الآيات 111-118

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿111﴾ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿112﴾ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ﴿113﴾ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿114﴾ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴿115﴾ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴿116﴾ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴿117﴾ وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴿118﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي إنهم بكسر الألف وقل كم لبثتم وقل إن لبثتم على الأمر وقرأ ابن كثير ﴿قال كم لبثتم﴾ فقط وقرأ الباقون ﴿أنهم﴾ بفتح الألف و﴿قال﴾ في الموضعين وقرأ أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب لا ترجعون بفتح التاء والباقون بضم التاء وفتح الجيم.

الحجة:

قال أبو علي من فتح أن فالمعنى لأنهم هم الفائزون ويجوز أن يكون إنهم في موضع المفعول الثاني لأن جزيت يتعدى إلى مفعولين قال سبحانه وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا وتقديره جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز وفاز الرجل إذا نال ما أراد وقالوا فوز الرجل إذا مات ويشبه أن يكون ذلك على التفاؤل له أي صار إلى ما أحب والمفازة المهلكة على وجه التفاؤل أيضا ومن كسر إن استأنف فقطعه عما قبله ومثله لبيك إن الحمد والنعمة لك وإن الحمد بالكسر والفتح ومن قرأ قل كم لبثتم كان على قل أيها السائل عن لبثهم وقال على الإخبار عنه وزعموا أن في مصاحف أهل الكوفة قل في الموضعين وحجة من قال ترجعون إنا إليه راجعون وقد تقدم ذكر هذا النحو.

الإعراب:

﴿كم لبثتم﴾ كم في محل النصب لأنه ظرف زمان والعامل فيه لبث و﴿عدد﴾ منصوب على التمييز والعامل فيه كم ولا يمنع كم من العمل الفصل الكثير لأن كم الخبرية تجر المميز فإذا فصل بينها وبين معمولها نصبت كالاستفهامية فلأن تنصب الاستفهامية مع الفصل أولى وقليلا صفة مصدر محذوف تقديره إن لبثتم إلا قليلا عبثا ويجوز أن يكون مصدرا وضع موضع الحال وتقديره أ فحسبتم إنما خلقناكم عابثين ويجوز أن يكون مفعولا له أي للعبث ﴿لا إله إلا هو﴾ في موضع النصب على الحال على تقدير فتعالى الله عديم المثل والأولى أن يكون جملة مستأنفة.

و﴿رب العرش﴾ خبر مبتدإ محذوف فهي جملة أخرى مستأنفة بدلالة حسن الوقف على المواضع الثلاثة على ﴿الحق﴾ وعلى ﴿هو﴾ وعلى ﴿الكريم﴾ ﴿لا برهان له﴾ به جملة منصوبة الموضع بأنه صفة لقوله ﴿إلها﴾ فهي صفة بعد صفة.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن المؤمنين الذين سخر الكافرون منهم في دار الدنيا فقال ﴿إني جزيتهم اليوم بما صبروا﴾ أي بصبرهم على أذاكم وسخريتكم واستهزائكم بهم ﴿إنهم هم الفائزون﴾ أي الظافرون بما أرادوا الناجون في الآخرة والمراد بقوله ﴿اليوم﴾ أيام الجزاء لا يوم بعينه ﴿قال﴾ أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث وهو سؤال توبيخ وتبكيت لمنكري البعث ﴿كم لبثتم في الأرض﴾ أي القبور ﴿عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم﴾ لأنهم لم يشعروا بطول لبثهم ومكثهم لكونهم أمواتا وقيل إنه سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم استقلوا حياتهم في الدنيا لطول لبثهم ومكثهم في النار عن الحسن قال ولم يكن ذلك كذبا منهم لأنهم أخبروا بما عندهم وقيل إن المراد به يوما أو بعض يوم من أيام الآخرة قال ابن عباس أنساهم الله قدر لبثهم فيرون أنهم لم يلبثوا إلا يوما أو بعض يوم لعظم ما هم بصدده من العذاب ﴿فسئل العادين﴾ يعني الملائكة لأنهم يحصون أعمال العباد عن مجاهد وقيل يعني الحساب لأنهم يعدون الشهور والسنين عن قتادة ﴿قال﴾ الله تعالى ﴿إن لبثتم﴾ أي ما مكثتم ﴿إلا قليلا﴾ لأن مكثهم في الدنيا أو في القبور وإن طال فإنه متناه قليل بالإضافة إلى طول مكثهم في عذاب جهنم ﴿لو أنكم كنتم تعلمون﴾ صحة ما أخبرناكم به وقيل معناه لو كنتم تعلمون قصر أعماركم في الدنيا وطول مكثكم في الآخرة في العذاب لما اشتغلتم بالكفر والمعاصي وآثرتم الفاني على الباقي ثم قال سبحانه لهم ﴿أفحسبتم﴾ معاشر الجاحدين للبعث والنشور الظانين دوام الدنيا ﴿أنما خلقناكم عبثا﴾ أي لعبا وباطلا لا لغرض وحكمة ومثله أ يحسب الإنسان أن يترك سدى والمعنى أفظننتم أنا خلقناكم لتفعلوا ما تريدون ثم إنكم لا تحشرون ولا تسألون عما كنتم تعملون هذا عبث فإن من خلق الأشياء لا لينتفع به نفسه أو غيره كان عابثا والله سبحانه غني لا يلحقه منفعة فلا بد من أن يكون خلق الخلق لينفعهم ويعرضهم للثواب بأن يتعبدهم وإذا تعبدهم فلا بد من الفرق بين المطيع والعاصي وذلك إنما يكون بعد البعث ﴿وأنكم إلينا لا ترجعون﴾ أي وحسبتم أنكم لا ترجعون إلى حكمنا والموضع الذي لا يملك الحكم فيه غيرنا ﴿فتعالى الله الملك الحق﴾ أي تعالى عما يصفه به الجهال من الشريك والولد وقيل معناه تعالى الله من أن يفعل شيئا عبثا والملك الحق الذي يحق له الملك بأنه ملك غير مملوك وكل ملك غيره فملكه مستعار ولأنه يملك جميع الأشياء من جميع الوجوه وكل ملك سواه يملك بعض الأشياء من بعض الوجوه والحق هو الشيء الذي من اعتقد كان على ما اعتقده فالله هو الحق لأن من اعتقد أنه ﴿لا إله إلا هو﴾ فقد اعتقد الشيء على ما هو به ﴿رب العرش الكريم﴾ أي خالق السرير الحسن والكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن وقيل الكريم الكثير الخير وصف العرش به لكثرة ما فيه من الخير لمن حوله ولإتيان الخير من جهته وخص العرش بالذكر مع كونه سبحانه رب كل شيء تشريفا وتعظيما كقوله رب هذا البيت ﴿ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به﴾ أي لا حجة له فيما يدعيه يعني أن من صفته أنه لا حجة له به ﴿فإنما حسابه عند ربه﴾ معناه فإنما معرفة مقدار ما يستحقه من الجزاء عند ربه فيجازيه على قدر ما يستحقه وقيل معناه فإنما مكافاته عند الله تعالى والمكافاة والمحاسبة بمعنى ﴿أنه لا يفلح الكافرون﴾ أي لا يظفر ولا يسعد الجاحدون لنعم الله والمنكرون لتوحيده والدافعون للبعث والنشور ولما حكى سبحانه أقوال الكفار أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتبري منهم والانقطاع إليه سبحانه فقال ﴿وقل﴾ يا محمد ﴿رب اغفر﴾ الذنوب ﴿وارحم﴾ وأنعم على خلقك ﴿وأنت خير الراحمين﴾ أي أفضل المنعمين وأكثرهم نعمة وأوسعهم فضلا.