الآيات 30-40
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿30﴾ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ﴿31﴾ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴿32﴾ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴿33﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴿34﴾ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿35﴾ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ ﴿36﴾ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ ﴿37﴾ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿38﴾ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿39﴾ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴿40﴾
اللغة:
الصافنات جمع الصافنة من الخيل وهي التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر يقال صفنت الخيل تصفن صفونا إذا وقفت كذلك قال الشاعر:
ألف الصفون فلا يزال كأنه
مما يقوم على الثلاث كسيرا
والجياد جمع جواد والياء هاهنا منقلبة عن واو والأصل جواد وهي السراع من الخيل كأنها تجود بالركض وقيل هو جمع جود فيكون مثل سوط وسياط والكرسي السرير وأصله من التكرس وهو الاجتماع ومنه الكراسة لاجتماعها والرخاء الريح اللينة وهي من رخاوة المرور وسهولته والأصفاد جمع صفد وهو الغل ومنه يقال للعطاء صفد لأنه يرتبط بشكره كما قيل:
ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا
الإعراب:
﴿حب الخير﴾ نصب على أنه مفعول به والتقدير اخترت حب الخير وعن في قوله ﴿عن ذكر ربي﴾ بمعنى على وعلى هذا فيكون أحببت بمعنى استحببت مثل ما في قوله الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة أي يؤثرونها وقال أبو علي أحببت بمعنى قعدت ولزمت من قولهم أحب البعير إذا برك وقوله ﴿حب الخير﴾ مفعول له أي لزمت الأرض لحب الخير معرضا عن ذكر ربي فعن في موضع نصب على الحال وذكر مصدر مضاف إلى المفعول ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي عما ذكرني ربي حيث أمرني في التوراة بإقامة الصلاة ﴿توارت بالحجاب﴾ أي توارت الشمس ولم يجر لها ذكر لأنه شيء قد عرف كقوله سبحانه إنا أنزلناه يعني القرآن ولم يجر له ذكر وقوله كل من عليها فان يعني الأرض قال الزجاج في الآية دليل يدل على الشمس وهو قوله ﴿إذا عرض عليه﴾ فهو في معنى عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب قال وليس يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر أو دليل بمنزلة الذكر وقوله ﴿مسحا﴾ مصدر فعل محذوف وهو خبر طفق التقدير فطفق يمسح مسحا وقوله ﴿رخاء﴾ منصوب على الحال والعامل فيه تجري فهو حال من حال لأن تجري في محل نصب بكونه حالا و﴿كل بناء﴾ بدل من الشياطين بدل البعض من الكل وقوله ﴿بغير حساب﴾ في موضع نصب على الحال تقديره غير محاسب.
المعنى:
ثم عطف سبحانه على قصة داود (عليه السلام) حديث سليمان فقال ﴿ووهبنا لداود سليمان﴾ أي وهبناه له ولدا ﴿نعم العبد﴾ أي نعم العبد سليمان ﴿إنه أواب﴾ أي رجاع إلى الله تعالى في أمور دينه ابتغاء مرضاته ﴿إذ عرض عليه﴾ يجوز أن يتعلق إذ بنعم العبد أي نعم العبد هو حين عرض عليه ويجوز أن يتعلق باذكر يا محمد المحذوف لدلالة الكلام عليه ﴿بالعشي﴾ أي في آخر النهار بعد زوال الشمس ﴿الصافنات﴾ الخيل الواقفة على ثلاث قوائم الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض ﴿الجياد﴾ السريعة المشي الواسعة الخطو قال مقاتل أنه ورث من أبيه ألف فرس وكان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة وقال الكلبي غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقال الحسن كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة وكان سليمان قد صلى الصلاة الأولى وقعد على كرسيه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس ﴿فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي﴾ والمراد بالخير الخيل هنا فإن العرب تسمي الخيل الخير عن قتادة والسدي فالمعنى آثرت حب الخيل من ذكر ربي أي على ذكر ربي قال الفراء كل من أحب شيئا فقد آثره وفي قراءة ابن مسعود حب الخيل وسمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زيد الخيل زيد الخير وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة وقيل معناه حب المال عن سعيد بن جبير والخيل مال والخير بمعنى المال كثير في التنزيل وقيل إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى فأت وقتها عن علي (عليه السلام) وقتادة والسدي وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت وقال الجبائي لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل وقيل إن ذكر ربي كناية عن كتاب الله التوراة فالمعنى إني أحببت الخيل عن كتاب الله وكما أن ارتباط الخيل ممدوح في كتابنا كذلك كان في كتابهم عن أبي مسلم ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ أي غربت الشمس عن ابن مسعود وجماعة من المفسرين وجاز وإن لم يجر للشمس ذكر كما قال لبيد:
حتى إذا ألقت يدا في كافر
وأجن عورات الثغور ظلامها
وقيل الضمير للخيل يعني حتى توارت الخيل بالحجاب بمعنى أنها شغلت فكره إلى تلك الحال وهي غيبوبتها عن بصره وذلك بأنه أمر بإجراء الخيل فأجريت حتى غابت عن بصره عن أبي مسلم وعلي بن عيسى ﴿ردوها علي﴾ أي قال لأصحابه ردوا الخيل علي عن أكثر المفسرين وقيل معناه أنه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه فردها عليه حتى صلى العصر فالهاء في ردوها كناية عن الشمس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ﴿فطفق مسحا بالسوق والأعناق﴾ قيل فيه وجوه (أحدها) أن المسح هاهنا القطع والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته عن الحسن ومقاتل.
وقال أبو عبيدة تقول العرب مسح علاوته أي ضرب عنقه وقيل إنه إنما فعل ذلك لأنها كانت أعز ماله فتقرب إلى الله تعالى بأن ذبحها ليتصدق بلحومها ويشهد بصحته قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (وثانيها) أن معناه فجعل يمسح أعراف خيله وعراقيبها بيده حبا لها عن ابن عباس والزهري وابن كيسان قال ابن عباس سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية فقال ما بلغك فيها يا ابن عباس قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فأتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الأفراس كانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي (عليه السلام) كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون (وثالثها) أنه مسح أعناقها وسوقها وجعلها مسبلة في سبيل الله تعالى وقيل لتغلب إن قطربا يقول مسحها وبارك عليها فأنكر ذلك وقال القول ما قال الفراء إنه ضرب أعناقها وسوقها ثم قال سبحانه ﴿ولقد فتنا سليمان﴾ أي اختبرناه وابتليناه وشددنا المحنة عليه ﴿وألقينا على كرسيه جسدا﴾ أي وطرحنا عليه جسدا والجسد الذي لا روح فيه ثم أناب سليمان واختلف العلماء في زلته وفتنته والجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال منها أن سليمان قال يوما في مجلسه لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ثم قال فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا الجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ثم أناب إلى الله تعالى وفزع إلى الصلاة والدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه وهذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة ولا كبيرة لأنه وإن لم يستثن ذلك لفظا فلا بد من أن يكون قد استثناه ضميرا واعتقادا إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن من أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ما هو مندوب إليه ومنها ما روي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق منهم عليه فاسترضعه في المزن وهو السحاب فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر فإنما عوتب على خوفه من الشياطين عن الشعبي وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومنها أنه ولد له ولد ميت جسد بلا روح فألقي على سريره عن الجبائي ومنها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به وتقدير الكلام وألقينا منه على كرسيه جسدا لشدة المرض فيكون جسدا منصوبا على الحال والعرب تقول في الإنسان إذا كان ضعيفا هو جسد بلا روح ولحم على وضم ﴿ثم أناب﴾ أي رجع إلى حال الصحة عن أبي مسلم واستشهد على ذلك بقوله تعالى ومنهم من يستمع إليك إلى قوله يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ولو أتى بالكلام على شرحه لقال يقول الذين كفروا منهم أي من المجادلين كما قال سبحانه محمد رسول الله إلى قوله وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ومثله قول الأعشى:
وكان السموط علقها السلك
بعطفي جيداء أم غزال
ولو أتى بالشرح لقال علقها السلك منها وقال كعب بن زهير:
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف
عند اللقاء ولا ميل معازيل
ولو أتى بالشرح لقال فما زال منهم أنكاس وأما ما ذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه وكان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه وأقام أربعين يوما في ملكه وسليمان هارب وعن مجاهد أن شيطانا اسمه آصف قال له سليمان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك بذلك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن وكان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأة يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله عليه ملكه وعن السدي أن اسم ذلك الشيطان حيقيق وما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره بأن لا يتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم وقيل بل السبب فيه أنه وطىء امرأة في حال الحيض فسال منه الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء إبليس الشيطان وأخذه وقيل تزوج امرأة مشركة ولم يستطع أن يكرهها على الإسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان والخاتم أربعين يوما وقيل احتجب ثلاثة أيام ولم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع ذلك مما لا يعول عليه لأن النبوة لا تكون في خاتم ولا يجوز أن يسلبها الله النبي ولا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي والقعود على سريره والحكم بين عباده وبالله التوفيق ثم حكى سبحانه دعاء سليمان حين أناب إلى الله تعالى بقوله ﴿قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب﴾ يسأل عن هذا فيقال إن هذا القول من سليمان يقتضي الضن والمنافسة لأنه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه وأجيب عنه بأجوبة (أحدها) أن الأنبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته وجائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين وأعلمه أنه لا صلح لغيره في ذلك ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان ذلك منه حسنا جائزا ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن واختاره الجبائي (وثانيها) أنه يجوز أن يكون التمس من الله تعالى آية لنبوته يبين بها من غيره وأراد لا ينبغي لأحد غيري ممن أنا مبعوث إليه ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين كما يقال إنا لا أطيع أحدا بعدك أي لا أطيع أحدا سواك (وثالثها) ما قاله المرتضى قدس الله روحه إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة ويكون معنى قوله ﴿لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصلح أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف (ورابعها) أنه التمس معجزة تختص به كما أن موسى يختص بالعصا واليد البيضاء واختص صالح بالناقة ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمعراج والقرآن ويدل عليه ما روي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه صلى صلاة فقال إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فدفعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان ﴿رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ فرده الله خاسئا أورده البخاري ومسلم في الصحيحين ثم بين سبحانه أنه أجاب دعاه بقوله ﴿فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء﴾ أي لينة سهلة عن ابن زيد وقيل طيبة سريعة عن قتادة وقيل مطيعة تجري إلى حيث يشاء عن ابن عباس ﴿حيث أصاب﴾ أي حيث أراد سليمان من النواحي عن أكثر المفسرين وحقيقته حيث قصد والمعنى أنه ينطاع له كيف أراد قال الحسن كان يغدو من إيليا ويقيل بقزوين ويبيت بكابل سؤال كيف وصف سبحانه الريح بالعاصف في قوله ولسليمان الريح عاصفة ووصفها هنا بخلافه جوابه يجوز أن يكون الله سبحانه جعلها عاصفة تارة ورخاء أخرى بحسب ما أراد سليمان (عليه السلام) ﴿والشياطين﴾ أي وسخرنا له الشياطين أيضا ﴿كل بناء﴾ في البر يبني له ما أراد من الأبنية الرفيعة ﴿وغواص﴾ في البحر على اللآلىء والجواهر فيستخرج له ما يشاء منها ﴿وآخرين مقرنين في الأصفاد﴾ أي وسخرنا له آخرين من الشياطين مشدودين في الأغلال والسلاسل من الحديد وكان يجمع بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم وقيل إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ﴿هذا عطاؤنا﴾ أي هذا الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك عطاؤنا ﴿فامنن أو أمسك﴾ أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت والمن الإحسان إلى من لا يستثيبه ﴿بغير حساب﴾ أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع فيكون أهنأ لك عن قتادة والضحاك وسعيد بن جبير وقيل معناه بغير جزاء أي أعطيناكه تفضلا لا مجازاة عن الزجاج وقيل إن المعنى فأنعم على من شئت من الشياطين بإطلاقه أو أمسك من شئت منهم في وثاقه وصرفة في عمله من غير حرج عليك فيما تفعله ﴿وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب﴾ معناه وإن لسليمان عندنا لقربى وحسن مرجع في الآخرة وهذا من أعظم النعم إذ هي النعمة الباقية الدائمة.