوف المصبوغ وقيل كالصوف المنفوش عن مقاتل وقيل كالصوف الأحمر عن الحسن يعني إنها تلين بعد الشدة وتتفرق بعد الاجتماع قال الحسن إنها أولا تصير كئيبا مهيلا ثم تصير عهنا منفوشا ثم هباء منثورا ﴿ولا يسأل حميم حميما﴾ لشغل كل إنسان بنفسه عن غيره عن مجاهد وقيل لا يسأل حميم حميما أن يتحمل عنه من أوزاره ليأسه منه ذلك في الآخرة عن الحسن وقال الأخفش الحميم من يخصه الرجل مودة وشفقة من قريب الرحم وبعيدة والحامة الخاصة وقيل معناه أنه لا يحتاج إلى سؤاله لأنه يكون لكل علامة يعرف بها فعلامة الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون وعلامة المؤمنين نضارة اللون وبياض الوجوه.